فوتوغرافيا الأب والابن .. بلغة الكاميرا
سحر الزارعي – الأمين العام المساعد لجائزة حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم الدولية للتصوير الضوئي
@SaharAlzarei علاقة الأب مع ابنه من أكثر العلاقات الإنسانية تعقيداً حسب الدراسات والتجارب، حتى أن الخبراء يعتبرون أنه لا مجال للمقارنة بينها وبين علاقة الأب بابنته، فنجاح العلاقة الثانية أسهل بكثير على الأب، أما الأولى فتحتاج إلى مهاراتٍ خاصة من حيث المخزون المعرفي وضبط الأعصاب وردود الفعل، وتكوين القدوة الحسنة بشكلٍ واقعيّ للابن. خلال جولتي الأخيرة في فرنسا كانت ملاحظتي تستهدف هذه العلاقة كونها ضمن المحاور الخاصة بالدورة الخامسة من جائزة حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم الدولية للتصوير الضوئي، كانت هذه العلاقة الثانية في سلّم أولوياتي بعد علاقة البشر مع “السعادة” والتي تحدّثتُ عنها الأسبوع الماضي. هناك نسبة كبيرة من المصورين تتخصّص إلى حدٍ ما في التقاط أبرز مميزات العلاقات الإنسانية، وبعضهم لديه شغفٌ خاص في مراقبة العلاقة بين الأب والابن خلال مراحلها المختلفة. أحد المصورين المهتمين بهذه العلاقة أخبرني بعض المكنونات الدقيقة عنها، وكيف أن من يهتم بهذا النوع من العلاقات الإنسانية يجب أن يكون ملمّاً بالنواحي الثقافية والتربوية المتعلقة به، وفي حال لم يتوفّر ذلك لن يكون سوى “مصوّر مصادفات”. هذا المصور يتتبّع بعض المناسبات التي يتعرّض فيها الطفل لبعض المواقف للمرة الأولى بحضور أبيه أو حتى غيابه، ليلتقط بعض الصور التي تروي قصصاً قصيرة عن مشاعر الأمان والفخر والزهو وصولاً إلى الخيلاء أمام الأصدقاء في حال حضور أبيه، ومشاعر الخوف والخذلان والانطواء والوجوه الباكية في صمت بسبب قسوة الغياب، أيضاً هناك بعض المواقف التي لا تتكرّر سوى مرة واحدة في عمر الطفل، ومن ذلك اليوم الأول في المدرسة، ذلك اليوم الخاص الذي يكتشف فيه الابن مشاعر جديدة تماماً كما يختبر قوة تحمّله لوجوده بمفرده في المدرسة، وعلاقته بزملائه ومدرّسيه والبيئة الجديدة التي يجب أن يتعايش معها. في جعبة هذا المصور بعض الصور التي لم تفارق خيالي، صورٌ تحكي ببلاغةٍ بديعةٍ قصصاً إنسانية تحفر ذكراها في النفس والوجدان وتستعصي على النسيان، فهذا أبٌ ينظر في ذهول باتجاه باب المستشفى الذي تُوفّيت فيه زوجته، وابنه في حضنه ينظر بحيرة وترقّب وتوترٍ أيضاً من رد فعل الأب غير المألوف، ونظرات الأب تترجم الحزن الصامت مع الخوف من الحمل الثقيل على كاهله، مسؤولية تربية الابن. الأب يرى ابنه امتداداً له، يعتبره سفيره الخاص للخلود، يعمل جاهداً على أن يمنح ابنه كل مالديه، وأيضاً كل مالم ينجح في تحقيقه، يسعى بكل جوارحه أن يُعلي من شأن ابنه طوال عمره دون كللٍ أو ملل. فلاش هذا المحور فقط لمن يستطيعون جعل عدساتهم “تنبض” بالحياة