آخر تحديث 3 أكتوبر 2023
من المنطقي بالنسبة للأطفال أن يشاهدوا أعمال الرسوم المتحركة التي تشعرهم بالبهجة والسعادة وذلك كان حالنا في وطننا العربي الكبير، وهو نفس الحال والوضع في غالبية دول العالم، وكانت جميع تلك الأعمال بالنسبة للكبار والصغار تسمى أعمال “الكارتون” وهي كلمة تعبر عن الرسوم المتحركة لكن الأمر في الحقيقة أكثر تعقيدًا من ذلك!
فكلمة كارتون لم تكن تعبر أبدًا عن كل أعمال الرسوم المتحركة، والحقيقة أن التعبير الأشمل لكل تلك الأعمال هو “الرسوم المتحركة” ففي يومنا هذا أصبحت تلك الأعمال تنقسم إلى “كارتون” و”أنمي” وهما لا يعبران عن نفس الشيء أبدًا كما قد يعتقد البعض.
وإذا رجعنا لأصل الكارتون أو الأنمي فهما التجسيد المرئي للقصص المصورة، والتي أيضًا انقسمت إلى العديد من المصطلحات لعل أبرزها بالنسبة لنا هو “الكوميكس” و”المانجا”، وتلك الأعمال لم تعد تخاطب الأطفال فحسب كالسابق.
بل أصبحت تخاطب المراهقين، والشباب وحتى الكبار، للدرجة التي تجعل مسلسل “ون بيس” المقتبس من “المانجا” واحد من أنجح أعمال نتفليكس على الإطلاق، وأفلام مارفل المقتبسة من “الكوميكس” الأكثر تحقيقا للأرباح عَبر التاريخ.
أصبحت تلك الكلمات “الكوميكس والمانجا” وأيضًا “الأنمي والكارتون”، تستخدم بصورة متداولة بين الشباب هذه الأيام ولكل منها محبيه ومريديه.. فما هو الفارق بينهما يا ترى؟.
نرشح لك: كيف تتابع أفلام عالم مارفل السينمائي من البداية وحتى الآن؟
نحاول الإجابة يا عزيزي القارئ اليوم في “أراجيك فن” وتوضيح أبرز الفروقات بين “الكوميكس” و”المانجا” في إطار سلسلتنا المتخصصة بعد مقال (1) و(2) حول ما فعله اليابانيون مع تطور فن الأنمي.
المانجا والكوميكس، قصص مصورة لا ترسم بنفس الطريقة!
ربما يتجسد الفارق الجوهري ما بين المانجا والكوميكس في طريقة رسم كلا منهما، فعلى الرغم من اعتماد كليهما على القصة المصورة، إلا أن طريقة الرسم مختلفة بشكل كبير، فالكوميكس تعتمد بشكل جوهري على طريقة رسم شبه واقعية للبشر، فلا نجد فيها اختلافات كبيرة ما بين الواقع والقصة، أمًا المانجا فهي تعتمد على طريقة رسم خيالية بشكل أكبر.
نرشح لك: أفضل أفلام الأنمي 2023.. سينما تعكس تعددية الثقافات وأفكار العالم الحقيقي!
لأن المانجا لديها طريقة مختلفة في رسم البشر، ونجد هذا الأمر جليًا في العمل الأنمي الأيقوني “Astro boy”، والذي وضع مؤلفه Osamu Tezuka الكثير من قواعد رسم المانجا والأنمي السارية حتى يومنا هذا، مثل الأعين الواسعة، قصات الشعر الغريبة والمميزة، الأنف الصغير، وتعبيرات الوجه المبالغة.
انعكاسات لثقافات الشعوب
تعتبر قصص الكوميكس والمانجا هي انعكاس لثقافة الشعوب المبدعة لها في المقام الأول، فالكوميكس هو فن القصص المصورة الغربية والتي تعتبر أمريكا الرائدة لها، فنجد معظم قصص الكوميكس تعتمد على التأثير من خلال الانتصار بالقوة أو الخدعة، مثل سوبر مان، وباتمان، وغيرهم من الأبطال الذين يهزمون أعدائهم بالقوة أو الخدعة.
وهي تعبر عن الثقافة الأمريكية والغربية التي تعتمد على المكسب المادي، وتحقيق الخير من خلال الانتصار على الشر وتدميره، أو هزيمته بشكل واضح، فحتى كارتون الأطفال توم وجيري، يعتمد على فوز جيري عن طريق الخدعة على القط توم.
نرشح لك: أفضل أفلام استديو غيبلي.. روائع سينمائية بتوقيع عبقري الأنمي هاياو ميازاكي!
بينما قصص المانجا تعتمد على التأثير في الآخر، فبالتأكيد يجب أن يكون البطل قويًا لينتصر على الأشرار، لكنه يستمد تلك القوة من الصداقة والحب، وكثيرًا ما نجد بُعدًا معمقًا في قصة المانجا والتي تحاول أن تتعامل مع قصة الشرير وليس فقط القضاء عليه، فمثلاً نجد تأثير ناروتو على أشرار قصته للدرجة التي جعلت بعضهم يساعده في النهاية!
وهذا البعد الأعمق هو الذي يعطي قصة المانجا رونقها الخاص، ويتجلى هذا الفارق في تعامل الكوميكس مع البطل نفسه والذي يجسد دائما قيمة العدالة المطلقة وهو المصطلح الغربي الغير واقعي.
والذي يجعل من لديه القوة يفرض منطقه على الجميع، فهي عدالة المنتصر، أمًا في المانجا فنجد قصة مثل هجوم العمالقة والتي يصبح القارئ والمشاهد أمامها في حالة من الحيرة بسبب عدم قدرته على تحديد الخير من الشر.
نرشح لك: أفضل شخصيات ون بيس.. الأنمي المحبوب في جميع أنحاء العالم!
ففي قصة المانجا وعالم الأنمي نجد أن الشخصيات أكثر واقعية عن الكوميكس، وأكثر تمتعًا بالطبيعة البشرية التي لا يجب أن تحكم على الأمور من المنظور المزدوج “الخير والشر” بل يمكن لنفس الشخص أن يمتلك جانبًا من الخير وآخر من الشر في نفس الوقت لأنه في النهاية إنسان وقد يصيب أو يخطئ.
التنوع بين القوى الخارقة والإثارة
ويعتبر من أهم نقاط الاختلاف بين الكوميكس والمانجا هو اعتماد أغلب قصص الكوميكس على تجسيد قصة البطل الخارق؛ فقلما نجد كوميكس لا يتناول موضوع القوة الخارقة للأبطال، أو القوى القادمة من الفضاء الخارجي، وقد أبدعت قصص الكوميكس في تناول هذه الأمور.
وقد اقتبست تلك القوى الغريبة من الفضاء مثل سوبر مان كما قلت أو حتى من الأساطير والثقافات القديمة، مثل ثور المقتبس من الأساطير الاسكندنافية، وأكوا مان المقتبس من أسطورة بوسيدن اليونانية وقصة فارس القمر “Moon Knight” المقتبس من الأساطير المصرية القديمة.
وجد ذهبت أيضًا المانجا في نفس الاتجاه مع الكوميكس، ولكنها أيضًا تناولت موضوعات أخرى أكثر تنوعًا، مثل مانجا “كابتن تسوباسا” والمعروف في الوطن العربي تحت مسمى “الكابتن ماجد” الذي يتناول قصة البطل في أن يصبح أفضل لاعب كرة قدم في العالم، وأيضًا مانجا “هاجيمي نو إيبو” للبطل الذي يحترف الملاكمة.
بالتأكيد في البداية كانت غالبية قصص المانجا تعتمد على الأبطال الأقوياء، لكن الآن أصبح هناك أنواع مختلفة وتقسيمات كثيرة لقصص المانجا والأنمي، فهناك الأنمي الأكشن مثل “دراغون بول”، والمغامرة مثل “ون بيس”، والرياضة مثل “كابتن سوباسا”.
نرشح لك: مشاهد أسطورية ربطت نسخة أنمي one piece مع المسلسل الواقعي.. هل تلاحظها؟
والرجال الآليون مثل “جاندام”، والأطفال مثل “همتارو” والغموض مثل “المحقق كونان” والرومانسية مثل “Ao haru ride” وأيضًا “My little monster” والسحر مثل “بلاك كلوفر”، والشياطين مثل “الخطايا السبعة المميتة” والدراما مثل “أنا وأخي”، وغيرها الكثير.
القصة أمً الإبهار البصري؟
لا يمكن لقصة مصورة ناجحة أن تعتمد على عامل واحد في الإبهار، ولهذا فقد اعتمدت الكوميكس والمانجا على عاملي القصة والإبهار البصري.
نرشح لك: جدل حاد بعد عرض إحدى حلقات One Piece.. ألم يكن أنمي أسطوريًا أم رسمًا سيئًا؟
لكن تعتبر صناعة الكوميكس غير المربحة في حد ذاتها، وذلك بسبب الاعتماد على جودة ورق أفضل وأيضًا اعتمادها على عدد صفحات أكبر.
وتصدر معظم الكوميكس بشكل منفصل إلا في حالات نادرة، أمًا بالنسبة للمانجا فهي تعتمد بشكل أكبر على النشر في مجلات وليس في أعداد خاصة بها “إلا في المجلدات المجمعة”، ولهذا نجد مجلات مثل شونين جامب وغيرها تقوم بنشر أكثر من مانجا معًا.
ولهذا اعتمدت المانجا في معظم أعمالها على عدد أقل من الصفحات، وجودة أقل في الرسم والطباعة، فنادرًا ما تصدر المانجا بشكل ملون، ولهذا اعتمدت بشكل أكبر على القصة كعامل الجذب الأول للجمهور، وذلك بخلاف الكوميكس التي تعتمد على الإبهار البصري سواء في قصصها أو حتى في مسلسلاتها التلفزيونية “الكارتونية”.
حضور النسوية وغياب الأجندات المصطنعة!
اتجهت الكثير من أعمال الكوميكس أو الكارتون الأمريكي أو حتى الأعمال السينمائية والتلفزيونية المبنية على قصص الكوميكس إلى الأجندات المختلفة من أجل بقاء القصة شعبية وناجحة.
على سبيل المثال نشاهد توجهًا عامًا بدعم النسوية في أدوار البطولة وهو ما نشاهده في سلسلة أفلام “X-Men” ومارفل مؤخرًا، كشخصية Super Woman، وشخصية Cat Woman وحتى شخصية “كابتن مارفل” بل وحتى مسلسل “she Hulk” الذي لم يحقق نجاحًا يذكر.
وربما يعتقد البعض أن هذا التوجه هو لدعم تلك الأفكار في المقام الأول وهو أمر غير الصحيح، فالهم الأكبر لتلك الشركات هو جذب جماهيرية أكبر من قطاع السيدات الذي كان أقل اهتمامًا بالقصص المصورة لفترة طويلة في المجتمع الأمريكي، وذلك بهدف التحقيق الكسب المادي الأعلى لتغطية تكاليف الإنتاج الباهظة لقصص الكوميكس أو حتى أفلامها.
وفي الجانب الآخر نجد تراجعًا لهذا الدور الأنثوي في أعمال المانجا والأنمي الشهيرة مثل “ون بيس” و”ناروتو” و”هنتر هنتر” و”دراغون بول” وغيرها الكثير.
نرشح لك: “أنمي ليس للأطفال”.. كيف استمرت فلسفة Bleach لأكثر من 300 حلقة في القتالات الدموية المذهلة؟
ونجد اقتصارًا شديدًا لدور المرأة في هذه القصص إما كدور الدافع للبطل أو مساندة له، أو استخدامها في بملابس مغرية مثل “ون بيس” و”ناروتو” وقد يجد البعض هذا نقطة ضعف في المانجا أو الأنمي.
ولكنها تحاول القيام بتغطية نقطة الضعف هذه بإنتاج أعمال أخرى من بطولة نسائية لكنها مقتصرة بشكل كبير على المانجا الرومانسية والمانجا الموجهة للكبار فقط.
ومن وجهة نظري فعلى الرغم من اعتماد الكوميكس على بطولة المرأة من أجل الكسب المادي إلا أنها شجعت على البطولة النسائية وساهمت في تحسين دور المرأة داخل القصص المصورة بشكل أفضل من المانجا.
ولكن أيضًا يحسب للمانجا الابتعاد في معظم أعمالها عن الأجندات الجنسية الغريبة التي أصبحت فاعلاً رئيسيًا في الكوميكس؛ فقضايا مثل الشذوذ الجنسي أو التحول الجنسي نجدها موجودة بشكل أكبر في الكوميكس وعلى الرغم من عدم غيابها بشكل كامل في المانجا والأنمي إلا أنها محدودة بشكل كبير، وهي نقطة قد يجدها مجتمعنا العربي الشرقي جيدة في الأنمي والمانجا.