عالم خيري شلبي الروائي:

أدبه ورسالته ومقارنته بكتاب عصره
خيري شلبي (1938-2011)

أحد أبرز الروائيين المصريين في القرن العشرين،

وهو كاتب ترك بصمة واضحة في الأدب العربي من خلال أعماله التي تجاوزت 70 كتابًا، شملت الروايات، القصص القصيرة، المسرحيات، الدراسات النقدية، والحكايات التاريخية. يُعتبر شلبي صوتًا فريدًا في الأدب المصري، حيث استطاع أن يجمع بين الواقعية والفانتازيا التاريخية، مع تركيز خاص على حياة المهمشين والطبقات الشعبية في المجتمع المصري.
عالم خيري شلبي الروائي
نشأ خيري شلبي في قرية شباس عمير بمحافظة كفر الشيخ، وهي بيئة ريفية أثرت بعمق في رؤيته الأدبية. هذه الخلفية جعلته قريبًا من الفلاحين والطبقات البسيطة، وهو ما انعكس في أعماله التي ركزت على تصوير حياة هؤلاء الأشخاص بعيدًا عن صخب المدن الكبرى. عالم شلبي الروائي هو عالم الشارع المصري، الحارات الشعبية، والأسواق، حيث يعيش المهمشون، الأوباش، والشطار. في روايات مثل “وكالة عطية” و”صالح هيصة”، يقدم شلبي شخصيات من قاع المجتمع، لكنه لا يكتفي بتصويرهم كضحايا، بل يمنحهم أبعادًا إنسانية عميقة، تجمع بين الضعف والقوة، اليأس والأمل.
شلبي كان رائدًا في ما يُعرف بالواقعية السحرية في الأدب العربي. في أعماله، يمتزج الواقع بالأسطورة بطريقة تجعل القارئ يصدق الأحداث مهما بدت خيالية. على سبيل المثال، في روايته “رحلات الطرشجي الحلوجي”، يأخذنا في رحلة تاريخية خيالية حيث تتحدث الأشجار والحيوانات، وتتجسد المادة في كائنات حية، لكن هذا الخيال يظل متجذرًا في الواقع الاجتماعي والثقافي للمجتمع المصري. هذا المزج بين الواقع والخيال جعل أدبه فريدًا، حيث يستطيع القارئ أن يرى نفسه في هذه العوالم، حتى لو كانت تبدو بعيدة عن الواقع الملموس.
أدب خيري شلبي ورسالته
أسلوب خيري شلبي يتميز بالبساطة والعمق في آن واحد. لغته مزيج بين الفصحى والعامية، مما يعكس طبيعة الشخصيات التي يكتب عنها. كما أنه كان بارعًا في استخدام السرد الحكائي، حيث يشعر القارئ وكأنه يستمع إلى حكواتي يروي قصصًا من قلب الحارة المصرية. شلبي لم يكن يكتب لمجرد الترفيه، بل كان يحمل رسالة واضحة: إبراز هموم المهمشين وإعطاؤهم صوتًا في الأدب. في روايات مثل “الأوباش” و”بغلة العرش”، ينتقد شلبي الظلم الاجتماعي والفساد، لكنه يفعل ذلك بطريقة غير مباشرة، من خلال قصص الشخصيات وتفاصيل حياتهم اليومية.
رسالة شلبي الأدبية تتمحور حول الإنسانية والعدالة الاجتماعية. كان يؤمن أن الأدب يجب أن يكون مرآة للمجتمع، لكنه لم يقدم هذه المرآة بطريقة مباشرة أو خطابية. بدلاً من ذلك، استخدم الفكاهة، السخرية، والحكايات الشعبية لنقل رؤيته. في “صالح هيصة”، على سبيل المثال، يصور حياة شخصية مثيرة للجدل من قاع المجتمع، لكنه يقدمها بطريقة تجعل القارئ يتعاطف معها رغم عيوبها. هذا النهج يعكس إيمان شلبي بأن كل إنسان، مهما كان وضعه، يستحق أن يُسمع ويُفهم.
شلبي أيضًا كان مهتمًا بالتاريخ والتراث، وهو ما يظهر في أعمال مثل “صحراء المماليك” و”ثلاثية الأمالي”. لكنه لم يكتفِ بتوثيق التاريخ، بل أعاد صياغته بطريقة تجمع بين الحقيقة والخيال، مما جعله رائدًا في الفانتازيا التاريخية في الأدب العربي.
مقارنة مع كتاب عصره
عاش خيري شلبي في فترة زمنية غنية بالأدباء المصريين الكبار، مثل نجيب محفوظ، يوسف إدريس، ومحمد عفيفي مطر. كل من هؤلاء الكتاب كان له نهجه الخاص، لكن شلبي تميز عنهم في عدة جوانب.
مع نجيب محفوظ: نجيب محفوظ، الحائز على جائزة نوبل، كان راوي المدينة المصرية بامتياز، خاصة القاهرة. في أعماله مثل “الثلاثية” و”أولاد حارتنا”، ركز محفوظ على تصوير المجتمع المصري من خلال طبقاته المختلفة، مع اهتمام كبير بالجوانب الفلسفية والرمزية. بينما محفوظ كان يرسم لوحة شاملة للمجتمع، كان شلبي أكثر تركيزًا على المهمشين والطبقات الشعبية، مع أسلوب أقرب إلى الحكاية الشعبية. محفوظ كان يميل إلى التأمل العميق والتحليل الاجتماعي، بينما شلبي كان يعتمد على السرد الحيوي والفكاهة لنقل رسالته.
مع يوسف إدريس: يوسف إدريس، الذي اشتهر بقصصه القصيرة مثل “أرخص ليالي”، كان صوتًا قويًا للفلاحين والطبقات الشعبية، وهو ما يشترك فيه مع شلبي. لكن إدريس كان أكثر مباشرة في نقده الاجتماعي والسياسي، وغالبًا ما استخدم أسلوبه للتعبير عن غضبه من الظلم والفساد. شلبي، على العكس، كان أكثر ليونة في نقده، حيث استخدم الفكاهة والسخرية لتصوير الواقع بدلاً من المواجهة المباشرة. كما أن شلبي كان أكثر تنوعًا في موضوعاته، حيث تناول التاريخ والفانتازيا بجانب الواقعية، بينما إدريس ركز بشكل أكبر على اللحظة الراهنة والصراعات النفسية.
كان شلبي أكثر ارتباطًا بالأرض والناس. أدب شلبي كان أقرب إلى الحياة اليومية.
الخلاصة
خيري شلبي هو روائي استثنائي استطاع أن يخلق عالمًا أدبيًا يجمع بين الواقع والخيال، مع تركيز خاص على المهمشين والطبقات الشعبية. أدبه يحمل رسالة إنسانية عميقة، تتمحور حول العدالة الاجتماعية وإعطاء صوت لمن لا صوت لهم. مقارنة بكتاب عصره، كان شلبي أكثر قربًا من الشارع المصري، وأكثر تنوعًا في موضوعاته، حيث جمع بين الواقعية السحرية، الفانتازيا التاريخية، والنقد الاجتماعي بأسلوب حكائي ممتع. بينما كان نجيب محفوظ يصور المجتمع بعين شاملة، ويوسف إدريس ينتقد الظلم مباشرة.
كان شلبي حكاء المهمشين، الذي جعل من قصصهم ملحمة إنسانية تستحق التقدير.

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.