يأتي مصطلح البوكيه من اللغة اليابانية، ويعني “الضبابية” ويُستخدم لوصف شكل المناطق الموجودة خارج نطاق التركيز البؤري في الصور. يظهر تأثير البوكيه أكثر وضوحًا في الصور التي تحتوي على الكثير من الأضواء الصغيرة الساطعة، مثل أضواء الشوارع ليلاً. ولكن البوكيه لا يقتصر على الأضواء الدائرية البارزة فحسب، بل إنه يشير أيضًا إلى جودة أي أجزاء ضبابية في الصورة.

بل إن تضمين هذه المناطق الضبابية عند التصوير يُعد من أكثر التأثيرات جاذبية والتي يمكننا استخدامها. ويسمح لنا بالتغلب على الفوضى المشتتة للانتباه ولفت النظر إلى الأجزاء المهمة في الصورة وتحويل التفاصيل غير الضرورية إلى ألوان وتدرجات سلسة ومبهجة.

لهذه الأسباب، كان البوكيه إحدى أكثر حيل المصورين البصرية فعالية لزمن طويل. أما الآن، فتستطيع الهواتف الذكية الثنائية العدسة أن تحاكي البوكيه، ولكن فقط باستخدام البرامج. تحول عدسات الهواتف الذكية ومستشعراتها الصغيرة جدًا دون تحقيق عمق المجال السطحي اللازم للحصول على بوكيه طبيعي. إنه تأثير بصري لا يمكن أن ينشأ من تلقاء نفسه إلا من خلال العدسات وأجهزة الاستشعار الخاصة بالكاميرات الأكبر حجمًا، ولا شيء يضاهي مظهره الواقعي. كان المصورون يعتقدون أنه لا بديل لكاميرا DSLR للحصول على ضبابية جيدة في الخلفية، ولكن الكاميرا غير المزودة بمرآة مثل EOS R6 من Canon المستخدمة هنا مثالية، كما أن الطرز غير المزودة بمرآة المثالية للمبتدئين مثل M50 من Canon أو EOS M6 Mark II تعمل بالفعالية نفسها. العدسة في هذه الحالة أكثر أهمية من الكاميرا.

سنلقي هنا نظرة على بعض التقنيات الأساسية ومهارات الكاميرا ومجموعة الأدوات التي تحتاج إليها لكي تكون صورك مثيرة للاهتمام أكثر عبر التقاط بوكيه جذاب. ولا يقتصر ذلك على إضفاء الضبابية على الخلفية، بل يتطلب أيضًا تضمين أضواء جذابة أو العثور على الإضاءة أو التفاصيل المناسبة لتحديد الإطار وتبدو رائعة عندما تتلاشى وتصبح ضبابية.

لالتقاط بوكيه جذاب، تحتاج إلى عدسة “سريعة”، أي عدسة ذات حد أقصى لفتحة العدسة الواسعة، ويفضل أن تكون عدسة f/2.8 أو أوسع (رقم فتحة عدسة أدنى). وهذا من بين الأسباب الرئيسية لتضمين عدسة أساسية سريعة (ذات بُعد بؤري ثابت) في حقيبتك، حتى لو كانت عدسة التكبير/التصغير للمبتدئين لديك ذات البُعد البؤري نفسه. تتيح لك العدسة الأساسية ذات الحد الأقصى لفتحة العدسة الواسعة مثل عدسة RF 50mm F1.8 STM من Canon المستخدمة هنا إضفاء ضبابية على الخلفيات بسهولة وتحويل التفاصيل إلى نقاط ضوء جميلة. بينما تسمح لك عدسة المبتدئين ذات الحد الأقصى للفتحة الذي يساوي f/4-5.6 أو أكثر بإضفاء الضبابية على الخلفية، ولكنها لن تحقق جودة البوكيه نفسها. بطبيعة الحال، يعني الحد الأقصى لفتحة العدسة الواسعة دخول المزيد من الضوء، وهذا الأمر مفيد أيضًا في ظروف الإضاءة المنخفضة عندما تستطيع بالفعل أن تبدع مع تأثير البوكيه.

يجب النظر في عامل آخر أيضًا، حتى لو لم يكن بالأهمية نفسها. تلتقط العدسات الضباب بطرق مختلفة، وينتج بعضها تأثير بوكيه مُرضيًا أكثر من غيره. بشكل عام، تنتج العدسات التي تحتوي على المزيد من شفرات فتحة العدسة تأثير بوكيه دائريًا أكثر جاذبية، حيث تعكس كل نقطة ضوء شكل فتحة العدسة. وهذا لن يكون مهمًا بالدرجة نفسها إذا كنت تلتقط الصور باستخدام عدسة مفتوحة بالكامل، أي عند الحد الأقصى لفتحة العدسة (أدنى رقم فتحة عدسة) الذي تدعمه العدسة عندما تكون الفتحة دائرية الشكل، ولكن ذلك لا ينطبق دائمًا. يمكنك أن تعرف عدد الشفرات الموجودة في عدستك في الدليل المُرفق بها، أو تستطيع البحث عنها في مواصفات عدستك على موقع الويب الخاص بشركة Canon. تكفي سبع شفرات للحصول على بوكيه جذاب، ولكن تسع شفرات أفضل بكثير.

يؤثر اختيارك لفتحة العدسة إلى حد كبير في مظهر البوكيه الخاص بصورك. كلما كانت فتحة العدسة أوسع (أي كلما كان رقم فتحة العدسة أقل)، أصبح عمق المجال أكثر سطحية، وهذا ما يعني أن الخلفية ستزيد ضبابية. حاول إذًا أن تلتقط الصور في وضع أولوية فتحة العدسة (Av) أو الوضع اليدوي، وحدد فتحة عدسة واسعة (رقم فتحة عدسة أقل).

في وضع أولوية فتحة العدسة (Av)، ستحتاج أيضًا إلى تحديد معدل حساسية ISO، ابدأ بمعدل 100 لترى ما إذا كانت سرعة الغالق كافية لتلبية احتياجاتك أم لا. بدلاً من ذلك، يمكنك أن تضبط فتحة العدسة وسرعة الغالق في الوضع اليدوي (M) باستخدام حساسية ISO التلقائية، ثم تترك الكاميرا تحدد حساسية ISO المناسبة بنفسها. والأهم هو أن تختار فتحة عدسة واسعة وسرعة غالق كافية لضمان وضوح المناطق الموجودة داخل نطاق التركيز البؤري في الصورة عندما تمسك الكاميرا يدويًا (جرّب سرعة 1/‏200 ثانية تقريبًا).

ستؤدي زيادة المسافة بين الهدف والخلفية إلى زيادة ضبابية الخلفية. ويتمثل عامل آخر في المسافة بين الهدف والكاميرا. كلما اقتربت عدستك من الهدف، أصبح عمق المجال أكثر سطحية. وهذا يعني أن المناطق الخلفية ستخرج عن نطاق التركيز البؤري بشكل أسرع. لاحظ كيف يتم التركيز بوضوح على الزهور الأمامية في صورنا بينما تكون الزهور الموجودة خلفها قد خرجت من نطاق التركيز البؤري. لإضفاء المزيد من الضبابية على الصورة، انقل الهدف إلى مكان أقرب من الكاميرا وأبعد عن الخلفية.

قد تؤدي الأبعاد البؤرية الأطول إلى ضبابية أقوى. وهذا يرجع إلى زيادة حدة زاوية الرؤية، لذا يتم في الواقع تضمين جزء أصغر من الخلفية في الإطار. لهذا السبب، يمكن استخدام التكبير/التصغير للتصوير عن بُعد لعزل الهدف بفعالية كبيرة وتحويل الخلفية إلى ضباب خالٍ من التفاصيل. إذا كنت تريد أن تجعل الضبابية أقوى وتحسن تأثير البوكيه، فارجع بضع خطوات إلى الوراء وابدأ التكبير (أو غيّر العدسات) لبُعد بؤري أطول.

نميل إلى التفكير في تأثير البوكيه كخلفية جمالية بالدرجة الأولى، ولكن يمكن استخدامه أيضًا في مقدمة الإطار لتحقيق نتائج فعالة. تستطيع أن تلفت الانتباه إلى هدفك الواضح عبر تركيب الصورة بطريقة تتضمن تفاصيل خارج نطاق التركيز البؤري في المقدمة. قد يلزم لذلك وضع الكاميرا بالقرب من أوراق الشجر أو على مستوى منخفض بالقرب من الأرض من أجل تحديد إطار المقدمة الضبابية. وتزيد التفاصيل الهادئة مثل هذه من الشعور بالعمق في المشهد، وهي طريقة رائعة لإضفاء ألوان بارزة وضبابية على تركيبك.

يؤدي العمق دورًا حيويًا في تركيب مقاطع الفيديو كذلك، فهو يساعد المشاهد في التوجه حول المشهد. ويشكل تضمين تفاصيل خارج نطاق التركيز البؤري في مقدمة المشهد وخلفيته طريقة رائعة لتحسين الشعور بالعمق ولفت الأنظار إلى الإطار. بالإضافة إلى ذلك، تبدو أضواء البوكيه رائعة في مقاطع الفيديو تمامًا كما في الصور الثابتة، ويمكن تحريكها أيضًا لتكون ميزة إضافية. تبدو المصابيح الأمامية للسيارات وأضواء الزينة وغيرها من نقاط الضوء الساطعة جميلة بشكل خاص عند زيادة ضبابيتها بحيث تصبح نقاط بوكيه بارزة ومتلألئة.

يُعد تضمين نقاط ضوء صغيرة وساطعة أمام خلفية مظلمة أو في إضاءة منخفضة من بين أكثر الطرق الشائعة لاستخدام البوكيه في تصويرك. ويشكل تأثيرًا آسرًا تجده في كل الظروف، مثل الشمس التي تشرق عبر شجرة أو شارع مزدحم بعد حلول الظلام أو طوافة ملاهٍ ملونة أو شموع على تورتة. إذا كنت تريد تجربة التأثير بنفسك، فحاول أن تستخدم مجموعة من أضواء الزينة. ضعها في خلفية لقطتك أو مقدمتها أو كلا المكانين في الوقت نفسه. تتحول أضواء الزينة إلى دوائر بوكيه جذابة عندما توجد خارج نطاق التركيز البؤري.

عندما تصور مع فتح العدسة بالكامل (عند الحد الأقصى لفتحة العدسة)، ستحصل على بوكيه دائري في صورك لأن الفتحة مستديرة. وإلا، فإن عدد شفرات فتحة العدسة سيحدد شكل البوكيه، وتصبح عمومًا فتحة العدسة دائرية أكثر عند فتحها كلما زاد عدد الشفرات، وبالتالي يكون البوكيه دائريًا أكثر. ويعني ذلك عمليًا أن أضواء البوكيه تكون دائرية أو سداسية الشكل، وإذا كنت تريد رؤية الشكل الذي سيكون عليه البوكيه، فأخرج العدسة من الكاميرا وأمسكها باتجاه الضوء وانظر عبرها.

ولكن لم لا تطلق العنان لإبداعك وتغير شكل البوكيه؟ تستطيع القيام بذلك عبر قص قالب بأي شكل وتثبيته على الجزء الأمامي من عدستك. في هذا الفيديو، تحول بطاقة عادية البوكيه إلى عدد كبير من النجوم الملونة ورقائق الثلج.

سبق ورأينا أن نقاط الضوء الخارجة عن نطاق التركيز البؤري تنشئ تأثير بوكيه جذابًا إذا كنت تلتقط الصور باستخدام الإعدادات المناسبة. فيما يأتي إعداد بسيط تستطيع أن تجربه في المنزل لإنشاء صورة ثابتة حافلة بالبوكيه. ضع جسمًا على سطح عاكس، ثم ضع ورق قصدير مجعدًا في الخلفية (لا تجعده أكثر من اللازم، فالقليل من التجعيد يكفي لتقوم بتفرقة الضوء بدلاً من عكسه فحسب). وجّه مصباحًا منزليًا على ورق القصدير واضبط زاويته واستخدم ضوءًا ثانيًا لإضاءة الهدف (استخدمنا لوحة LED، ولكن مصباحًا عاديًا يصلح أيضًا). ضع الكاميرا بالقرب من الهدف وحدد وضع أولوية فتحة العدسة (Av) واستخدم فتحة عدسة واسعة يُفضل أن تكون نحو f/1.8، والتقط الصور من زاوية منخفضة لالتقاط تأثير بوكيه ضبابي رائع.