ناثان دوس أمين
فنان يشبه مصر
– تتعدد تجارب `دوس` الفنية وتتنوع فى أفكارها وخاماتها باستمرار، ورغم ذلك تطل دائما مكوناته الثقافية والبصرية النابعة من البيئة المصرية بفنونها وموروثاتها الأصيلة، إذ تشبع فى طفولته وصباه بمخزون جمالى وفنى ثرى بين أحضان الطبيعة التى كانت الشرارة الأولى التى أشعلت ولعة بكل ما هو مصرى.
– ويتذكر ناثان : نشأت فى قرية `برشا` بالمنيا، حيث لا مبان مرتفعة صادمة للعين بل أفق مفتوح مترامى الأطراف يتيح رؤية بصرية طبيعية غير مصطنعة، وكنحات كان مهما بالنسبة لى أن أعايش يوميا – وعن قرب- الحيوانات، وأتاح لى ذلك الإحساس بكل `تفصيلة ` فى جسدها، فتزودت بعلم التشريح فى طفولتى .
– ينعكس ذلك بوضوح على أعماله حيث أجاد `دوس ` تجسيد التشريح سواء فى مرحلته الفنية الأولى حين اهتم بإبراز التفاصيل العظيمة الدقيقة باستخدام خامة البرونز، وفى مرحلة لاحقة حين قام بتجسيد الكائنات ككتلة ضخمة باستخدام الجرانيت، وهو فى ذلك كله كان يعمل اجترارا لذاكرته البصرية، ويضحك دوس ويقول: `أبناء الريف محظوظون ` .
– ويعود جانب كبير من تفرد أعماله إلى أن الخامة عنده الجرانيت، وثيقة الصلة برؤيته الفنية..` الفكرة عندى تنادى الخامة، ولذلك لا أستخدم خامة ما دون رؤية مكتملة يطرحها العمل الفنى.. على سبيل المثال `رغيف العيش`، الذى يعد أحد أهم المفردات اليومية للإنسان المصرى، عندما أردنا تجسيده فى تجربة فنية جماعية، اخترت خامة الكوارتز رغم أنه أكثر صلابة من الجرانيت، لكنه أكثر ملاءمة لأنه حجر مصرى أصيل يتوافق مع رغيف العيش فى تحديه للزمن وصلابته ولونه، وذلك ما دفع فناننا الكبير صبحى جرجس إلى القول: ` يعيدنا دوس باستخدامه للجرانيت والكوارتز إلى خامات بلدنا الأصيلة بعد فترة نسيان طويلة لها، والمدهش أنه يجسد به أفكارا خالصة المصرية، لذلك اعتبره فنانا يشبه مصر`.
– تجربة فنية أخرى لا تقل ثراء خاضها `دوس ` بإحساس عميق الصدق، وهى الجداريات التى يرى أنها امتداد للحضارة المصرية الفرعونية كفن جميل يهذب الذوق المعمارى، ونغسل به عيوننا .
– وتلح فكرة الحرية عليك عندما تتأمل أعماله الفنية، إذ يرفض `دوس` بقوة التقيد برؤى وتقاليد بالية سواء فى فكرة العمل أو خاماتها، ويتمسك بأن الحرية هى قضيته `الحجر قد يكون مادة يبدع بها الفنان عملا نحتيا عظيما، كما قد يكون هو نفسه مكونا أساسيا لشاهد قبر ` ومثلما تثير شجونة قضية تراجع الحرية فى مصر فإن تدهور علاقة الفنان بمجتمعه يثير قلقه ومخاوفه بشده ` الفنان ابن مجتمعه، يؤثر ويتأثر به، ويتوقف مدى تأثيره على ما يحيط به، فكيف يمكن للفنان المصرى أن يبدع ويؤثر فيما حوله، وهو يعلم جيدا أن الفن بعيد تماما عن الانسان البسيط، وأنه حتى بالنسبة للصفوة لا يمثل لهم لمسة حياتية يومية؟ .
– رؤية ` دوس ` تعكس اهتمامه بالمتلقى العادى الذى كثيرا ما جسده لنا فى أعماله ، ويصفى التشكيلى `سعيد الجزار ` ذلك بقوله : ` يعيش دوس حالة من التوحد مع البسطاء، تلمح فى العديد من أعماله الخشونة، وانحناء الظهر نتيجة العمل القاسى للعامل المصرى ` .
– ورغم كل همومه لا يكف `ناثان دوس ` عن العالم : `لدى أفكار ورؤى كثيرة لم أنفذها بعد، لذلك اعتبر أن أجمل أعمالى هى تلك التى لم أنحتها بعد` .
نادية عبد الحليم
مجلة البيت – 2010
` يحتل ناثان دوس مكانة متميزة فى النحت المصرى ، يعتمد أسلوبه على التجريد والتشخيص المستوحى من مفردات الواقع والطبيعة ، كثيرا ما يحطم القواعد النحتية سواء فى اختياره للخامة أو الفكرة أو التكنيك المستخدم `.
صبحى جرجس
آفاق المثالية فى معرض ناثان دوس
* ينطلق الفنان ناثان دوس إلى آفاق المثالية فى معرضه الحالى بمركز الجزيرة للفنون خلال الشهر الجارى، من خلال27 قطعة فنية نحتية تلجأ معظمها إلى شكل الكتلة المكعبة وهو الأكثر تعبيرا عن النموذجية فى الأشكال المجسمة بعد الكرة،فنتلقى منها أفكارا ثورية ودينية وفلسفية أيضا نطقت بها أحجار الجرانيت الأحمر والأسود الأسوانى وحجر الكوارتز، والرخام الأبيض.
– ناثان دوس من مواليد ملوى بالمنيا سنة 1971فى صغرة شكل بالحجر الجيرى والطين الأسود فى المرحلة الإعدادية وحصل على بكالوريوس الفنون والتربية من جامعة المنيا سنة 1993، وبدأ مرحلة جديدة فى حياته الفنية استمرت ثمانى سنوات قضاها باحثا عن مثالية الجسد الإنسانى ومقاييسه وتشريحه العظمى، فعرف فى هذه المرحلة بتماثيله النحيفة والعظمية والتى سوف يعود لها لاحقا فى سنة 2010 من خلال أحد تماثيل معرضه الحالى .
– منذ أحد عشر عاما عرف فناننا دوس القوة الجسدية أمام إغواء القوة العضلية كى يستخدمها فى النحت على الجرانيت، المادة الصلصة القاسية فكانت تلك مرحلته الثانية والتى حافظ فيها على فلسفته فى النقل الأمين للطبيعة والتى تجلت فى واقعية أعمال البورتريه والحيوانات وأشياء أخرى من الطبيعة.
– الحصان المتفسخ هو حصان ذو رأس وأربعة حوافر فقط دون الجسد أو الأرجل، من أعمال دوس النادرة التى اتخذت طابعا تفكيكيا وابتعدت عن مثاليته المعهودة يقول دوس : نحته سنة 2009 بهذه الهيئة المحطمة ليذكرنى أن الشجاعة الحقيقية هى أن تواجه الحياة لا الموت .
– تمثالان آخران أحدهما للسيد المسيح والآخر لرأس يوحنا المعمدان موضوعه فى الطبق ويوحنا المعمدان هو النبى يحيى بن زكريا فى القرآن الكريم، وهو شخصية مقدسة فى الديانات السماوية الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلام، ويشير إليه ناثان دوس بأنه شخصية محورية فى فنه النحتى، فهو أول ثائر على ملك فى التاريخ، على حد قوله.
– يتأكد تفاعل فناننا مع الثورة بعد ثورة 25 يناير، فنشاهد فى معرضة تمثالاً لمجموعة من المتظاهرين يرفعون العلم المصرى ونحتت كتلة المتظاهرين المكعبة من الجرانيت الأحمر الذى أوحت صلابته بصلابة الثوار فى مطالبهم، وأكد شكل الكتلة ترابط الثوار وقوة اتحادهم وتناسب أيضا اللون الأحمر للخامة مع موضوع الثورة .
– ثلاثة تماثيل من الرخام الأبيض من نوعى بيانكو وكرار، يدشن بهم الفنان مرحلة جديدة فى حياته الفنية وجه طفولى لابنه الفنان، ورأس يوحنا المعمدان من جديد، حيث يتجلى له فى كل مرحلة جديدة، ثم جزع انثوى نافر يخاطب فيه جمال المرأة الذى خلده الفن الألمانى .
– كما يقدم `بورتريه` من الجرانيت الأسود العباس محمود العقاد تصدر أحد جوانب المعرض ووضعه الفنان على بوستر المعرض أيضا، الكتلة مكعبة أيضا فأكدت مع اللون الأسود وملمس الجرانيت الصلب قوة الشخصية ونفوذها الواسع على الفكر والأدب العربى.
– يحب دوس فى بعض الأحيان ان يترك ذهنه الفنى لألوان الخامة وكتلتها فتطبع فنه بطابعها، كتل من حجر الكوارتز أوحت إليه بشكل أرغفة خبز، وتماست هذه الأرغفة مع ما فى داخل لا وعى الفنان من فكر مشبع بالثورة والأفكار السياسية حيث إن الخبز دائما ما يرمز للمطلب الأكثر جماهيرية فى أى مظاهرات ثورية مع قطع أخرى من الكوارتز شكلها لتكون ضفدعا أو بطة .
– الفنان ناثان دوس تتميز موضوعاته بتوريثها وإن غلب عليه فكر فنى محافظ مثالى تسعد به عيون الجماهير المتعطشة لفن مثلها.
أشرف كامل
جريدة القاهرة – 27/ 9/ 2011
نحات مصرى يعتمد على الذاكرة البصرية للمتلقى.. ناثان دوس يصبر على حجر لا تكتمل ملامحه
– ناثان دوس هو أحد النحاتين المصريين القلائل الذين يتعاملون مع خامة الحجر بأسلوب أقرب ما يكون إلى الواقعية، إذ يستقى معظم عناصره من الطبيعة إلى جانب اعتماده على الإرث التاريخى والفنى والدينى أحياناً، وهذا ما يكرسه معرضه الحالى فى مركز الجزيرة للفنون فى القاهرة .
– تخرج دوس فى كلية التربية الفنيةعام 1993، ولجأ فى بداية تجربته التشكيلية إلى خامة الطين، لكنه اتجه فى ما بعد إلى النحت على الأحجار، وبرز اسمه من خلال الآونة الأخيرة كأحد المتميزين فى هذا المجال .
– فى قاعة العرض، تتناثر على الأرض رؤوس وأطراف رخامية وغرانيتية كبيرة لحيوانات، فبدا المشهد أشبه بساحة معبد فرعونى قديم. وهو نوع من التحايل على الحجم، كما يقول دوس، الذى يتكل على الخبرة أو الذاكرة البصرية للمشاهد، بحيث يستطيع تقبل تلك النماذج غير المكتملة بسهولة. الأمر هنا، بحسب دوس، أشبه بالعرض المتحفى الذى يقدم أجزاء من الأعمال من دون أن يقلل الأمر من قيمتها الفنية، فالعين البشرية مدربة على إكمال النقص إن وجد .
فى تجربة دوس النحتية غالبا ًما تختلف الأشكال والموضوعات باختلاف الخامة، فنوع الحجر أساسى فى رسم الهوية. وإلى جانب الأعمال المنفذة بأحجار الرخام والغرانيت، نحت أعمالاً أخرى على أحجار الكوارتز ذات الدرجات البنية، وهى موجودة بكثرة فى الطبيعة المصرية، فنرى هذا الحجر وقد تحول على يدى دوس، أرغفة من الخبز رصت بعضها إلى جوار بعض، و`لعبتها` أنها توحى بوجوه غير مكتملة الملامح .
– وينطوى التعامل مع الأحجار على جهد وصعوبة بالغين، مقارنة بغيره من الخامات، كالطين مثلاً، وهى الخامة التى تلجأ إليها غالبية النحاتين.غير أن القسوة التى ينطوى عليها التعامل مع الأحجار الصلبة تحمل متعة من نوع خاص، متعة التحدى والإصرار، اللذين تلين أمامهما الصعاب، خصوصاً مع الأعمال ذات الطبيعة الواقعية كما فى تجربة دوس، الذى يقول : `فى هذه الأعمال ذات الطبيعة الواقعية، يتقلص دور المساعد إلى درجة كبيرة، ويلقى العبء الأكبر على كاهل الفنان، على عكس الأعمال الحداثية ذات الطبيعة الهندسية التى يتحمل المساعدون فيها عبء التنفيذ، فيما يقتصر دور الفنان على الإشراف والتوجيه` .
– والعمل الشاق الذى يبذله المتعاملون مع الأحجار ليس سوى جزء يسير من الصعاب التى تواجه النحاتين المصريين عموماً، فالأعمال النحتية لا بد لها من مكان مجهز، كما أن كلفه الخامات باهظة فى العادة.إضافة إلى المتاعب التى يواجهها الفنانون فى نقل الأعمال إلى قاعات العرض وترتيبها، لأن معظم القاعات غير مجهزة لاستقبال أحجام وكتل كبيرة. وهذا قصور تعانيه كل قاعات العرض الرسمية والخاصة فى مصر، حتى متحف الفن المصرى الحديث لم يراع فى تصميمه استقبال مثل هذه الأحجام والأوزان التى يمكن أن تتعدى الأطنان الخمسة فى حالة الأعمال الحجرية.
– ورغم الصعاب التى يواجهها دوس، نراه يصر على التغلب عليها، فى طريقة إلى الاتساق مع الإرث والتاريخ الفنى لأجداده الفراعنة. هذا التاريخ الذى يأخذ حيزاً كبيراً من اهتمامه، ويدفعه دفعاً إلى استكمال ما بدأه .
– يقول: `لقد تعامل أجدادنا مع أشد الأحجار صلابه، وحتى اليوم لا توجد آله تستطيع التعامل مع حجر مثل حجر الديوريت مثلاً،المعروف بقساوته الاستثنائية، هذا الحجر تعامل معه الفراعنة بكل دقة ومهارة، وهناك أمثلة كثيرة هى أقرب إلى الإعجاز فى التعامل مع هذا النوع من الأحجار، لعل أهمها وأبرزها تمثال خفرع الموجود فى المتحف المصرى، وأنا شخصياً أعتبره التمثال الأهم على سطح الأرض`. وأضاف : ` لا نملك معلومات كافية عن الأدوات التى استعملها الفنان المصرى القديم لنحت هذا الحجر، ولابد أنه تمتع بعزيمة وإصرار شديدين، ولعل هذا ما يصنع المعجزات. وأنا أضع نفسى مكان هذا الفنان، أحاول الاستفادة منه، والإضافة إلى ما أنجزه قدر المستطاع. لدينا إرث عظيم، علينا أن نثبت أننا جديرون به ` .
ياسر سلطان
جريدة الحياة – 5 /10 /2011
النحات .. ناثان دوس
– وجدتنى عن غير قصد أتجول فى متحف ناثان دوس لا أبالغ صدقنى..هذا المعرض هو نواة لمتحف آت فى المستقبل القريب. متحف يضم سيرة نحات عاشق للطبيعة بكل صورها أعماله تتجلى فيها الكائنات بسلاسة وانسجام كأنها فى أيام جنة عدن قبل السقوط والطرد قبل أن تدب فيها روح العداء والافتراس واللاسلام أيضا رأينا النحات يعيد لنا صورة الإنسان مع كل المخلوقات مرة أخرى كأنه نوح فى فلكه فى حب وسلام وروعة وتفاهم وانسجام وتواصل ووئام.
-هو ناثان دوس.. الذى أزعم أنى أعرفه عن قرب فهو ابن بار للطبيعة راضع من كل أثدائها. تجده يهتم بالقواقع والأصداف.. يلاحق جراده.. يرقب دبور.. يمتطى ظهر جاموسة يمسك بعظام قطة.. باحث فى الأحجار يفتش فى الموسوعات العلمية..هو ابن الحياة ينتظر بصبر شديد إلى بيضة الطبيعة ويفرح بقفصها هكذا يحيا وهكذا ينحت بحب المرأة المتجلية فى الزوجة المتفهمة لطبيعة عمل زوجها والمؤمنة بفنه والمشجعة والدافعة والأم حباه أيضا الله بموهبة الأبوة فرزقه بأميرات رائعات.
-هناك دافع عزيزى بداخل ناثان يدفعه دفعا بماذا ينحت يكتشف فى الحجر معان. مشاهد من أعمال الفنان فصوص الجواهر تلمع فى عتمة الأحجار يوحا المعمدان صاحب الصوت الصارخ فى برية الظلم.. شخصية تنخس كل ضمير وتوقظ الهمم الخائرة وتبث فى دواخلهم روح روحا جديدة.
– يوحنا له مع ناثان وقفات ومحطات فنية يعوده المعمدان مع كل جديد. رأس الشهيد الصارخ فى طبق من جرانيت أسود رغم حالة السكون الظاهرى إلا أن تموجات شعر هذا الثائر ولحيته تفصح عن احتجاجات وصرخات تفشل كل سيوف هيرودس أن تكبتها .
– رؤوس وأرجل لحصان وجمل أشياء مفقودة لها دلالات غياب الدور أو تبدل الأوضاع نهاية مرحلة سقوط وتغيير المرأة القوية البنيان.. اختيار النحات لنموذج من الشباب والصة ليحمل رسالة التعبير هو من أدوات إيصال المفهوم أيضا خامة الحجر لها دلالات مضافة إلى التكوين كأن يفضل النحات الجرانيت لما له من قوة التماسك وصرحية المعنى..هناك يتعامل المبدع مع كيان ووجود أما فى حالة الرخام الأبيض فالرسالة تختلف..البللورات دقيقة ونقية والظلال شفافة..أنت أمام تجلى من النور الآخاذ الجاذب لمشاعرك..وأعتقد أن هذا النور الرخامى الناصع النقاء سوف يجتذب النحات ناثان لبعض من الوقت.. وأعتقد أيضا أن ناثان سوف لا يقاومه هذا ما سنراه عما قريب.
– الطفل موسى يرقد بوداعة فى صفط من الجرانيت رؤية فنية وجرأة على معالجة فكرة الاحتواء ثمار ..بذور ..شرانق ..قواقع ..هى بدايات الحياة..أجنة تتكون فى رحم الطبيعة ملامس الأحجار.. بين الصقل والخشونة بين الهدوء والتوتر.. بين السلام والثورة أصوات تستطيع أن تتحقق منها من خلال منحوتات ناثان إن أنت أصغيت جيدا.. لأنه ببساطة مكنونات الفنان تنتقل وبصورة غير مباشرة إلى كل ذرات العمل الفنى..هذه حقيقة..
– النحات هو كائن فى عمله غير منفصل عنه تجده فى كل تفصيلة فى كل تعبير فى كل إيماءه فى كل خامة يختارها الفنان هو العمل وعمله هو نفسه.
* خبز .. وثورة:
– هناك ملاحظة جديرة بالرصد فى معرض منحوتات ناثان دوس.. ألا وهى أرغفة الخبز.
– تطالعاك فى مقدمة الاعمال عدة أرغفة خبز من الحجر الكوارتز ذات الألوان القمحية المحمرة والتى تحمصت بدرجات أفران جيولوجيةعالية الحرارة فانضجتها
– وقد وفق ناثان فاختارها لموضوعه هذا لكن السؤال الذى يطرح نفسه هو : هل الفنان يبغى أن يحاكى الواقع فى منحوتة حجرية ؟
– إن كان هذا قصده فهو ربح زهيد.
– يرضى به مبتدىء فى الفن أما أن كان وراءه مغزى عميق..فنحن أمام جدلية فلسفية وهو ما يؤكده وجود قطعتين من نفس خامة حجر الكوارتز أحداهما المرأة العجين، وهى تمثل مرأة بدينة خارجة من ماجور العجين كعجين مختمر فائض موفور والقطعة الأخرى رجل الخبز تعبر عن رأس رجل قد توحدت ملامحه مع الرغيف.
– إذا القضية تطرح نفسها وبشدة فلماذا الخبز الآن ؟ وما هو مدلولة؟
– وكيف يرى المشاهد الخبز؟
– وموقف الخبز من الحياة؟
– أسئلة كثيرة قد تتبادر إلى الذهن يثيرها الخبز .
– فالخبز جعل ليسند قلب الإنسان ويشترك فيه كل أفراد الأسرة البشرية ويحمل معنى السلام والمشاركة والأخوة المحبة الأخوية والبركة والعهد الجديد..هذا بالإضافة إلى أنه أحد أهم معارك الحياة اليومية كيفية الحصول عليه؟ ربما – يقول قائل : الحرية أهم من الخبز !
– معك حق : الحرية مهمة جدا بل هى قيمة الحياة ذاتها .
– لكن الخبز هو الدرجة الأولى فى سلم الكرامة ولا حرية بلا كرامة وقمة السلم هو المجد.. لكن البداية خبز .
– وعندما يهدد الخبز يثور الشعب..فترى المطحون المتناثر والمبعثر فى كل أكناف الأرض من جراء رياحات كثيرة ذات أطماع تدب فيه الحياة بفعل خميرة الإرادة الدفينة والرغبة فى التغيير.
– فيتجمع.. ويلتئم ويلتحم.. ويعجن من جديد فى كتلة من الجرانيت الوردى فى قلب الدائرة وليرجع مرة أخرى إلى خبز طازج ليوم جديد.
صلاح بطرس
نهضة مصر – 13 /10 /2011
الطاقة الكامنة فى الجرانيت.. تخلق حالة التوقع التحولى
– الفنان ناثان دوس مثال متمكن من أدواته فى تشكيل قطع الجرانيت الصلدة وقد بدأمساره الفنى بأشكال الهيكلية المفرغة حتى مشاركاته فى سمبوزيوم أسوان للجرانيت تحول للتعامل مع الكتل الجرانيتية المصتمة فحدث له تحول تجاه الكتلة الأكثر نقاء وجلاء من أعماله الهيكيلية فى مرحلة سابقة،التى أعتقد أنه باختياراته النحتية الجديدة التى فيها يتعامل مع خامة عمرها من عمر الأرض بسحر ما يكمن داخل جزئيات تكثيف شديد لما مرت به حرارة وضغط وله طاقة ضمنية كامنة، وبالتالى أو على التوازى مع هذا المفهوم للخامة اختار الفنان أشكالاً نحتية تتمثل فيها فكرة الكمون أو طاقة التحول الكامنة، ففى معرضه الأخير فى مركز الجزيرة للفنون قدم أشكاله بحجر الجرانيت فى مواضيع متنوعة أكثر ما جذبنى فيها تمثيلاته `للشرنقة ` `نواة الخوخ `.. `القواقع `، وهذه الأشكال فى معالجتها الخارجية كشكل نراها تلتف صف ذاتها موحية بكائن ينبض داخلها على وشك شق السطح الخارجى للانبثاق..وهذا التشرنق المتحول يوحى بتألق خفى معدوم الزمن، وفى تنسيق ذكى فى معرض جعل فى أحد أركان العرض مكانا لعرض منحوتته `الشرنقة ` و`نواة الخوج ` و`شباب الثورة` والأخيرة مثلها ككتلة لشباب ثورة 25 يناير فى مظاهرتهم وكان هناك طاقة كامنة مشتركة داخلية على كل القياسات بين الأعمال الثلاثة قابل للانبثاق والثورة على الجدار الخالق الخارجى الذى يعوق عن الحياة .
– أشكال الفنان هذه تمثيل للطاقة الكامنة فى الأشياء التى نعتبرها أو نظنها جامدة لكنها حية بقوة الإرادة التى توجد فى مقياس الطاقة `الانتروبى` .. `فالشرنقة` هى فى حالة تحول تطور من سلسلة أطوار بطاقتها الذاتية .. و ` القوقعة `هى كائن حى مظهره الخارجى يبدو ميتاً لكنه يعيش بطاقته الحيوية، و`نواة الخوخ ` تكمن داخلها شفرة حياة كاملة بكل أطوارها تنطلق مع شارة البدء، وهنا الفنان ندركه لا يأخذ الأشياء على سماتها الخارجية، ولأنه نحات يتعامل مع الشكل الخارجى يدرك أن وراء الشكل دائما هناك معنى ومفهوما كامنا دائما وأن الشكل لا يكفى وأن الجوهر مهم فى تشكيل ملامح المنحوتة الداخلية والخارجية، لذلك هو لا يصقل منحوتاته ولا يجعلها لامعة براقة تجذب العين بل يدعها على ملمسها المحمل بشكل الأرض وحرارتها لجذب الإحساس فى احترام منه للجرانيت، كما أن اهتمام ناثان دوس بالأشكال التحويلية مثل الشرنقة والقوقعة ونواة الخوج وربما منحوتته نبته `الفول الحراتى` تكشف عن شبه عجيب بين أشياء مختلفة تكشف حقيقة جوهرية ليجعلها الفنان تبدو كأشياء غامضة سمتها تحولية، وربما ندرك فى أعماله هذه رؤية حداثية إلى درجة مافى تقديم شكل مموه للحقيقة ذى بعد مفاهيمى، ويمكننا رؤية الفنان كأنه يجوب فى عالمين لشكلين فنيين متباينين بتقديمه منحوتات بين العالمين الحيوانى والنباتى بما يشكل مفرقاً متباينا فى الرؤية بين `الحرية والعبودية ` اللذين يشكلان فى نهاية كل مطاف الصفة المميزة أو العلامة الفارقة التى نتمكن بواسطتها أن نفرق بين الوجود الحيوانى المطلق الحرية فى الحركة وحرية الاختيار وبين الوجود النباتى بعبوديته فى المكان وبأنه مجرد جزء من منظر طبيعى وجد داخله بالمصادفة .
– كما أننا بتأمل رؤية قليل ونحن داخل معرض الفنان دوس ندرك أنه يرى أن كل ما هو كونى يحمل طابع مراحل الدورة ويتضمن ايقاعا خاصا ندركه فى دورة الحياة المتشرنقة وندركه إلى حد التناغم مع منحوتات القاعة التى نصبح نحن المشاهدين جزءا من المشهد فأجسامنا نفسها عضو دورى وأن الدم هو رمز الحى بالنسبة الينا يتابع مجراه دون توقف فى حالات اليقظة والنوم، كما أن طابع مراحل الدورة وايقاعها فى المتشرنقات والنبات والقوقعة توحى بالتناغم والتخاطر ودورات الايقاع الكونى بما يشمله من كواكب وحتى مجرات كحالة وعى واحدة.
– وهذه الرؤى للطاقة الكامنة التى هى كممر الموت والحياة أتت بشكل موفق من الفنان باختياره لحجر الجرانيت فالحجر عبر التاريخ هو الرمز العظيم للصيد اللازمانى ففيه يبدو الفراغ والموت مرتبطين فمثلا ذلك الحجر فى المقابر هو الثابت الذى يعكس صورة الموتى داخل وعى الأحياء اليقظ `هذه المقطع الأخير جاء فى الجزء الأول من كتاب تدهور الحضارة الغربية لازوالد شبنجلر` وهناك جانب آخر مثير فى منحوتتين بين الصمود الصلب الابدى وبين التمزق والانهيار الهش فيما بين عملية النسر `حورس` خارج قاعة العرض `والجمل` داخل القاعة.
– فقدم الفنان حورس الطائر الأسطورى له شكل صخرى جبلى ليبدو كمخلوق ملتبس متعدد التفسيرات والتداعيات داخل حيز جسد واحد كأنه طائر محاط بأفكار مجردة ولتبدو وقفته كالفكرة المجردة المناورة مناورات الطير والحيوان فى جسد واحد أو ليبدو كأنه اختراق حاجز التمثل إلى الطوطمى.
– وعلى الجانب الأخر هناك منحوتته الجمل هى أيضا فى حالة قوية من الالتباس بحالة التشظى التى هى عليه، حيث نجد رأس الجمل وأقدامه `خف الجمل` فى أجزاء منه متناثرة أمام أحد جدران القاعة منشطة للفضاء المحيط، وبين مشهدى `حورس` و `الجمل` ندرك فكرة مثيرة للاهتمام فيها تكثيف اللحظة دون أن يقص الفنان حكاية فى حيلة أو تباين وجدانى عنيف بين الجسدى المتماسك والجسدى الممزق أو بين الأسطورى والواقعى فربما حاول ناثان استكشاف مدى خطورة التوتر والتوازن والضغط للجسد فى رؤية كلية من خلال أجزاء الجمل ليجعل منها طريقة نشطة وإيجابية وليصبح التمزق مصدر قوة وليس عبئاٍ على المشاهد لتفقد الأجزاء المكونة للشكل معاً فى حالته البصرية الأولى.
– ولنجد هناك سلطة بدائية لكتلة حجر الجرانيت قد تفوقت على الفنان ومحاولة تطويعها لتتهادى بين جانبين من قدرتها كأنها بين الطوطمى الصامت وبين التمثلى فى بدائيته الأولى ليبدو `حورس` و `الجمل ` الجرانيتين كأنهما صدى أو رجع صدى لما أراده لها الجرانيت وبعده الفنان الذى باختياراته لرأس الجمل وأقدامه فى محاولة منه مباشرة لإدراك مدى تأثير وضع شكل ما ضمن آخر كاستعارة نحتية منه، وقد استشعرت فى أجزاء الجمل المنشطر المتفرقة الأجزاء وكأنه يتعلق بصورة معقدة تركيبة ليبدو متسقاً والقوانين والنظريات العلمية التى ترتبط باطنا بعضها ببعض كأشكال وتتقارب فى ذهن المشاهد نحو اكتساب وحدة كاملة سيكون من نتيجتها إندماج الأجزاء بعضها ببعض فى بنائية ذهنية،كما أن الجمل الممزق الأجزاء يمتلك توترا بصريا ويمتلك قدرة أن نتخيل كيفية استقطابه فى عدة أوضاع بالحاسة الخاصة بالمشاهد، كما قد يوحى بأن التحرر من كل ثقل مادى يطلق سراح طاقة العمق، وأيضا قد يلمح إلى قدرة الإدراك المرنة، فادراكنا لأى كائن يكون باختبارنا له اختبارا حيا من وجهة نظرنا الخاصة فمثلاً نظرة الأسد إلى قطيع من الغزلان يختلف عن نظرة الباحث عالم الحيوان أو نظرة الزائر لمحمية طبيعية، كذلك جمل ناثان قابل لاختباره تبعاً لرؤية المشاهد، فالجزار غير البدوى غير زائر المعرض فى ادراكهم لما توحيه اشلاء من جسد جمل.
فاطمة على
جريدة القاهرة – 15/ 11/ 2011
فى معرضه `نفاذية الشكل` فى جاليرى الزمالك : `ناثان دوس`.. من نحت الكتلة الحجرية الى التشكيل المعدنى
– طرح فكرة `الإنسان ووهم القضبان` ومدار الحرية الممنوعة والمسموحة.. العضوى والهندسى معاً داخل قفص هيكلى واحد
-أقام الفنان المثال ناثان دوس عدة عروض فى جاليرى الزمالك خلال السنوات القليلة الماضية حول جدلية الشكل والفراغ أو التشكيل فى الفراغ بعناوين `نفاذية الشكل` فى عرضه الأخير فى مارس 2019.. وسبقه فى نفس القاعة `عاطفة العقل` 2017.. وقبله `طرح الفراغ` 2016.. وقبل كل هذا كانت أروع إبداعاته كنحات بخامة الحجر تلك التى توجها بمعرضه الضخم عام 2011 فى مركز الجزيرة للفنون..
– الآن تحول الفنان من الكتلة المصمتة الى الهيكلى المفرغ وبشكل انتقالى كبير ومفاجئ ربما تمرداً منه على تعليب الكتلة لكنه أتى كاشفاً عن قدرات الفنان فى مجال أراه يُسمى تشكيل فى الفراغ.. ولنرى بمحصلة عرضه الأخير كيف استطاع خلال سنوات قليلة أن يحقق من المجسد المصمت هيئة جديدة للجسد بتمديده وتفاعله داخل شبكة فضائية وهمية كى يُتيح لنفسه الانطلاق من قيود الكتلة ليفتح سياقات بصرية جديدة داخل إيهام الحركة فى الفراغ لكنها تظل أسيرة مكانها .. وأيضا هذا التحول للتشكيل فى الفراغ ساعد الفنان على تحقيق ثنائية مثالية للتحول من واقع الحياة المادية إلى الميتافيزيقية.. وأيضاً التركيز على طاقة روحية مستلهمة من أحداث دينية..
– العضوى والهندسى داخل قفص هيكلى واحد
– أعتقد أن النقلة التى قام بها `ناثان` هى تحد لمرحلته الحجرية شديدة السكونية.. ربما هدف للإيهام بالمتحرك فى الزمان الحر بديلاً عن قيد الكتلة الساكنة.. فكان المعدن هو معبره للطاقة والحرارة.. وربما كان هدفه الأبعد هو الكشف عن منافذ الطاقة الكامنة يختبرها داخل الشكل المصمت.. فاعتمد ونجح فى الإيحاء بالتحولات الداخلية بما قدم من عناصر متباينة عضوية وهندسية معاً داخل قفص هيكلى واحد.. دون ان يفقد غموضه نسبيا فى بعض الاعمال وقد غلب عليها السردى الحكائى الأقرب للحالة السيريالية.. ربما هذه الفكرة هى التى جعلته يتخلى عن الحجر وقادته إلى تفريغ وتثقيب الأشكال لاستكشاف فضائها الداخلى وكيف يعمل.. وايضا للإيحاء بأنها مفرغة داخل فراغ آخر ومدى تأثير وضع شكل ما ضمن سياق آخر..
– عظام الأرض
– تبدو لى هياكل أقفاصه وقضبانها المعدنية والبرونزية اللامعة والمؤكسدة مشتقة من أشكال العظام بإيحاءات عضوية رغم الزوايا حتى فى أجزاء منها تبدو نتوءات غير مؤكسدة تزيدها درامية مُحببة.. ولو استعان الفنان بقواعد حجرية لتشكيلاته لبدت بنتوءاتها كعظام الأرض نابعة منها كهيئة حفرية مؤكسدة.. لذلك لو جعل منحوتاته أكثر أكسدة بدلاً من الذهبى اللامع الذى لا يوحى ولا يخدم الدرامية السردية أو الحس السيريالى الذى عمل عليه الفنان داخل أقفاصه المعدنية لبدت سيرياليته أو فانتازية الحدوتة أكثر مما بدت عليه وكأنها مصطنعة..
– بدت لى مجمل أعمال ناثان المعدنية عبر معارضه الأخيرة كلحظة حرجة مشدودة تتمدد فى ذاتها كحصار لوجودية الإنسان.. وفى بعض الأعمال رأيتها مستوحاه من قصة دينية أو أسطورية فبدت كأنها تكونت كلحظات تنمو فوق بعضها البعض ثم تتوقف عند اللحظة الآنية لنعيد تأملها الرمزى والإيمائى.. ربما ساعده على هذا اعتماده على المعدن المصقول الذى يُعزز ما يوحى بالنمو والتمدد.. ليبدو مع كل إيحاء بالتمدد كأن شخوصه أسيرة على هيئة شكل من الألم.. ولتبدو شخوصه كسيرة ذاتية مُرمزة من العظام والحفرية شديدة الدرامية مخبأة بين الجدران الوهمية التى تحدها القضبان.. التى تبدو أحياناً كأنها كهف مُعلق.. واعتقد ان العلاقة بين الكهف والسجن والهيئة العظمية التى تبدو عليها شخوصه محبطة قليلاً فى عدد من الأعمال التى يدخل فى مُسماها كلمة `الحلم`..
– الحدوتة والفكر المفاهيمى
– ورغم ولع ناثان بالمظهر البنائى المعدنى وبالأجزاء المتفرقة التى تنغلق معاً ثم تتمدد لتتواصل من جديد تفصح عن صورة ذهنية تتهادى بين استعارات أدبية ورمزيات دينية مباشرة وبين معالجة مفاهيمية.. مما خلق فجوة فى إنتقال الفنان بين معالجتين لرؤيتين متباينتين جذرياً وبخامة مثلت بإخلاص انعطاف مفصلى فى فكر الفنان.. لذلك بدت كثير من أعماله كمجموعة بصرية من الأفكار قد تكون متناثرة فى مفهوم أدبي لم يتم استيعابه كلياً.. خاصة ومجمل تشكيلاته اللامعة الذهبية اللون جعلتها تبدو كأن لا وزن لها تحاصر كائناته الهشة بأعمدة ونسيج معدنى ذى أبعاد ثلاثة مُفرغة.. وقد يستشعر المشاهد كأنه داخل حالة من الكولاج البصرى رغم توحد الخامة.. ويصبح التميز الأكثر جذباً هو استدعاءه العقل الواعى للإلمام بتلك العلاقات الذهنية داخل الحدوتة التى يسردها..
– ثنائية الإنسان ووهم القضبان
– يبدو أن تجزؤ الهيئة يراها الفنان وسيلة لتحديد عدة فراغات بما توحى بخلق سياقات متبادلة بين القضبان لإعادة فهم هيئة الجسد الجديدة دون ان تتغير معالمه.. وقد يكشف هذا التجزؤ بين الهندسى والعضوى على الثنائية فى عالمنا الواقعى.. وعن كم التوتر المستمر نتيجة الهيئة المعلقة فى الهواء – الفضائى.. المُجزأة بين الجسد والقضبان فى الزمان والمكان كذاكرة إنسانية لن تُمحى حتى ولو رُفعت القضبان الحاضنة له المُقيدة لفكرة الخلاص فى آن واحد..
– لذلك أرى بُعد فلسفي فى تشكيلات `ناثان` كمفهوم للعقدة التى تتمثل أمام اعيننا للمفهوم السئ بين الانسان والقضبان بما فيها مدار الحرية المسموحة والحركة الممنوعة داخل مفاهيم بدائية من وعى الإنسان تجاه القضبان.. تلك الجدران الوهمية التى تكشف عن التوقع الدائم للتصادم بين الهندسى والعضوى.. حتى يكاد ينحصر وعى المشاهد فى الحالة نفسها وليس فى الموجود ذاته القابع داخل البعد المكانى الرابع بين قضبان سكنت داخله لا يريد مغادرتها رغم المساحات المفتوحة حوله .. لذا تضاءل القوام البشرى داخل تشكيلات الفنان القضبانية..
– ويكمل تلك التشكيلات المادية بدمج البعد المكانى الزمنى مع مفاهيم وعى الانسان فى محبسه وقد غلب عليه نفسياً ومكانياً الإحساس الصندوقى.. حتى المشاهد للعمل الهيكلى المفرغ لا يدور حوله بل يتخلله حتى يكاد يلامس الانسان داخل شرنقته القدرية لتوحد الوعى الإنسانى تجاه القضبان ودلالتها..
– إرباك فضاء القاعة
– كثرة الاعمال المعدنية وتركيباتها الموحية بالميكانيكية كشفت عن ولع الفنان مؤخراً بالعمل الميكانيكى النزعة رغم عدم وجود اى اجزاء متحركة.. والتى جمعها دون مركزية بل يقيمها فى الغالب مرتكزة على أربعة اقطاب.. فكان أن تزاحم العرض النسبى داخل الغرفة الواحدة بتجاورها اربك فضاء الغرفة.. فالقطعة النحتية تحتاج لمساحات حتى نلحظ التغيير الذى تحدثه فى فضاء القاعة.. خاصة واعمال `ناثان` قد توحى بأنها جزء من شبكة فضائية داخل فضاء القاعة تتهادى الفراغات داخلها من العناصر ذاتها وليست منعزلة فى بيئتها الخاصة فهى تتشابك مع فضاء القاعة وفراغاتها..
– الآخر والحروفية
– اما عمل `ناثان` المسمى `الآخر` المكون من بورتريهين نصفيين مجوفين متقابلين الذى تشكل هيئته الحروف والمختلف عن باقى الأعمال بالمعرض فبمجرد رؤيتى له ذكرنى بعملين للفنان الإسبانى الكتالوني `بلينسا`.. وكلا الفنانين قدما نفس الرؤية المفاهيمية والتقنية ومنفذان بالحروف اللاتينية والعربية ليوحيا بعدم التواصل مع ثقافة الآخر.. وفى جاليرى الزمالك أيضاً قدم `ناثان` تشكيل معدنى ضخم لهيئة انسان كأنه متحرك القدمين والذراعين يكشف عن مهارة الفنان لكنه كالتماثيل التى تقام كرسالة مجردة حفزاً للتصنيع دون رؤية مفاهيمية إنسانية كباقى تشكيلات المعرض وقد ذكرنى فوراً بتشكيل ساكن من بقايا الخردة للمثال صلاح عبد الكريم بعنوان التصنيع 1962..
– سيظل الحجر لغة `ناثان` الشخصية
– أخيراً.. ابتعد المثال `ناثان دوس` عن الحجر وقدم أعمال متزايدة ومميزة بالمعدن والبرونز حاول بها تقديم رؤى مفاهيمية عن الإنسان ومعاناته وأحلامه وطموحاته وإحباطاته مثل بها انعطاف جذرى عن ممارساته السابقة.. لكن تظل أعماله بخامة الحجر هى النحت الأكثر رسوخا وذكاءاً وارتباط بعضوية أرضية لم يحقق مثلها فنان آخر تعامل مع الحجر.. لذلك فى معرضه المعدنى هذا والذى سبقه أرى `ناثان` أصبح اكثر ذاتية حول نفسه من النحت ذاته الذى تحول لأشكال إنشائية ذهبية اللون يقدم بها تخريجات شكلية تجذب عين المشاهد إلى ما داخل رحم التكوين الإنشائى..
– أخيراً.. رغم نجاحه المتميز مؤخراً إلا أن الحجر المالك لقوى الطبيعة كلها سيظل هو لغة `ناثان دوس ` الشخصية.
بقلم : فاطمة على
جريدة القاهرة 2 أبريل 2019
|