Hussein Najem مع George Ashy وAli Noor
حوار عبر صفحات التواصل الاجتماعي ( الفيس بوك ) مع الأستاذ الفنان جورج عشي.
إنه روح سابحه في لُجُج اطياف الجمال الكوني والإنساني ، مرهف الإحساس ، متعدد المواهب ، تشكيلي النزعة ، دمشقي الهوى، عازف على أوتار القلوب ، عاشق للظل والضوء، إنه مُزُنة صيف ، تنثر نداها أينما حلت، تراهُ كالنحل يجمع الرحيق من ازهار الربى، ليسكبه في حلاوة شعر فرشاة ، سَكَراً لذة للعاشقين، أو قصيدة يشدوا بها الركبان ، هو ترنيمة عشق ، ومزامير لاهوتية ، وتراتيل متعبد ، نحو الجمال المطلق.
إنه الأستاذ القدير وعلم من أعلام الوطن العربي الأستاذ جورج عشي.
س- استاذ جورج لنبدأ بسؤال تقليدي لكن بصورة مغايرة. تقول في مقدمة كتابك التصوير الضوئي “ولدت في قرية صغيرة ، بيوتها من الحجر البركاني الأسود وسماؤها زرقاء تتوزع بين الأشجار المثمرة الخضراء التي تتلون ربيعا بالأحمر والبرتقالي والبنفسجي والمشمشي “. عرفنا على هذه القرية ، وكيف أثرت فيك ألوانها.
ج – ضهر صفرا كلمة عربية آرامية معناها (جبل الصباح)، وهي تقع على جبل يرتفع 350 مترا عن سطح البحر، وتبعد عن شاطئ البحر الأبيض المتوسط ، بمسافة أفقية 3 كلم وتحيط بها الوديان ، من جهاتها الأربعة، وتشرف من الجنوب على قرية متن عرنوق، ومن الشمال على قلعة المرقب الأثرية، ومن الشرق على وادي مرقية وقرية قرقفتي ( ومعنى قرقفتي بالعربية الآرامية الجمجمة ) ومن الغرب على البحر. وهي مسقط رأسي ، وكان أبي يعمل فيها مدرسا للغة العربية، وهو لبناني الأصل ، تزوج والدتي السورية ، وبقي في سورية وبعد سايكس – بيكو، حصل على الجنسية، وأنا وأخوتي جميعنا ولدنا في سورية .
تمتاز قريتي حين تشرق الشمس فيها ، بتحولات لونية جميلة ، لذلك سميت جبل الصباح ، وكنت أتجول فيها يوميا وأنا طفل ، صيفا وشتاء مع أقراني ، دون ملل، واهبط منها مترجلا ، إلى بيت خالي الذي يبعد عن البحر ، خمسة أمتار حين الجزر وتصل الماء إلى عتبته وقت المد .. كانت طفولة رائعة ، عشتها بكل ما املك من طاقة، وحيوية، واستنشاق للهواء ،واللون، حتى أصبح عمري خمس سنوات، فانتقلنا الى اللاذقية لكي ابدأ الدراسة .
س- إننا نعلم بأن الموهبة تولد مع الإنسان وهو الذي ينميها، أي موهبة اكتشفتها أولا ، إذا ما علمنا أنك فنان متعدد المواهب.
ج – كان والدي كما ذكرت سابقا ، مدرسا للغة العربية ، ولدى انتقالنا إلى اللاذقية ودخولي المدرسة ، بدأ يعلمني إلقاء الشعر ، والرياضة، والرسم ، وصدف ان كان قرب بيتنا مصور ، ارمني محترف في منزله ، وكان يمارس تصوير صور الهوية والأفراح، وعلى مدخل بيته ، توجد لوحة زجاجية مقفلة ، يعرض فيها نماذج ، من صوره وكنت كلما خرجت من البيت، أو عدت إليه ،أقف أمام هذه الفترينة وأتأملها ،إلى أن لاحظ علي ذلك المصور، وكان اسمه ابراهام ، فأهداني وقتها، كاميرا بوكس ، وفيها فيلم ، وعلمني كيف التقط الصورة ، وقال لي اذهب وصور، وتعال لنظهر الفيلم ، الذي صورته ونطبعه ، وفعلا تم الآمر وسألته : إن كنت استطيع الدخول معه ، إلى الغرفة المعتمة ، وفعلا حصل، لكي اكتشف سر الصورة الضوئية، وأنا طفل لا يتعدى عمري العشر سنوات .كانت رائحة الغرفة المعتمة غريبة علي ، وقال سأطفئ النور وسألته لماذا ؟. أجابني موضحا الموضوع، وكان هذا أول الطريق، فالضوء هو الذي طبع الصورة ، لذلك يمكن للضوء أن يخربها، وبدأت اسمع حركة يديه في محلول جيئة وذهابا إلى أن انتهى وبدأ يشعل ضوءا خافتا اخضر لأقل من ثانية وينظر إلى نتيجة الإظهار وحين انتهى نقله إلى محلول آخر ثم إلى الماء وبعد فتره اشعل الضوء واخرج الفيلم من الماء وعلقه كي يجف ليطبعه وجاءت زوجته التي كانت تعتبرني كابنها لأن الله لم يرزقهم بأولاد كما يبدو بالشاي لكلينا ورأت النيجاتيف وقالت لزوجها ( بكره بيضارب عليك ) حلوين الصور يا جورج وهكذا والقصة تطول ولكني لم أتعلق بالموضوع كثيرا لاهتمامي بدراستي ولكن ابراهام وزوجته بقيا في الذاكرة إلى اليوم .
س- هل يختلف إحساسك وشعورك حينما تمسك فرشاة ، أو قلم ،أو تعزف على وتر ، أو حينما تضغط زر الكاميرا.
ج – الحقيقة إن امتلاك وسيلة التعبير سواء كانت فرشاة أو قلم أو وتر او آلة تصوير نعمة من الله لأنها تبعد عنه الهم والغم والاكتئاب فالتعبير هو الدواء الأنجع للقضاء على كل ما يعترضنا من مصاعب في حياتنا . حين انهي كتابة أغنية اشعر بسعادة كبيرة هي أني أنجزت شيئا له قيمة وكذلك اللوحة وكذلك الصورة . لذا علينا دائما أن نجعل أولادنا يمتلكون مثل هذه الأدوات إن ليس للاحتراف فليكن للهواية .
س- كيف بدأت قصتك مع الفوتوغراف.
ج – كما قلت قبلا لم يبق في ذاكرتي من الفوتوغراف الا ابراهام وزوجته إلى أن أقمت معرضا تشكيليا في بغداد 1975 في متحف كلبنكيان وبيعت بعض اللوحات واقتنيت كاميرا من أسواق التجزئة العراقية في بغداد وكانت كاميرا احترافية وبدأت أصور فيها وأطبع صوري عند محلات التصوير في دمشق ولم تكن تعجبني النتائج فقررت أن أقوم أنا بإظهار الفيلم وطبع الصور ووقع نظري في المكتبات على كتاب الدكتور عبد الفتاح رياض التحميض والطبع والتكبير وهنا بدأت القصة فاشتريت ما يلزم من مواد كيميائية وميزان حساس وأحواض وتانكات ومكبر الخ مما يلزم وتابعت تعليمات الدكتور عبد الفتاح خطوة خطوة وبتأن وحرص وأصبحت النتائج ترضيني إلى حد ما فأغراني هذا بالدخول إلى عالم الصورة الفنية ووجدتها بادئ ذي بدء في دمشق القديمة عمارة واشخاص. وأقمت أول معرض مع أربعة من زملائي وهم . صباح قباني ومروان مسلماني وطارق الشريف ود. قتيبة الشهابي في أوائل الثمانينيات وقد رعاه حينئذ العماد مصطفى طلاس – وزير الدفاع وكان أيضا من عشاق التصوير وطرحت عليه فكرة تأسيس نادي للتصوير الضوئي فأبدى كل تجاوب وقال ابدؤوا وما يلزمكم أنا جاهز وفعلا تم التأسيس وساعدنا فعلا وكثيرا في ذلك
س- هناك رأي سائد يقول إن الفوتوغراف ولد من رحم التشكيل. ! ما هو رأيك؟.
ج – لا ادري ما هو المقصود بهذه العبارة ولكني اعتقد إن الفوتوغراف سحب البساط من تحت أقدام التشكيل واخذ بعضا من وظائفه كالبورتريه والتوثيق والإعلان وأعطى دفعا للتشكيل بأنه كان سببا في ظهور الانطباعية في أوروبا بتحليل اللون إلى أساسي ومكمل الخ . وانتم تعرفون البقية .
س- للظل والضوء وقفة كبيرة عند المصور الفوتوغرافي. ماذا يعني لك ذلك؟.
ج – الضوء كما ذكرت سابقا هو المبدأ الأساس في التصوير الضوئي وتفاعل المصور مع تلاشي أو ضمور الضوء من الرمادي الفاتح إلى الغامق ثم الأكثر غماقة فالأسود له التأثير الأكبر في إعطاء الكتلة أو المنظر أو الطبيعة نفورها الجمالي المطلوب للتأثير لدى المتلقي .
س- أزقة دمشق القديمة أوليتها الكثير من عدستك، ماذا تمثل ك تلك الأزقة؟.
ج – أحب البيئة ومن هنا أرى في دمشق القديمة البيئة التي ابحث عنها وتمثل هويتي فهذه العمارات البيتنونية الشاهقة لا تعني لي شيئا إن لم يكن فيها من ذاتي وهويتي .
س- كم معرض فوتوغرافي، أقام أستاذ جورج عشي .
ج – معرض الخمسة الذي ذكرته ومعرض برلين 1984 ومشارك في كثير من المعارض الجماعية في سورية
س- نصيحة تقدمها لمجتمع الفوتوغراف، ولكل مصور؟.
ج -لا تكن بعيدا عن مجتمعك اجعل نفسك دائما في قلبه افرح معه وتألم معه واجلس معه وحاوره وفكر فيما يفكر فيه وقاسمه لقمتك واجلس على بساطه واستمع إلى أطفاله ثم احمل كاميرتك واخرج لتصور ستجد انك أبدعت فيما قدمت وانبهر العالم من لوحاتك .
في نهاية اللقاء ، لا يسعني إلا أن اشكر الأستاذ والفنان جورج عشي ، لإتاحته هذه الفرصة الثمينة ، والحوار الشيق ، متمنياً له دوام الصحة، والمزيد من الإبداع والرقي والفن الهادف.
اجرى الحوار
الاعلامي والمصور الفوتوغرافي
حسين نجم