ليلى..فنانة فلسطينية على خطى ناجي العلي بأول رواية جرافيكية عن “البداوي”
وطن للأنباء – مي مرعي: غلافٌ لكتاب ذو طابعٍ غربيّ بالأبيض والأسود، يُحاط إطاره بخطوط تطريزية فلسطينية، يجسّد صورة طفلٍ وقد أدار ظهره للعالم بوقفة أشبه بوقفة حنظلة وطريقة رسم تحاكي رسوم المجلات الهزلية الغربية “Comic books”، الذي بات ملحوظا بدءُ انتشاره في الأوساط العربية، يحملُ عنوان مخيم لبنان للاجئين الفلسطينيين “بداوي – Baddawi”. وتثيرُ فضولك بداية هذه التركيبة المتناقضة من الفن الغربي في الرسم و”سكتش” التطريز الفلسطيني واسم مخيم “البداوي” المحفور بالذاكرة اللاجئة منذ عام 1948 مكتوباً باللغة الانجليزية، لتقرأ توقيعاً عربياً على الكتاب باسم “ليلى عبد الرزاق”. ليلى عبد الرازق، الفلسطينية الأصل التي ولدت في أميركا وكبُرت في كوريا، لم تتجاوز الـ 22 عاماً بعد وتخرجت حديثاً من الكلية، عملت على تأليف وتصميم أول رواية جرافيكية تحكي فيها وقائع وأحداث قصة والدها كطفل فلسطيني لاجئ نشأ في مخيم البداوي في لبنان منذ عام 1948. وعبرت ليلى عن غايتها من الكتاب لعدة وكالات أجنبية، قائلة “لطالما كنتُ مهتمةً في تسليط الضوء على قصة والدي والتعمق في معرفة تاريخ عائلتي، لم احظَ في صغري بفرصة زيارة لبنان”، مضفتاً “إن هذا الكتاب هو نتيجة للشتات الذي تربيت به كطفل ولد من رحم اللاجئين”. كانت ليلى ترسمُ الحكايات التي يتلوها عليها والدها وأخيها ومن ثم تنشرها من خلال مدونتها الخاصة أو الفيسبوك، حين عرِض عليها من قبل دار نشر “جاست وورلد بووك” أن يُنشر لها كتابها الخاصّ. بدأت ليلى حينها بترتيب سرد الحكايات والقصص، والذي دفعها إلى تعميق البحث في تفاصيل وقائع حياة والدها في مخيم البداوي بالإضافة إلى التعمق بتاريخ الأحداث السياسة المزامنة. حاولت بعزمها و شغفها لسرد الحكاية الصورية أن تستفزّ ذاكرة والدها لتذكّر أدق الأحداث والحالات العاطفية التي مرّ بها، فكانت تذكر له أحداثاً سياسيةً معينةً وتسأله حول مشاعره حينها أو ماذا كان يفعل في وقتها. فكانت صعوبة الأمر أن جواب الأب اقتصر أحيانا على “لا أعرف،، أو لا أذكر “. فكطفل تجد نفسك غير مدركٍ للأحداث المحيطة، فربما كنت قد سمعت بوقوع مجزرة ما ضد الفلسطيينين ولكنك لم تكن موجوداً في نفس المنطقة، لتدرك فداحة الأمر. كما تطرقت ليلى في بعض الأحيان إلى تداخل أحداث الحرب الأهلية اللبنانية في حياة والدها، وحول تداخل التاريخ اللبناني مع الفلسطيني. في جزء من الكتاب، يكتشف أحمد – البطل – أن المبنى الذي كان وجهته لتسوق الخضار قد تعرض للقصف، ويقف عاجزاً مشدوهاً أمام فظاعة المشهد! لتضفي لمسةً إنسانية لتجربة الفلسطيين اللاجئين، وكيف أجبر هؤلاء الشباب على أن يكونوا رجالاً في عمر صغير جداً لمواجهة مصاعب حياة الشتات. كما تعمقت ليلى في بعض تفاصيل الحياة والثقافة الفلسطينية، بكيفيّة صنع الزّعتر مثلاً أو دراسة أنماط التّطريز الفلسطينيّ والذي اختارته ليزيّن غلاف الكتاب، وشخصيّة القصة وقد أدارت ظهرها للنّاظر فتحاكيَ مشهد حنظلة متأثرةً بالفنان ناجي العلي. وحول ذلك تقول ليلى “لقد حاولت أن أرسم وجوهاً عدة في الرواية، لأعكس تعدّد الوجوه التي مرّت على والدي في المخيّمات، عوضاً على أن أكتفي بالحزن المتمثل في اخفاء الوجوه لأذكر الناس بمدى كبر هذه المجتمعات”. ليلى، كغيرها من كثير من الفلسطيينيّن الذين لم يعرفوا من الوطن سوى رواياته وتاريخه المحكيّ، عملت كأحد القلائل من الفلسطيين أن توثق التاريخ الفلسطيني برسوم بسيطة، مباشرة ومبدعة وواضحة ولعلّ اختيار ليلى للأسود والأبيض لكتابها لم يكن عشوائياً، فتاريخ وحق اللاجئين الفلسطيينين هو واضحٌ بيّنٌ كأبيضٍ أو كأسود… لا كثالثٍ مبهمٍ خلقه السياسيون ووضعوه في خانة الرمادي المتدرج بينهما!.