ماغنوم.. أول وكالة للتصوير الفوتوغرافي في العالم
ماغنوم.. أول وكالة للتصوير الفوتوغرافي في العالم
تصدرت صور وكالة «ماغنوم» للتصوير الفوتوغرافي، أهم وأكبر الصحف والمطبوعات في بلدان العالم المتقدمة، واستطاعت بناء ما يشبه الأسطورة الفنية، سواء على صعيد الصورة الوثائقية أو اللقطة الفنية، مع الحفاظ على مصداقية الموضوع.
ما إن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، حتى جمعت المصادفة بين أربعة مصورين فوتوغرافيين نجوا من مخاطر الحرب، في أحد مقاهي باريس. وخلال اللقاء تبلورت فكرة تأسيس وكالة ماغنوم. وكان ذلك عام 1947، أما المصورون الأربعة فهم كل من الأميركي الهنغاري الأصل روبرت كابا (1913 – 1954)، والفرنسي هنري كارتييه بريسون (1908 – 2004)، والأميركي من أصل بولندي ديفيد (شيم) سيمور (1911 – 1956)، والبريطاني جورج روجر (1908 – 1995). شعار ماغنوم كان الهدف من تأسيس الوكالة، التحرر من نفوذ السلطات السياسية والفكرية، وتقصي الموضوعية في العمل، واحترام الإنسانية، إلى جانب حفظ حقوق المصورين في الأعمال التي يقدمونها، مع حرية اختيار الموضوعات والزمن المطلوب لانجازها.
ومع مضي الزمن استطاعت الوكالة أن ترفد عالم فن التصوير الفوتوغرافي بثروة من الصورة الوثائقية للأحداث العالمية. حققت الوكالة نجاحاً كبيراً منذ تأسيسها، وعاشت عصرها الذهبي على مدى عقدين من الزمن، وحتى عام 1970، حيث استطاع مصورو الوكالة تغطية الأحداث العالمية بصورة موضوعية ونزيهة، وكانت أعمالهم مطلوبة من كبرى الصحف والمجلات المصورة في البلدان المتقدمة، على الرغم من اكتشاف التلفاز عام 1950. كما تجلت للوكالة فرصاً جديدة في الستينات من خلال المجلات والملاحق الأسبوعية المصورة بالألوان. وساهم في حركة الازدهار هذه، قدرة المطبوعات على دفع تكاليف المشروعات الطويلة الخاصة بماغنوم، والتي كانت تستغرق في بعض الأحيان، عدة أشهر، بهدف تقديم قصة شاملة تتجاوز السطح الخارجي.
وشكل اختراع التلفاز في عام 1950، وانتشاره، على الرغم من تأثيره السلبي على موارد الوكالة، دافعا جديدا لها للبحث عن موارد دخل إضافية. وهكذا، بدأت الوكالة تأخذ تكليفات بمشروعات تجارية في عالم صناعة الإعلان والترويج، وعلى الرغم من معارضة بعض الأعضاء، إلا أن التوجه الرئيسي اعتمد على حفظ التوازن بين الجانب الاقتصادي والأخلاقي. وأثار هذا الجانب العديد من الجدل بين أعضاء ماغنوم، على مر السنوات.وبعد تجاوز هذا التحدي،. وجدت الوكالة نفسها مرة أخرى، أمام مفصل تاريخي في عالم الصورة والإعلام في نهاية الثمانينات. وكان بمثابة التحدي الأكبر والأخطر، حيث وقف العالم على حافة ثورة في التقنية الرقمية، ليقابله انحدار في اهتمام الناس بقضايا وشؤون العالم. وهكذا تحول سوق المجلات إلى الصناعة الترفيهية والاستهلاكية، بين النجوم والسيارات وأسلوب العيش. كما انسحب هذا الواقع على التلفاز والمحطات الفضائية أيضاً.
وصل التحدي إلى ذروته، ببروز شبكة الانترنت حيث بدا وكأن العالم أفلت من لجامه ليتحول الأفراد العاديون بدورهم، وموبايلاتهم وأجهزتهم الأخرى، إلى مراسلين. وحين احتفلت ماغنوم بعيدها الستين في عام 2007، كانت وكالة أخرى ومختلفة بصورة كبيرة عن الماضي، ومع ذلك بقيت محافظة على معايير الصحافة المصورة الجيدة، والتي يصعب العثور على شبيه لها في ما هو متداول.
صراع البقاء
قامت ماغنوم بعدة مبادرات بهدف الحصول على مورد مالي والحفاظ على استقلاليتها، ومن أهمها طباعتها لست نسخ من مجموعة منتقاة من صور الوكالة، والتي أصدرتها الوكالة عام 1989، بمناسبة الاحتفال بمرور 40 عاماً على تأسيسها، حيث تم آنذاك، اختيار أهم 300 صورة من أرشيف ماغنوم الذي يضم ما يقارب المليون صورة.
وتأتي مبادرة ماغنوم بطباعة النسخ الست في عام 1989، كأحد الحلول التي توفر لها مورداً مالياً يضمن لها الاستمرارية والاستقلالية في التوجه الذي يعتمد على مقولة بريسون: (ماغنوم مجتمع فكري، ومفهوم إنساني مشترك، وفضول لمعرفة ما يدور في العالم، واحترام لما يجري ورغبة في نقله بصريا).
في زماننا
الجيل القديم من ماغنوم قلق على جيله اليوم في إطار تغيرات السوق، حيث بات أكثر اهتماماً بالفن منه بالصحافة، غير أن ذلك خاضع لواقع الزمن الذي تحكمه التغيرات بإيقاع سريع يصعب تداركه.
ومع ذلك يدرك القائمون على الوكالة اليوم، ان هذا التغير يحمل معه أيضا العديد من الفرص الإيجابية، ومن ضمنها مشروع (ماغنوم في حركة) الذي يتيح للمصورين وضع مقالات إلى جانب صورهم، على الانترنت، حيث يمكن تحويل الصورة الثابتة إلى متحركة من خلال استخدام تقنيات (نيت) الخاصة، والعكس صحيح.
وتحصل ماغنوم، بين الحين والآخر، على دعم مالي مهم، كالمنح الخاصة والعامة للقيام ببعض المشروعات، وتنظيم معارض لها لاحقاً. وتُشاهد صور الوكالة في ما لا يقل عن 100 معرض سنوياً.
رشا المالح