تعريف الفن
بواسطة:عمار نقاوه
٢ أبريل ٢٠٢٢م
إشكالية مفهوم الفن:
اختلف العديد من الباحثين في حقل الفن على وضع تعريف محدد وواضح له، ويرجع ذلك إلى العديد من الأسباب التي عبروا عنها في مختلف أعمالهم الفكرية، حيث اعتبروا أن الفن مفهوم مفتوح، كما أن الأعمال الفكرية تختلف عن بعضها البعض، وتتغير من جيل إلى آخر، ولذلك يصعب تحديد تعريف واحد للفن.
وقد ورد عن فيلسوف الجماليات الأمريكي موريس ويتز (بالإنجليزية: Morris Weitz) أن خصائص الفن تختلف باختلاف مفهوم الفن الذي يتغير باستمرار عبر الزمن ويتغيّر كذلك من عمل فني لآخر.
كما شبه الفيلسوف النمساويّ البريطانيّ لودفيغ فتكنشتاين (بالألمانية: Ludwig Wittgenstein) طبيعة البحث بمفهوم الفن بطبيعة الألعاب؛ حيث توجد خصائص متنوعة ومشتركة بين جميع أنواع الألعاب تسمح بوضعها في التصنيف نفسه، إلّا أن خصائص أخرى موجودة في نوع معين وغير موجودة في نوع آخر تتسبّب في صعوبة وضع تعريف واحد لجميع الألعاب، وينطبق الأمر ذاته على أنواع الفن.
أما الشاعر والمؤرّخ الإنجليزي هربرت ريد (بالإنجليزية: Herbert Read) فكان رأيه حول الفن أنه لا توجد إجابة بسيطة حول مفهومه، إلّا أن مختلف أنواع الفنون تشترك في شكلها أو هيئتها. ويرى أستاذ تاريخ الفن توماس مونرو (بالإنجليزية: Thomas Munro) أن إشكالية تحديد مفهوم الفن ترجع إلى أنه يشتمل على ألوان مختلفة من الإنتاج الثقافي، وأنه لا يقتصر على الفنون البصرية كالتصيور والنحت، وإنما يشتمل أيضاً على الموسيقى، والأدب، والمسرح، وغيرها من الفنون الأخرى.[١]
كما فسر الدكتور العُمانيّ عبد المنعم الحسيني تعدد تعريفات الفن بسبب ارتباط الكلمة بالعديد من فروع المعرفة الأخرى؛ كالفلسفة، وعلم النفس، والتاريخ، كما أشار إلى أن الفن يرتبط بمختلف الأنشطة الإنسانية.
وكانت وجهة نظر أستاذ الفلسفة الإسلاميّة والتصوف المصري جمال المرزوقي، وعصام عبدالله، أن الاتفاق على تعريف محدد للفن يشكل إشكالية كبيرة، حيث إن كل نوع من الفن يختلف عن الأنواع الأخرى بطريقة وصوله للمتذوق، كما أن الأعمال الفنية تختلف من فن لآخر، وتختلف كذلك من عصر إلى آخر، وقد كان للاختلاف الفلسفي في وضع مفهوم الفن أثر كبير في هذه الإشكالية.
ويمكن وبشكل عام تلخيص أسباب عدم القدرة على تحديد مفهوم واحد للفن بالآتي:[١]
عدم وجود حدود واضحة تفصل بين مختلف الأعمال الفنية.
ارتباط كلمة الفن بمعان مجردة مثل الإتقان والإبداع، وكان ذلك منذ القدم واستمر إلى يومنا هذا؛ الأمر الذي أدى إلى اتساع دائرة مفهوم الفن.
كثرة استعمال كلمة فن وانتشارها، وارتباطها بالعديد من فروع المعرفة مثل الفلسفة، كما ارتبطت الكلمة بأمور مثل الصناعة، والتسلية، والسحر وغيرها.
ارتباط مفهوم الجمال بالفن، وتداخل الكلمتين مع بعضهما البعض.
والجدير بالذكر أن مفهوم كلمة جمال أيضاً يشكل إشكالية في تحديده وتفسيره.
عدم خضوع مفهوم الفن للأحكام المطلقة؛ بسبب ارتباطه بالنشاط الإنساني بشكل عام، وبالمشاعر بشكل خاص، فيعتبر النشاط الفني من الأنشطة الإنسانية سريعة التطور، الأمر الذي يجعل من الصعب اعتباره أمراً ثابتاً.
تعريف الفن لغة:
جاءت كلمة فن في الكثير من المعاجم اللغوية القديمة والحديثة؛ فقد جاء في مختار الصحاح أن الفن هو واحد الفنون أي الأنواع، كما ورد عن الحسن بن محمد الصغاني في معجم التكملة والذيل والصلة عدد من المعاني المختلفة لكلمة فن، فمثلاً كان العرب يقولون: فننته؛ أي زينته، وهو فنُّ علم أي حسن القيام به. أما في معجم لسان العرب لابن منظور فقد عرف كلمة الفن بأنها: واحد الفنون أي الأنواع، كما عرف الفن على أنه الحال، وهو الضرب من الشيء، وجمعه فنون وأفنان. في حين عرف الفيروز أبادي الفن على أنه: الحال والضرب من الشيء، وهو التزيين. وجاءت كلمة فن في المعاجم الحديثة كمعجم المنجد على أنها الضرب من الشيء، والفن هو الأنواع، كما يقال فنَّ الشيء أي زيَّنه، وتفنن الشيء أي تنوعت فنونه، وتفنن في الحديث أي حَسُن أسلوبه في الكلام.[٢] وقد جاء في معجم الوسيط أن الفن هو التطبيق العملي للنظريات العملية باستخدام الوسائل التي تحققها، ويتم اكتساب الفن بالدراسة والتمرين عليه، وهو عبارة عن مجموعة من القواعد الخاصة بحرفة أو صناعة ما. كما جاء أنه مجموعة الوسائل التي يستخدمها الفرد لإثارة المشاعر والعواطف بما فيها عاطفة الجمال، كالتصوير والموسيقى والشعر، كما أنه مهارة يحكمها الذوق ومواهب الإنسان، وبالتالي فإن المعاني اللغوية للفن تشتمل على أنه هو التزيين أو الزينة، وهو الأسلوب الجميل، والمهارة في الشيء وإتقانه، ويربط هذا المعنى الفن بالصنعة والمنفعة. كما أن الفن هو الإبداع وخلق أشياء ممتعة، والإتيان بكل ما هو جديد.[٢] أمّا في اللغة الإنجليزية فقد ورد في معجم أكسفورد الفن (Art) على أنه تعبير الفرد عن مهارة الإبداع في صورة مرئية؛ مثل النحت، والرسم، أو هو مصطلح يعبر عن الفنون الإبداعية بمختلف أشكالها؛ كالشعر، والموسيقى، والرقص وغيرها. وبشكل عام فإن الفن هو كل ما يعبر عن مهارة أو قدرة ما يمكن تنميتها بالممارسة والدراسة. وفي معجم ويبستر (بالإنجليزية: Webster) ورد الفن على أنه المهارة المكتسبة من خلال الدراسة أو الملاحظة، وهو استخدام المهارة والخيال بشكل واعٍ لإنتاج أمور جمالية، كما جاء فيه أن الفن عبارة عن صنعة ومهارة إبداعية.[٢]
تعريف الفن اصطلاحاً:
إن المعاني التي وردت في معجم الوسيط للفن تتصل بمعانيه الاصطلاحية وتبتعد نوعاً ما عن المعاني اللغوية له،
وهي تعطي للفن ثلاثة معانٍ مختلفة هي:[٢]
معنى عام:
وهو الذي ينظر للفن من خلاله على أنه التطبيق العملي للنظريات العلمية، ويعتبر هذا الجانب التطبيقي للعلوم، وهو ما يسمى بالعلوم التطبيقية.
معنى خاص:
وهو الذي ينظر للفن على أنه مهارة شخصية يمتلكها شخص محترف أو صاحب صنعة، وهو ما يسمى بالفنون التطبيقية، والتي تشتمل على الفنون اليدوية المعتمدة على مهارة الإنسان في تقديم أمور نافعة ومفيدة.
معنى أكثر خصوصية:
وهو الذي ينظر للفن على أنه عملٌ جماليٌّ يثير مشاعر السرور والفرح والبهجة في الناس، وهو ما يسمى بالفنون الجميلة، الهادفة لتمثيل وتصوير الجمال ومن أجل اللذة البعيدة عن كل منفعة أو مصلحة.
وتُعرّف الموسوعة البريطانية الفن على أنه التعبير عن الأفكار
الجمالية، عن طريق توظيف المرء لخياله وإبداعه، ويقسم الفن إلى الفنون البصرية وتشتمل على الرسم، والنحت، وفنون العمارة، وفنون الجرافيك، والفنون التشكيلية، والفنون الأدبية كالدراما، والقصة، والشعر، وفنون الأداء كالموسيقى، والمسرح، والرقص. وقد جاء في قاموس الفنون الجميلة أن مصطلح الفنون من المصطلحات التي يصعب وضع تعريف محدد لها، لما يثار حولها من الجدل، حيث يشتمل مصطلح الفن على العديد من الأقسام، فيدخل فيها مثلاً فن الطهي والفنون اللغوية، وتتداخل هذه الأقسام في مظاهرها، إلّا أن الاستخدام المعاصر لمصطلح الفن يشير إلى الفنون المرئية على مختلف أنواعها.
نبذة تاريخية عن تعريف الفن:
فيما يلي نبذة تاريخية عن تعريف الفن عند العرب والغرب:
الفن في الفكر العربي:
استخدم العرب المسلمون مصطلح الصناعة للإشارة إلى الفن، فقد ورد في معجم الوسيط أن الصناعة هي كل فن أو حرفة مارسها الإنسان حتى برع فيها.
ويمكن القول إن الفن والصناعة يشتركان في الإتقان، والإجادة، والمهارة، والتحسين، والتزيين، والعمل بإحكام. ومن الأمثلة على ذلك ما جاء في الموسيقى أنها نوع من أنواع الصناعة؛ حيث يقول ابن خلدون عن الموسيقى إنها صناعة الألحان وتلحين الأشعار الموزونة لتقطيع الأصوات على نسب منتظمة ومعروفة.
كما استخدم العرب مصطلح الفنون للإشارة إلى أنواع العلوم المختلفة. ومن الأمثلة على ذلك الكتاب الذي ألفه ابن عقيل والذي تكوّن من أربعمئة مجلد، وأسماه “الفنون” وذكر به العديد من العلوم المنتشرة في عصره.
كما كتب القاضي عبد النبي الأحمد نكري كتاباً أسماه “جامع العلوم في اصطلاحات الفنون”.
كما كتب حاجي خليفة مصنفاً أسماه “كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون” حصر فيه أسماء العلوم ومؤلفيها وعناوين الكتب التابعة لها ووضعها في ترتيب هجائي، وهناك العديد من الأمثلة التي تبين مدى ارتباط مصطلح العلوم ومصطلح الفنون بوصفهما شيئاً واحداً عند العرب المسلمين.[٣][٢]
الفن في الفكر الغربي والفلسفي:
كان الفن عند اليونان يشتمل على أي مهارة، سواء أكانت تحقق منفعة وفائدة عملية، أم لذة جمالية فقط، دون تفرقة بين الفنان والصانع، أو بين الفن والصنعة. وقد كان لويد (بالإنجليزية: Lloyd) يطلق على الطبيب، والفنان، والشاعر، وباني السفن، لفظ حرفي أو صانع لأنه كل منهم يقدم منفعة ويساهم في جعل الحياة أفضل.
ويقول الأستاذ بجامعة وارسو تاتاركيفيتش (بالإنجليزية: Tatarkiewicz) إن اليونانيين كانوا يخلطون بين الصناعات اليدوية والفنون الرفيعة الجميلة لاعتقادهم بأن العمل الذي ينجزه المصور أو المثّال لا يختلف في جوهره عن عمل النّجار؛ فقد كانت كلمة فن في الفكر الغربي تطلق على مختلف الأنشطة الإنسانية والعلوم، وليس فقط على الفنون الجميلة. كما أطلقت كلمة الفن على الصناعات أياً كانت، لذلك تساوى النحت والشعر، والغناء، والموسيقى في القيمة مع النجارة، والحدادة، والجراحة، وبذلك كان الشعر صنعة كغيرها من الصنعات.[٤][١]
إلّا أنه ظهر في اليونان بعض الفلاسفة الذين فرقوا بين الفنون الصناعية والفنون الجميلة مثل أفلاطون (بالإنجليزية: Plato)، فقد كان هو أول فيلسوف يؤسس لموضوعات الفن والجمال بشكل نظري، وينظر أفلاطون إلى الفن الحقيقي على أنه العمل البعيد عن الحياة اليومية المحسوسة والتي تبتعد بدورها عن تأثير الحواس والإدراك الحسي، ولذلك رأى أن الموسيقى تحقق الخير والجمال بسبب ابتعادها عن الواقع المحسوس، وتأثيرها على النفس الإنسانية بإكسابها الاتزان.[٤][٢]
وقد هاجم أفلاطون الشعر التمثيلي ووصفه بأنه محاكاة ساذجة للمحسوسات، حيث إنه يعبر عن النواقص، وعن المادة، ويرتبط بالواقع الحسي لعدم إمكانية التعبير عنه دون وجود أدوات حسية.
أما الشعر الملحمي والغنائي والتعليمي فاعتبره نوعاً صادقاً من الفن، وهو يعبر عن قيم الخير والحق في المجتمع حيث إنه يمدح الأبطال، ويغرس قيم الخير، ويشارك في عملية التربية والإرشاد.
كما انتقد أفلاطون خداع الحواس من خلال النحت والتصوير، وحارب ذلك مطالباً بفن تكون غايته العظمى هي المحافظة على الأبعاد والنسب الصحيحة والمقاييس الهندسية المثالية، وقال إن الجمال الذي يقصده هو الخطوط المستقيمة، والدوائر، والمسطحات المكونة باستخدام المساطر والزوايا، وليس ما يفهمه عامة الناس من تصوير الكائنات الحية.[٢]