شريف محرم ..
علم من أعلام الفن الشكيلي السوري ..
مزاجياته الإنسانية إحدى .. مسببات .. شهرته .. رحمه الله
____________________
كيف السبيل .. لرد الجميل ..
للمؤرخ والناقد التشكيلي الفنان محمود مكّي ..
أنت تعيد لنا روح الذكرى ..لأروع الأصدقاء من جيلنا .. ومن سبقونا ..
_______ عادل مرعي مهنا دمشق فجر الأحد 5 /7 / 2015 م
فنان من حلب اشتهر من خلال تجربته الفنية رحل عنا قبل اوانه ..التشكيلي الراحل ( شريف محرّم )
الرؤية الفنية المتقدمة والمتجددة
السيرة :
والفنان الراحل ( شريف محرّم ) حالة فنية إبداعية متنامية في مضمار الذائقة البصرية السورية … كان يبحث عن كل جديد في لوحته الاستثنائية التي كان يدهشنا بها في كل تجاربه الفنية المتعددة …
الفن التشكيلي كان هاجسه الأساسي في حياته التي عاشها متمردا في مساراته الحياتية والفنية ضمن مفاهيمه التشكيلية ورؤيته الجمالية والفكرية …
ولد الفنان الراحل ( شريف محرّم ) في عام /1954/ ، في قريته الصغيرة ( عرب عزة ) القابعة في ناحية مدينة حلب ، انتسب إلى مركز الفنون التشكيلية بحلب وتخرج منه عام /1968/ ، عمل في الصحافة العربية ، أقام معرضه الأول في بيروت عام /1972/ ، ومعرضه الثاني في القاهرة والإسكندرية عام /1973/، ومعرضه الثالث في حلب عام /1974/ ، ثم انتسب إلى كلية الفنون الجميلة بدمشق وتخرج منها في عام /1981/ بدرجة امتياز شرف ، شارك في أكثر معارض الدولة الرسمية واتحاد الفنانين التشكيلين ، وأقام عددا من المعارض الفردية المتميزة على صعيد ثقافة الفن ، وقد نال على بعض أعماله عدة جوائز ، وكان متفرغا لإنتاج العمل الفني ويكتسب منه ، ويكتب أحيانا في النقد الفني في بعض الصحف المحلية … كان أخر معارضه الفردية قيل رحيله بشهر في حلب …
توفي الفنان ( شريف محرّم ) في مدينة حلب قي /6/1/2009/ بعد ما عانى كثيرا من ظروف الحياة القاسية وخاصة بعد وفاة زوجته التي تركت له طفلا وحيدا …
التجربة الفنية
الحديث عن تجربة الفنان الراحل ( شريف محرّم ) يعتبر في حد ذاته حديثا عن فنان مشاغب في الفن والحياة على حد سواء ، ربما لأنه باحث جدي فيهما ، ويعمل بحيوية رغم الصعوبات والمثبطات المتنامية في مجتمع مازال يحبوا للصعود نحو الشمس ، وهو دائم البحث عن كل جديد في التراث العربي وأصالته الشرقية ، ويحاول التجديد في أساليبه الفنية وتقنياته الجديدة ، لإيجاد الفن العربي الخالص من شوائب مدارس الغرب الفنية ومزالقها بين العولمة والديمقراطية البراقة ، وهو في تجاربه المتعددة لا يهمه الشكل كثيرا … بقدر ما يهمه المضمون الفكري في اللوحة ، ولهذا تتكون لوحته من المضمون الذي يبدأ يفرض عليه التقنية واللون والشكل الجديد في العمل الفني ، كي يحدد رؤيته في الحياة والفن ، وأهم عناصره في لوحاته بشكل خاص المرأة الريفية الشرقية الفتية والممتلئة بالقوة والعطاء والحب ، الغنية بمفاتن الجمال الشرقي الواضح التي تؤثر به سمشنا الشرقية ، رسمها في مجمل لوحاته ليدافع عن أنوثتها في سجون الرجولة ، وعلقها على صدورنا المكتومة بالكبت الشديد والتقاليد السائدة ، وعلمنا منها حب الأرض الطاهرة والوطن الغالي ، وحاول أن يصونها من طغيان ظروف الحياة القاسية ( مفاهيم الرجولة ) ، جعلها دافئة بين أيدينا الخشنة ، تعامل معها بكل حب الرغبة في الوفاء ، وشغف العاشق في العطاء ، وحاول انتشالها من واقعها المظلم ومن أيدي الجاثمين على صدرها الطري …
بدأ الفنان الراحل ( شريف محرّم ) أسلوبه الفني واقعيا صارما يرسم عناصر لوحته بأدق التفاصيل وأصغرها حجما ، ثم ألحقها بالتعبيرية مضيفا إليها في بعض الأوقات عناصره الرمزية ، وفي مرحلة جديدة من مراحل تجاربه الفنية ، مزجاهما بالتأثيرية التي تنم عن عمل فنان متمكن من أدواته القوية ومفاهيمه الفنية الواسعة في مضمار الثقافة الفنية الحديثة ، فكانت أعماله غنية باللون والشكل والمضمون بحيث يدهش المتلقي العادي أكثر منا ، نحن الفنانون … !! و بما يقدمه في تجاربه الفنية المتجددة دائما ، وبالقدرة على التحرك ضمن إطار اللوحة البيضاء الصافية … حتى أنه لا يترك فيها زاوية صغيرة خالية من لون أو شكل أو ضربة ريشة لها معنى محدد من خلال رؤيته الفنية والفكرية إلا ويملأها بنماذج من عناصر تراثية لها أثرها علينا ( خلاخيل وحلي وأساور وجرار وقلادات وأبواب ونوافذ وبيوت متناثرة … ) هذه النماذج المتنوعة تطفي على العمل الفني ككل مسحة جمالية وفكرية خاصة بتجربته الفنية في التشكيل السوري ، ويتعامل معها بهاجسه المرهف الرقيق ضمن توليفة من الألوان الساطعة التي تعكس ضياء الشمس الشرقية التي لا تغرب عن أرضنا الطيبة والتي عاش عليها في طفولته يلعب مع أطفال قريته القابعة في دوامة الحياة الواسعة …
لم يركن الفنان المشاغب الراحل ( شريف محرّم ) في زنزانة الجمود الفني ، والزاوية المظلمة في الحياة كما يفعل غيره من الفنانين الذين اكتفوا بركونهم في برجهم العاجي يتغنون بالأمجاد السالفة ، بل كان يحاول دائما الانطلاق والتحليق في سماء الحرية الفنية للبحث عن أساليب فنية جديدة تؤدي بصدق ووفاء لرؤيته الفكرية الجديدة في الفن والحياة …
يقول الفنان عن تجربته ( أكتب شعرا بإيقاع اللوحة وخطوطها المتداخلة ، واعزف موسيقا الروح من ألوانها التي تناغم أشعار الدم ، عندها أحس بأن لوحتي تتحول لقصيدة ملحمية مسموعة بالعين ، وأنا مجموعة مراحل ولست لوحة واحدة ، وكل مراحلي تتسم بالبحث والتجريب والمغامرة … )
لهذا كانت تجاربه الفنية كمغامرة عجيبة في كهف الحياة والفن بحيث تثير الدهشة والاستغراب من تحركه السريع في الانتقال الدائم بين العناصر الكثيرة التي يوزعها على سطح لوحته بإتقان الصانع الماهر ، ويملئها بالعناصر التراثية ( حلي قروية خلاخيل أبواب مشرعة نوافذ يتخللها الهواء الشرقي وبيوت صغيرة متواضعة متناثرة على الأرض الواسعة وقرويات جميلة يبحثون عن البقع الضوئية … ) ويضيف الألوان القزحية التي يوزعها بمهارة فائقة حول تلك المرأة الريفية بأشكالها المتنوعة والذي ما يزال يرسمها بحب وصدق ، وشغف العاشق ، كأنه يخرجها من قمقم العفريت الذي احتبسها فترة زمنية طويلة …
إن العلاقة الديناميكية الكائنة ما بين العناصر التراثية المتنوعة في لوحاته وبين العنصر الإنساني هو ما يؤكده على مقدار ارتباطه الوثيق بالبيئة المحلية ، ويذكرنا بسحرها وجاذبيتها وجمالها الحي في حياتنا اليومية …
وفي مرحلة لاحقة أضاف إلى لوحاته بعض الحروف العربية وأشعارها المعروفة والتي اعتمد عليها في الحوار الكائن ما بين المتلقي ومضمون اللوحة الداخلي ، رغم محافظته على شكل الحرف التقليدي وقواعده الذي برع في ممارسة كتابتها بقواعده التقليدية يوم كان يعمل مخرجا في الصحافة العربية …
وفي آخر مراحل تجاربه الفنية ( معرضه في صالة الأسد للفنون ) حاول الدخول بأعماله الفنية إلى مفاهيم الفن الحديث ( التجريدية ) ليؤكد لنا فهمه الواسع للفن ومدى قدرته الفنية في الأداء بأساليب جديدة … فقدم أعمالا فنية ضمن مساحات لونية جديدة يتغنى فيها بألحان موسيقية جذّابة ، حيث يتناغم فيها مجموعاته اللونية مع الشكل في اللوحة الجميلة ضمن أسلوب تجريدي غرافيكي يتنامى اللون جماليا وتشكيليا في توليفة من ألوان قزحية ساطعة بالنور الظاهر خلف مساحاته اللونية الساحرة ، فهو ما يزال البارع في أداء العمل الفني تقنيا ولونيا ، بحيث يثير مقدارا من الدهشة لتألق انسجام العناصر اللونية الجديدة في لوحته ، و يحاول أن يبرز من خلالها مفاهيم صوفية جديدة ، وروحية موحية بين الصخب والسكينة ، والصراخ والصمت ، بين تناقضات استطاع أن ينسجها غرافيكيا بانسجام وتوافق ، يؤدي إلى الحالة الشعورية والحس المرهف بأهمية التعبير باللون عن مكامن الروح وعالمها الصوفي ، والذي كانت غايته الفكرية في تجربته الفنية الجديدة ، يثيرها ضمن تناغم التضاد في التشكيل اللوني وسط عالم غني بالحزن والفرح ، بالشقاء والسعادة ، بالتعب و الراحة … ولا ينسى أن يضيف إلى لوحته بؤرة الضوء التي يبشرنا بها بالمستقبل المشرق …
الفنان الراحل ( شريف محرّم ) كان يرسم لنا بيد واحدة لأن اليد الأخرى تصلبت بعدما وقعت في براثن اليأس من كل شيء إلا القدرة على العطاء في الفن ، ولكن بقيت له اليد الأخرى التي تعطي مزيدا من مواسم الفرح والسعادة …
إن التجارب الفنية للفنان الراحل ( شريف محرّم ) أصبح لها مدلولها الواسع في الثقافة الفنية ولغناها اللوني والفني والفكري ، مما يؤكد على مقدار أهميتها في منظومة المشهد التشكيلي السوري …
منشور في الصحافة الورقية
محمود مكّي