محيي الدين اللباد.. أسطى الكاريكاتير المصري
كتب – أحمد نبيل
عندما كان صغيرًا، كان يسكن بقرب جامع السلطان حسن، وكان الترام الذي يمر في الشارع الكبير –عندما يدور بجوار الجامع– يصدر صوتًا عظيمًا، وكان سائق الترام عنده أعظم وأهم رجل في العالم، لأنه يقود هذا الوحش العملاق المهيب، لذا ظلت أمنيته أن يصبح سائق ترام عندما يكبر، وكبر لكنه لم يتمكن من أن يكون سائق ترام، بل ولم يستطع حتى أن يتعلم قيادة السيارات، لكنه تعلم الرسم وأصبح مجرد رسام…
ومن الحكايات الظريفة التي يحكيها، ما لاحظه في فترة الانتخابات في الثمانينات «وما حملته الملصقات الانتخابية من رموز بصرية سخيفة اختارتها البيروقراطية للمرشحين تحايلا على مشكلة الأمية في بلادنا، حيث اكتشفت وزارة الداخلية حينها فجأة أنها بحاجة إلى 100 رمزًا بصريًا، حيث وصل عدد المرشحين الفرديين في بعض الدوائر إلى 94 مرشحًا للدائرة الواحدة، المهم كيف حلت وزارة الداخلية هذا المأزق؟
توجهت إلى المطابع الأميرية في إمبابة ليتعاونوا مع بعض المسؤولين في المطابع في اختيار الرموز البصرية المطلوبة، وكان مصدرهم هو: كتب الأطفال والعلوم، وبهذا امتلأت ملصقات ويافطات المرشحين برموز من شاكلة: كنكة، سلحفاة، شاكوش، جمجمة، ساطور، مفك، حدوة حصان (أو حمار).. إلخ، ما أدى إلى كثير من الشكاوى من التحيز وعدم الاحترام، إذ ثار المرشح الذي أعطوه رمز لمبة الجاز، بينما أعطوا لمنافسه رمز النجفة الكهربائية، أو بين من حمل رمز السلحفاة ومنافسه يحمل رمز القطار».
صانع الكتب، برنارد شو الكاريكاتير المصري، أبرز مصممي الأغلفة في العالم العربي، محيي الدين اللباد، الذي تمر ذكرى وفاته اليوم، اعتمد في تصميماته على استخدام عناصر فنية من التراث الشعبي العربي.
ظلت كتاباته ورسومه وتصميماته تشير بوضوح إلى قدرته على العمل دون أدنى شعور بالنقص أمام الفنان الغربي، وقد أثبتت الجوائز العديدة التي نالها في مهرجانات عالمية، فرادة مشروعه وتميزه علي الصعيد العالمي، إذ كانت كتابات اللباد عن “هوية الحرف العربي والعلامات البصرية العربية تنطلق من إحساس بالثقة أكثر من أي شيء آخر”، لذا ففي أول رحلة عمل إلى أوروبا أوائل السبعينيات، قال بسخرية: عشت وكأنني ارتدي عمامة صغيرة وبرنيطة في الوقت نفسه.
الدكتور علي الراعي، المفكر المسرحي، لم يتوقف عند وصفه رب الريشة والقلم، بل وشبه في كتابه «عن الكاريكاتير والأغاني والإذاعة» نظرة الفنان اللباد الثورية لفن الكاريكاتير بنظرة الأديب برنارد شو لفن الكوميديا في المسرح، إذ رأى اللباد ميلنا إلى تصوير الحمق والحمقى، ونسعى إلى عرض نوادرهم على الأنظار في مختلف أشكال التعبير: الرسـم، والمسـرح، والحكاية والكرتون، ويلاحظ أننا بهذا الاهتمام نرفع عن أنفسنا الاتهام بأننا قد نكون بدورنا حمقى.
تحتفي «التحرير» بذكرى وفاة اللباد، وتقدم للقراء عددًا من الكتابات النقدية والشهادات الحية التي سبق نشرها في مختلف الدوريات المحلية والدولية من كتاب وفنانين تشكيليين ونقاد…
(8/ 9/ 2010) القاص والروائي سعيد الكفراوي: اللباد (الكبير) صانع الكتب وفيلسوف المطابع
إن اللباد كان يمثل نسيجًا وحده، فهو كان أحد أبناء هذا الجيل العظيم الذي أنشأ مدرسة جديدة في فن الكاريكاتير، وفي التصوير..
إن اللباد كان له مذاق خاص في التعبير بالكاريكاتير يقوم على سلامة الفطرة والمفاجأة وتعميق المعنى.. رجل ينتمي لجيل من الناس حملوا للوطن محبة واعتزاز ودافعوا عنه عبر الفن والسلوك والمواقف بكل ما هو نبيل، وتحملوا في سبيل مواقفهم الكثير فهم الأبناء الذين دفعوا الثمن نتيجة لهزيمة يونيو 1967.
سوف يظل اللباد فيما قدمه وأبدعه، وفي اختياره لطريقة عيشه أحد النماذج التي سوف تبقى في ضمير من عرفه إنسانًا وعرفه فنانًا، فليرحمه الله.
(سبتمبر 2010) أحمد بهاء الدين شعبان: في وداع معلم كبير
فضيلة اللباد الكبير، الأساسية، هو أنه صانع كتب من طراز بديع ونادر، ليس على المستوى المحلي أو الأقليمي وحسب، وإنما على المستوى العالمي، وتشهد بذلك الجوائز الرفيعة التي نالها في مهرجانات الكتب الدولية التي شارك بها، وتفوق فيها، بإبداعه الأصيل، على مبدعين آخرين كبار يمتلكون أضعاف ما توفر له من إمكانات للعمل، وقدرات تقنية، وتسهيلات في الحركة، فهو خلق من كتبنا الرديئة، ومن مجموعة الأوراق المبتذلة، التي نعرفها، وطالما نفرنا، ونفرت أجيالنا المتعاقبة منها، متعة بصرية وعقلية وروحية نادرة، يصبح معها تصفحها، وقراءة متنها، والتمعن في مضمونها، مصدرًا للسعادة ومنبعًا للفهم، ومعينًا على رؤية الحقائق الضائعة، في عجيج الحياة ووسط زحامها، وفي حمى اللهاث اللاواعي بين أروقتها.
(سبتمبر 2010) جمعة فرحات: صانع الكتب
يكبرني اللباد بعام واحد فقط.. لكن يبدو أن جسمه الضخم وصلعته ونظارته كانت توهمني أنه أكبر منى بكثير، ولا أعرف لماذا تأخر تعرفي على محيي فلا أتذكر أني قابلته في أول التحاقي بالعمل فى روزاليوسف، ومن المحتمل كان يعمل في مكان آخر فمحيي بدأ يرسم وينشر رسومه وهو ما زال طالبًا في كلية الفنون، وعمل بمجلات أطفال كثيرة، المهم ما أتذكره أنني لم أحاول أن أصادقه مثلما صادقت رؤوف عباد وعادل بطراوي وإسماعيل دياب مثلًا، فقد كان باقي رسامي روزاليوسف بالنسبة لي هم أساتذة وكنت أعد محيى اللباد واحد منهم.
(6/ 9/ 2010) رسام الكاريكاتير مصطفى حسين:
من الفنانين المتميزين في إخراج الأعمال الفنية، ورسوم الأطفال بتلقائية، وإحساس طفولى جميل.. كان مدرسة فنية خاصة في رسومه الكاريكاتيرية التي يقدمها بمجلة المصور.
(6/ 9/ 2010) الفنان التشكيلي محمد عبلة:
كان أسطى للكاريكاتير.. أهم علامه بالكاريكاتير وأغلفة الكتب وتصميم البوسترات.. وقف جانبي وأنا أؤسس متحف الكاريكاتير حيث أهداني أعمالًا أصلية له ومن مقتنياته الخاصة أعمال لعبد السميع ونبيل السلمى.. إثرائه للمكتبة العربية بالعديد من الكتب التي تعتبر بمثابة مراجع لكل المهمين والباحثين.
اهتم في كتاباته بتفاصيل بسيطة في حياتنا لكنها عميقة وتحمل معاني كبيرة، ويوجه نظرنا لتفاصيل حياتيه حقيقية تاريخية.
من أشهر كتبه كتاب «كشكول الرسام»، صنعه على شكل كشكول تذكارات يجمع فيه كل ما أراد أن يحتفظ به من أشياء وذكريات وأراد أن يشرك الناس معه في تأمله والتمتع به، فكان هذا الكتاب المتميز والذي ترجم إلى الفرنسية والهولندية والألمانية، فاز بجائزة التفاحة الذهبية ببينالي براتسلافا الدولي، وجائزة الأكتوجون من المركز الدولي لدراسات أدب الطفولة بفرنسا.
ننشر لكم بعض صفحاته…