الخُمْســـانَاتْ في حمص
المهندس جورج فارس رباحية
قسّم السوريّون الشتاء بأشهره الثلاثة إلى قسمين :
1 ـ أربعينية الشتاء : وسموّها المربعينية, مدتها أربعون يوماً من 21كانون الأول إلى 30 كانون الثاني . 2 ـ خمسينية الشتاء: ومدتها خمسون يوماً من 31كانون الثــــاني إلى 21آذار . وتقسم الخمسينية إلى أربعة سعود : سعد دبح ( دابح ) – سعد بلع – سعد السعود – سعد الخبايا . وإنّ كل سعد مدّته 12 يوماً ونصف , مع المستقرضات 7 أيام، وتقع ضمن الخمسينية . بعد انتهاء أربعينية الشتاء وبدء الخمسينية مع السعود الأربعة يتخلّلهما سبعة أخمسة (الخمسانات كما يُسميّها أهل حمص ) وتلك الأخمسة التي يحتفل بها أهل حمص فقط وتقع في فترة الصوم الكبير لدى المسيحيين الشرقيين ، وهي : ـ خميس التايه ( الضائع ) . ـ خميس الشعنونة . ـ خميس المجنونة . ـ خميس القطاط ( القطط ) . هذه الأخمسة الأربعة ليس فيها مواسم أو مناسبات احتفالية لوقوعها في أواخر الشتاء بين شباط وآذار . ـ خميس النبات ( القلعة ) . ـ خميس الحلاوات ( الأموات ) . ـ خميس المشايخ ( البيض ) . هذه الأخمسة الثلاثة فيها مواسم واحتفالات : خميس النبات : أو خميس القلعة وهو يُصادف يوم الخميس الذي يسبق أحد الشعانين لدى المسيحيين الشرقيين واسمه مأخوذ من ( بئر ) كانت موجودة في قلعة حمص وكانت البئر عميقة وكان أهالي حمص ( ينبتون ) يُجرّبون حظهم في البئر بأن يُلقوا فيها حجراً ، فإن تركت دًوِيّاً وطنيناً معنى ذلك أن حظ صاحب الحجرة أو صاحبتها ( يفلق الصخر ) ، وإذا لم يصدر إي صوت دلّ ذلك على أن حظّه أو حظّها هامد ( خائب ) . والقلعة كانت مكان احتفال هذا الخميس فكان يتم بعد زوال الشمس وجنوح النهار إلى الأصيل بأن تتوافد على القلعة أفواج النسوان والصبايا والصبيان ، ويقبل عليها جموع الباعة وتتجمّع هذه الأفواج عند سفح القلعة الغربي والمجاور للطريق الذي يوصل للقلعة ، فيصعد من يريد الكشف عن حظّه إلى ظهر القلعة حيث البئر . ويمتاز خميس النبات بأن بعض الناس كانوا ينقعون بالماء بعض الأزاهير مساء الأربعاء وتبقى منقوعة حتى صباح الخميس إذ يغسلن بمائها وجوههم . بقيت هذه العادة حتى دخول الفرنسيين في الساعة العاشرة من يوم الأربعاء في 28 تمز 1920 . خميس ( الحلاوات ) :أو خميس الأموات : وهو خميس الحلاوة وتُصنع فيه الحلاوة على أنوعها المختلفة : البشمينة: تُصنع من الطحين المحمّص بالسمن العربي ( سمن غنم ) تحميصاً خفيفاً ويُعمَل منها عجنية يُشَكّل منها رقائق كبيرة تُفرَش على طاولة رخامية يتخلّل الرقائق القطر السميك مع رشّات خفيفة من الطحين ثم تُقَطّع بشكل مكعّبات . السمسميّة: تُصنَع من الناطف مع السمسم وتُشَكّل بشكل أصابع . الخبزيـّة: تُصنَع من رقائق العجين وتٌقلى بزيت السارج وتُصْبَغ بلونين أحمر وأبيض . الجوزيّـة: تُصنَع من الناطف مع الجوز . الشوشيّة: تُصْنَع من السكّر مع الطحينة . الهريسة: تُصْنَع من النشاء والسكّر . المسكيّة: تُصنَع بالصينية ومكوّنها القطر بشكل رئيسي وتُصبَغ بلون أبيض وأحمر ويُضاف لها العطر ( المسك ) ويُسميّها الأولاد ( المسكي ) . الرّاحـة : متنوّعة تكون بالفستق أو الجوز أو اللوز . يخرجن النساء بعد ظهر الخميس إلى التربة ( القبور ) لزيارة القبور وتوزيع ما حملن معهن من الحلاوة وتوزيعها على القُـرّاء والفقراء . وكان بائعو الحلاوة يُنادون : ( الله يرحم الأموات كانوا يحبّوا الحلاوات ) ، كما كان صانعوها ينشدون بين البسطاء من الناس : اللي ما بياكل من حلاوة الخميس بيصيبو الجَرَبْ ، لِحَثّهم على الشراء . خميس المشـايخ : وهو آخر الأخمسة ويُصادف يوم الخميس الذي يسبق أحد الفصح على التقويم الشرقي حيث يليه ( الجمعة العظيمة فسبت النور فعيد الفصح ). حيث بدء الاحتفال به بحمص دون سائر المدن منذ أيام السلطان صلاح الدين الأيوبي (1) . فقد كانت تبرز قوة المشايخ ( أصحاب الطرق الدينية بالمحافظة ) من خلال مواكب خاصة لكل ” شيخ طريقة ” وتسير في الشوارع ويتقدّم كل موكب سنجق ( علم ) ثم تليه جوقة ( فرقة ) من المنشدين يضربون على الدفوف والمزاهر والطبلات والصنجات ينشدون نغمات دينية ، تواكبهم راية الشيخ المصنوعة من القماش اللاّمع والمزينة بكتابات دينية ( باسم الله ومحمد ( ص ) وأسماء الخلفاء الراشدين وبعض الآيات القرآنيـة )، تأخـذ هذه الراية شكل مثلّث قاعدته من 4 ـ 6 م وارتفاعه من 3 ـ 4 م وخلف الراية يحتشد الناس حول شيخهم وقد اعتلى حصاناً يليه خليفته معتلياً حصاناً آخر . كانت هذه المواكب تنطلق منفردة من منزل الشيخ أو من زاويته (2) نحو مسجد بابا عمرو ( حي في ضواحي حمص ) حيث يُصلّى صلاة الظهر ، وتعود بعدها المواكب بشكل استعراض باتجاه جامع خالد بن الوليد لصلاة العصر هناك بعدها ينتهي الاحتفال . وقد ألغي هذا الاحتفال رسمياً بعد الاستقلال . يترافق هذا الخميس مع احتفالات عيد الفصح لدى الطوائف المسيحية ذات التقويم الشرقي حيث تعمل هذه الطوائف على سلق البيض ( كناية على استمرار الحياة ) وصبغه بألوان مختلفة وتزيينه برسوم وكلمات دينية والآن أخذت تحل محلّ بيض الدجاج بيض من الشوكولا يوزّع على الأطفال بعيد الفصح . 14/4/2011 المهندس جورج فارس رباحية المفــردات : (1) ـ صلاح الدين الأيوبي : (1138 ـ 1193 ) م وُلِدَ في تكريت بالعراق وتوفي فــي دمشق ، انتصر على الفرنجة في معركة حطين 1187 وفتح بيت المقدس ، ويُرجع الرواة أصل خميس المشايخ إلى أيامه عندما استرجع القدس وجعل موعده متزامنـاً مع عيد الفصح ، حيث كان الناس في القدس يخرجون بالمزاهر والطبول والأعلام وهم يُنشِدون الأناشيد الدينية والمدائح النبويّة . (2) ـ الزاوية : قد تكون غرفة واحدة في دار الشيخ يًخصّصها لإقامة الذكر( جمع أذكار ) وفي القديم كانت مكاناً لإقامة بعض الصالحين للتعبّد بين جدرانها . وكان في حمص حوالي 12 زاوية . المًصــادر والمــراجع : ـ ربوع محافظة حمص : الدكتور عماد الدين الموصلي 1981 ـ حمص دراسة وثائقية : السباعي والزهراوي الجزء 1 سنة 1992 ـ على جناح الذكرى : رضا صافي 1984 ـ مدينة حمص : محمد غازي حسين آغا 2005 ـ المنجد في اللغة والأعلام : بيروت 1973