«شاهد على التغيير» معرض للصور الفوتوغرافية في تونس
15 – أكتوبر – 2022
روعة قاسم
تونس-القدس العربي: «شاهد على التغيير» هو معرض للصور الفوتوغرافية تمّ افتتاحه ضمن فعاليات المهرجان الثقافي «جو تونس» في دورته السادسة في المقر السابق لبورصة الشغل في العاصمة.
شارك في المعرض مصورون من عدد من الدول منها إسبانيا وبولندا وسويسرا وفرنسا وروسيا وتونس البلد المنظم.
وللإشارة فقد أُنشئ هذا المهرجان الفريد سنة 2013 وكان هدفه جذب فئة أخرى من الجماهير تجتمع في فضاءات غير مألوفة يقع فيها فتح نوافذ على الفن المعاصر في البلدان العربية والمتوسطية. وتشرف عليه مؤسسة كمال لزعر للثقافة والفنون التي ألقى صاحبها الكلمة الافتتاحية معتبرا أن هذه التظاهرة جاءت لتنشيط الحركة الثقافية في العاصمة التونسية من خلال مشاركة مئة فنان من أربعين دولة من العالم. وقد عرضت الصور في عدد من الفضاءات وقاعات العرض المغلقة والشوارع الكبرى للعاصمة وكذلك اللافتات الإشهارية العملاقة، وبالتالي تحولت مدينة تونس بأسرها إلى معرض ضخم وعملاق للصورة الفوتوغرافية.
ومن بين المعارض الفوتوغرافية اللافتة في هذا المهرجان معرض المصور هشام إدريس الذي يوثق لموضوع فريد لم تتناوله عدسة المصورين من قبل يمكن تسميته بـ«الآثار المعاصرة». فقد أكد إدريس من خلال معرضه أن الآثار لا تشمل فقط ما يعود إلى العصور الغابرة وإنما يمكن أن توجد آثار معاصرة لم يمض على إنشائها وهجرانها وقت طويل.
وباعتبار أن تونس هي بلد سياحي يهتم شعبه كثيرا بهذا القطاع ويوليه أهمية بالغة، وباعتبار تعرض السياحة في موطن القرطاجيين إلى نكسات في بعض المراحل بسبب الثورات والعمليات الإرهابية وأزمة كوفيد 19 وغيرها، فقد قام هشام إدريس في معرضه بتوثيق صور بعض الفنادق التي اضطرت إلى الإغلاق وإيقاف نشاطها السياحي، وصنفها في عداد الآثار الحديثة. وطرق بالتالي موضوعا كثيرا ما أرق مضاجع التونسيين وهم يلمحون مشاهد الخراب التي طالت سياحتهم من خلال هذه الفنادق المهجورة.
لقد تحولت هذه الفنادق التي كانت تعج بالحياة والحركة الدائمة إلى قفار وخرائب بعد أن تركها أصحابها وروادها مضطرين، فألهمت هشام إدريس ومن معه لتوثيقها بصوره الفريدة التي اختار من خلالها زوايا رآها معبرة وقادرة على إيصال الرسالة التي رغب في إرسالها. لقد وثق لمشاهد محزنة لنشاط اقتصادي انقطع وجدران طالها الخراب ولفها الصمت والسكون وبدت موحشة إلى حد كبير وأعطت الإنطباع للمشاهد بأنها مساكن لأشباح ترتع في كل ركن من أركانها.
وتظهر الصور مسابح جافة من المياه وواجهات قديمة ومظلات واقية من الشمس وقد اهترأت بعد أن كانت تقي المصطافين على الشواطئ من أشعة الشمس الملتهبة. صور تجعل زائر المعرض يتساءل لماذا أصبحت هذه المنتجعات على هذه الشاكلة؟ أية لعنة أصابتها لتتحول الحياة فيها إلى موت مطبق يبعث على الحزن والأسى؟
إن كل صورة من هذه الصور، التي قضى هشام إدريس سنوات لالتقاطها وفتح من خلالها مجددا أبواب هذه الفنادق التي تم إغلاقها، هي بحد ذاتها تاريخ تحيل المرء ليس فقط على الحاضر وإنما على الماضي والزمن الجميل حين كانت هذه الفنادق حية وتعج بالرواد وليس كما هو الحال الآن حيث الفراغ والصمت في كل ركن. أين هم يا ترى رواد هذه الفنادق المنتشرة في مناطق كثيرة من البلاد التونسية في الحمامات وجزيرة جربة والجريد جنوب غربي البلاد حيث الصحراء والواحات في مدن توزر ودوز وغيرها. هل تعود هذه الفنادق إلى النشاط يوما ما متجاوزة آثار الثورة التي أجهزت على أشياء جميلة كثيرة؟
وللإشارة فإن هذا العرض أبرز حقيقة مؤلمة مفادها أن السياحة التونسية فقدت الكثير من بريقها وفنادقها، فهناك فندق في قلب العاصمة تم إغلاقه في وقت سابق لكن وقع استغلاله لاحقا في أغراض أخرى، ومن ذلك تحويل جزء منه إلى فضاء للعروض الثقافية. وقد أقيم هذا العرض بالتعاون مع «تونس وجهتنا» وهو برنامج تابع للاتحاد الأوروبي هدفه إعادة الروح للسياحة التونسية.
تحدي الظروف الصعبة
وفي حديثها عن هذا المهرجان ترى الصحافية التونسية المختصة في الشأن الثقافي منى بن قمرة في حديثها لـ«القدس العربي» أن هذه التظاهرة الثقافية جاءت لتثبت أن التونسيين يتنفسون الثقافة وأنهم يتحدون كل الظروف الصعبة من أجل أن يستمر بلدهم منارة حضارية في محيطها المغاربي. وقد خلقت هذه التظاهرة حسب محدثتنا حركة هامة في العاصمة بانتظار أن تتواصل خلال الأيام المقبلة مع مهرجان أيام قرطاج السينمائية، أعرق المهرجانات السينمائية العربية والأفريقية على الإطلاق.
وتضيف بن قمرة قائلة: «إن ميزة مهرجان جو تونس أنه متنوع، فيه المسرح والسينما والموسيقى والرقص والمعارض الفوتوغرافية وغيرها وهو ما خلق حركة ثقافية استثنائية في هذه الفترة من العام التي تتزامن مع نهاية موسم سياحة الشواطئ. كما أن هذا الحدث الثقافي يتميز بكون عروضه تدور في أماكن غير اعتيادية لكن لها رمزيتها على غرار المطابع القديمة التي ساهمت في نشر الفكر والوعي في صفوف التونسيين في عصر ما ثم تم الإستغناء عنها مع تطور تقنيات الطباعة.
وحتى الصور الفوتوغرافية المعروضة، فيها تجديد على مستوى المحتوى والغايات والرسائل التي يرغب في إيصالها المصور والمشرفون على المشروع وهو ما انتبه إليه من زاروا هذه المعارض واهتموا بهذا الحدث الثقافي الاستثنائي. فتدهور القطاع السياحي في تونس نتيجة الأزمات المتعاقبة التي كادت تعصف به معضلة تشغل بال أغلب التونسيين ومن الجيد أن تهتم الثقافة بالمشاغل الاقتصادية والاجتماعية لأبناء الخضراء وأن لا تكون في قطيعة مع بيئتها».
أنشطة متعددة
ولم يقتصر الأمر على العاصمة كما جرت العادة بل شملت العروض هذا العام مدينتي سوسة وصفاقس .
Nezar Baddour