«الصور التي «تغيّر العالم»… هل تغيّر العالم فعلاً؟». انطلاقاً من صورة الطفل السوري ايلان كردي (الأخبار 4/9/2015)، طرحت صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية هذه الإشكالية أول من أمس، لتضيء على أبرز الصور الفوتوغرافية الملتقطة التي أضحت أيقونات عالمية لسياقها اللحظوي والتاريخي، بخاصة تلك المتعلقة بصور أطفال اختصرت معاناتهم ومآسي بلادهم.
الصحافي فرنتز دورو جال على أهم هذه الصور التي التقطت لأطفال عاشوا في ظروف قاهرة ومؤلمة، ولا سيما في الحروب المدمّرة، برفقة مصورين محترفين وخبراء اجتماعيين بما أن مثل هذه الصور يرتجى منها إحداث تغيير اجتماعي سياسي لقوة عناصرها الرسائلية والسيميائية واختصارها للمعاناة الإنسانية. تصدرت المقال الصورة الشهيرة للأفغانية شربات غولا التي التقطها المصور الأميركي ستيف ماكوري عام 1984 في باكستان. تلك الصورة احتلت وقتها غلاف مجلة «ناشونال جيوغرافيك» لتجول بعدها كل أصقاع العالم كتحفة حيّة. وللإجابة عن الإشكالية المطروحة أعلاه، يعود بنا الصحافي الفرنسي تاريخياً إلى أحداث وصور طبعت المآسي الإنسانية، واستطاعت أن تحرك ركوداً سياسياً لفظاعتها. يذهب بنا إلى فييتنام، وتحديداً عام 1972 مع أشهر صورة التقطت للطفلة كيم فوك التي كانت تهرول عارية هرباً من قنابل نابالم المحرّمة دولياً. هذه الصورة التاريخية كانت محط جدل في الصحف العالمية حول نشرها من عدمه بسبب التحفظ على عريها. يستصرح المقال رأي المتخصص في التاريخ البصري الفرنسي اندريه غونثيرت عن أهمية هذه الصورة في وضع حد للحرب الأميركية على فييتنام وتحريكها الرأي العام الأميركي لإنهاء هذه الحرب الدموية. إلا أنّ الباحث يشير إلى أنّ «الصورة الأيقونية ترافق عادة تغييراً يحدث أصلاً»، بمعنى أنّه عندما نشرت هذه الصورة، كان الرأي العام الأميركي أصلاً يميل إلى وقف الحرب على الفيتنام.
عندما نتحدث عن الصور الأيقونية التي طبعت تاريخ العالم، لا بد من أن تستوقفنا أشهر صورة للمصور كيفن كارتر عام 1993 التي التقطها في السودان إبان المجاعة التي ضربت البلاد. كانت صورة طفلة هزيلة تتضور جوعاً وإلى جانبها نسر ينتظر الانقضاض عليها. هذه الصورة كانت علامة فارقة في تاريخ الفوتوغرافيا للحظويتها وقساوتها وأبعادها الإنسانية الصرفة.
نالت وقتها جائزة «بوليتزر» قبل أن يقرر مصورها إنهاء حياته عن عمر ناهز 33 عاماً. فضلاً عن إعادة استذكار هذه الصور ومعها اللحظات التاريخية التي سجلتها، يفرض سؤال جوهري تولى الكاتب طرحه عن التفاعل العارم مع صورة الطفل السوري الذي غرق بعدما هرب مع عائلته من الحرب السورية في مدينته كوباني ولقي حتفه مع أفراد عائلته باستثناء والده، لكن بقيت الصورة التي التقطت له وهو يتوسد الشاطىء التركي محط انتشار واسع في كل العالم. يسأل الكاتب هنا: لماذا هذا التفاعل الكبير مع هذه الصورة، مع أن العديد من المهاجرين قضوا على شاطئ المتوسط، ووصل عددهم إلى الآلاف؟ وأيضاً لماذا حصل هذا التفاعل رغم تدفق عدد لا يحصى من الصور الموثقة لفظاعة الحرب السورية الدائرة؟ يجيب بأن الضجة أثيرت مع صورة الطفل ايلان بسبب لحظويتها وسياقها، ولا سيما السياسي منه مع إعلان المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل استعداد بلادها لاستقبال اللاجئين السوريين مقابل موقف رافض من رئيس الوزراء البريطاني دايفيد كاميرون قبل أن يتراجع عن قراره أمس. هذه الصورة وغيرها من الصور التاريخية الإنسانية ومنها صورة الطفل الفلسطيني محمد الدّرة التي التقطتها كاميرا قناة «فرنس 2» عام 2000، يقول عنها اندريه غونثيرت إن أهميتها تكمن في «اللحظات المختارة لالتقاطها»، فهي قادرة على التعبير أكثر من الكتابة في الصحف قائلاً: «لتكون الصورة مقروءة أكثر، لا بد من أن يتقلص عدد الكلمات المرافقة لها». ومن خلال كلامه هذا، عاد إلى صورة ايلان كردي ليؤكد نظريته.
قال إنّه حتى لو لم ينشر سياق صورة الطفل وقصتها وسبب مقتل هذا الطفل الصغير، إلا أن العالم تفاعل معها من منطلق ربطه بـ»فشل السياسة الأوروبية حيال المهاجرين السوريين».