عمل قيد الإنجاز
قدم النحات “علي معلا” أفكاره النحتية على الكتل الخشبية، ووظف التشوهات الطبيعية فيها لخدمة تلك الأفكار، وصنع من آلاف قطعها السفن الفينيقية الغارقة في القدم.
مدونة وطن “eSyria” التقت بتاريخ 15 تشرين الثاني 2013 النحات “علي بهاء معلا” وأجرت معه الحوار التالي:
* كيف كانت البدايات والاستمرارية مع الإبداع والنحت؟
** منذ الصغر وابتكار الأشياء يستهويني، وأذكر أنني في سن السادسة صنعت سيارة تعمل على الكهرباء، وقد تداخل فيها المعدن والخشب نتيجة الحاجة ولسداد النقص في المعدن، طبعاً هذا من مبدأ خلق شيء من لا شيء، وهو كذلك بالنسبة إلى عملي الفني النحتي الذي يجعلني أبدع عملاً يحمل الكثير من الأفكار والهواجس من كتلة صماء، وبشكل عام انعكس هذا على عملي المهني الحرفي في
ورشتي بصناعة الديكورات، حيث ابتكرت عدة آلات كسرت من خلالها عامل الزمن فاختصرت الكثير من الوقت خلال مراحل العمل.
* تعمل بالنحت على الخشب وكأنك ترى به حياة، ماذا تحدثنا عن هذا؟
** الخشب بالأساس كتلة حية فيها الخلايا الحية المنتجة، وأنا أجده أساساً لكل الصناعات والحرف وملهماً للمبدعين، أذكر أنني منذ عدة عقود عند قدومي إلى “طرطوس” ومشاهدة هذه الطبيعة الغنية بالنباتات والأشجار وخاصة منها أشجار الزيتون والزنزرخت والسنديان اتقدت في داخلي الأفكار النحتية الكثيرة لطبيعة تكوين كلاً منها، فخشب السنديان مثلاً من أرقى أنواع الخشب في العمل النحتي، إضافة إلى الزيتون، وذلك نتيجة لطبيعة العروق التي تتخلل الكتلة الخشبية وتربطها مع بعضها بعضاً بشكل مذهل فتراه يمر على كامل الكتلة دون انقطاع أو ضياع، ما يمنح الكتلة جمالاً وقوة ومتانة خلال العمل عليها.
* ما هي أقرب الأعمال النحتية إلى وجدانك؟
** من أقرب الأعمال النحتية إلى وجداني وأفكاري الأعمال الواقعية البعيدة عن الانطباعية أو التجريدية، كمنحوتة “الصياد” مثلاً التي أراها تعبيراً عن بيئتي البحرية التي أعيش فيها، وقد نحتت من خشب الزان الذي أراه من أسهل أنواع الخشب في التعامل واحتواء الفكرة خلافاً لرأي الكثيرين عنه، فمكان ضربة “الأزميل” يلمع نتيجة تماسك خلايا الكتلة بعيداً عن القوة التي تتحمل كافة التفاصيل النحتية الصغيرة على الكتلة.
* ما هي مقومات الكتلة الخشبية التي ترغب في العمل عليها؟
** أحياناً أبحث عن كتلة خشب تناسب الفكرة التي أرغب في صياغتها نحتياً، وهذا من ناحية طبيعة العروق وتموجاتها ومتانتها، ويلعب دوراً أساسياً هنا مكان الحصول على الكتلة الخشبية أي من الجسم الخارجي القريب من القشر “اللحاء” أو من اللب الداخلي للكتلة.
كما يلعب دوراً أيضاً في جمالية المنحوتة طبيعة العروق الصلبة والطرية وتعاقبها خلف بعضها بعضاً، وكيف من أعمالهيمكن توظيف كل منها في المنحوتة وتمرر الأفكار عليها لتكون معبرة كما هي طبيعتها الواقعية، إن أفضل أنواع الأخشاب حسب رأيي -التي يمكن أن تحقق متطلباتي من العمل النحتي بالنسبة إلى الفكرة- هو خشب الزيتون لأنه يلبي ويخدم الفكرة، ويمكن توظيفه بمختلف الطرق والمرور على الثغرات فيها أو تمرير الفكرة عليها.
* رأينا في بعض أعمالك رمزية لفكرة ما، حدثنا عن هذا؟
** بعض منحوتاتي حملت أفكاراً رمزية واقعية كي أبتعد فيها عن التفاصيل، كما في منحوتة “السيدة العذراء”، وجعلت قيمة العرق الغامق المتين وهو صلب الكتلة الخشبية، قيمة مكانية في عباءة “السيدة العذراء”، ما منح العمل جمالية يقرؤها كل مهتم بالنحت على الخشب.
* ما رأيك باعتماد بعض النحاتين على طرق وأدوات نحتية حديثة مبتكرة؟
** في البداية الكتلة الصماء تخضع لدراسة ميدانية تشمل إمكانية تمثيل الفكرة عليها أم لا، وكيف يمكن أن تحصل الفكرة على حقها في المساحة والحجم دون المرور على الثغرات أو العقد إن لم تلزم ضمناً، ومن ثم أبدأ بعملية توظيف المعدات البدائية والحديثة كلاً وفق وظيفته وهذا ليس استخفافاً بقيمة العمل، إنما مساعدة وكسر لعامل الزمن، علماً أن متعة الاستماع إلى صدى ضربة الأزميل على الخشب ليس بعدها متعة.
* ما الذي ساهم في غزارة تدفق الأفكار النحتية لديك؟
** المرحلة التي يمر بها البلد حالياً هي أكثر مرحلة ظهرت فيها أفكار أقلقت ليلي، فخرجت منها بدايات أفكار نحتية لمنحوتات مرتبطة بالواقع ارتباطاً وثيقاً، فأنا ابن الواقع بحلوه ومره، لذلك يمكنني القول: إن ارتباطي بالواقع هو ارتباط كبير ومؤثر إلى درجة غريبة انعكس على ذائقتي النحتية وأغناها، إضافة إلى تزامن هذا الأمر مع مرحلة عمرية وصلت إليها أنهيت فيها جميع واجباتي الاجتماعية والأسرية وأصبحت شبه متفرغ لهواجسي الداخلية، فقررت الالتزام بها كما بقية واجباتي التي أنهيت حقها عليّ.
* كيف يمكن أن تمرر الفكرة على كتلة خشبية فيها بعض التشوهات الطبيعية؟
** هنا تكمن الحرفية العالية للفنان وقدرته على تطويع الكتل، فأنا مثلاً أنتقي الكتلة المناسبة للفكرة وأجول فيها عدة جولات حتى يتضح لي خط البداية وكيف يمكن اجتياز التشوهات في الكتلة أو توظيفها لخدمتها في جانب من الجوانب، وهذا يؤكد أنني لست مع إغلاق تلك الفراغات الطبيعية كما يفعل البعض.
* ما الذي أردت قوله في تصميمك لسفن شراعية فينيقية تعود إلى عهود زمنية غارقة في القدم؟
** بشكل عام أتواصل بشكل فعال مع الإنترنت، وأحب إلى جانب الأعمال النحتية الأعمال الحرفية المعقدة والصعبة التي يمكن أن تأخذ مجهوداً كبيراً من ناحية الدقة والحرفية والقدرة على تصميمها أو التفرد والتميز بصناعتها، كما السفن الشرعية والحربية التاريخية، وكالآلات الموسيقية أيضاً مثل: القانون والعود، وهذا يتضمن كل ما يتعلق بها من أدوات حرفية ومعدات، فأول سفينة صنعتها كانت بعد دراستها وفق نماذج تصنيعها والتصاميم التي وضعت كخرائط لها عبر مراكز دراسات وأبحاث عالمية، حيث اعتمدوا على حطام السفن التاريخية الغارقة، وهذا عبر الإنترنت بالكامل، وقد يشمل تصميم السفينة ما يقارب عشرة آلاف قطعة خشبية صغيرة ودقيقة وكبيرة صنعت وخرطت بأدوات وأجهزة بدائية ومكنات صنعت بعضها لتناسب العمل، وفيما يخص الآلات الموسيقية فقط صنعت القانون بكل حرفية، وهذا تطلب مني ابتكار تجهيزات صناعية لصناعة بعض قطعه كالعربة المعدنية الخاصة بضبط الألحان وهي من الألمنيوم، وهذا ما يمكن اعتباره عملاً حرفياً إبداعياً.
الفنان “محمد حمود” تحدث عن قدرات وإبداع الفنان “علي بهاء معلا” فقال: «الفنان “علي” فنان مبدع يكد ويجهد كي يقدم أعمالاً فنية نحتية وغيرها، لكي يغني الساحة السورية بالأعمال الفنية النحتية التي تتسم بالدقة والإبداع الفني وما تكرسه من الفنان “علي” مع مجسم السفينة الفينيقيةثقافة وجمال لنا وللأجيال القادمة».
يشار إلى أن الفنان “علي بهاء معلا” من مواليد عام /1960/ محافظة “الحسكة” ومقيم في “طرطوس”.