ليس لأنها صاحبة سمو ملكي، وليس لأنها فنانة، بل لأنها إنسانة مرهفة مثقفة فيلسوفة، تجذب محدثها بعمق نظرتها وفكرها وتَجَذُّر الفكر الإسلامي في شخصيتها المميزة التي تأسر القلوب بعفويتها وصدقها ودماثة خلقها، وصل فنها الآفاق كالريح المرسلة، تتسلل بوداعة إلى قلب محدثها كالنسمة العليلة وتترك لمستها وأثرها، إنها صاحبة السمو الملكي الأميرة ريم الفيصل. فنانة فوتوغرافية درست الأدب العربي وعشقت التصوير ومارسته ودرسته في فرنسا. لها من التاريخ الضوئي ما حوى أربعا وثلاثين معرضا شخصيا في عدد من دول العالم، وهي رئيسة جمعية “نعم نحو عمل مسؤول” في فرنسا، تكتب مقالات سياسية تحليلية في صحيفة “العرب نيوز” العالمية. كما أصدرت ثلاثة كتب فوتوغرافية وهي “ديوان النور” و”كتاب الحج” و”كتاب الواحد والعشرة آلاف شيء” تجذب المتلقي إلى روح موضوعاتها فيبحر في فكرها العميق بكل سلاسة وإعجاب! كان لنا معها شرف اللقاء والحوار حول موضوعات الفن والتصوير والشعر والفلسفة فشرعت لها الصفحة أبوابها. دراسة التصوير تحكي لنا الفيصل عن البداية: حين عزمت على دراسة التصوير وجدت أن الدراسة لمدة أربع سنوات لا معنى لها فالتحقت بمدرسة تعطي كورس على مدى سنة ونصف للتصوير الاحترافي وتاريخه وثقافته وفلسفته وتحليل أجزاء الصورة وفلسفة الألوان والتحميض ولم تكن تهمني الشهادة بل تهمني المعرفة. وبعد الدراسة الأكاديمية تغيرت نظرتي للأشياء وعرفت كل مجالات التصوير ودرست فنونه المختلفة وتقنياته ومن خلاله تعرّفت على نفسي وطريقي الذي أود أن أسلكه في التصوير فالإنسان يجب أن يترك الشيء لا من جهل؛ بل من علم! كاميرتي إلى الآن فلمية وأصرّ عليها وأحمض صوري بنفسي. التحميض الورقي للفيلم أستمتع بالتحميض جداً أكثر من التصوير أحيانا؛ وبسببه تعرضت لحساسية شديدة واحتراق الجلد في أول معرض لي ما اضطرني إلى لبس قناع منع تسرب الغازات وقفازات وبهذا تصعب العملية، فعُرِض علي أن يساعدني واحد من أشهر الفنانين المختصين بالتحميض لكبار المصورين في العالم بخبرة خمسين عاما فكنت أتأمله وهو يحمض واكتسبت منه خبرة كبيرة. صراع الكاميرا الفيلمية والديجيتال وتؤكد الفيصل: إلى الآن لا يعلى على التحميض الورقي في التصوير كجودة وتعامل مع الضوء ودرجاته وروح الصورة فيها وأعتبره كالفرق بين الأعمال الفنية اليدوية والأعمال الصناعية! فالكاميرا الفيلمية تلتقط درجات الضوء أعمق بكثير من الديجيتال الذي يكون فيه نوع من التسطيح من دون التعمق في جزئيات الضوء وعمق الألوان وبتلك الدقة قليل جداً من وصل إليها من الكاميرات الحديثة؛ وهذا ما يدفع المصورين لاستخدام الفوتوشوب لإكمال ضعف كاميرا الديجيتال! لاشك أن أساسيات الفوتوشوب كانت موجودة من أيام التحميض وحتى مصطلحاته مأخوذة من التحميض. ولكن ما يميز الفيلم هو الروح والعمق والتعبير الموجود فيه رغم أن التعامل مع تحويل الصور الفلمية إلى عرضها إليكترونيا فيه صعوبة عن طريق ال “سكان”. التعليم الذاتي والأكاديمي التصوير حرفة يجب أخذها من شخص أعلى منك وأغلب الفنانين المشهورين في العالم تعلموا ذاتيا وكبار المصورين كانوا يعملون مساعدي مصور يتعلم من أستاذه. العبرة ليست في التعليم الأكاديمي البحت وإنما الأهم هو الدارسة إما في مدرسة أو على يد أستاذ. أما بشأن عدم وجود جهة رسمية ترعى التصوير تقول: لدينا في المملكة إمكانات مادية ولكن إمكاناتنا لا توجه لدعم الحركة الفنية فهي تحتاج لملايين، كذلك لأن الفن انفصل عن المجتمع والفنان يرى أن المستثمرين لا يفقهون فيه وبالتالي لن يدعموه! فإما أن نبحث عن فنان مستثمر وإما أن نطوّر الفنان! عن طريق تدريس الفن. أحلم بإنشاء أكاديمية للتصوير وفي وسط أمنيات المصورين بإنشاء مظلة فوتوغرافية تظللهم تقول الفيصل: أحلم بتطوير واقع التصوير الفوتوغرافي وإنشاء أكاديمية تؤهل المصور الجيد وربطها بالفلسفة الإسلامية تدريب ينتج عنه مرجعية عن الفكر الإسلامي في الفنون ب “تنمية رؤية المجتمع للصورة” ولابد للمصور السعودي أن يضع يده على نبض المجتمع ويتواصل معه ليس بهدف الشهرة. ومن المهم إنشاء أكاديميات نقد حقيقي للصورة وتثقيف المجتمع بتاريخ الصورة وأبعادها الإنسانية. الفن ليس مهنة ولا شهرة الفن ليس مهنة؛ من اكتسب من وراء فنه سيكون مضطرا للخضوع للمادة ويخلق استعباد لموهبته لأنه المصدر الوحيد لرزقه، وهذه من أكبر المشاكل التي تواجه الفنون الحديثة أصبح الفن مهنة وتجارة بحتة. كذلك البعض مصاب بمرض الغرور والتباهي وهذا سببه طريقة رؤيته للفن. وكثير من الفنانين في العمارة الإسلامية والفنون لا نعرف أسماءهم لأنهم عبروا عن قضايا أزلية بقيت مع الزمان أما من يعبر عن نفسه فقضيته صغيرة تموت مع الأيام ولن يحفظها التاريخ. ولابد من تغيير النظرة الفنية كلها وليس المصور فقط وتضيف: طريق تعليم الفنون بشكل سليم يبدأ من المدرسة. الشعرالعربي والتصوير الشعر العربي أثر في نظرتي الفنية لأن معظمه تصويري، وأكثر الشعراء الذين أثروا بي أبو العلاء المعري لأنه يتحدث عن الأزلية والزمان والمكان وتأثير مرور الزمن على الشيء كذلك تأثرت بإبراهيم ناجي والشابي وبشعراء المعلقات والعصر العباسي. أعتقد أن الصورة لها تأثير كبير على المجتمع السعودي فهو يحب الصورة ويتفاعل معها أكثر من أي مجتمع عربي لأننا تعلقنا بالقصيدة فطريا فأحببنا الصورة لأنها تذكرنا بالشعر وهذه البلاغة الشعرية التي تختزل مواضيع وفكر وإحساس عميق في بضع كلمات؛ تشبه الصورة التي تختزل مشاعر ومعان وأفكار في لقطة! وكثير من المصورين الكبار كانوا شعراء ورسامين. بين السياسة والفن إضافة للفن والشعر كان للسياسة نصيب تقول: أكتب المقالات السياسية التحليلية ولكني أجد صعوبة في الكتابة عن الفن لأني أعبر عنه في صوري، كما لا أحب إطلاق أسماء على أعمالي أو شرحها بالكتابة عنها؛ فالصورة يجب أن تتحدث عن نفسها كما لا يعجبني في معارض الفن الحديث من يملأ الحائط كتابة وشرحا للصورة لأنه سيتحول إلى ناقد فني وليس فنان. لا أحب تصوير أهلي الكاميرا لا ترافقني في كل وقت؛ أنا أقتطع من حياتي جزءا كي أصور؛ فالتصوير عندي رحلة “بداوة وترحال” ولا أصور الأشياء التي أعتدت عليها كما لا أصور أهلي ولا أصحابي ولا المنطقة التي أعيش فيها ولا أحب أحد يطلب مني؛ لابد من أن أكون غريبة في المكان وحتى لو في جدة لابد أكون في حي لا أعرفه. أعيش تصوير الأبيض والأسود وحياة المدن والطبيعة. يثيرني تفاعل الإنسان مع الحياة في الصورة؛ الأماكن وحركة الأحياء والأسواق والمقاهي يجذبني تأمل الإنسان الذي يعبّر عن تراكمات لتاريخ طويل ولا أحب تصوير البورتريه داخل الاستديو إطلاقا. أزمة المثقفين وحوض السمك أزمة الفن الحديث هو ما أسميها بحوض السمك كل الفنانين والمثقفين يدورون بعضهم حول بعض كما في حوض السمك وبعيدون عن الناس ثم يتساءلون لماذا لا يحضر الناس المعارض والمتاحف وتجيب: (لأن فنكم لا يعبر عنهم ولا عن الحالات الإنسانية) المشكلة ليست في المصورين وإنما في المثقفين. وتتساءل: من هم المثقفون؟ منذ متى كان لدينا طبقية في المجتمع طبقة المثقفين وطبقة العامة؟ وتجيب: إنشاء طبقة المثقفين هي فكر مستورد خلقت الطبقية في المجتمع وفصلتهم عن الناس ثم يوهمون باقي المجتمع بأنهم الأفضل يعرفون كيف يديرون حياتهم؛ ولا أحد يستمع للشعب! فحدث هناك عزْل بدعوى إن الشعوب جاهلة لا تهتم ! بالطبع لا تهتم في فن وفكر لا يخاطبها أو يلامس قضاياها. وتضيف: الفنانون والمثقفون يتحدثون عن معاناة الطبقة التي ستشتري كتبهم أو لوحاتهم من الطبقة المخملية أو ما دونها بقليل أما بقية الشعوب فلا مكان لهم ! في الماضي كان عندنا الأستاذ والحكيم والنجار وكل واحد له علومه وله احترامه، نحن نحترم كل أصحاب المهن دونما طبقية. فلسفة الفن الإسلامي هذا الفرق بين الفكر الغربي وفلسفة الفن الإسلامي الذي يتعامل بسمو مع الفطرة التي يشترك فيها كل البشر من الفقير الذي يتوسد الشارع إلى الملك في قصره، وظلت الفطرة حديث الفنانين مئات السنين ثم انفصلت وحلّت محلها البرجوازية التي تملك المال والسلطة والحكم لمن يدفع ويشتري لوحته. الفن عند المسلمين الأوائل كان عبادة للتقرب إلى الله من عمارة المساجد والمنمنمات والخطوط وتزيين الأواني بآيات القران لأن كل سلوكيات المسلم فيها عبادة وتقرب إلى الله حتى الأكل والشرب، وكان الناس يستشعرونها لأنها تداخلت مع أرواحهم؛ ولكن حين انفصل الفن عن العبادة أصبح دائرة مفرغة ليس له معنى بخاصة في الغرب أصبح الفن لهوا وليس إبداعا. وتضيف: الفن هو فلسفة! بعضهم يهتم بالأداة سواء كاميرا أو فرشاة ونسوا الفلسفة والفكر الذي وراء الصورة الذين قلدوا الغرب في فنونهم ظهرت بشكل ركيك لأنهم يجهلون فكر ذلك الفن الذي لم يفهموه ولم يعيشوه مثل التقليد الرخيص للبضاعة! رأي الفلاح المصري فني نابع من الفلسفة الإسلامية في البحث عن روح الإنسان؛ يهمني الوصول فالإنسان والتعبير عنه؛ وأجمل انتقاد ورأي استقبلته كان لأحد العمال البسطاء في أحد معارضي؛ فلاح مصري كان يعمل في محل بجانب المعرض وفي وقت استراحته دخل يرتاح في الجو البارد وأخذ يتفرج ويناقش أعمال عن باريس بكل حماس وتفاعل! بالنسبة لي هذا هو نجاحي. إشهار خمسة إسبانيين إسلامهم ربما يظن البعض أن ريم الفيصل صورت في الحج بموكب وطريقها مفروش بالورود؛ تقول عن تلك التجربة: صورت في موسم الحج من عام ٩٩ حتى ٢٠٠٣. الحج أصعب مكان ممكن التصوير فيه كنت أمشي على الأقدام ١٣ ساعة يوميا لتصوير مشاعر الحج وأتعرض للإيذاء من شتم واعتراض وتعليقات رغم أنه معي تصريح! وقد رجمت على جبل الرحمة من البعض ويقولون لي المصورين في النار. هدفي من إقامة معرض الحج في الخارج هو الدعوة للإسلام وبالفعل تفاجأت من نظرة الغرب للحج ففي معرض الحج في أسبانيا أعلن خمسة إسبانيين إسلامهم وبعض الأشخاص ملحدون أجهشوا بالبكاء وفي الصين ظنوا إني نبية! المرأة لا تنفصل عن المجتمع قضية المرأة التي تشغل المجتمع الآن كان لها رأي مستقل: أعتقد أن المرأة والرجل يعانيان من نفس الأمور ولا أرى جدوى التفرقة في المجتمع بين المرأة والرجل؛ صحيح أن هناك أسبابا كثيرة تجعل المرأة الحلقة الأضعف بسبب تسلط الرجل لكن لا أحب فصل المرأة عن المجتمع ولا إقحامي في هذا ولا أقدم فني على أني امرأة سعودية! صحيح أني أتمنى أن تكون للمرأة السعودية مجال لتبدع أكثر في مجال التصوير وأن أساعدها على ذلك؛ لكن قضايا المرأة لا أناقشها من خلال التصوير وإنما أناقشها في منابر اجتماعية. لا تهمني نظرة الغرب للمرأة السعودية بما يتعلق بالمرأة السعودية لا يهمني رأي الغرب فيها وكيف يراها؛ لأني أعرف أن هناك أجندات خارجية تحجّم دور المرأة ومهما قلنا فلن تتغير، إن ما يهمني وضع المرأة السعودية وأن تأخذ مكانتها واحترامها بين السعوديين. وحين تسمح البرامج الأجنبية بظهور المرأة السعودية في إعلامهم لابد وأن تظهرها بصورة المرأة الثورية الناقمة على المجتمع، فإن تماشت معهم أدخلوها في هذا الإطار وإن عارضتهم فإما أن يهجموا عليها أو يلغوها وحدث هذا معي! فقد أُلغيت لي لقاءات بالكامل في أكبر الصحف الأجنبية حين أثير التساؤل حول كيف أكون حداثية ومحجبة في ذات الوقت وأدافع عن الإسلام والمسلمين. أما بالنسبة للشعب الغربي فهناك تقبل وشغف بالفنانة السعودية لأنها شيء جديد. وحتى المعارض الفنية موجهة، فإذا أراد فنان عربي مسلم الشهرة يساعده الغرب من خلال (إساءته للدين وللوطن) يصبح أشهر من نار على علم. قصور تعبير الفن عن المرأة المرأة في الفن يُعبّر عنها إما رمزا للجمال أو الجنس! أما المرأة الحاضنة المربية التي تبني المجتمع لم تظهر سواء هنا أو هناك. والمجتمع لدينا هو سبب قصور النظرة الفنية في التعبير عن المرأة لأنها لا تتقبل التصوير في مجتمعنا حتى من ظهرها وهي حجابها الكامل، وأتمنى الحقيقة تصوير المجتمع النسائي في مجالس القهوة العربية والتفاصيل الجميلة ولكن هذا صعب جدا. إساءات للأميرة لأنها أميرة الأميرة السعودية ريم الفيصل تكشف عن سوء تعامل بعض الإعلاميين العرب فتقول: قليل جداً في المعارض بالخارج يعرف أني أميرة حتى في الإعلانات تقدم على أني الفنانة ريم الفيصل وحسب. أما في الدول العربية هناك من يأتي ويقدح في فني فقط لكوني أميرة! قال لي أحدهم في أحد معارضي في مصر (بابا أجّر لك المعرض؟) وقال آخر (شغالتك الفلبينية هي اللي بتصور لك؟) وإحدى الصحفيات تسألني: (أخبرينا كيف هي الحياة في البلاط؟) وجاءني أحد فناني مصر الكبار وقال لي ساخرا أنا دخلت هنا بالغلط ولكن اتضح أن لديك موهبة. للأسف أغلب الإساءة جاءتني من العرب المثقفين! بمعنى أنك أميرة يفترض أن تكوني بلا فكر أو ثقافة ومن ناحية أخرى “أنتم السعوديين بدو ماذا سنتعلم منكم”! وهم في الغالب لديهم أجندات سياسية. والحقيقة أني تعلمت فن الحوار “وجادلهم بالتي هي أحسن” السعودي مسؤول أكثر من غيره وتختم ريم الفيصل حوارنا الشيق بقولها: ثقافتي إسلامية بحتة وولائي للإسلام وكلنا دعاة ومسؤولون وأعتقد أن السعوديين تقع عليهم مسؤولية أكثر من غيرهم بحكم انتمائهم لبلاد الحرمين الشريفين وهذا ما يؤلمني أن السعودي لا يعلم كيف الآخر ينظر له، ففي الدول الإسلامية يتوقعون أن السعودي صحابي ثم يتفاجؤون بأخلاقيات بعيدة عن الإسلام في بعض السعوديين وللأسف نحن لا نربِي هذه المسؤولية في أطفالنا.وفقا لما نشر بصحيفة الرياض.