4 مصورات عربيات محترفات يتحدثن عن تحديات مهنة يعشقنها
تُجمّد الصورة اللحظة وتحفظها من الضياع وتدفع بالناظر إليها إلى القبض على ماض عاشه. الصورة أيضاً مصدر للمعرفة، إذ هي تُقرّب البعيد للناظر إليها، وتوسع مداركه ومعلوماته عن عوالم، مثل: الأفلاك والأماكن البعيدة. الصورة وثيقة ومنتج فني وواقع وماض، كما أرشيف حياة. في ملف «سيدتي» الأسبوعي، 4 مصورات عربيات محترفات يتحدثن عن تحديات مهنة يعشقنها ومآلاتها، في ظل التكنولوجيا.
أشرفت على التحقيق وشاركت فيه | نسرين حمود Nisrine Hammoud
بيروت | عفت شهاب الدين Ifate Shehabdine وماغي شمّا Chamma
تصوير| ذبيان سعد Zubian Saad – محمد رحمة Mohamad Rahme
الرباط | سميرة مغداد Samira Maghdad
الرياض | بيريفان علي Berivan Ali
تقول الكاتبة والناقدة والناشطة الأميركية سوزان سونتاغ (1933-2004)، في مؤلفها بعنوان «حول الفوتوغراف» الصادر عن «دار المدى»: «عبر الصور الفوتوغرافية، تسجل كل عائلة تاريخاً صورياً لنفسها، وصندوقاً محمولاً من الصور، بمثابة شاهد على ترابطها. لا يهم ماهية النشاطات التي صورت، طالما أن الصور التقطت وحفظت».
كان اقتناء الكاميرا حلم عائلات كثيرة، وتوثيق الأعراس طقس اجتماعي أساسي، ثم ما لبثت الكاميرا أن أصبحت «شاهدة» على العالم، بحلوه ومره واستهلاكه المفرط. مع انتشار «الموبايلات» الذكية المزودة بكاميرات، لا تمر لحظة من دون توثيق، ومع الذكاء الاصطناعي تطال الصور التزييف.
ملونة أو سوداء وبيضاء، مطبوعة على الورق أو محفوظة في ملف على الهاتف أو «اللابتوب»، لم تفقد الصور تأثيرها. فماذا يقول المصورون المحترفون، في هذا الإطار؟
توثيق الأحداث والمشاعر والأفكار
شيماء إدريس: يسمح فن التصوير بقليل من الهدوء والتأمل في هذا العالم المتسارع
بحسب المصورة الفوتوغرافية السعودية شيماء إدريس، ترجع أهمية الصورة الفوتوغرافية إلى توثيق الأحداث والمشاعر والأفكار بدقة، إذ هي تُشكّل الجزء الأكثر وضوحاً في الذاكرة حين يتعذّر الكلام، كما تعكس وجهة نظر المصور الذي التقطها، بما فيها من إيحاءات وسياقات اجتماعية وثقافية وإنسانية.
تقول المصورة لـ«سيدتي» إن رحلتها في عالم فن التصوير بدأت من خلال كاميرا اقتنتها من أجل تصوير أفراد عائلتها، عندما كانت تبلغ 12 عاماً من عمرها. مذّاك، جذبها الفوتوغراف الذي تعلمت أصوله، فتحول الهوى بالتصوير إلى احتراف ومهنة تهدف من خلالها إلى تخليد الذكريات، ووضع بصمة مميّزة في هذه المهنة «الجميلة». ترى شيماء إدريس أن المصور ينغمس في الأحداث، لكنه يصوّرها على حقيقتها، من دون أي تدخل من جانبه، ليصل بذلك إلى الحقيقة، لافتة إلى أهمية متزايدة يتخذها فن التصوير، في الوقت الراهن، إذ يسمح بقليل من الهدوء والتأمل في هذا العالم المتسارع.
عن الموضوعات التي تُركّز المصورة شيماء على تقديمها، تقول إنها ترغب في نقل كل فريد للناس، الأمر الذي يشكّل دافعاً قوياً لتكدح وتجتهد حتى تصل إلى مكان من الصعب على أي مصور آخر الوصول إليه، لوضع اسمها وبصمتها في هذه المهنة.
وعن التحديات والصعوبات التي تواجهها، تقول إنها عانت كثيراً في بداية خطواتها في هذا العالم، من أجل تحصيل المعلومات والنصائح، لكن تغير الوضع للأفضل مع سيطرة التكنولوجيا. وتتابع الحديث عن الصعوبات، قائلة إن حمل الكاميرا في الأماكن العامة وإصدار التصاريح اللازمة للتصوير فيها ليس سهلاً، وكذلك هو التوفيق بين العمل الذي تمتهنه والتصوير بوصفه مهنة، موضحة في هذا الإطار إنه يمكن للمصور التقاط أفضل الصور في العالم، لكن إن لم يكن مرموقاً ومشهوراً، فمن الصعب جذب المهتمين بهذا النوع من الفن، مضيفة أن التعامل مع الأطفال يعدّ من أكثر الصعوبات التي تواجه أي مصور، إذ يستغرق أخذ لقطة كثيراً من الصبر والوقت ويتطلّب مزيداً من الخبرة.
الذكاء الاصطناعي
توضح المصورة شيماء إدريس أن كل مصور يحرص على تقديم نظرته الخاصة للوجود عبر عدسته وإيصال رسائل معينة من خلال الصور التي تمثل أعمالاً فنية. وتضيف أنه «يمكن تمييز الصور الفوتوغرافية من تلك التي يبتكرها الذكاء الاصطناعي عبر النظرة الفريدة التي يتفرد بها كل مصورٍ على حدة، إذ يحرص المصور الخبير على تكوين بصمته الخاصة، التي يُعرف بها لمجرد مشاهدة عمله حتى من دون ذكر اسمه، مشيرة إلى أن موضوع التميز في عالم الفوتوغراف، يتطلّب رفع الوعي حول التلاعب بالصور ومحاولة إيجاد حلول تقنية لكشف هذا النوع من التزييف». لكن، لا تغفل المصورة المحترفة عن ذكر دور الإنترنت، الذي يُمثل مورداً رائعاً للمساعدة، من الناحية العملية، وللإفادة من تقنيات التعلّم، لكن الأهم من ذلك كله الممارسة، فليس هناك ما يضاهي التقاط الصور الفوتوغرافية في الواقع، وكلما أخذ المصور المزيد من الصور، تعلّم حيلاً جديدةً وحدّد أسلوب التصوير الذي سيتبعه.
حقوق ضائعة
يتسبب نشر الصور الفوتوغرافية، على منصات التواصل الاجتماعي، بضياع حقوق المصورين، في غالبية الأحيان، كما جهودهم. في هذا الإطار، تتحدث فادية أحمد، الفنانة التشكيلية المعاصرة والمصورة الفوتوغرافية والمخرجة السينمائية، لـ«سيدتي» عن فقدان حقوق المصورين بصورهم، في عصر «السوشيال ميديا». لكن، تؤكد أن كل فنان ومصور معاصر، يعكس هويته وشخصيته وأسلوبه، من خلال أعماله، ما يسهل على نقاد الفن أو المتخصصين في مجال الفن المعاصر معرفة أن الصورة تنتمي لمجموعة فادية أحمد الفنية، مثلاً، بالإضافة إلى أن الموقع الإلكتروني الخاص بها يعرض مجموعة وافرة من أعمالها مع حقوق النشر، وكذلك صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، بهدف حمايتها كفنانة، كما حماية جامعي الصور.
عن واقع التصوير، في المجال الأكاديمي، توضح أن «لا اختصاص جامعيّاً يتعلق بفن التصوير حصراً، بل يندرج الأخير ضمن الإخراج السينمائي أو التلفزيوني، والسبب يرجع إلى عدم الحاجة إلى دراسة التصوير لأربع سنوات، علمًا أن تحت خانة فن التصوير، هناك فئات، مثل: التصوير الصحفي والتصوير الفني… وكذلك يمكن لمن لن يتسن له دراسة الإخراج في إطار جامعي، أن يلتحق بدورات خاصة لتعلم فن التصوير». وتشدد المصورة على الفكرة المتعلقة بالرسائل التي يرسلها الفنان من خلال الصور والمشاعر التي يشاركها عبرها، من دون تمييز بين مصور ومصورة، فالنوع الاجتماعي ليس عائقاً في المجال، لكن الأهم هو الجانب الإنساني للمصور الذي يبرزه من خلال العدسة. صحيح أن المصورين يفوقون المصورات عدداً، في مجال التصوير الصحفي الذي يتطلب قدرات جسدية كبيرة، خصوصاً في ساحات الحروب، كذلك حمل المعدات الثقيلة، فيما التصوير في مجال الفن المعاصر يستقبل المصورين والمصورات معاً.
تعرفي إلى حقائق مدهشة عن التصوير الفوتوغرافي
تحدّيات مهنية
التصوير الفوتوغرافي في عينيّ اللبنانية ناتالي مقدّم، مهنة ذات شعبية كبيرة وانتشار واسع، وفن يتطلّب ممن يشتغل فيه موهبة ودقة وحباً بالتفاصيل. تقول المصورة اللبنانية وصاحبة استوديو Too cute to shoot أنه من خلال الكاميرا، يلتقط المصور الفوتوغرافي المشاعر والجمال والتميز والطرافة والتنوع واللحظات السعيدة المؤثرة والصادمة والحزينة، سواء كانت الصور لأشخاص أو أماكن أو مشاهد معدّ لها مسبقاً… عن دور المصوّر المحترف، مع انتشار التكنولوجيا الهائل وتقنياتها، تؤكد المصورة لـ«سيدتي» أن التطوّر التكنولوجي السريع وتوافر الهواتف المحمولة المزودة بكاميرات في أيدي غالبية الناس وكثرة الهواة في المجال، كلها تحديات يواجهها المصورون المحترفون، لكن لا يمكن القفز عن مميزات هؤلاء من ذوق وحس داخلي بالجمال ومهارات وأفكار إبداعية وحس فني واهتمام بالتفاصيل، مع مهارات استخدام الكومبيوتر وبرامجه. وتُسلط الضوء على دور التكنولوجيا في تغيير أمور كثيرة في المهنة، لكن ذلك لا يلغي الحاجة إلى المصور المحترف الذي يجدر به مواكبة هذا التطور والتعامل معه. تقول، في هذا الإطار: «للتطوّر وجهان؛ أحدهما إيجابي والآخر سلبي، فإذا كانت التكنولوجيا ساهمت في سرعة نقل الصورة في غضون ثوان معدودة لجميع أنحاء العالم وانتشارها، إلا أن سهولة عملية التصوير ساهمت في الوقت نفسه في انتشار من يعرفون بالمصورين غير المحترفين الذين لا يفكرون في الجانب التقني بقدر تركيزهم على كيفية الضغط والتقاط الصورة مهما كانت جودتها، وهؤلاء هواة لا يمتلكون الخبرة الكافية». وتزيد أن «هناك فرقاً شاسعاً بين المصور المحترف وذلك غير المحترف، فالأول يمتلك العين والذوق اللذين يساهمان في تحديد الصور المطلوبة بشروطها وتفاصيلها ومعلوماتها (الزاوية الأفضل وتفاصيل الإضاءة الخارجية…).
وتضيء على الفكرة المتعلقة بالمغالاة في استخدام «الفلاتر»، لا سيما للصور الشخصية، من العامة، الأمر الذي لا ينقل حقيقة الوجوه، فيما يبعد المصورون المحترفون عن ذلك. هؤلاء يسيطرون على تفاصيل جلسات التصوير داخل استوديوهاتهم وخارجها، مع الاتكاء على عيونهم لتحديد الأجمل.
تجربة المصورة فدوى الناصر
في المغرب، المصورة الصحافية الشابة فدوى الناصر، وجه من الوجوه المعروفة ضمن طواقم التصوير الصحافي المحترف، وهي خريجة المدرسة العليا للصحافة والتواصل، وتمارس مهنة التصوير منذ أكثر من سبعة أعوام. بعد أن جاءت إلى المؤسسة التي تعمل فيها اليوم، متدربة، وتعلمت أصول الأرشيف وحفظ الصور، تفتحت عيناها على عالم مثير وجميل، وركزت جهودها لتكون عند حسن ظن المسؤولين، تقول: «لم أعتقد أني سأدخل الصحافة من باب التصوير، لكن المسؤولة عن القسم الذي تدربت فيه شجعتني على ذلك، فلم أتردد، ووجدتني أمضي في طريقه ببهجة. راقتني الصورة التي تؤرخ وتوثق للحظات حاسمة ومهمة، وكان شغفي يزداد كلما نشرت لي صورة مع تعليق جميل، وتعبير راق، وبإخراج جيد يختزل ما التقطته بعين مهنية». وتضيف: «أشعر بسعادة غامرة كلما رأيت ما التقطته على صفحات الجريدة، وهو ما يحفزني على العطاء أكثر فأكثر».
عن الفروق بين المردود المادي الذي يتقاضاه المصور، وعمّ إذا كان يختلف عن ذلك العائد للمصورة، تقول إنها تجد أن عملها يُقدّر بشكل جيد ومعقول، ولا يختلف أبداً عن عمل الذكور من زملائها. لكن، ما تلاحظه في مجال عملها هو الثقة التي تمنح في مجال التصوير الصحافي للرجل أكثر من المرأة، فهذا قائم في واقع التعامل اليومي مع المهنة، ما يتيح للمصورين الشباب فرصاً أوسع للاشتغال». وتلفت إلى أنها تتضايق أيضاً من تواجد عدد كبير وهائل من المصورين، الذين لا تتوافر فيهم شروط الاحتراف والمهنية، ما يجعلها تعاني حتى من الوصول لمواقع بعض الأحداث، لالتقاط الصور المناسبة. لكن، ما تقدم لا يلغي أنها تلقى الدعم والتشجيع والاحترام. وهي قد طورت، مع التجربة، طرقاً للتواصل مع الناس لغرض التقاط الصور، بأمان، ولو أن حركة زملائها تكون أسهل في الأسواق الشعبية مثلاً، أو خلال وقائع صعبة، مثل: انهيارات المباني واندلاع الحرائق، لكن هي تتجاوز كل المحبطات وتثق في إمكانياتها وتحب عملها للغاية وتنظر إليه على أنه قدر واختيار.
في تعبير لافت عن علاقتها بالكاميرا، تقول «الكاميرا عيناي»، لذا هي لا تستغني عن آلة التصوير، حتى في أوقات الإجازة والتنزه، لأن توثيق الأحداث يتحول إلى إدمان، إلى حدّ أن بعضاً ممن يرافقها قد ينزعج من ذلك.
تهدي المصورة الصحافية الشابة عملها لوالدتها الراحلة، التي طالما تمنت أن تكون فدوى صحافية. وهي تعدّ نفسها، في تمرين يومي، لأجل الوصول إلى الصورة الأفضل والاقوى تعبيراً.فدوى الناصر: أشعر بسعادة غامرة كلما رأيت ما التقطته على صفحات الجريدة، وهو ما يحفزني على العطاء أكثر فأكثر