معرض
صورة الطفل السوري.. لماذا صدمت العالم؟
يلتقي المصورون الصحافيون حول العالم في مهرجان «فيزا للصورة» الذي يقام حاليا في قصر المؤتمرات في مدينة بربينيون في فرنسا، ويستمر حتى 13 سبتمبر، في وقت لا تزال صورة الطفل السوري الغريق، ايلان الكردي، مثار اهتمام الصحف العالمية ووسائل التواصل الاجتماعي، الامر الذي أثار دهشة العديد من الناس، وعلى وجه الخصوص مصورون صحافيون يتركز مجال عملهم حول مسألة المهاجرين.
أجمع المصورون على أن صورة الطفل الغريق الملقاة جثته على الرمل، ليست صادمة ولا استثنائية. وبرر كل منهم على طريقته الهذيان الدائر في العالم حول هذه الصورة.
يعرض المصور جوليوبيشيتللي في هذا المهرجان صورا حول موضوع «الهجرة واوروبا-الحصينة»، جمعها على مدى اربع سنوات في اثني عشر بلدا. لا يخفي المصور دهشته وهو يتساءل «خلال الأسبوع الماضي شاهدت العديد من الصور لأجساد غرقى على الشاطئ في ليبيا، بينهم أطفال. لماذا هذه الصورة بالذات هي ما اثارت اهتمام العالم؟ في الواقع لا استطيع اعطاء اجابة قاطعة. في مطلق الاحوال إذا تمكنت صورة من ايقاظ الضمير العالمي وسط شراهة الصور المنتشرة حاليا، فهذا أمر جيد».
من جهته، يتساءل المصور أوليفييه جوبار، المعروف بباعه الطويل في العمل على موضوع الهجرة والمهاجرين «كانت جزيرة كوس اليونانية- وقد شهدت العديد من حوادث غرق قوارب تقل مهاجرين- محطة صيفية للعديد من المصورين، من دون ان يتمكنوا من تسجيل اختراق مهم او اثارة رد فعل احد عبر صورهم.. لعل سبب الفورة حول هذه الصورة ان الموضوع وصل الى ذروته ببساطة». هذا المصور كان منكبا منذ فترة طويلة على تجسيد قصص المهاجرين من خلال أفراد، كالأفغان الخمسة الذين رافقهم في ترحالهم لمدة أربعة أشهر، وقد اصبحوا اليوم موضوع كتاب أصدره جوبار ويروي فيه قصتهم على دروب المنفى من كابول الى باريس. ويقول في هذا الصدد «فكرتي كانت دائما اخراج الناس من الجماعات ومعاملتهم كأفراد. لعل هذا ما حققته ونجحت فيه تلك الصورة باظهارها الطفل الملقى على الرمل وحيدا، وليس في قارب يعج بالناس».
على الاغلب فإن ناشري الصور ورسامي الأيقونات هم من يدرك قوة الانفعال وحجم رمزية اي صورة. أوليفييه لوران، الذي يدير موقع لايت بوكس للتصوير التابع لمجلة تايم، اختار صورة ايلان الكردي في قائمة الصور الأكثر تأثيرا لهذا العام. برأيه ان «قوة هذه الصورة هي في شدة براءتها. يبدو الطفل كأنه يغط في نوم عميق، من دون أي عنف جلي. بالنسبة للأشخاص الذين يشاهدونها في منازلهم، سيتراءى لهم انه طفلهم الذي ينام في سريره».
محررة الصور في إحدى الوكالات العالمية كتبت تعليقا «أحسست بالصدمة لمجرد رؤيتي الصورة. أعتقد ان تأثيرها الى هذا الحد في أوروبا نابع من التماثل المفتوح على مداه: رأينا طفلاً يرتدي سروالا قصيرا، وحذاء صغيرا. ودعوني أقول بعيدا عن النفاق: رأينا بشرته صافية ونقية. هذا الطفل هو ببساطة «الأمير الصغير».
وترى رئيسة قسم الصور في صحيفة الاندبندت البريطانية صوفي باتربوري، التي نشرت الصورة، أنه «بقدر بساطتها، تقول هذه الصورة كماً من الاشياء. ليست هناك حاجة للشرح، ولا للأسطرة. لم يكن جسد هذا الطفل الصغير ملفوفا. كل شيء فيه طبيعي تقريبا، سوى أنه تقطعت به السبل على شاطئ مهجور من دون عائلته، فالقى رأسه على الرمال. هذا التناقض هو ما يخلق العاطفة النفاذة. بل ان اطار الصورة الذي يظهر رحابة الشاطئ يبيّن لنا الى أي حد كان ايلان فتياً وصغيراً ووحيدا».
في الساعات الأولى لانتشار هذه الصورة طُرح تساؤل عن جدوى وأهمية نشرها، لاسيما ان أن قلة من الصحف الفرنسية قررت نشرها على صفحتها الأولى باعتبارها صادمة جداً! جان فرانسوا لوروي، مدير مهرجان فيزا الصورة، والذي نشر الصورة خلال احد العروض مساء الأربعاء 2 سبتمبر بعد نقاش محتدم مع فريقه، لا يشك لحظة في قوة تأثيرها «الصورة ليست قاسية. وانما الواقع هو المروع. شاهدنا صورة أكثر عنفاً لجثث لاجئين تتعفن في شاحنة. آن الاوان لنتوقف عن اغماض عيوننا. هذا ما تفعله هذه الصورة بالضبط».
في بريطانيا، وضعت صحيفة الاندبندنت الصورة بالحجم الكبير على صفحتها الاولى، مترافقة مع تبرير خرافي «نشرها لم يأت نتيجة قرار متسرع»، تقول صوفي بارتبوري. «قوة الصورة فرضت علينا اعطاءها هذه المساحة. ليس ثمة نصف اجراء ممكن. هذا يتوافق أيضا مع شعورنا بأنه يجب علينا أن نفعل شيئا حيال هذه المأساة الإنسانية».
الحماس الشديد الذي قوبلت به هذه الصورة على مواقع التواصل الاجتماعي، أوقع نسبة كبيرة من المصورين في حيرة من أمرهم. «هل يمكن لصورة ان تسهم في تغيير آراء مستدامة وثابتة؟ صحف التابلويد الإنكليزية نفسها، التي تقيأت قبل ايام مقالات عن غزو المهاجرين لأوروبا، تنشر الآن هذه الصورة مراهنة على استدرار التعاطف السهل. لا أعرف ما إذا كانت هذه الصورة قادرة على ترك بصمة ما، ام ان هذا التأثير سيمر كنفخة في الهواء»، يقول اوليفييه جوبار.