سوف أحاول في هذه المقالة أن أسرد بعض القواعد العامة التي يستخدمها المصور لتشكيل الصورة. تساعد هذه القواعد على بناء صورة جذابة قدر المستطاع وهي مستنبطة من الخبرة الإنسانية الفنية الطويلة الأمد. على أن هذا لا يمنع من كسر هذه القواعد حتى أنه قد تشكلت المقولة المشهورة بين المصورين: «القوانين وُضعت لتكسر». لذلك، عند قراءة هذه القواعد واستعمالها يجب على المصور الأخذ بعين الاعتبار بأنها مجرد أدوات مساعدة وليست قوانين! هناك بعض الآراء القائلة بأن تدريس وتعيين هذه القواعد هو مضيعة للوقت ولا يصب في مصلحة المصور المبتدئ لأنها ستحد من النظرة الفطرية المتكونة لديه أساسا، وتجعل العقل الفني أشبه بالآلة التي تحلل المشهد وتعمل وفق معايير مضبوطة، بدلا من التداول العاطفي مع هذا المشهد، والذي هو أساس التصوير الفني. على أية حال، لا يجب أن يُترك الأمر مطلقا. فهذه القواعد إنما وجدت لتكون أداة للمساعدة في حين أضطر المصور (بشكل ما) اللجوء إليها لعدم وجود النظرة المتأملة الفاحصة عند التصوير. وهذا شيء طبيعي. فقد تمتلك العاطفة المصور بشدة بشكل تجعل عقله الفني مغيبا أحيانا ويصبح العقل مشغولاً بتأمل ذات الصورة لا بتشكيل الصورة.
سأسرد هنا بعض القواعد العامة التي يدرج المصورون على استخدامها عند التصوير وسأحاول التحدث بشكل موجز عن كل واحدة منها. على أن الأمر منوط بالمصور نفسه في تجربة هذه الأمور حتى تكون من الأمور البديهية أحيانا. إن الأمر يتشابه إلى حد ما مع قيادة السيارة: أولا يفكر السائق في كل خطوة يعملها للقيادة بشكل سليم، وبعد التمكن من الأمر يصبح هذا السائق مرنا في التعامل مع السيارة حتى من دون التفكير فيما يجب فعله عند الانحناء أو التوقف وما إلى ذلك من أمور القيادة.
قاعدة الأثلاث
وهي من أشهر القواعد المعروفة في عالم التصوير على الإطلاق. تقول هذه القاعدة أن مناطق القوة التي تشد العين البشرية فطريا في أي صورة كانت هي تلك التي تتمحور حول منطقة الوسط (وليس منطقة الوسط ذاتها). أي، لو قسمنا المشهد إلى 3 أثلاث، عموديا وأفقيا، فإن مناطق تقاطع هذه الخطوط الأربعة هي نقاط القوة والتي يفضل وضع الموضوع الأساسي في الصورة عندها.
مخطط لقاعدة الأثلاث، حيث يُقسم المشهد إلى أثلاث متساوية وتكون نقاط القوة في الصورة عند نقاط التقاط هذه الخطوط (النقط الزرقاء). |
مثال على استخدام قاعدة الأثلاث |
كتاب «فن التصوير» للمصور الأمريكي بروس بارنباوم. |
هناك البعض الذين يحاربون هذه الفكرة من الأساس لأسباب مختلفة. مثلا، المصور الأمريكي بروس بارنباوم في كتابه «فن التصوير» يعتبر أن هذه القاعدة مغلوطة ووضعت بعد ملاحظات غير دقيقة في القرن الثامن عشر ولا يجوز اعتبارها ملاحظة علمية بتاتا، بل أن بارنباوم يذهب إلى القول بأنه من السخف تعليم هذه القاعدة للمصورين الجدد لأنها ستجعل عقلهم عالقا ومحدود الخيال.
هناك نظرة أخرى أتذكرها أنا شخصيا وقد تعرفت إلى هذه النقطة عند زيارة المصور الإيراني الأصل «رضا دِقتي»، وهو مصور قد عمل مع فريق ناشيونال جيوغرافيك لمدة طويلة – يقول بأنه ليس كل ما يُجلب من الغرب هو الحقيقة بعينها. أي أن هذا المبدأ (الأثلاث) قد تم ولادته في الغرب، وهو مبدأ فني بحت وليس علميا. نحن الشرقيون لدينا نظرتنا وطبيعتنا المختلفة في تحليل العالم من حولنا وإننا (كما يقول هو) نميل إلى قاعدة «اللولب» أكثر منها إلى قاعدة الأثلاث. حقيقة لا أعلم إن كان هذا كلام موثق ومدروس ولكن لعلها ملاحظة شخصية من طرفه، وأنا شخصيا لاحظت بأن طريقتي في التصوير أحيانا (حتى من قبل التعرف على هذه القاعدة) تميل إلى قاعدة اللولب أكثر. الفرق بين القاعدتين في الأساس يكمن في مقدار الإزاحة عن منطقة الوسط؛ فهي ضئيلة نسبيا في قاعدة الأثلاث، ولكنها أكبر في قاعدة اللولب. وسنتطرق إليها فيما بعد.
مقارنة بين قاعدة الأثلاث (الخطوط الحمراء) ونقاط القوة في قاعدة اللولب (الخطوط الزرقاء). |
قاعدة أخرى تتشابه مع قاعدة الأثلاث من حيث طريقة العمل ولكن بإحداثيات مختلفة وهي ما تسمى قاعدة «النسبة الذهبية». هذه القاعدة تعتمد على تقسيم خط ما إلى قسمين: «أ» و«ب» بحيث تكون النسبة بين (أ+ب):أ وأيضا أ:ب مساوية لـ «1,618». هذه القاعدة قديمة جدا في الأعمال الفنية والمعمارية وقد تبين بأن المصريين القدماء واليونان قد استعملوا ذات النسبة في شتى أعمالهم المعمارية. عند استخدام هذه النسبة في تقسيم المشهد بهيئة الأثلاث، فإن الأثلاث لن تكون متساوية في المساحة وتكون النقط المركزية أقرب مما هي عليه في نظام الأثلاث العادي، ويعتبر وضع عناصر الصورة عند هذه النقاط من مصادر القوة كذلك، علاوة على إضفاء عمق نظري أكبر.
تقسيم الصورة بالنسبة الذهبية ويلاحظ تقارب النقاط من المركز أكثر مما هو عليه في قاعدة الأثلاث. |
قاعدة اللولب
وتسمى أحيانا بقاعدة اللولب الذهبي لأسباب تاريخية متدرجة في تاريخ العلوم؛ لا داعي لذكرها الآن. تقول هذه القاعدة بأن الطبيعة بشكل عام تميل إلى تشكيل رونقها على هيئة لولب ينشأ مركزه تبعا لما يسمى في الرياضيات بـ «سلسلة فيبوناتشي»؛ وهو عالم إيطالي عاش في القرن الثاني عشر. من دون التطرق إلى الرياضيات الدالة على هذه القاعدة، فإن هذه القاعدة تقول: إن منطقة القوة في صورة ما، حيث يكون البصر مشدودا في الغالب، تكمن في النقطة التي تمثل مركز اللولب المنطلق من إحدى أركان الصورة.
طريقة تقريبية لقاعدة اللولب. |
لو تمت المقارنة بين أبعاد هذه النقاط وبين نقاط القوة المتكونة من قاعدة الأثلاث سنلاحظ بأن نقاط قاعدة اللولب تكون مُزاحة إلى الأركان أكثر وبعيدة عن الوسط (كما هو مبين في الصورة أعلاه). والحق يقال، بأن الجسم أو الموضوع المراد تصويره قد يكون هو العامل الأساسي في تقرير ماهية القاعدة المطلوبة؛ ففي الطبيعة هناك الكثير من اللوالب، مثل الورود، ونبات الأرضي شوكي (الخرشوف).
قاعدة المستطيل المنقوص
تقوم هذه القاعدة على أساس رياضي فحواه بأن «كل مستطيل يحوي مربعين يكون طول ضلع الواحد فيهما مساويا لطول أصغر ضلع في المستطيل ذاته». من هنا أمكن تقسيم منطقة العمل (أي المستطيل أو المشهد) إلى مربع تام، ومستطيل أصغر. يكون الحد الفاصل بين هذين الشكلين هو الأساس الذي تُبنى عليه الصورة. بالطبع يمكننا نظريا كذلك أن نستعمل المربعين لتكوين حدين داخل المستطيل وتوزيع المواضيع في الصورة تباعا.
تقسيم المستطيل إلى مربعين (باللون الأحمر والأزرق). يتم وضع المواضيع الفاصلة في الصورة على إحدى أو كلا الحدين المشار إليهما بالأسهم الخضراء. |
صورة تقريبية لاستخدام طريقة المستطيل المنقوص حيث تم وضع الدرج في حدود المربع الممتد من الزاوية اليمنى العلوية للمستطيل. |
هذه القاعدة (واللائي من قبلها) تم تطويرها لأغراض العمارة والرسم في المقام الأول، ولكن استخدامها في عالم التصوير الضوئي ليس بالأمر الغريب أو الجديد، فالتصوير فن وهو عبارة عن «رسم بالضوء».
الطريقة القِطرية
وهي قاعدة جديدة نسبيا على الساحة الفنية نادى بها المصور الهولندي «إدوين ويستهوف» (أو «إدﭬن ﭬيستهوف» Edwin Westhoff)، حيث قام هذا المصور (وهو يعمل كمحاضر ومدرس) وبعد سنين طويلة من دراسة الكثير من الصور الناجحة والأعمال الفنية الأخرى في الرسم والنقش والنحت – قام باستنتاج الآتي: التفاصيل المهمة (أو تلك التي يفترض أنها مهمة) في العمل الفني تكون أقوى شدا للبصر عندما توضع على امتداد الخطوط القطرية للمربعين داخل المستطيل (كما أسلفنا الذكر في قاعدة المستطيل المنقوص). ولكن هذه القاعدة محصورة بعض الشيء في بعض مجالات التصوير. فمثلا من الصعب تطبيق هذه القاعدة عند تصوير المساحات الطبيعية وما إلى ذلك. يمتلك هذا المصور صفحة خاصة به مع الأمثلة لشرح استنتاجاته (وهي متوفرة بالانجليزية والفرنسية والإسبانية والألمانية والروسية، والهولندية طبعا)، ويمكن مشاهدتها هنا.
مخطط للطريقة القطرية، حيث تبين الخطوط السوداء (والتي هي أقطار المربعات المكونة للمستطيل المنقوص) مواضع القوة التي يمكن وضع التفاصيل المهمة عليها (أو حولها). |
مساحة الرأس
وهي قاعدة وُضعت أساسا في عالم الرسم، ولكن كما أسلفنا فإن علاقة الرسم بالتصوير الضوئي حاضرة. تنبثق هذه القاعدة من قاعدة الأثلاث السالفة الذكر، وهي تقول: عند تصوير الوجه، يجب أن يكون موضع العينين على مستوى الثلث الأول من الأعلى من الصورة؛ وهذا لتكون المساحة المحيطة بالرأس متوازنة بحيث لا تكون هذه المساحة كبيرة، ولا يبدو الرأس منضغطا. بالطبع هذه القاعدة كثيرة الكسر إذا ما دققنا في الصور الحديثة ولكن هذه القاعدة وضعت لغرض معين، بالأخص عند تصوير الوجه بشكل مباشر من الأمام.
أخي لاحظ وجود العينين في الثلث العلوي من الصورة تقريبا (المنطقة الخضراء). |
مساحة قيادية
وهي مشابهة لمبدأ مساحة الرأس إلى حد ما، ولكن مع اختلاف المنطق الذي تتبعه. ففي هذا المبدأ، لا علاقة تُذكر بقاعدة الأثلاث، ولكن ينص هذا المبدأ على إتاحة المساحة اللازمة للموضوع للتعبير عن ماهية الصورة. يتضح هذا جليا عند تصوير الأجسام المتحركة مثلاً، فلا بد من وجود مساحة ما (بالأخص أمام الجسم المتحرك) لتبيان اتجاه حركة الجسم. كذلك من الأمثلة: عند تصوير شخص ما يصوب ناظريه باتجاه معين، فمن الأنسب ترك مساحة معينة أمام خط مد البصر، وليس باتجاه عكس اتجاه العين الناظرة، وهذا للإيحاء بالاتجاه والترقب.
لاحظ الإيحاء والعلاقة بين نظرة التمثال والمساحة المتاحة أما التمثال. سيكون من «المستغرب» لو تم وضع هذه المسافة في الجهة اليسرى (خلف التمثال) مع نظر التمثال إلى الجهة اليمنى. |
مساحة سلبية
ولعل هذا المبدأ أو القاعدة من أصعب القواعد التي قد تحتاج إلى وقت طويل لتمرين العين والعقل على ملاحظتها. ينص هذا المبدأ على تشكيل أو الإيحاء بشكل ما في محيط الموضوع الأساسي في الصورة. هنا، قد ينتهي المطاف في الصورة إلى أحد الأمرين: إما توازن بين المحيط والموضوع، وإما طغيان المحيط، وفي كلا الحالتين لا بد من الممارسة لملاحظة هذه المساحة. ذلك لأن العين البشرية تعودت النظر المباشر، والتحليل المباشر للبيئة المحيطة بها، أما النظر إلى ما وراء الموضوعات أمام العين، فهذا من الأمور الغير اعتيادية. لعل من أشهر الأمثلة على المساحة السالبة هو الشمعدان مع الوجهين المتقابلين، حيث يمثل الشمعدان الموضوع الرئيسي، وأما الوجهين المتقابلين فهما يشكلان المساحة السالبة.
خدعة الشمعدان البصرية المعروفة. يكون الشمعدان هنا هو الموضوع الرئيسي ولكن المساحة السلبية من حوله تكون وجهين متقابلين (لغوريلا أو قرد هنا!). المصدر |
توازن العناصر
أحيانا، وعند استخدام قاعدة الأثلاث، ينتج عن ذلك بعض الفراغ في الصورة والذي قد لا يفيد الصورة كثيرا (بعكس مبدأ المساحة القيادية). من هذا المنطلق، توجب أن يكون هناك بعض التوازن بين عناصر الصورة بحيث إن كان وضع الموضوع الأساسي في إحدى نقاط القوة يولد فراغا، فإن هناك جسم آخر أقل أهمية يجب أن يملأ هذا الفراغ؛ وإلا، فإن الصورة قد يُحكم عليها بالرتابة.
قد تكون هذه القاعدة على تضاد صريح، نوعا ما، مع مدرسة أو مذهب فني يسمى بـ «مدرسة التبسيط» (Minimalism)، وهي مدرسة فنية تنادي بتبسيط الموضوع إلى أقل درجة ممكنة دون تلافي المعنى أو الروح المعنية في الصورة. لهذه المدرسة أسبابها في انتهاج هذا النوع من الفلسفة ولكن لا داعي للتطرق إليها الآن، وبالرغم من أن هذه المدرسة قد تنطبق على الكثير من مجالات التصوير، إلا أنه قد يجد المصور نفسه في الغالب، عند انتهاجه منهاج هذه المدرسة الفنية، بأنه يميل إلى التصوير التجريدي أكثر.
التباين
والتباين هنا لا يعني التباين بين درجات الألوان فقط، وإنما بشكل عام التباين (أو التضاد) بين عناصر الصورة؛ قد يكون هذا التباين في الألوان (لون ما واللون المكمل له، أي ذاك الذي يقابله على دائرة الألوان) أو قد يكون تباينا في المنطق والمعنى (قديم وجديد مثلا). هذا التباين من الأمور التي تصنع نوعا من الشد، وإن لم يكن بالضرورة بصريا ، فإنه يكون عقليا وفكريا بعض الشيء. لا يعني هذا إن في هذا التشكيل لا أهمية تذكر للشؤون البصرية للصورة، بل إنها مطلوبة أكثر كذلك، لأن البصر ومتعة النظر للمشاهد تؤهل للتأهب العقلي والانتقال إلى مرحلة فلسفية أعمق من خلال ملاحظة عناصر الصورة المتباينة (والمتناقضة) بمنطقها.
The New Past (الماضي الجديد) نلاحظ في هذه الصورة تواجد نقيضين مع الرابط بينهما: التراث، والحداثة. |
الخط القيادي
من الأمور البديهية في الإنسان (أو في العين البشرية بشكل أدق) بأنه يتتبع الأثر خطوة بخطوة. لهذا السبب، فإن الانقياد خلف خط ما في الصورة أمر بديهي كذلك، ومنها نشأ مبدأ الخط القيادي في الصورة. ينص هذا المبدأ على حث البصر على التأمل في أجزاء الصورة عن طريق قيادة البصر بخط ما في الصورة. غالبا ما يتوجب أن يكون هذا الخط منقادا من الأمام إلى الخلف، أي من القريب إلى البعيد، وليس بالضرورة أن يكون هذا الخط متصلا (كشارع مثلا)، ولكن من الممكن أن يتشكل الخط من مواضيع مختلفة توحي للناظر باتجاه معين.
صورة بسيطة توضح مضمون الخط القيادي في الصورة، حيث أن طبيعة المكان نفسه تتشكل من ممر يقود إلى المنطقة البعيدة من المصور. |
التماثل والأنماط
يمثل هذا المبدأ أو هذه القاعدة إحدى مقومات الصورة الناجحة نسبيا. بالطبع ليس بالضرورة أن تتواجد هذه القاعدة في الصورة ولكنها محببة للنظر بشكل عام. أما التماثل فهو بحد ذاته سيحدد مقدار ومعيار تقسيم الصورة نفسها لتأكيد هذا التماثل؛ لعل من أشهر الأمثلة على ذلك هو انعكاس شكل ما على الماء وجعل نقطة التلاقي بين الجسم وانعكاسه هي المقسم الرئيسي في الصورة (ولو كان ذلك يشكل بعض الرتابة أحيانا).
City of Mirrors (مدينة المرايا) لاحظ التماثل في تركيب المشهد بين الجانبين الأيمن والأيسر. الموقع: مكتبة البابطين للشعر العربي، الكويت. |
أما بالنسبة للأنماط فهي شاملة للأشكال المتكررة بمنوال وكيفية معينة مما يساعد على الإيحاء بترتيب الصورة، وعادة ما تنجذب العين البشرية للأمور المرتبة أو منظمة تنظيما معينا، وهذا من الأشياء التي تساعد على شد نظر الرائي في اتجاه وبكيفية معينة. طبعا كباقي القواعد المذكورة آنفا يمكن كسر هذه القاعدة لتلافي الرتابة في الصورة وخلق مجال جديد من الشد البصري.
Orbis Fidei (حلقات الإيمان) في هذا المشهد المستعرض يتواجد عدة أنماط، أبرزها الحلقات الأرضية والتي تجذب الناظر إليها إلى عمق الصورة في الأفق. الموقع: المسجد الكبير، الكويت. |
الزاوية
والمقصود هنا هي زاوية الرؤية أو التصوير. هذا المبدأ هو من المبادئ الأساسية في تكوين الصورة، بل أولها (بديهيا) زيارة لذهن المصور. هذا المبدأ من الممكن أن يغير رتابة الصورة وقد يجعلها مثيرة، والعكس بالعكس كذلك. لعل من أكثر الزوايا استهلاكا في التصوير بشكل عام هي الزاوية المباشرة للموضوع (أي على مستوى النظر الطبيعي). هذه الزاوية توحي بالمستوى الطبيعي للشيء وهي قد لا تكون مناسبة لجميع أنواع التصوير. ينجذب المشاهد في الأغلب إلى الأمور الغير واردة مسبقا على ناظريه وعقله، وهكذا فإن الزوايا الغير اعتيادية هي الأفضل دائما (متى ما أمكن ذلك)؛ منها زاوية السمت (فوق الرأس) ونقطة النظير (تحت القدمين)، ومنها الزوايا المنخفضة التي لا يراها الناس عادة في حياتهم اليومية بشكل طبيعي.
تلعب العدسات وأنواعها دورا كذلك، لا سيما العدسات ذوات الزوايا الواسعة والتي تتحدى العين البشرية في مجال الرؤية، وهذا مما يتيح للمصور ابتكار مشاهد غير اعتيادية أحيانا من مناظر تكون (عادة) رتيبة؛ وهذا على سبيل المثال فقط. وهناك أيضا المناظر المستعرضة (Panorama) والتي تتحدى كل قواعد البصريات المتعلقة بالعين البشرية من حيث مجال الرؤية والإسقاطات البصرية التي يمكن القيام بها، والتي تتعدى الخيال الممكن توقعه من خلال النظر بالعين البشرية إلى البيئة المحيطة بها.
الخلفية
تلعب الخلفية في معظم الصور دورا مهما؛ ليس لأنها جزء مكمل للصورة، ولكن لأنها تبرز الموضوع أكثر. ولهذا ، فإن إحدى الأمور المهمة والتي يجب أخذها بعين الاعتبار عند تصوير موضوع ما، هو مدى ملاءمة الخلفية ومدى ارتباطها بالموضوع. لا يجدر بالموضوع أن يمتزج كليا مع الخلفية وإلا أصبح جزءا منها ولا يمكن التفريق بينهما. وكذلك، لا يجدر بالخلفية أن تكون معزولة تماما عن الموضوع من حيث المبدأ، أي أن يكون الموضوع من بيئة معينة (لنقل صورة لبائع سمك مثلا!) وأن تنم الخلفية عن بيئة مغايرة تماما (كمنجرة مثلا!). بالطبع مثل هذه القاعدة من الممكن أن تُكسر كذلك، وخصوصا لو فكرنا قليلا بعناصر الكوميديا التي من الممكن احتواؤها بتغيير هذه القاعدة!
Eigen (مميز) يلاحظ في هذه الصورة بأن الخلفية من نفس جنس الموضوع ولكن تم فصلها عن الموضوع بالغشاوة، أو بما يسمى بتقنية «البوكِه». |
العمق
إثبات العمق في الصورة هو من العوامل التي تساعد على الإيحاء بثلاثية أبعاد المشهد، وقد يتم هذا الأمر بطرق مختلفة، أهمها: عمق الميدان الكبير، وعمق الميدان الصغير. وهناك أيضا العوامل المساعدة لهذا الأمر والتي تعتمد في المقام الأول على كيفية تشكيل المشهد. لذلك يفضل أحيانا (وخصوصا عند تصوير المساحات الطبيعية) أن يكون هناك بعض العناصر القريبة من الكاميرا وأخرى بعيدة عنها. فهذا كفيل بإعطاء الانطباع عن مدى المساحة أمام المشاهد. ثم يأتي دور عمق الميدان، حيث درجت العادة على تحقيق أكير عمق ممكن عند تصوير المساحات ولكن هذا الأمر ليس بالقاعدة؛ فأحيانا يتم تقليل عمق الميدان للإيحاء بالتصغير فيما يعرف بـ «تأثير المجسم» (Miniature Effect)، والتي توحي للمشاهد بأن الصورة التقطت لمجسم صغير تم تصويره بعدسة مجهرية (ماكرو). وحقيقة إن هذا النوع من التصوير كان (ولا يزال) خصيصة مميزة لعدسات الإزاحة التي تحدثنا عنها في المقالة السابقة، ولكن الآن أصبح الأمر أسهل نسبيا مع عدسات أخرى ومع الفوتوشوب (حيث يمكن محاكاة هذا التأثير). وكذلك يمكن الإيحاء للمشاهد بأن الجسم أو الموضوع ثلاثي الأبعاد عن طريق تقليل عمق الميدان بالأخص عند تصوير الأجسام الصغيرة نسبيا التي تكون فوق مستوى التصوير المجهري على الأقل.
التأطير
وهو مبدأ يَعنى بكيفية وضع الموضوع داخل إطار في الصورة نفسها. وكذلك هو يَعنى بكيفية تلاقي الخطوط في المشهد المصور مع حواف الصورة. يشكل التأطير أحيانا نوعا من التوجيه للناظر للتركيز على الموضوع وهو أيضا يعتبر استغلالا جيدا للبيئة المحيطة بالموضوع. على أنه في بعض الأحيان يصبح مشكلة خصوصا في الكاميرات التي لا تتوافق فيها العينية مع المستشعر من حيث مجال الرؤية. من الأمور التي يجب الانتباه إليها هو أن العينية التي ينظر من خلالها المصور إلى المشهد قد لا تعكس المدى بشكل جيد أحيانا (وهو أمر عادة ما يُذكر عند بحث خصائص الكاميرا)، حيث أن بعض العينيات، مثلا، تعكس مقدار 95% من المشهد مثلا (وهناك اقل من ذلك). هذا يعني، بأنه بعد التصوير لربما يُفاجأ المصور بوجود تفاصيل عند أطراف الصورة لم تكن موجودة وقت التصوير أصلا، وهكذا يضطر إلى القطع. ليست كل الكاميرات هكذا طبعا، ولكن يجدر الانتباه إلى هذا الأمر. عينية كاميرا كانون إيوس 7د تعكس 100% من المشهد.
في هذه الصورة الملتقطة بعدسة عين سمكة يُلاحظ تأطير ملعب الهوكي بعناصر من العمارة الموجودة في المكان ذاته مثل الحوائط والسقف. |
وكذلك كما أسلفنا فإن التأطير يَعنى كذلك بالخطوط (أو المساحات) المتلاقية مع أطراف الصورة ذاتها، وهنا يجدر الانتباه إلى زوايا الصورة الأربع، حيث يكون من الأفضل أن تنتهي (أو تبدأ) الخطوط من هذه المواقع.
البساطة
وهي هنا تختلف عما ذكرناه في معرض حديثنا عن «توازن العناصر»، حيث أن تلك تدعى «مدرسة التبسيط». أما البساطة المقصودة هنا هي المبدأ العام لتبسيط الصورة وعدم خنق الصورة بالعناصر حتى لا يضيع المغزى الرئيسي من الصورة ويتعرف المشاهد بشكل جلي وواضح إلى الموضوع.
كغيرها من المبادئ المذكورة مسبقا، فهي قاعدة قابلة للكسر، ومن الممكن أن يسأل المصور نفسه أحيانا: أليس من الممكن أن يكون زحام العناصر في الصورة هو موضوع الصورة في الأساس؟ خيال وعبقرية المصور هي الجواب على هذا السؤال.
الخاتمة
هذه «بعض» القواعد العامة في عالم التصوير (والرسم). جميعها قابلة للكسر ولكن يجب اعتبارها عاملا مساعدا في تشكيل النظرة الفنية للمصور عند التقاط الصورة. من الأمور الهامة التي يجب استيعابها عند استخدام آلة التصوير، أن العين البشرية والكاميرا ينظران بشكل مختلف تماما، ولهذا كان لزاما على المصور أن يعوّد عينيه على النظر الفني من خلال الكاميرا ذاتها حتى يمكنه التنبؤ بالنتيجة النهائية ومعرفة ماهية الصورة التي يمكن تشكيلها.
كتاب «ممارسة التصوير التأملي» المصدر |
عند التفكير مليا بهذه القواعد وتجريبها لبعض الوقت بشكل مقصود، فإن هذا يساعد مستقبلا على «برمجة» عقل المصور ولو كان في هذا الأمر بعض الخطورة كما قال بذلك المصور بروس بارنباوم. ولكن هذا الأمر ضروري أحيانا لترتيب أفكار المصور وبحث كيفية التقاط الصورة بشكل منظم. على أن هناك عددا من المصورين الذين اتجهوا إلى بعض ممارسات التأمل (وبعض منها جزء من الطقوس البوذية والزِن اليابانية) لتدريب العقل على الرؤية من غير وضع اعتبارات مسبقة للمواضيع في البيئة المحيطة بنا. إنها تجربة جديرة بالاهتمام وقد وُضعت كتب مخصصة لهذه التمارين، وتسمى هذه التجربة أحيانا بـ «التصوير التأملي» (Contemplative Photography)، ويصر أصحاب هذه المدرسة بأن هذه الممارسات والتأملات ليست مدرسة فنية بالمعنى الصحيح، ولكنها مجرد تجربة وتمرين للعقل والعين لمساعدة المصور على إضفاء رونق ما إلى الصورة من خلال تحرير العقل والفكر من توترات الحياة والبيئة. إذن يمكن القول بأن هذا المذهب الفني هو مغاير تماما لفكرة القواعد العامة المذكورة أعلاه، وفي الحقيقة كِلا العالمين يستحقان زيارة ذهنية مركزة لتوظيفهما في شتى مجالات التصوير. هذا