سوف أحاول في هذه المقالة أن أتكلم عن التصوير المجهري (Macro/Micro Photography)، والذي وإن لم أكن صاحب باعٍ طويل فيه، إلا أنني أتمنى أن تكون هذه المقالة مفيدة للمبتدئين. يسمى عادة هذا المجال من التصوير بشكل دارج باسم «تصوير الماكرو» وأحيانا «تصوير المايكرو»، وفي كلتي الحالتين فإن المقصد من التسمية هو تصوير الأجسام الصغيرة نسبيا بأبعاد أكبر (بشكل قد يثير الخيال أحيانا). ولذلك، فقد قمت أنا شخصيا بتعريب المسمى إلى «التصوير المجهري» ولم أعلم له أي تعريب من قبل ذلك. ولكن قبل الولوج في عالم التقنيات وما إلى ذلك، فإن هناك بعض الأمور التي يجب البحث فيها وفهمها للتعامل مع هذا النوع من التصوير.
قوة التكبير
قبل الدخول في شرح بعض التقنيات المستخدمة في التصوير المجهري، يجب فهم ماهية التكبير ومدى أهميته في عملية التصوير. عند الحديث عن التقنيات لاحقا، سنرى أن لكل تقنية معينة أسلوب (معادلة) خاص لحساب معامل التكبير. من أوائل الأسباب التي تدعو إلى معرفة قوة التكبير أولا هي معرفة إذا كانت التقنية محل التطبيق ستنفع أم لا قبل البدء بعملية التطبيق.
يطلق مصطلح «قوة التكبير» بشكل عام على النسبة في الحجم (رياضيا يؤخذ الطول في الحسبان) ما بين الموضوع في الحقيقة وصورته المنعكسة على الجهة المقابلة من منظومة العدسات، وتسمى هذه الجهة حيث يتم إسقاط صورة الموضوع بـ «مستوى الصورة» (Image Plane). يجب الأخذ بعين الاعتبار بأن مصطلح التكبير هنا لا يعني بالضرورة أن تقوم العدسات بتكبير الموضوع؛ فعدسات عين السمكة مثلا لا تفعل ذلك، ولكن قوة التكبير أو معامل التكبير هو مصطلح رياضي بحت للتعبير عن النسبة بين الأحجام.
يرمز عادة لقوة التكبير برمزين مختلفين. الأول قد يكون على شاكلة «س×» بحيث تكون «س» عدد ما. ويعني هذا المصطلح بأن قوة التكبير تساوي أضعافا من الحجم الحقيقي بقدر «س». على سبيل المثال: «1×» تعني بأن الحجم الحقيقي للجسم ينعكس على مستوى الصورة، و «2×» تعني بان ضعف حجم الموضوع منعكس على مستوى الصورة، وهذا بالطبع تكبير أشد؛ بينما تعبر القيمة «0,5×» عن انعكاس نصف حجم الجسم على مستوى الصورة (أي تصغير)، وهكذا.
أما الرمز الآخر (وهو يستخدم على العدسات المخصصة لهذا النوع من التصوير) فهو يكون على شاكلة «س:ص» (بالعربية تتم القراءة من اليمين، أما على العدسات، بطبيعة الحال ستكون القراءة من اليسار وهذا الترتيب مهم). تعبران هاتان القيمتان عن الحجم النسبي عند مستوى الصورة «س» والحجم النسبي للموضوع «ص». لو أخذنا الأمثلة السابقة وعبرنا عنها بهذه الطريقة فستكون «1×» مساوية لـ «1:1»، وتكون «2×» مساوية لـ «1:2»، بينما تكون «0,5×» مساوية لـ «2:1». غالبا، لا تكون العدسة مخصصة للتصوير المجهري إلا إذا كان بإمكانها تحقيق نسبة «1:1» من التكبير على الأقل. وهناك عدسات أكثر تطورا كذلك قد يصل حد التكبير فيها إلى «1:5». ولكن بشكل عام، تعتبر نسبة «1:1» نسبة معقولة جدا وكافية. وذلك لأن الانعكاس الحاصل على مستوى الصورة (وهو المستشعر هنا) يكون بالحجم الحقيقي للجسم مما يعني تسجيل التفاصيل على المستشعر بأحجامها كما هي مما يتيح التمعن في التفاصيل بشكل كبير عند معاينة الصورة بشكل رقمي. عند زيادة التكبير عن هذا الحد فإنه نصل إلى كشف التفاصيل التي قد لا ترى بالعين المجردة أحيانا.
التقنيات
هناك تقنيات وطرق مختلفة للوصول إلى درجات تكبير عالية، ولكل طريقة هناك إيجابيات وسلبيات ولذا فليس من الغريب أن يلجأ المصور المحترف في هذا المجال إلى أكثر من طريقة بحسب ما تُمليه الظروف، وبحسب حجم الموضوع والإمكانات المتوفرة كذلك. ويجدر بالذكر بأن كل هذه التقنيات لا تستغني عن الإضاءة الجيدة والتي سنتكلم عنها لاحقا.
أ. العدسات المجهرية (Macro lenses):
تعتبر العدسات المجهرية من أوائل الخيارات التي قد يفكر فيها أي شخص يود الدخول في هذا المجال. تتراوح أسعار هذه العدسات بحسب جودة الصنع بالطبع، ولكن في مجال كهذا يفضل دائما عدم المغامرة بعدسات ذات جودة متدنية. وقد تكون العدسات المجهرية (كما هو الحال مع العدسات الاعتيادية) ذوات بعد بؤري متغير أو ثابت. والحقيقة أن أشهر العدسات المخصصة لهذا الغرض تكون ذات بعد بؤري ثابت (لعدة أسباب منها الجودة العالية وعدم تشتيت الضوء بكثرة)؛ فهناك مثلا عدسة «كانون 100مم ماكرو» وعدسة «نيكون 105مم ماكرو» وغيرهن كثير. غالبا ما تكون هذه العدسات المميزة والتي يفضلها المحترفون ذوات بعد بؤري ثابت لكونها أفضل في التعامل مع الضوء المار بها. كما أن قيمة البعد البؤري للعدسة لا تؤدي دورا مباشرا في نسبة التكبير، ولكنها من العوامل التي تحدد أقرب مسافة ممكنة للتركيز على الموضوع.
|
شريط التركيز على عدسة كانون 100مم ماكرو وتبدو نسبة التكبير مدونة باللون الأصفر وتكون القراءة من اليسار إلى اليمين (أي أن الجهة اليسرى من النسبة تعبر عن مستوى الصورة). قراءة المؤشر في الصورة هي 2:1 بالعربية، أي نصف الحجم. |
|
صورة للأجزاء الداخلية من الزهرة،
بعدسة كانون 100مم ماكرو.
أنقر للتكبير. |
تتميز هذه العدسات كذلك بوجود مقياس خاص عليها مع مقياس مسافة التركيز (أي الشريط المتحرك على العدسة) يُستعمل لضبط قوة التكبير، وقد أشرنا سابقا بأن العدسة المجهرية يجب أن توفر على الأقل نسبة تكبير مساوية لـ «1:1». تُكتب هذه النسب على الشريط بحيث يمكن للمصور ضبطها سلفا ومن ثم الاقتراب والابتعاد عن الموضوع لضبط التركيز؛ هذا إذا ما كان اهتمام المصور تحقيق نسبة تكبير معينة وإلا فيمكن تحريك شريط التركيز على العدسة (أو استعمال نظام التركيز الآلي) لضبط التركيز. سنذكر لاحقا بعض الأدوات التي تساعد المصور على الاقتراب والابتعاد عن الموضوع بشكل ميسر.
ب. التمديدات المُفرغة (Extension tubes):
تعتبر التمديدات المفرغة من الخدع الرخيصة والتي يمكن للمصور اللجوء إليها في حال تعذر الحصول على عدسة مجهرية. وفي الحقيقة، فإنه قد يمكن أحيانا تخطي حاجز تكبير «1:1» باستخدام هذه التمديدات كما سنرى. في الأصل، تعتبر هذه التمديدات من التقنيات المستخدمة للاقتراب أكثر من الموضوع لمسافة قد لا تسمح بها العدسة. وعليه، فإن هذه التمديدات أصبحت تُستعمل مع العدسات للاقتراب أكثر من الموضوع وبالتالي تكبير الموضوع أكثر.
توضع هذه التمديدات بين الكاميرا والعدسة، وبالتالي فإن الصورة الساقطة من خلف العدسة على المستشعر تكبر مساحتها النسبية؛ فكّر في المسلاط أو أي مصدر للضوء كالمصباح اليدوي: عند تقريبه من الحائط مثلا فسيشكل ذلك بقعة ضوء على الحائط، وعند الابتعاد عن الحائط ستكون البقعة أكبر، وهذا بالضبط ما تفعله التمديدات للكاميرا والعدسة. على أن استعمالها يؤثر سلبا على شدة الضوء ولذلك على المصور أن يفكر مليا بطريقة ما لزيادة كمية الضوء الداخلة (عن طريق الومّاض مثلا).
|
تمديدات من صنع «كينكو» لكاميرات الكانون.
عند معاينة هذه التمديدات يجب التأكد بأنها مناسبة لنوع الكاميرا.
المصدر |
هناك أنواع مختلفة من التمديدات وتكون عادة بشكل طقم خاص متكون من 3 إلى 5 حلقات مفرغة، لكل منها سمكه الخاص (وتكون معنونة بذلك)، على أن هناك بعض الهواة (والمحترفين كذلك) الذين يقومون بصنع تمديداتهم الخاصة من الأدوات المتوفرة كأنابيب البلاستيك والورق المقوّى، ويُشترط بكل هذا أن يكون باللون الأسود حتى يمتص أي ضوء شارد أو ما شابه. لكن يفضل الحصول على التمديدات المصنعة والجاهزة حيث أن الأنواع الجديدة تتوفر فيها بعض المجسات التي تمكّن المصور من التواصل مع العدسة كما لو كانت متصلة بالكاميرا مباشرة (كان هذا الأمر غير ممكن في السابق)، وبالتالي يمكن التحكم بفتحة العدسة والتركيز وما إلى ذلك. والحقيقة أن بعض العدسات المجهرية توصف على أنها عدسات اعتيادية بتمديدات خلفية مدمجة بها (فهناك مثلا عدسة كانون 100مم، وعدسة كانون 100مم ماكرو)، ولعل هناك أمور أخرى مضافة إلى تلك العدسات لتوفير خدمة أفضل للمصور! تُحتسب نسبة التكبير عند استخدام هذه التمديدات بمعادلة بسيطة:
تك = تم ÷ بب؛
حيث تكون «تك» هي نسبة التكبير المطلوب إيجادها، و«تم» هو طول التمديدات (بالمليمتر طبعا)، و«بب» هو البعد البؤري للعدسة نفسها. وهكذا نرى بأنه كلما قل البعد البؤري للعدسة عنى ذلك تكبيرا أشد. لنضرب مثلا على ذلك: من مقتنياتي الخاصة بعض التمديدات، والتي يصل طولها مجتمعة إلى 68مم. لو أوصلنا هذه بعدسة 50مم الاعتيادية فإن نسبة التكبير الحاصلة تكون:
تك = 68 ÷ 50
= 1,36
(أي 1,36× أو 1:1,36)
|
صورة للأجزاء الداخلية من زهرة باستخدام عدسة
50مم مع بعض التمديدات المفرغة.
أنقر للتكبير. |
وهكذا نرى بأن نسبة التكبير هنا قد فاقت نسبة 1:1 المتعارف عليها. ولكن المشكلة الأساسية هنا في مسافة التركيز والتي تكون أحيانا قصيرة جدا (وهي تحتسب من مستوى الصورة، أي من المستشعر وليس من مقدمة العدسة) حتى أنه لو تم حساب هذه المسافة رياضيا، فإنه أحيانا قد تتطلب وجود الموضوع فيما وراء مقدمة العدسة! (حساب هذه المسافة صعب ولكن هناك بعض المواقع التي تتيح للمصور حسابها آليا). أنا شخصيا أفضل استخدام هذه الطريقة دائما (مع عدسة 50مم) مع توفر العدسة المجهرية بسبب الوزن الخفيف مقارنة بوزن عدسة الكانون 100مم ماكرو، مع إمكانية زيادة التكبير إلى ما فوق 1:1.
|
العلامة الدالة على موقع المستشعر في الكاميرا (كانون إيوس 7د) من الاعلى، ومن عند هذه العلامة يتم حساب مسافات التركيز. |
جـ. دمج العدسات (Lenses Coupling):
تعتبر هذه الطريقة من الطرق الشائعة كذلك وتوفر نسبة تكبير شديدة إذا ما توفرت العدسات المناسبة، ولكنها تتسبب في فقدان الكثير من الإضاءة المارة بالعدسة على غرار التمديدات المفرغة، بل وأشد. تعتمد هذه الطريقة على إيصال عدسة ما بالكاميرا، ثم وصل عدسة أخرى مقابلها بالعكس (أي تتقابل مقدمتا العدستين). يشترط في هذه العملية (للحصول على التكبير المطلوب) أن تكون العدسة الأولى ذات بعد بؤري أكبر من العدسة الثانية. لإيصال العدستين مع بعضهما البعض يمكن للمصور ابتكار طرق عدة، ولكن أنسبها هو الحلقة الخاصة والتي تُمكّن من وصل العدستين بيسر. من الشروط المهمة كذلك هي أن تكون أكبر فتحة عدسة للعدسة الثانية أكبر من (أو مساوية) للعدسة الأولى – وهذه القيمة تكون موسومة على العدسة نفسها. لو كانت فتحة العدسة الثانية أصغر من الأولى فسنجد في الصورة النهائية منطقة مظلمة عند الحواف (أي صورة فتحة العدسة الثانية منعكسة في العدسة الأولى).
|
حلقة وصل بين عدستين بمقاس 58مم
من الجانبين. عند البحث عن هذه الحلقات
يجب التأكد من قطرها وأنها مناسبة للعدسات.
أنقر للتكبير.
المصدر |
أما نسبة التكبير في هذه التقنية فيتم حسابه بالشكل التالي، ولنفرض بأن العدسة الأولى (الموصولة بالكاميرا) هي «ع1» وأن العدسة الثانية المقابلة لها هي «ع2» فإن نسبة التكبير ستساوي:
تك = ع1 ÷ ع2
لنضرب مثالا على ذلك باستخدام العدسات المتوفرة عادة للمبتدئين، وهما عادة كانون 55-200مم مع كانون 18-55مم (وتُسميان هاتان العدستان بعدستي العُدة أو السفر Kit Lens). فلو دمجنا هاتين العدستين عند 200مم للأولى و18مم للثانية (أي أقصى مدى للتكبير يمكن تحقيقه هنا)، فإن نسبة التكبير ستكون:
تك = ع1÷ ع2
=200 ÷ 18
=11,11 (أي تقريبا 11×)
كما هو واضح هنا، فإن نسبة التكبير هذه كبيرة جدا مقارنة بالطريقتين السابقتين. كلما زاد البعد البؤري للعدسة الأولى، وقل البعد البؤري للعدسة الثانية، كلما عنى ذلك زيادة في نسبة التكبير.
|
مخطط تفصيلي من الأعلى لدمج عدستين (وتظهر شاشة صغيرة لتسهيل عملية المعاينة)، وجهاز التحكم لالتقاط الصور دون الضغط على الزر على الكاميرا. |
ذكرنا منذ البداية بأن هذه الطريقة تُضعف الضوء المار بالعدسات، ولذا يتطلب الأمر إما تعريضا مطولا بعض الشيء (يفضل استخدام جهاز التحكم هنا لمنع اهتزاز مجموعة العدسات مع لمسها قدر المستطاع) وإما/مع تجهيز إضاءة قوية؛ ناهيك عن مشكلة التشتت أو الانكسار الضوئي والذي يتسبب بظهور حلقات ملونة عند حواف الموضوع اللائي ينعكس عليها الضوء بشدة. من المساوئ (والمخاطر) الأخرى لهذه الطريقة هو الامتداد الطويل للعدسات والذي قد يشكل خطرا على جسم الكاميرا نفسه بسبب الضغط الناتج عن وزن هذه العدسات وقد يمكن تفادي هذا الأمر بتوفير بعض الإسناد للعدستين الموصولتين. ولكنها في نهاية المطاف ممتعة وتستحق التجربة بحق!
|
(فوق) صورة بتكبير مقداره 67× تقريبا لسطح عملة معدنية باستخدام عدد من العدسات الموصولة والمدمجة. خضعت الصورة لبعض الإصلاحات للألوان لكثرة الشوائب والتشتت الضوئي فيها فأصبحت قريبة من الأبيض والأسود.
(أسفل) العملة المعدنية للمقارنة. |
د. قلب العدسة (Lens reversing):
لقد كانت هذه التقنية من أوائل التقنيات المبتكرة في هذا المجال ولكنني تركت شرحها آخرا لشبهها بالطريقة السابقة. تعتمد هذه الطريقة، ببساطة، على وصل العدسة الواحدة بالعكس إلى الكاميرا عن طريق استخدام مُثبت خاص لهذا الغرض. من أكثر العدسات المستخدمة لهذا الغرض هي عدسة 50مم، والتي توفر نسبة «1:1» من التكبير. أنا شخصيا لم أجرب هذه الطريقة من قبل لعدم امتلاكي للحلقة المثبتة، ولكن هناك رأي يقول بأنه يمكن وضع العدسة أمام الكاميرا بشكل مقلوب من غير وصلها مباشرة؛ أنا شخصيا أرى إن هذه الطريقة صعبة نوعا ما لافتقادها للثبات، كما أنه يمكن للضوء الخارجي المرور بسهولة من بين الفجوات مما يتسبب ببهتان الصورة (وتسمى هذه الحالة بـ «الغسل» Wash out أحيانا). تعتبر هذه التقنية من التقنيات المفضلة لدى الكثير من المحترفين في مجال التصوير المجهري.
بالنسبة لنسبة التكبير فإنه من المتعارف عليه بأن عدسة 50مم توفر نسبة «1:1» من التكبير، وعدسة 25مم قد توفر نسبة «1:2»، أي الضعف. ولم ألحظ من خلال مطالعاتي بأن هناك أي قانون عام لهذه التقنية لحساب نسبة التكبير لها، بل أن بعض المصورين أكّدوا صعوبة حساب هذه القيمة. على أية حال سوف أدوّن ملاحظاتي هنا ولكن لم أتمكن من تجربة هذه القاعدة التي سأذكرها.
بمساعدة بعض الجبر، فإنه يمكن القول بأن نسبة التكبير تخضع للقاعدة:
تك = 50÷ بب؛
حيث تكون «بب» هي البعد البؤري للعدسة المقلوبة. وفي الحقيقة إن هذه المعادلة شديدة الشبه بالمعادلة السابقة الخاصة بتقنية دمج العدستين، مع حذف الطرف الأول من المعادلة «ع1» واستبداله بقيمة ثابتة «50». لاحظ عزيزي القارئ بأن عدسات 50مم تسمى بـ «العدسات الطبيعية» (Normal Lens) وذلك لكونها لا تغير الكثير من الأبعاد الحقيقية للموضوع وتساوي في منظورها تقريبا العين البشرية، وهكذا فليس من المستغرب أن نجد العدد «50» في هذا المقام لكونه يمثل البعد البؤري «الطبيعي». من هنا نستطيع أن نرى بأنه كلما قل العدد البؤري للعدسة المقلوبة، كلما منحنا ذلك قوة تكبير أشد.
إحدى المشاكل البارزة عند استخدام هذه الطريقة هي مشكلة التحكم بالعدسة وفتحتها، لذلك يُنصح عند الاعتماد على هذه الطريقة باستخدام عدسة يدوية يُمكن التحكم بفتحتها يدويا. من ناحية أخرى فإن هناك بعض الأدوات الخاصة التي ابتكرتها بعض الشركات لتُمكّن من استعمال العدسات الآلية (التي تتحكم الكاميرا بخصائصها) وتسهيل عملية التحكم بها عند إيصالها مقلوبة إلى الكاميرا.
|
مخطط تفصيلي لحلقة إلكترونية من إنتاج شركة «ﭬيلو» (Vello) تُمكّن من وصل العدسة عكسيا إلى الكاميرا مع التمكين من التحكم بالعدسة إلكترونيا كما لو كانت موصولة بشكل طبيعي. المصدر
أدوات مساعدة
تكلمنا عن بعض الإضافات فعلا في معرض حديثنا عن التقنيات السابقة الذكر، كحلقات الوصل والتثبيت وما إلى ذلك. إلا أنه يتبقى هناك بعض الأدوات المساعدة في عملية التصوير المجهري، لا سيما الإضاءة.
|
ومّاض كانون حلقي من نوع MT-24EX
المصدر |
يمكن استعمال الومّاضات العادية المحمولة في عملية التصوير (ومع خاصية الاتصال السلكي واللاسلكي بها فيمكن حملها وتقريبها من الموضوع يدويا). عند استعمال العدسات المجهرية (أو التمديدات المفرغة) فإن الومّاض الأمثل لمثل هذه الحالات هو الومّاض الحلقي بدلا من المحمول، ويُثبت هذا الومّاض على مقدمة العدسة ويمكن التحكم باتجاه الإضاءة (بحسب نوع الومّاض). يوفر هذا الومّاض الجهد من حمل الومّاض باليد أو ما شابه علاوة على توفيره الزاوية الجيدة لإطلاق الوميض (من أمام الموضوع) مما يوفر توازنا في الإضاءة. ولكن لن يمكن استخدام الومّاض الحلقي في تقنيتي الدمج والقلب وذلك لأن مؤخرة العدسة، وليست مقدمتها، هي التي تكون في مواجهة الموضوع، ولا يمكن تثبيت أي شيء على المؤخرة؛ عندها قد يضطر المصور إلى البحث عن طرق أخرى كالومّاض المحمول كما ذكرنا أو مصدر ضوء آخر قوي يمكن تثبيته بالقرب من منطقة العمل.
|
ذراع إسناد من نوع مانفروتو (Manfrotto).
المصدر |
من الأدوات المساعدة كذلك ما يسمى بـ «ذراع الإسناد»، وهي أداة معدة خصيصا لإسناد العدسات الكبيرة التي لا تمتلك «ياقة إسناد» خاصة بها، ولكن يمكن استخدامها هنا لإسناد مجموعة العدسات عند الدمج لتخفيف الضغط الواقع على جسم الكاميرا وتلافي الضرر من جراء ذلك.
من الأدوات المساعدة كذلك، وتعتبر من الأساسيات لدى المحترفين، هي المسطرة المتحركة أو السكة المتحركة (Rail head). تُثبت هذه المسطرة على الحامل وتثبت الكاميرا عليها، وتُمكّن هذه المسطرة من تحريك الكاميرا إلى الأمام والخلف بسلاسة وبدقة وهكذا يمكن تغيير التركيز (أو مسافة التركيز) دون الحاجة إلى لمس العدسات. وتساعد هذه المسطرة كذلك على التقاط الصور المتتاليات ذوات التركيز المتغير لدمجهن لاحقا وصنع صورة ذات تركيز كامل للموضوع (وقد ناقشنا هذه الطريقة في مقالة سابقة).
نصائح عامة
هناك بعض القواعد العامة التي يفضل اتباعها عند العمل في هذا المجال من التصوير. فمثلا، يُنصح دائما بعدم التصوير بأقل من فتحة ب/8. وهذا لأن في عالم التصوير المجهري، كلما زاد التكبير زادت صعوبة الحصول على عمق ميدان كبير (أي أن يدخل حيز أكبر من الصورة في مجال التركيز المقبول). ولهذا فإن التصوير بفتحة أقل من ب/8 لا يعد قرارا حكيما (ومن هنا تأتي الحاجة كذلك لمصدر ضوء جيد لإنارة الموضوع).
ومن جانب آخر فإن التصوير ببعض هذه الطرق المذكورة أعلاه قد لا تخلو من مخاطر، وبالأخص طريقة قلب العدسة ودمج العدسات واللتان تكون مؤخرة العدسة فيهما في المقدمة. هذا لأن المؤخرة غير مصنّعة لتلافي الأشعة فوق البنفسجية كما هو الحال مع المقدمة (وعادة ما تُطلى المقدمة بمواد حافظة وطاردة للأشعة فوق البنفسجية لزيادة حدة الصورة وتلافي بعض الأصباغ اللونية على الألوان الطبيعية للموضوع قدر المستطاع). كما أن بروز مؤخرة العدسة بهذه الطريقة قد يعرضها للخدوش بسهولة مما يستوجب الحيطة والحذر الشديدين عند التحكم بالكاميرا والعدسة (أو العدسات). يقوم بعض المصورين أحيانا بوضع مرشح خاص على مقدمة العدسة لحماية العدسة من الخدوش؛ وهو مرشح لا عمل له سوى أن يقي من الخدوش فلا يؤثر على الصورة المُلتقطة بتاتا. وللأسف، فإن هذا النوع من المرشحات (أو أي نوع آخر) لا يمكن تثبيته على مؤخرة العدسة لأنها لم تُصنع لهذا الغرض.
عند العمل بإحدى هذه الطرق (ما عدا العدسات المجهرية) فإن القواعد العامة لضبط التركيز ومسافة التركيز تختل تماما وفي أغلب الأحيان سيعتمد المصور على التجربة والخطأ ومعاينة التركيز بنفسه (إما عن طريق العينية أو المشاهدة الآنية في شاشة الكاميرا نفسها). هناك بعض المواقع الإلكترونية التي توفّر بعض المساعدة لحساب مسافة التركيز لعدسة ما بطريقة التمديدات المفرغة، ولكن للأسف فهي باللغة الإنجليزية فقط، ويتطلب الأمر هنا معرفة ماهية «دائرة الغشاوة» (Circle of Confusion) للكاميرا أومساحة المستشعر للكاميرا في حالة عدم معرفة قيمة دائرة الغشاوة.
من المستحسن القيام ببعض هذه الحسابات قبل الشروع بالعمل بطريقة التمديدات المفرغة لمعرفة مسافة التركيز مسبقا (وهذه المسافة تُقاس من المستشعر وليس من مقدمة العدسة) حتى يتم تقديرها على الأقل والتأكد من إنها قابلة للتحقيق.
الخاتمة
هذا كل ما جادت به الذاكرة علي في مجال قلما أعمل فيه، على أمل أن يتمكن المصور المبتدئ من الإفادة من هذه المعلومات والتي لا اعتقد إنها تفي بحق هذا المجال من مجالات التصوير. تتحدث هذه المقالة بشكل أساسي عن التصوير بالكاميرا والعدسات الاعتيادية، ولكن هنالك أيضا طرق أخرى يكون التصوير فيها مجهريا بحق؛ عن طريق وصل الكاميرا إلى المجهر (سواء الاعتيادي أو الإلكتروني) مباشرة من غير عدسات وهكذا يتم التقاط الصورة من المجهر مباشرة، ويتطلب الأمر الكثير من الاحتياطات علاوة على بعض الحلقات المثبتة الخاصة، وهذا موضوع آخر يتطلب مقالة منفصلة، وخبرة. هذا، وحتى نلتقي في المقالة القادمة إن شاء الله…
|
The Gentle Crown (التاج الرقيق)
عدسة كانون 100مم ماكرو، ب/2,8، 1/640ث، ح400. |
|