قناديل جائزة حمدان للتصوير ( هبا ) تضيء الزمان والمكان فوق ضفاف نهرالسين.. في باريس .. بمعرض للفنان (( رضا ديغاتي)) .. تحت عنوان “حلم الإنسانية” الذي يتحدث عن المآسي الإنسانية للاجئيين عامة والسوريين خاصة ..
– بقلم الصحفي والمصور : فريد ظفور
مدخل :
لعمري كانت جائزة حمدان للتصوير الضوئي سباقة كعادتها في تصديها لمعاناة الفقراء والمعذبين في الأرض ولمعاناة اللاجئين والمشردين ( في شتى بلدان أصقاع المعمورة ) .. فقد سبق لها وإستضافت مصور جهبذ من عمالقة التصوير الصحفي الفنان العالمي “رضا ديغاتي” في شهر آذار للعام 2015م ..أثناء حفل توزيعها لجوائز دورتها الرابعة ( الحياة ألوان ) ..وكان لي الشرف (( مع عدد من أشهر المصورين والإعلاميين العالميين والعرب )) ..في حضور تلك الندوة التي أدارها وساهم في إنجاحها الأستاذ علي بن ثالث المرافق للفنان رضا الذي أتحفنا بحديثة الشيق وشرحه المسهب عن حكايا وقصص صوره عن الحروب والدمار وماذا تخلف وراءها من معاناة ومرارة ومرض وجوع وتشرد ..بدءاً من أفغانستان والعراق والسودان والصومال وليبيا واليمن .. إلى فلسطين ومن ثم إلى لبنان حيث اللاجئين السورين ..وقصة تعليم 500 طفل وطفلة سورية لاجئة.. التصوير ليوثقوا للعالم مأساتهم ومعاناتهم ..وحدثنا عن الطفلة السورية التي إستعارت كاميرته وتأخرت في اليوم الثاني وكانت المفاجأة بالصورة التي احضرتها بالرغم من أنها كانت خارج خيمة تعليم التصوير ولا تعرف شيئاً عن إستعمال الكاميرا..
وهاهي الجائزة تسلط الضوء على مآسي الإنسانية وويلات الحروب ونتائجها المذرية والمؤسفة والمدمرة للحجر والبشر..
تطرح الجائزة فكرة ربما تكون طوباوية بعض الشيء حول إقامة معرض كوني يضم عموم أعمال المصورين العالميين ..فكرة مثالية ورائعة وسط عالم يعاني إختلال الموازين وسيادة القوة والرؤية غير عادلة للصراعات الدولية ..ولكن من ناحية أخرى تبدو شديدة الواقعية ..فالتطورات التكنلوجية التي حولت العالم إلى قرية صغيرة ..حولت مشاكلنا الصغيرة إلى قضايا كبيرة ..فقد تجاوزت مشاكل العالم الحدود .والإختلال في مكان يؤثر بالآخر كما الآواني المستطرقة..
أما رحلة الجائزة مع معرض للمصور العالمي “رضا ديغاتي” ) ( صور لاجئي العالم على ضفاف “السين” في معرض “حلم الإنسانية” فقد بدأت أسرارها تتكشف أمامنا رويداً رويداً ..ولعل نتائج ماأحدثته من ردود أفعال على وضع ومأساة اللاجيين في العالم ولاسيما السوريين ..جعلت الصحافة وصناع الرأي يقفون عاجزين أمام صرخات مئات الصور في باريس حيث بدأت عدوى وحمى الإنتشار كما النار في الهشيم ..وبدأت تكبر جماهيرية الصورة كما كرة الثلج ..حتى أصبحنا نستيقظ كل صباح على قصة صورة لطفل غريق كما صورة إيلان الكردي أو لبائع الأقلام وغيرها الكثير التي إنتقلت إليها عدوى تسليط الضوء على ويلات الحرب ومآسي اللاجئيين الهاربين من براثن الموت والجوع ..
رغبة الإنسان في معرفة الماضي طبيعة بشرية تكاد ترتقي لمستوى الغريزة ..والإنسان والجماعات البشرية كلاهما ..الفاقد للذاكرة يحتاج للرعاية والعناية..والتاريخ مرتبط بالجماعة الإنسانية ..التي عندما تنسى ماضيها تصبح في أضعف حالاتها وتنعدم ثقتها بنفسها ويغشاها شعور بالدونية ..ويصبح سلوكها كما المهزوم من دون معركة..
إن أخطر ماتمخض عنه النصف الثاني من القرن العشرين هو حالة التخلف المزري التي تعانيه الأمة العربية ..التي رضيت حكوماتها بأن تقبع في الركن المظلم من العالم..
ولايظنن أحد أن هذه دعوة للإنكفاء على الذات أو الهروب إلى كهوف التاريخ ومغاور الماضي والتراث ..إنما هي دعوة للتأمل في تجربة (( جائزة حمدان للتصوير الضوئي )) الحضارية والإستئناس بها وبغيرها في صياغة الحاضر والمستقبل ..
وكذلك هي دعوة إلى الإحساس بالذات الضوئية المشتركة على أساس من التاريخ المشترك مع بلدان العالم..وإن الوعي بالذات وبالإبداع وبالقدرات الكامنة عند الكثير من المصورين ..تمثل أحد الروافد المهمة التي تصب في نهر القوة البصرية ..لأن كل عمل ضوئي لأي مصور يولد في الذهن ثم يترجم إلى أفعال على الأرض ( أي إلى صور )..وإشاعة الوعي بأثر الصورة ليس مقصوراً على المصورين ولكن يمكن تحقيقه بأعمال الدراما والسينما والتلفزيون ..ومن خلال المجلات والمواقع وصفحات الأنترنت ومواقع التواصل الإجتماعي..وهذا التفاعل الثقافي الفوتوغرافي هو أحد الروافد التي تصب في نهر القوة البصرية .. ونحن حقاً بحاجة إلى قراءة ضوئية لفلسفة الصورة ..فساحة البحث في مجال التصوير الضوئي تكاد تكون خالية تماماً كصحراء بلا نبت ..بالرغم من أثرها في سلوك الناس فإنه لايوجد وعي نقدي يرصد ظواهر مبدعينا العرب ..
في حوار الجائزة والعدسة :
منذ أعلن الأستاذ علي خليفة بن ثالث، الأمين العام لجائزة حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم الدولية للتصوير الضوئي، عن بدء إطلاق فكرة رائدة ومميزةولأول مرة تحدث ..عبرإقامة معرض تحت عنوان “حلم الإنسانية” من أعمال المصور الصحفي العالمي “رضا ديغاتي” على ضفاف نهر السين الشهير وسط ( عاصمة النور ) العاصمة الفرنسية باريس.. والتي ستمر عرضه أمام الزوار الباريسيين والأجانب والعرب.. طيلة مايقارب ثلاثة أشهر ..وأعمال رضا الضوئية التي جمعها من شتى أصقاع المعمورة راصداً الحروب والمهجرين والنازين والهاربين من ويلات الدمار والقتل .. وتلك الصور التي تجسد مأساة اللاجئين السوريين المتضررين من الأزمة السورية. وغيرهم من اللاجئين من دول العالم الهاربين من الحروب في بلدانهم..
وقد تحدث عن المعرض فخامة الأستاذ علي بن ثالث قائلاً : ارتأت إدارة الجائزة تنظيم هذا المشروع كجزء من الالتزام الإنسانيّ الذي تحمله الجائزة على عاتقها، وتحقيقاً لرسالة الصورة في نقل الحقيقة للعالم، خصوصاً تلك التي تتعلّق بمعاناة اللاجئين وخصوصاً القصص المؤلمة المتجدّدة للاجئين السوريين والتي تنتشر حول قارات العالم، حيث يجب أن يرى الجميع حقيقة هذه المعاناة التي تدمي القلوب، ويجب أن يمتلكوا الشجاعة للنظر في وجوه هؤلاء ليشعروا بالوجع الإنساني الذي طال بهم دونٍ حلولٍ ناجعة..
و المعرض لم يكن تقليدياً ..فلوحات المصور رضا .. الضوئية لاتتجاور سكنة على الجدران ولكن تتحاور فيما بينها ..تختصر مسافات الفراغ التي تفصلها ..لتكون معاً وحدة جدلية فتصبح شريط من اللون والحركة ..من الأبيض والأسود من تمازج الوان الطيف السبعة..من صور البورترية الذي يلخص حرباً والذي يكتب سفراً من أسفار العذاب الإنساني ..
كيف لا … والخبرة والتاريخ الطويل يقف وراء الفنان رضا..الذي إعتمد على فكرة بسيطة ومركبة ..وهو رصد الكاميرا للواقع المأساوي لويلات الحروب وللنازحين و للا جئين ..عن طريق نقل تفصيلات واقع معاناتهم وشقائهم….
الواقع الإنساني في التصوير الوثائقي :
هناك علاقة سوية وجميلة بين المصور رضا وكاميرته والشخصيات المختارة للتصوير والمواد الموثقة ..
ولاشك أن الصورة الضوئية قادرة على إثارة نقاش جدي بين المصور والمشاهد ..بين الجمهور بكافة أطيافه..لأنها قادرة على تحقيق شعبية متنامية ومتسارعة ..بسبب مافيها من جماليات فنية ومواضيعه الإنسانية عن اللاجئيين الجديرة بالمشاهدة والنقاش ..وتهنئة الجائزة بما أسهمت فيه ..لإعلاء الثقافة الضوئية من خلال مبدعيها ..والقائمن عليها ..إبتداءاً من راعيها الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم الدولية للتصوير الضوئي ..ومروراً بأمينها العام الأستاذ علي بن ثالث ..وبالأمين العام المساعد للجائزة الأستاذة : سحر الزارعي ..وأيضاً فريق عمل الجائزة الذين يقدمون جلى طاقاتهم وإمكاناتهم لرفع شأو وراية الجائزة لتكون خفاقة فوق ذرى ضفاف نهرالسين..في عاصمة النور باريس ..ربما تكون تلك دعوة لرفد الراهن الثقافي البصري بتيارات وأفكار وخبرات فكرية ومدارس ضوئية جديدة..لايكون عبورها إلا فوق جسر التواصل والتلاحق الفني الحضاري ..وهو دون شك جسر يصل بنا لأكثر من ضفة من ضفاف الثقافة البصرية ..لمحاولة محو أمية الصورة البصرية..لأن الحرية الفكرية التي يتمتع بها المصورين في الغرب ..دفع أسلافهم ثمنها باهظاً في عصر النهضة الأوروبية ..فقد خاضوا معركتين في آن واحد ..الأولى ضد الطبيعة لتصويرها وإكتشاف أسرارها وقوانيها ومكامن الجمال فيها..والثانية ضد السلطات اللاهوتية التي شهرت السيف في وجه تقنيات التصوير الحديثة ومصوريه..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ