قراء في كتاب الفوتوغرافي انور الدرويش .. عين حاذقة وفكر متقد لهيثم فتح الله عزيزة
عبد الامير عسكر
كأي ممحاة زمانية، خيل لي أن القصة بدأت لتتجه نحو بطون الأرشيف، وهناك قد تنجو من معترك أو لا تنجو أمام زحام يخضع لمماح تسمو بتيجان الحذف.
لكن، بعض الأيام تلد أخريات، ولعلها تأتي بفاتنة تحمل لنا يومًا مختلفًا مثل دهشة مصابة بالتخمة، وكأن المطر بدأ نشيده، هكذا أتينا مرة ثانية لسماع قصائد أنور الدرويش بعد أن لقاؤنا من خلال معرضه الصوري الثالث ” نوافذ الزمن”، وطويتُ مقالة ” حكايات الصور.. عوالم إنسِيّة ” عن تلك المحطة، حتى أسمع كما الكل إلى طقس بدأ بمطر على أرض كلية الفنون الجميلة جامعة الموصل، ثم غدا حديثًا وصورة أو كما أعاد عنونتها صاحب الكتاب “عين حاذقة وفكر متقد” وسيد التوثيق البهي “هيثم فتح الله عزيزة”، هكذا قال لنا ” بأنها لوحات فوتوغرافية”.
إذن الصورة تلد حتى تؤخذ إلى عوالم الإبداع لتمر بحيوات فنية ورؤية مختلفة ثم لتتجه إلى ولادة ثانية جديدة مختلفة لتحمل اسمًا يعطيها التفرد والتباهي، هكذا هنّ الصور عندما يذقن عبق الاهتمام وشذى الاحتواء؛ يتحولن إلى لوحات فاتنات يتشاكسن أمام أعين المارين.
كانت الخريطة إلى هذه الوجهة وبقية الحكاية التي بدأت بصورة ثم سرد وصورة، لذا كيف ننفك من هذا اللحاق الحميد ونحن نتوق له حد الشغف والتشبث؛ واللهفة، ودس أنفسنا إلى هذا المعنى الصوري.
بقينا هناك على أرض المعهد الثقافي الفرنسي وحيث طقوس التوقيع، ننصت إلى قافية الكتاب، حتى وصلنا إلى ما يشبه المحطة النقدية، ولم تكن الرحلة تعاني من توقفات، كنا نتنقل بعبور بلا غفوة أو ترجل، فثمة تذاكر تحمل إشارات خضراء تركها لنا “عزيزة” ضمن حوارات الجلسة (ما مضمونها):
– أن نأخذ الصورة ثم لنرى ماذا وراءها من أحاديث، وماذا يود المصور من الصورة؟
– نرى الصورة ما بها من لون، وضوء، وظل، وإنسان،، حيوان، وجماد، كيف بُنيت كل هذه الأشياء معًا وأعطت البنية النهائية للتصوير؟
– تترك الجمالية لتُتْبع فكرة الصورة.
– ما بها الصورة من تميز لإضافة عنصر الروح والتفرد وخلق عالم الحياة والحركة.
– الصورة تاريخ.
– أن نأخذ الصورة ونقف عندها وكأننا تقرأ لها بعدًا جديدًا.
– أن نبدأ بقراءة الصورة بطريقة جديدة: نحلل، نفسر، نوضح، نُظهر ثم نذهب إلى خفايا الصورة، نرى اللون، الفكرة، مركز الدهشة، الأسلوب، زمانية الصورة ومكانها ولأي الأسباب جاءت هكذا ولم تأتي كما المتوقع؟
الباحث الفوتوغرافي “عزيزة” علق بصوريات الدرويش إلى سماء الأوراق وجعل منها لوحات كما الشموس العديدة لنا، أعطاها عنوانات ومنها نتوغل إلى فهم مفاهيم جديدة وقراءة مختلفة للصور، ونحن نتبع مسارها المرسوم لنا وفق بنائية تنضيدية في غاية الجمال، فالصورة كما الحياة لها وقع وكينونات عديدة، فهناك عالم الصورة بالأسود والأبيض والعتمة والنور والظل والصور الملونة وإلى صورة (الفنتازيا) كما بوبها في باب أخير من كتابه، هذه البوابات مع إضافات كتابية ورؤية بصرية ونقدية وخبرة بحثية فضلاً عن التجربة العملية التصويرية لـ”عزيزة ” لتعطينا مساحة استيعابية أكبر لفهم عالم الصورة وللتقرب أكثر من فكرة الفوتوغراف كما هو هذا العالم البهي.
وما جاء من نوافذ الرحلة (سبعة من الـ هل):
-هل الصورة تتحدث، وماذا نسمع لو وقفنا ننصت إليها؟
– هل الصورة تتحرك، كيف يحدث ذلك؟
– هل تبكي الصور، أين دموعها، ماذا بشأن الزمن والمكان، عنصرا يباس حادثة الدمع؟
– هل تخرج عناصر الصورة في لحظة دهشة إلى واقعنا؟
– هل بالإمكان أن ندخل إلى الوجود الصوري، لنعيش لحظة توثيقها؟
– هل للماديات الصورية شعور، وفكرة، بإمكانها أن تخرج لتتجول معنا حيثما تنقلنا؟
– هل الصوريات لها أعمار مختلفة للحديث؟! إذا ما قلنا أنها تتحدث (وهذا ما أؤمن به)، كأن تناغي في ولادتها وتتغنج في غضتها وأن ترقص في وردتها حتى تأخذ مسار الحياة كما الاعتياد.