التصوير في السينما
يوسف قوبي
مبدع الصورة: مدير التصوير
التصوير هو عملية تحويل الافكار و الكلام و الحركة و الحالات و الانفعالات الداخلية وكل الاشكال الاخرى الى منظور. ان ادوات السينما و تقنياتها يستعملها المخرج كما يستعملها مدير التصوير كذلك.
التصوير هو تقنيات لاغير، يمكن لاي كان ان يصوب الكاميرا تجاه الموضوع و ياخذ صورة ، او مجموعة صور متتابعة، لكن الامر اعقد من ذلك حينما يتعلق الامر بحكاية قصة ، وهذه القصة يجب ان تروى بتعبير فني يرقى الى مستوى الرسامين الكبار.ان المصور بكاميرته مثل الرسام بفرشاته.ان اغلب مديري التصوير لهم المام بفن الرسم،ان لم نقل ان بعضهم رساما، غيرانه يرسم بالضوء، مثل المصور الايطالي (فيتوريو اسطورارو)، عمل في فيلم “الامبراطور الاخير” ل بيرلوتشي و” الاب الروحي ” ل مارتن سكورسيسي.
بصفة عامة و الى ابعد الحدود فان المعرفة الاساسية لتقنيات السينما و التصوير خاصة لدى مدير التصوير تلتقي مع المعرفة التي لدى المخرج . المصور عليه ان يكون على دراية بالمفاهيم الاخراجية ومن تم يكون قادرا على اختيار مدير التصوير الجيد. ان التعاون بين المخرج و مدير التصوير يثمر عملا جميلا ، لانهما يعملان معا على حكاية قصة بالكاميرا.
انتاج الفيلم يعتمد على كثيرمن المعاونين المحترفين ، منهم مدير التصوير الذي يلي المخرج في المرتبة ، لانه تقني وفنان مبدع، انه يعمل على تحويل افكار المخرج الى معنى منظور، ودوره يبتدىء منذ الايام الاولى لعملية الانتاج ، يصاحب المخرج والمنتج في اول خطوة نحو استكشاف امكنة التصوير ، ليرى عن قرب ما يناسب المكتوب في السيناريو ، وما يمكن ان يضيفه المكان للقصة والحدث الدرامي من تعبيرية وجمالية تماشيا مع ميزانية الفيلم .
ان مدير التصوير ليس هو ذلك المصور الذي يحمل الكاميرا ويموضعها لياخذ صورا واضحة فقط ، لكنه كما يقول احد رواد التصوير بامريكا وهو شارل جالوي كلارك (… يجب ان يكون لديه احساس بالتكوين ، المعرفة التامة بالعدسات والمواد الفلمية ، وما يمكن ان يعمله بهم و المدى الذي يستطيع ان يصله باستعمالهم… يجب ان يكون خبيرا بالالوان و سيكولوجيتها .. هو الوحيد الذي يمتاز بالابداعية و الخلق الفني التقني..) . مدير التصوير يعتمد على تمرسه و خبرته في معرفة قوة الانارة التي يحتاجها المشهد بمكان التصوير، خارجي او داخلي ، و يحدد وجهة الشمس وقت الشروق و طيلة اليوم حتى الغروب ، ومدى الحاجة الى اضافة انارة اصطناعية واستعمال بعض الاكسيسوارات لحصر الانارة في منطقة خاصة او نشرها حسب الحاجة و الضرورة . قد يريد مدير التصوير حسب ما يمليه المشهد ان يختار انارة حادة او انارة اقل شدة . بالاجمال هو الذي يموضع الانارة ويراقبها باستمرار، ويعتمد في ذلك على الات قياس خاصة للانارة ، ولحرارة الالوان Light meter و Color Temperature Meter.
مقياس الانارة -لايت ميتر- عبارة عن الة مغناطيسية تحتوي على شكل بيضوي الذي يجمع الانارة الساقطة عليه التي تخترقها لتصل الى المنطقة الحساسة التي تدفع -عقربها – للتحرك تبعا لكثافة النور ، وبضغط الزر يتوقف العقرب مشيرا الى عدد من الاعداد المتدرجة على الشكل التالي F22-F16-F8-F5.6- F4- F2.8- F1.4 وتقرا ف سطوب،هي اعداد تشير الى مدى سعة الفتحة التي بالعدسة ، تستقبل النور الداخل اليها ليسقط على الفيلم الذي بالخلف.وكلما قل العدد ، تتسع الفتحة لاستقبال نور اكثر، وهذه الفتحة هي المسماة ديافراغم Diaphragm.
مقياس النورLight meter قد تطور تبعا للتطور التكنولوجي الرقمي ، فعوض الابرة (عقرب ) التي تتحرك نجد الالة الرقمية “ديجيتال” بها شاشة تظهر اي معلومة يحتاجها المصور، مثل درجة حساسية الفيلم الخام (ASA) المستعمل ,وكثافة النور LUX اوFoot candle الذي على اساسه يعطى F-stop .ان درجة زاوية التقاط مقياس النور هذا تصل الى 180 درجة، يعني انه من نقطة معينة قرب الموضوع ، عند توجيه المقياس نحو الكاميرا ، يعطي قياسه لمساحة واسعة (180 درجة) . وقد يستعمل المصور الة قياس اخرى ،يستعين بها الى جانب الاولى ، وهذه تغطي زاوية اضيق-درجة واحدة- Spot meter، وهي تصوب -عكس الاولى- من نقطة قرب الكاميرا ، اي انها تقيس النور المنعكس من الجسم و عن مسافة بعيدة ، واهميتها لدى مدير التصوير تكمن في قياس التباين المتدرج للظل و النور ، بواسطتها يعمل المصور على تعديل الانارة ليوازن بين المواضع الساقط عليها النور و الظل، ويغير كثافة الانارة بالزيادة او النقصان او يغلب احدهما على الاخر حسب النظرة التعبيرية.
اما الة القياس الاخرى التي يعتمد عليها مدير التصوير تختلف عن السابقتين في كونها تقيس درجة حرارة اللون للنور. بحيث ان اختلاف كثافة النور منذ الصباح الباكر حتى اخر النهار ، تكون حرارة اللون متدرجة تصاعديا من اللون الساخن الى البارد حتى وسط النهار (حوالي ساعة 12) خلال هذه الفترة لاينصح بالتصوير فيها . تم تبدا دراجة حرارة اللون في النزول فتتغير كثافة النور ، تنتقل من البياض الى الحمرة ، مثل قطعة من الحديد ، حين يتم تسخينها ، فان دراجة حرارتها تتصاعد من الاحمرار الى الازرق حتى تصير بيضاء. و اللون الابيض ما هو الا تمازج الوان عدة ، هي المعروفة بالوان الطيف ، لكن العين المجردة لاترى الا الاحمر والاخضر و الازرق .
ان درجة حرارة الالوان تقاس بمعيار خاص ، اصطلح عليه درجة” كيلفن ” Kelvin . على سبيل المثال : ان ضوء المصباح المنزلي العادي يميل الى الحمرة ، ان دراجة حرارته تقارب 2000 درجة كيلفن .العين المجردة لا ترى هذا الاحمرار ، لانها طبيعيا تصحح ذلك فتراه ضوءا عاديا. اما الة التصوير يجب ان تلتقط الصورة تحت انارة درجة حرارتها لونها بين 3200 و 3400 درجة كيلفن باستعمال الفيلم الخام المعروف ب تنجستن Tungsten ، يرمز له ب حرف T مصحوبا ب عدد يكون بمثابة علامة خاصة يضعها المصنع مثل T5218 لشريط 35 ملم ، و T7218 لشريط 16 ملم .و التصوير تحت ضوء النهار سواء كام طبيعيا او اصطناعيا مثل ضوء النهار المعروف بHMI ، في هذه الحالة الصورة يجب ان تاخد تحت درجة حرارة اللون بين 5000 و 5600 درجة كيلفن ، والفيلم المناسب للاستعمال يرمز له بحرف D يعني ضوء النهار، المعروف بالاتي :D5218 او D7218 .
مدير التصوير يقوم بقياس درجة حرارة لوم الضوء ،و يعمل على تصحيحها اذا ما كانت تختلف عما يتحمله الفيلم، ذلك يكون بواسطة مرشحات خاصة او بالمختبر عند التحميض. (بالنسبة للفيديو ، الكاميرا تحتوي على -وايت بلنص-White balance-هو الذي يعمل المصور على تغييره ليحصل على ما يناسب ضوء النهار او الضوء الاصطناعي).
كل تلك الادوات معدة لتساعد مدير التصوير لاداء مهمته على احسن وجه ، لالتقاط صورة نظيفة . واعتمادا على تجربته وذوقه الخاص يحاول ترجمة ما بمخيلة المخرج الذي يرى نظرة خاصة به، هذا هو الذي يفرق بين المصور الفنان و المصور التقني .
منذ ظهور السينما كفن ، تطورت تسمية الشخص الذي يقوم بدور المصور . الاسم الذي عرف به هو “كاميرمان Cameraman في الايام الاولى لصناعة الافلام و قبل تطور فن الاضاءة ، ثم اصبح يعرف بالمصور السينماءىي حينما تطور فن الانارة الى اسلوب خاص بها ، من تم بدأت التفرقة بين المصور السينمائي و المصور العادي للصور الثابتة .
في بواكر السنة 1930 بدا الصوت يدخل مجال السينما نظرا للتطورات التي عرفها . المصور تحول الى ادارة المكان و محرك المصورين و المعاونين ، يراقبهم ويسيرهم ، و يختار العدسات المناسبة ، حينذاك لقب بمدير التصوير ، فتغيرت مهامه في ذلك الوقت الى مشرف على طاقم التصوير. يعمل تحت ادارته ، علاوة على المصورون المساعدون ، عمال الكهرباء الذي يعرف رئىيسهم ب غافر”Gaffer يقومون بموضعة معدات الانارة ، ويعمل تحت ادارته كذلك العمال الذين يحولون العتاد الخاص بالكاميرا ، من الحوامل الثلاثية و الرافعات و العربات وكل ما هو ضروري للتصوير .
كل ذلك المجهود المبذول لاجل ارضاء المخرج و منتج الفيلم ثم الجمهور الذي يبتهج عند مشاهدته فيلم جميل قصة و صورة .
لنرى الان كيف يتم التحضير لكل ذلك ، ما هي الخطوات التي تاخد قبل بدء التصوير ، اي الفترة التي تسمى “ما قبل الانتاج ” هي الفترة التي يتم فيها الحسم في الخطوات التالية : بعد قراءة السيناريو من طرف مدير التصوير و مناقشته تفصيليا مع المخرج و المنتج تتضح لهم الرء ية والعناصر البصرية و التعبيرية . مدير التصوير يشارك في اغناء الفيلم بما يقتضيه النص ، فيترجم للمخرج المتطلبات البصرية حسب ما يرغب فيه الاخير. مما لا شك فيه ان لكل مخرج قناعة خاصة ، تجعله يقيد عمل مدير التصوير و يستمر في مراقبته بصرامة او يمنحه الحرية الكاملة تاسيسا على الثقة التي بنيت على اعمال سابقة او تعاون سابق .
ان مهمة مدير التصوير تستمر حتى بعد التصوير ، حيث يشرف على عملية التحميض بالمختبر ، ويبقى على اتصال بعماله ، لاسيما المختصون منهم بعملية تصحيح الالوان -هذه العملية جد اساسية قبل طبع الفيلم بالنسخة الموجبة ، انها تعطي للمشهد المظهر البصري المناسب او ما يعرف ب “للوك Look في السينما الامريكية وهو ما اسميه بالمظهر البصري ، هو احساس سيكولوجي لدى المتفرج حول ما يشاهده من الوان الديكور او الفضاءالعام المحيط بالشخصية ، حتى لون الاضاءة المتغيرة حسب الحقب التاريخية، وحسب اختلاف اوقات اليوم ، وحسب اسلوب الفيلم ، بحيث يصل المعنى الى عين المتفرج قبل الاذن .
والدور الهام ، البالغ في خلق هذا المطهر البصري بالنسبة لمدير التصوير هو في اختيار نوع الكاميرا – 35 ملم او 16 ملم او كاميرا فيديو .. و غيرها من الانواع الكثيرة . واختيار العدسات ، والفيلم الخام ، حيث يعمل على اختبار كل ذلك قبل بدء التصوير الفعلي سوف نقول يوما هذا فيلم جميل لمخرج كبير ، وننسى مدير التصوير الكبير.ونتذكرما قاله شارل كالوي كلارك :” ان اسهل عمل يقوم به المصور هو اخد صورة بدون عناء “.
يوسف قوبي
خاص ب: ”الفوانيس السينمائية” نرجو التفضل بذكر المصدر والكاتب عند الاستفادة