التصوير الضوئي ينير ظلمات البحار
سعد العفالق: هذه أسرار التصوير الفوتوغرافي تحت الماء
الحياة تحت البحار مملوءة بالعجائب والألغاز والكائنات المثيرة، لا يتسنى للإنسان سبر أغوارها ورؤية أعماقها إلا لذوي الاختصاص، وبفضل الله ثم التصوير (الفوتوغرافي والسينيمائي) استطاع عموم الناس مشاهدة جمال الحياة وروعتها فيما تحت البحار وكشف بعض أسرارها.
الأستاذ سعد العفالق فنان فوتوغرافي وغواص احترافي مثقف عشق البحر وغاص في أعماقه، فالتقطت عدسته غرائب الحياة البحرية، سافر وبحث وقرأ وتعلم وغاص كثيرا في ذلك العالم الغامض، فقدم لنا عصارة خبرته وغزارة معلوماته في لقاء سريع أبحرنا معه في عالم التصوير الفوتوغرافي تحت الماء..
بدايات الغوص والتصوير
منذ زمن وأنا أحب الحياة البحرية والبيولوجي بشكل عام، نشأ عندي حب التصوير والغوص معا وبدايتي كانت بالتصوير تحت الماء في الأول من أبريل عام 2004 في أول غطسة رسمية لي ومدربي سلمني كاميرا وبدأت بالتصوير فأحببته وفي اليوم الثاني اشتريت الكاميرا. ويضيف: أستمتع بالتصوير تحت الماء أكثر ولكن إذا كانت الظروف سيئة تحت الماء بوجود تيارات قوية أو انعدام الرؤية أفضل التصوير بالبر
مخاطر الغوص على حساب اقتناص اللحظة
أول المخاطر عدم الانتباه أو التركيز في أمور السلامة عند مواجهة موضوع مثير للاهتمام في التصوير، أحيانا ينسى المصور مكانه والوقت الذي يستغرقه وينسى عمقه، وأحيانا ينزل إلى أعماق غير مسموح بها أو يغير عمقه بسرعة من دون الانتباه لمعادلة الضغط في الأذن أو لا ينتبه لمستوى الأوكسجين ولا سمح الله قد يؤدي نقصه إلى كارثة، كذلك يجب أن تكون معدات الغوص كاملة وسليمة يجيد التعامل معها تحت الماء، ثم بعد ذلك يهتم لمعدات التصوير ويضيف: أنا لا أخاف على نفسي تحت الماء لأني وصلت لمرحلة تمكنت فيها – ولله الحمد – من التحكم بتحركاتي ومعداتي، ولكني أخاف على غيري دائما بخاصة إن كان مبتدئا فأحاول التركيز فيه أكثر من الكاميرا للاطمئنان عليه ورؤيته من بعيد وغالبا ينشغل تفكيري به ولا أركز بالتصوير.
احترافية الغوص والتصوير
يجب أن يكون المصور احترافي غوص، ويكون عنده التحكم بالطفوية المناسبة لجسمه وهذا من المبادئ المهمة في التصوير بمعنى يكون جسمه (لا يعوم ولا يغرق بنفس الوقت) بحيث يطفو ويحافظ على مستوى معين بالعمق، أما إذا لم يحافظ على مستواه يغرق جسمه ويهوي للأسفل ويمكن أن يصطدم بشعب مرجانية فيدمر في لحظة بيئة بحرية تحتاج إلى مئات السنين حتى تتكون! ويبذل مجهودا كبيرا في التقدم والنزول ليثبّت نفسه، كما يستهلك ثلث أنبوبة الهواء بلا داع. وبعض الأسماك تتطلب من المصور أن ينتظر عند مسكنها لساعات إلى أن تخرج ويصورها ولن يتمكن منها المصور إذا لم يستطع السيطرة على ثباته.
التصوير بالليل والنهار
وللتصوير الليلي نكهة مختلفة، توجد كائنات تظهر بالليل لا ترى بالنهار حسب نظامها البيئي تكون بالليل غريبة وهادئة ومثيرة للدهشة لانراها بالنهار، وللتصوير يجب استخدام فلاشين وكشاف، أما إذا رغب في أن يعيش جو المغامرة ينزل البحر من دون كاميرا وسيجد الظلام دامسا وبعد دقائق تتعود عينه على الوضع فيرى كل شيء بوضوح ويستمتع بالغوص ولكنه لا يستطيع التصوير.
مصدر الإضاءة وانعدام الرؤية
دائما يتمكن الشخص من رؤية كل شي أمامه تحت الماء حتى ولو كان يغوص بالليل فإنه يستطيع رؤية كل ما حوله، وفي العشر الأمتار الأولى يصور بسهولة وهو مرتاح، أما إذا زاد العمق يكون الفلاش ضروريا ليحصل على إضاءة، مع أن استخدام الفلاشات تحت الماء هي بالأساس للحصول على تشبع الألوان أكثر من الحصول على الإضاءة. ويضيف: ولا تنعدم الرؤية إلا في الأعماق المظلمة وهي أعماق سحيقة جدا لا يصل اليها 1000 متر تقريبا ولا يسمح له بالغوص أكثر من 40 مترا لإنه سيواجه خطر انخفاض الضغط ويمكن أن يفقد الوعي، وهي صعبة جدا على إنسان إذا نزل في غواصة فمابالنا به يغوص منفردا!
التحكم بالإضاءة والفلاشات والأيزو
الفلاشات أنواع منها ما يكون شعاعها واسعا وهي مناسبة للوايد وبعضها ضيق ويكون مناسب للماكرو على حسب الهدف المراد تصويره، وأفضل غالبا استخدام مصدري إضاءة لسببين السبب الأول تفادي الظلال الحادة الناتجة عن استخدام الفلاش الواحد والسبب الثاني إذا رغبت بتصوير منظر عريض فالفلاشات الصغيرة لا تغطي المساحة ومع الفلاشين تعطيني مساحة وتوازنا ضوئيا أكبر، ويمكن رفع الآيزو في الأعماق القليلة ولكن لا يمكن الاستفادة من الآيزو من دون استخدام الفلتر، لأن الفلاتر البرتقاليه تعادل الألوان الناقصة في البحر كاللون الأحمر، وعن نفسي أجد مرونة أكثر عند تركيب الفلاشات من دون فلتر لأن المصور لا يستطيع تركيب أو فك الفلتر داخل البحر ولا داع لاستخدامه مع الفلاش
معدات التصوير تحت الماء
الكاميرات التي نستخدمها تحت الماء هي كاميرات برية SLR توضع داخل غطاء واقي من الماء بلاستيك أو ألومنيوم حسب السعر والجودة يكون مفتوحا من الأمام وله غطاء به فتحات لمساكات تمسك وصلات أذرعة الفلاشات ليتمكن من تفرقتها، مسكتان من اليمين واليسار والذراع طوله 20 إنش تقريبا (وهي متعبة جدا في الحركة خاصة في مصارعة التيارات)، وكذلك العدسات برية أيضا ولها أغطية، ولكل عدسة غطاء واق من الماء خاص بها إما أن يكون مسطحا للوايد أو مثل القبه للماكرو، مع فلاشات اليكترونية أو أسلاك ألياف بصرية تركب أمام الكاميرا وتعمل على نظام (سليف) وفيها عجلات تسمح بالتحكم بأزرار الكاميرا من داخل الغطاء باستخدام الأورنق لعزل الماء عن الهوا الخارجي.
أنواع عدسات تحت الماء
أكثر استخدام العدسات تحت الماء إما الوايد أنقل ويفضل تكون فش آي أو عدسات الماكرو على اختلاف درجاتها وتستخدم للتصوير القريب تبعا لقانون مهم في التصوير تحت الماء «وهو اقترب بقدر ما تستطيع من الهدف»؛ لأن التصوير بالمسافات الطويلة يضيّع الألوان والإضاءة.
المحافظة على العدسات من دخول الماء
تسرب الماء هو كابوس الكوابيس بالنسبة للمصور، وإذا حرص المصور على إقفال الأغطية وتعامل معها باحترافية وتغطية كل جزء بحرص تام ويدهن المفاصل بالسيليكون بشكل جيد سيكون بأمان بإذن الله، الخطر الوحيد بالموضوع إذا اصطدم بالصخور، فحين يقترب كثيرا من جسم معين بالماء وهو غير منتبه للمسافة بينهما فجأه يصطدم رأسه بهذا الجسم وتصطدم الكاميرا ويمكن دخول الماء، كذلك من الصعوبات الكبيرة التي تؤدي لتصادم الكاميرا هي السباحة ضد التيار
الكاميرا الاحترافية فوق وتحت الماء
الكاميرات المخصصة للتصوير تحت الماء كانت متوافرة بكثرة في عصر الكاميرات الفيلمية ولكن في عصر الديجيتل استخدامها غير مجدٍ لأسباب تقنية تحتاج إلى تغيير السينسور أو الكاميرا بالكامل. وأسعار الأغطية تراوح من 1400 دولار حتى تصل الى 7000 دولار ولكن الغطاء يستحق ثمنه بالنسبة للمصور المحترف للعمل كمهنة، وغطاء العدسه 1500 دولار تقريبا. ويضيف: أغلى أنواع التصوير التصوير الرياضي لحاجته لعدسات تيلي فوتو وتصوير الفاشن لحاجته لاستديو مجهز ولكن التصوير تحت الماء هو الأغلى.
صعوبات ومشاكل ومواقف الصعبة
لم أواجه صعوبات شخصيا ولكن شاهدت مواقف صعبة تأثرت بها أحدها أنه كان معنا مصور غواص مبتدئ، وفي أثناء الغوص لاحظت أن حركته ثقيلة فتوقعت أن يكون بسبب الهواء، فأشّرت له بمعنى هل الهواء معك كافٍ؟ وكان يعطيني إشارة OK وبعدها اتضح أنه لم يفهم الإشارة، وانتهى الأوكسجين عنده ففقد السيطرة واتجه للسطح وخلال توجهه للسطح شرب كثيرا من الماء وكان الموقف خطيرا ومؤثرا قد يؤدي إلى الوفاة لا سمح الله، ولكن الحمد لله أسعفناه وذهبنا به للمستشفى وخرج سالما بنفس اليوم. ويضيف: يختلف استهلاك كمية الهواء من شخص لآخر حسب وزنه وصحته وحركته وسباحته ضد التيار.
أفضل مواسم التصوير تحت الماء
لكل بحر مواسمه الخاصة، وأفضل فترة بالخليج هي الصيف فقط من شهر مايو إلى شهر نوفمبر وفي شهر أغسطس تأتي كائنات وديعة جدا تعتبر أكبر الأسماك في العالم تسمى القرش الحوتي ليس لديها أسنان وتتغذى على العوالق البحرية عن طريق الفلترة وتحب اللعب مع الإنسان، أما في البحر الأحمر في شرم الشيخ أفضل المواسم شهر 6 و7 موسم تكاثر الأسماك في منطقة رأس محمد تجد آلاف الأسماك في وقت واحد لدرجة أن الغواص يبعدها بيديه. إضافة إلى وجود أسماك القرش وهي جميلة جدا في التصوير وفيها نوع من الإثارة بحكم أنها شارفت على الانقراض ووجودها يدل على توازن النظام البيئي وهي غير مؤذية لأن حجمها صغير وتخاف من الإنسان.
الجمال البحري وشعور فريد
يستمتع الناس بالمناظر تحت البحر لأنهم غير معتادين على تلك المشاهد لكثرة الألوان والأسماك والشعاب المرجانية، ولكن مع الممارسة يعتاد الغواص عليها ويبدأ يبحث في التفاصيل ويتابع الحياة الديناميكية في حركة الكائنات بأول عشرة أمتار، وكلما زاد العمق صارت الحياة أهدأ وأغرب، سلوك الأسماك الغريب في الدفاع عن منطقتها من الدخلاء وتعاون الذكر مع الأنثى في حفظ البيض داخل الفم، ويذهب أحدهما بالتبادل للبحث عن الغذاء، كذلك سمك الصخر أو العقرب تكون على منطقة ترابية بين الشعب المرجانية متخفيه إلى أن تمر سمكة من أمامها وتهجم عليها، ويتعبر أخطر أسماك البحر لصعوبة رؤيتها وأشواكها سامة ممكن تخترق حذاء الغواص وتكون مواجهة قاتلة، وأيضا الحياة التعاونية بين سمكة قوبي وروبيان (طرقعة الأصابع) الكفيفة حيث تقوم بحفر الجحر وسمكة قوبي تقوم بالبحث عن الغذاء وحماية الجحر وعند الإحساس بالخطر تدخل الجحر وتُدخِل معها الروبيان ويظل الاثنان معا طول الحياة لا يتفارقان وغيرها من السلوكيات الجميلة الغريبة.
أجمل التكوينات الفنية للتصوير
الكهوف والتصدعات والتشكيلات الصخرية الجميلة والوديان العظيمة من أجمل أماكن التصوير ومنطقة دهب في مصر شرم الشيخ مشهورة بالتكوينات الصخرية الجميلة.
لكل بحر بصمته
لقد غصت في المحيد الهندي في جزر المالديف وبحر الفلبين والخليج العربي والبحر الأحمر وكل منطقة لها مذاقها، وأكثر مكان استمتعت به بحر الفلبين لوجود الكائنات الصغيرة المفضلة لدي، والحلزونات البحرية التي أعشقها وفي الغطسة الواحدة أرى ست أو سبع أنواع. أما البحر الأبيض ليس مناسبا للتصوير لأن الرؤية سيئة والماء بارد وليس بها أسماك جذابة إلا منطقة قريبة من أسبانيا ولا يُشد الرحال إليها. وأتمنى الغوص في جزيرة سيبادات في ماليزيا لأنها منطقه تحوي تشكيلة معقده جدا من الكهوف لدرجة السلاحف تدخل وتضيع وتموت داخلها، وبها منطقة أسماك البراكودا كأكبر تجمع لها، وبها منطقة بعمق 800 متر مباشره وفي حائط مرجاني وخلفه بحر مفتوح يعد تباينا جميلا وممتعا كغطس وتصوير بحسب المزاج.
أفضل صورة بحرية
أفضل صورة تعتمد إما على حسب رأي المشاهد، أو التي أفضلها أنا من ناحية سهولتها أو صعوبتها وندرة الأسماك الغريبة فيها، وأجمل صورة صورتها سيلويت لمجموعة من الغواصين من بينهم غواص مبتدئ مع سمكة (الويل شارك) وهي تلعب وتتواصل معنا وفكرت أصورها سيلويت مع المحافظة على المسافة بيني وبينها مع حركتها السريعة وأنا تحتها من دون أن أنتبه للضغط في أذني، (مما سبب لي إصابة في الأذن منعتني من الغوص لشهرين)، واستمررت بتصويرها مع الشباب ثم صعدت أنا والشخص المبتدئ إلى السطح، واتجهت السمكة نحو صديقي تفتح فمها تحسب الفقاعات غذاء تتغذى عليه فخاف منها وفقد السيطرة على أعصابه وأنا في هذه الأثناء صورته. ويضيف: نالت الصورة كثيرا من الإعجاب وحصلت على الجوائز لأن فيها عنصر بشري والتكوين فيها متوازن جدا ومتنوع بشكل جميل وكانت ضربة حظ توفقت فيها والحمدلله.
تغير الألوان تحت الماء
اللون الأحمر يتلاشى على عمق 10 أقدام ويتحول إلى برتقالي وأصفر والدم نراه أخضر تحت الماء وتنزع الألوان ولكن مع استخدام الفلاش تظهر الألوان التي لا أتمكن من رؤيتها بعيني المجردة. وبالنسبة لإعدادات الوايت بالانس إذا كنت أصور بالفلاش أستخدمه أوتوماتك ومن دون فلاش أوزنه على لون الرمل وأصور بناء عليه وكل ما غيرت العمق أغير الوايت بلانس، ولو أختاره دائما على الأوتوماتيك تصير الألوان كارثة.
صفات المصور تحت الماء
يجب أن يجتاز اختبار الكشف الصحي القلب سليم ما عنده خوف من الأماكن المغلقة أو المفتوحة والتنفس سليم ويجب أن يكون عنده خبرة بالغوص بعد 30 غطسه ومن ثم يبدأ يصور بعدما يستطيع التحكم بالكاميرا ومعدات الغوص والتصوير، إضافة الى إلمامه بالمعلومات البحرية والفصائل وعوائل الأسماك وأنواعها.
اكتشاف مرجان الخليج
الشعاب المرجانية موجودة بالخليج العربي ولكن حقها مهضوم من ناحية البحث العلمي، والمرجان نوعان نباتي وصخري، موجود بكثرة في الخليج العربي أما النباتي ففي البحر الأحمر، لذا كوّنا فريقا تطوعيا (مستكشفي شعاب الخليج) مجموعة من الغواصين لتخطيط الأماكن التي تحتوي على المرجان في الخليج العربي ورسم الخرائط وتسجيل متغيرات الحياة فيها وقد اكتشفنا سفينة غارقة كنا نبحث عنها، والآن نعمل على رسم خرائط لجزر الخليج العربي ونسعى للتعاون مع دول الخليج في هذا الأمر. ويضيف: من المفترض أن يقدم رجال الأعمال في المنطقة الشرقية الدعم لهذا المشروع.
مصورات تحت الماء
وجود مصورات تحت الماء نادر جداً فممارسة المرأة للغوص يخضع للقيود التي وضعتها الجهات الحكومية ضد غوص المرأة والتصوير ويجب عليها قبل النزول للبحر أن تعرض خطابا مختوما ومصدقا إلى حرس الحدود في كل غطسة بموافقه من ولي أمرها أو أن يكون زوجها معها، ويضيف: النظام يحتاج للتحديث أولا بأول لأنه النظام الحالي ضد المرأة.
دورات ومسابقات التصوير تحت الماء
أرى أن المستوى الحالي للتدريب للأسف من دون المستوى وإلى الآن لا توجد جهة جادة لتقديم دورات تعليم غوص وتصوير تحت الماء؛ لأن البعض تقدم بشكل تجاري وغير احترافي لمدربين لم يمارسوا التصوير تحت الماء وبرأيي أن الكابتن ثامر حابس هو مدرب غوص جيد وهاوي تصوير تحت الماء، ويقدم دورات تصوير احترافية.
أما المسابقات كذلك غير كافية بسبب أن عدد المصورين قليل وبالتالي الحكام فلا يكفي أن يكون الحكم محترف تصوير بريا بل يجب أن يكون متمرسا بالتصوير تحت الماء كي لا يظلم الصور الاحترافية بسبب عدم خبرته وكفاءته.