ما زال فن التصوير الضوئي مهمـلاً في سورية رغم أهميته
الفنان علي نفنوف: التصـوير كتابة رواية صامتــة حرفها اللون وبطلهـا الحقيقة
ثناء عليان
علي نفنوف صحفي وفنان ضوئي هاوٍ يركض خلف اللقطة بشغف عاشق، ويمزج فيها ما طاب له من الألوان،
ويرسم المشهد كما يحلو له ويقول: هكذا أنا أريد، وأي لقطة بالنسبة له هي إحساس قبل أن تكون كبسة زر. يتقن اصطياد الزمن، ويلتقط بعدسته أجمل اللحظات باحترافية، يعشق التحدي، ويعمل على تأسيس أنماط جديدة لهذا الفن من خلال ابتكار لقطات جديدة مدروسة، وأكثر إدهاشاً، كما يسعى لأن تكون تجربته منفردة لا تشبه إلا ذاتها.. عمل مراسلاً للعديد من الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية المحلية والعربية، وشارك في العديد من المعارض مثل: معرض مرآة طرطوس في مدينة المعارض القديمة لعام 2007، معرض لمسات ضوئية في صافيتا لعام 2008، معرض نفحات ضوئية في كلية الطب البشري في جامعة البعث لعام 2009، ومعرض (تحية من القلب إلى القلب للدكتور بشار الأسد) في صالة الرواق العربي في دمشق لعام 2009، معرض الصداقة الأول للفنون التشكيلية الذي أقامته الرابطة السورية لخريجي المؤسسات التعليمية الروسية في طرطوس القديمة لعام 2010.
عن تجربته في مجال الفن الضوئي كان لـ «تشرين» هذا الحوار:
• الصورة، كيف يترجمها قاموسك الفني الجمالي، وشغفك بلقطة لا تتكرر ولا تشبه سواها، البحث أم المصادفة، أم بعشوائية جمالية؟
•• اصطياد الزمن، أو توقيف اللحظات الهاربة، أو الرسم بالضوء.. الخ، هي عبارات أدمن الفوتوغرافي على زجها دعماً وتأييداً لأفكاره التصويرية، وكلمة فوتوغرافي هي لاتينية وتعني الرسم بالضوء، وهو ريشة الفنان ومادته الأولية في صياغة لوحته على هيئة قصدية من ألوان، أما عن سؤالك بشغفي عن لقطة لا تتكرر فهذا لا يتحقق من مصور حرفي إنما مع مصور هاوٍ يركض خلف ألوانه بشغف عاشق وباحترافية اللقطة وليس بحرفية التكرار، وهنا يجب التمييز بين اللقطة الاحترافية التي تراعي قواعد اللون والضوء والتي لا تتكرر، وبين اللقطة الحرفية التي تنسخ عنها أو مثلها آلاف الصور، وهنا يكمن دور الفنان في البحث والتقصي ومطاردة اللقطة حتى اصطيادها ونصب الكمائن لها، وليس بالاتكاء على عشوائية جمالية كما تقولين، لأن هذه العشوائية سينقلها المصور بعشوائية وتفقد رتابتها ورونقها إذا لم يكن هنالك هدف من رصدها وتأطيرها بعمل فني يضاف إلى فوائد الثقافة، التصوير هو عبارة عن كتابة رواية صامتة حرفها اللون وبطلها الوحيد «الحقيقة».
هواية الملوك
• في سورية تاريخ الصورة الضوئية كيف تدرّج وهل وصل إلى مرحلة؟
•• كانت التكلفة العالية للصورة هي المشكلة الأساس في هذا الفن، حيث كانت تسمى هواية الملوك نظراً لتكلفتها الباهظة، حيث كانت الطبقة المخملية هي الطبقة الوحيدة القادرة على اقتناء الكاميرات وتحميض الأفلام، فهي هواية مكلفة جداً، فمثلاً في العام 1925 كان سعر غرام الذهب في دمشق 5 ليرات سورية في التاريخ نفسه كانت تكلفة طباعة أو تحميض صورة واحدة تساوي السعر نفسه، ولكن هنالك حالات فردية في الغوص في هذا الفن، وهذه الحالات لم تخرج من النمط الكلاسيكي للتصوير حيث اعتمدت فقط على الحالة التوثيقية للأسواق والمآذن والمواقع الأثرية والسياحية حتى وصل الأمر إلى أن تم تأسيس أول ناد لفن التصوير الضوئي في سورية سنة 1979 بمشاركة 18 فناناً حتى وصل إلى حوالي 420 عضواً من مختلف شرائح المجتمع، بقي أن نشير إلى أن واقع التصوير الضوئي في سورية لا يزال متراجعاً بالنسبة لبقية الفنون، وبالنسبة أيضاً إلى دول الجوار العربي.
• أي اللقطات تأسرك وتعدها هاجسك الدائم، وتتحدث عنها لتصنع منها قصيدة في صورة، أو قصة في صورة؟
•• اللقطة التي تأسرني هي تلك الصورة التي لم ألتقطها بعد، فهي القصيدة المخبأة، والقصة التي أبحث عنها، ولكن الصورة التي تكتب قصيدتها بألق هي تلك الصورة الخالدة، التي نصوغها من سبعة ألوان من الضوء، بينما يمكننا اللعب في صياغة أي مقطوعة شعرية من ثمانية وعشرين حرفاً، حدود اللغة الشعرية متاحة أكثر، لأن أحرف الضوء أقل، وقبل هذا وذاك، لا بد من أن نتذكر أن الصورة محكومة بالحقيقة بينما الشعر هو طريق الخيال، ولكن التحدي الذي أعشقه في الصورة هو إمكانيتها من تحويل الواقع إلى عشق يشبه الشعر.
فن التحدي
• يأسرك الظل وانعكاسه على الأشياء، هل هو امتداد لمحتواه أم هو مستقل عن لحظة تصويرك إياه؟
•• في علوم الفيزياء لكل فعل ردة فعل، وما انعكاس الأشياء إلا ردة الفعل لتلك الأشياء التي توازيها في الضوء، وتعاكسها في اللون وما ذهابنا إلى تصوير الظل وانعكاسات الأشياء إلا محاولة منا لاستنباط المزيد من مواقع الجمال إضافة إلى إعطاء فكرة أنه لا يوجد شيء في الكون جامد، فهذه الأشياء التي تقصدين لها روح وخيال نقدمه للملتقي ونخرجه من اللامبالاة لنجسده واقعاً جمالياً، يمكن الاتكاء عليه في مشوارنا الفني الذي لا يجب أن يهمل أي شيء من محسوسات الكون، وخصوصاً المرتبطة بحاسة النظر .
• أين تضع تجربتك بعد مرور سنوات على مرافقة الكاميرا لك؟
•• لكل فنان أسلوبه ومشواره، وفي النهاية نسميها جزافاً تجربة، تجربتي تسعى لأن تكون منفردة لا تشبه إلا ذاتها، وفن التصوير الضوئي هو فن التحدي وأنا أعمل على تأسيس أنماط جديدة لهذا الفن من خلال ابتكار لقطات جديدة، مدروسة، وأكثر إدهاشاً، لذلك اعتمد على أسلوب التشريح في اللقطة، أي إن المشهد الجمالي الواسع أصبح مخزناً لآلاف اللقطات التي تمت تجزئتها بدقة، فمثلاً الجميع يصور الورود بشكل عام، ولكن للمياسم والبتلات صورة أخرى لها أهداف أخرى، وكذلك هذه الهضاب التي نأخذ لها صورة واحدة، ويمكن أن نأخذ منها ملايين الصور بعد تجزئتها، بهذا نكون قد اعتمدنا على أسلوب التخصص في التشريح الجمالي للوحة، باختصار نحن في الطريق إلى تأسيس مذاهب ومدارس جديدة في هذا الفن بعيداً عن المفاهيم التقليدية، على أنه حالة توثيقية أو توقيف الزمن بلحظة.
يحاور لوحته
• كيف تقيم تجارب زملائك؟
•• غالباً ما نقوم برحلة إلى التصوير وتكون الرحلة مؤلفة من مجموعة من المصورين، والكل يأخذ اللقطة نفسها للموقع نفسه، ولكن يكون هنالك المزيد من الصور المختلفة الناتجة عن إحساس كل واحد منهم في اللقطة إلى إعدادات عدسته وزاويته وماذا يريد منها، تقييم التجارب أتركه للمتلقي الذي هو الحكم، ولكني أرى أن هنالك تجارب فردية تُرفع لها القبعات، ولكن لم يتم تأطيرها أو استثمارها، فمثلاً حتى اليوم نشاهد بروشورات وزارة السياحة تعطى لموظف أو مصور متفق عليه لإعطائه منحة المنفعة من دون أن يكون لديه إحساس المصور الفنان، لذلك يقدم صوراً أقل جودة من الواقع.
• المشاركة في المعارض ماذا تقدم للفنان؟
•• الفنان يحاور لوحته، وعندما يذهب إلى المعارض يصادف هنالك متلقياً يشاركه الحوارية تلك، هذه الحوارية في رأيي هي جزء من جمالية اللوحة، ودور الفنان هنا الارتقاء بالذائقة الفنية للمتلقي من خلال شرحه ما يصبو إليه في أعماله، مع العلم أن كل متلقٍ يقرأ اللوحة من خلال ثقافته وبيئته، لأن للصورة انفعالاتها التي يحب المتلقي أن يراها كما يشتهيها، ولكن المعارض التقليدية أصبحت أقل اهتماماً لدى الفنان، بعد أن أصبح يعرض أعماله على شبكة الانترنيت التي لها جماليتها، إذ إنها تتعرض لأكبر عدد من المشاهدة، وإبداء الرأي فيها من دون مجاملات، ناهيك بالتوفير في تكلفة الطباعة وحجز الصالات ..الخ، أما أنا فأجد نفسي في صالة العرض صديقاً لأي زائر، أما على الانترنيت فكل شيء لا يزال افتراضياً، وبلا روح.
مازال فناً مهملاً
• ما هي العلاقة بينكم كمصورين ضوئيين وبين المؤسسات الثقافية؟
•• ما زال فن التصوير الضوئي مهملاً في سورية رغم أهميته ورغم الحاجة إليه، فمثلاً هنالك اتحاد للفنانين التشكيليين وأعضاؤه من النحاتين والرسامين، ولا يقبل بين أعضائه فنانو التصوير الضوئي رغم أن قانون الاتحاد يسمح بذلك، وفي هذا المجال نقول إن أساس أي عمل فني هو الصورة، حيث بداية ونهاية أي لوحة تكون صورة، إلا أنه يوجد في سورية ناد وحيد لفن التصوير الضوئي هذا النادي اقتصر بأعماله على المعارض، ولم يفرض ذاته على المؤسسات الثقافية ولا على وزارة السياحة التي تعتمد على الصورة في ترويجها السياحي، ومن المساوئ عدم وجود أندية للتصوير في سورية وبالتالي انعدام التنافسية، لذلك نصبو إلى لفت انتباه وزارة الثقافة إلى واقع فنان التصوير الضوئي الذي غالباً ما يرافقها في أعمالها ومؤتمراتها. ويأخذ لها كل صورها التي ترغب ويرحل بعيداً عنها بلا حق الانتماء إلى وزارتها أو مؤسساتها الثقافية، لذا نأمل الإسراع في حل هذا الموضوع عما قريب.
[email protected]