التاريخ: 26 مارس 2010
«السراب» كتاب المسافر في الصحراء، أول خدعة فعلتها الطبيعة في الإنسان، تحيّره بين ما هو حقيقي، وما هو خيالي، لكنه في كل مرة يصدق، ويهرول نحوها بكل اليقين، ولعل كل الفنون التي اعتمدت على الخداع البصري استلهمت من السراب حيلها، والسينما على رأس هذه الفنون التي استفادت من مراوغة الخدعة.
وتصديرها إحساس التصديق لمن يشاهدها، فتزيده معايشة لأحداث الفيلم، على الرغم من أن ما يحدث ما هو إلا سراب أو حيلة فنية ابتكرها مصمم الخدعة السينمائية، كأن ترى شخصين متشابهين، وهما في الأساس شخص واحد، أو كأن يختفي إنسان ما من الكادر، على الرغم من أنه لا يزال يتمتع بكامل وجوده وحياته، إنها أفعال تنتمي إلى عالم السحر الذي يشغل العقول ويخطف القلوب..
مصطفى الطوخي أحد صانعي الخدع في السينما المصرية، والذي بدأ مساعدًا لوالده، والمشارك في صناعة خدع أفلام الفنان عادل إمام جميعها، وبعض أفلام الفنانين أحمد زكي، نور الشريف، محمود ياسين، محمود عبدالعزيز .
يقول: إن فن الخدع أحد الفروع المهمة في السينما بوجه عام، تفاصيله من خيال صانع الخدع، ومخرج الفيلم، فلا يقدم حقائق، لكن يتنقل من وهم إلى آخر، ولا حيلة أمام المشاهد إلا أن يصدق ما يحدث مادامت الخدعة تامة التكوين، ولا ينقصها شبر سحر واحد.
يضيف: إن لهذا الفن نوعين أحدهما بصري، والآخر حركي، وهو الذي تعتمد عليه أفلام «الأكشن» في المعارك، الحوادث، الحرائق، حتى أصبحنا لا نجد فليمًا يخلو من هذه المشاهد، كما تختلف الخدع الموجودة على المسرح عن الموجودة في السينما؛.
حيث يعتبرها الجمهور سحرا لما تثيره في أنفسهم من دهشة تقوم على التعارض في الأفعال التي يقوم بها المتخصص في فن الخدع، وذلك مثل استخراج عشرات الطيور من كم السترة.
وإطلاقها في فضاء المسرح المغلق، والواقع أنه لم يخرج عنه سوى حيلة مدروسة تقوم على خداع حواس الناس وخيالهم ونفوسهم، وهذا الفن معروف في العالم كله؛ لكنه طرأ عليه تطور كبير في العصر الحالي ، مستفيدًا من التقدم العلمي الذي ساعد على ابتكار الحيل ودقة تنفيذها.
وعن النوع الثاني من الخدع، وهو البصري، يقول: إن السينما رصدت أموالاً طائلة للخروج بهذا الفن إلى العالمية، لكن للأسف فإن التكنولوجيا الحديثة كان لها السبق في احتلالها مكانة متفوقة علينا بمراحل، فخدع الحيوانات الغريبة أو المنقرضة أو حالات الاختفاء التي تظهر أمام المشاهد مباشرة.
والتي تبرز في أفلام الرعب الأميركية، لا نستطيع أن نقوم بها بأي حال من الأحوال، كما أننا إذا أردنا أن نقوم بعمل خدع نضطر إلى استيراد المواد الخاصة بها من الخارج، بالإضافة إلى الاستعانة بالخبراء الأجانب لشرح وإنجاز هذه الخدع».
صدق فني
أما بخصوص طريقة عمل الخدع على أرض الواقع أثناء تصوير الأفلام، فيتم تحريك الكاميرا، ويكون باقي المشهد ثابتًا، ففي حالة إطلاق الرصاص نحو الفنان، يبدأ هو في الانحناء من الخلف.
وتبدأ سرعة المشهد تقل، حتى تصل إلى الثبات، في حين تظل الكاميرا تتحرك، وذلك بمساعدة عدد كبير من الكاميرات أو العدسات المثقلة بجهاز واحد، ويقوم بعدها المخرج بجمع المشهد من تلك العدسات بالترتيب، بشرط أن تبدو الصورة مثل الرسوم المتحركة تمامًا.
وتكون هناك «كروما»، وهي خلفية خضراء أو زرقاء خلف الممثل حتى يتم قص صورة الممثل في الفيديو ووضعها داخل مشهد 3، ويتم تجميع المشهدين بحيث يتم ضبط حركة الكاميرا في الواقع مع حركتها في الكمبيوتر.
لكن عامل الصدق الفني هو الذي يؤثر في الخدعة السينمائية، بمعنى أن تكون متقنة، ولا تستخف بعقلية وخيال المشاهد، وإلا انصرف عنها، وهذا ما يؤكده مصطفى الطوخي بقوله: إن الحيل هي التي تجعل المشاهد يصدقها ويتعايش معها، أما الخدعة المبالغ فيها فتفقد مصداقيتها، إلا في حالة الأفلام الكوميدية.
كما حدث في فيلم «يا أنا يا خالتي»؛ حيث أدى الفنان محمد هنيدي مشهد المشاجرة مع رجال أقوياء للغاية مقارنة به، وذلك بهدف الإضحاك فقط، وهذا لا يؤثر بشكل سلبي في قبول المشهد، بعكس ما قام به على سبيل المثال النجم «أميتابتشان» بالقفز من برج شاهق ثم سقط بعدها حيًا، فهذا أمر غير منطقي، ويقترب من الهزل».
وباعتباره المسؤول الأول عن الفيلم فإن المخرج لا بد أن يكون مشاركًا فيما يؤديه صانع الخدع؛ لذا تكون العلاقة بين المخرج والمصمم لغزًا في فهم من هو المحرك الأساسي في صناعة الخدعة،.
وعن هذه العلاقة يؤكد الطوخي أنها علاقة تكاملية وتشاورية في الوقت نفسه؛ حيث تكون مبنية على التفاهم والموضوعية، وإمكانية تنفيذ المشهد بطريقة معينة تخدم قصة الفيلم، المهم أن يتقبل المشاهد هذه الخدعة، ويقتنع بها ولا يهم من منا ينفذ رأيه، فالعمل السينمائي عمل جماعي، كما يجب أن نضع في الاعتبار الحالة النفسية للمشاهد.
وهذا يُصعب مهمة المخرج ومنفذ الخدع، ويكشف عن المهارة التي يتمتعان بها، فهناك كم هائل من الخدع التي تنفذ بشكل خاطئ تجعل المشاهد يخرج عن إطار الفيلم، ولا تصيبه المتعة؛ لذلك من الأولى أن تقدم له الخدعة بأسلوب ذكي ومبتكر، وهذا لن يتم في وجود صراع بين المخرج والمصمم في وجهات النظر.
تصنيف
دائمًا ما يشغلنا نحن العرب فكرة ترتيبنا دوليًا، وفي هذا الفن المعتمد على التكنولوجيا العالية، والإمكانات التقنية والمالية، قد نكون بعيدين عن المقدمة، وحسب الطوخي فإن مصر على المستوى العربي تأتي في مركز متقدم، بل قد تعد الأولى، ففي سوريا على حد قوله، فوجئ بأن صُناع الخدع في سوريا أجانب، وليسوا سوريين، أما في مصر فيتم الاستعانة بالأجانب في بعض الأمور فقط، وليس كلها.
أما إذا كان التصنيف على المستوى العالمي فمن المؤكد أن تكون أمريكا في المقدمة، ولا منافس لها في صناعة عالم كامل من الخدع، تأتي الهند وأوروبا في مراتب لاحقة، فالهند قد التحقت بدول المقدمة في السينما بشكل عام، نظرًا لضخامة إنتاجها السينمائي.
ومثل هذه الأفلام التي تعتمد على الحيل السينمائية تحتاج إلى ميزانيات ضخمة، علاوة على الجهد البشري الذي يربط بين التقنية والميزانية، حتى يستطيع المتخصص في الخدع السينمائية توفير الإمكانات التي يحتاجها مشهد معين، فكلما كانت الميزانية ضخمة كانت الآلات حديثة، والتقنيات أعلى، والتنفيذ أكثر دقة.
وبكل تأكيد فإن أفلام الرعب والإثارة والأكشن هي الأكثر اعتمادًا على فن الخدعة السينمائية، كما يوضح لنا خبير الخدع، فمثلاً الفيلم المصري «تيتو»، والذي جسد بطولته النجم أحمد السقا كان أحد الأفلام التي تميزت برصد أكبر ميزانية في تاريخ السينما المصرية لفيلم «أكشن».
حيث تكلفت الخدع وحدها 2 مليون جنيه، بالإضافة إلى ميزانية الفيلم نفسه، لكن الحال يختلف من دولة إلى أخرى حسب إمكاناتها المالية والتقنية.
وقد تقف الإمكانات عائقًا في سبيل تنفيذ فكرة معينة، فمثلاً هناك مخرج مصري قدم فيلمًا عن غرق عبَّارة، لكن بسبب صعوبة تنفيذ «ماكيت» لمركب غارق تم إلغاء المشهد، في حين توجد في الخارج استوديوهات متخصصة تقوم بإنتاج هذه الماكيتات، والتي تُظهر الأعمال السينمائية في صورتها اللائقة، وتجعل المشاهد في الوقت نفسه يعيش داخل أجواء العمل الفني.
معارك
إن مشاهد المعارك ظلت مسيطرة على السينما في مصر، وصنع منها أبطال ملكوا قلوب المتفرجين وتعاطفوا معهم بشكل كبير، ولا يمكن أبدًا أن يصدقوا أن بطلهم يتعرض للهزيمة، فهذه المعايشة الوجدانية التامة تضع مصممي المعارك أمام مأزق لابتكار معارك بطريقة مختلفة في كل مرة، بدلاً من معارك العصي والكراسي.
ويشير هنا خبير الخدع إلى أنه يتم تصنيع الكراسي والعصي لهذه الأعمال السينمائية؛ حيث تتكلف الواحدة من 400 إلى 500 جنيه، ويحتاج العمل الواحد إلى العشرات من هذه الخامات التي تستخدم في المعارك إن لم تكن المئات، ما يرهق ميزانية الفيلم، وذلك بخلاف تفجيرات الدماء، والتي تكون عبارة عن كبسولة يتم تركيبها في جسد الفنان، ويتحكم فيها المخرج ب«الريموت كنترول».
وعندما يتم إطلاق الرصاصة، غير الحقيقية، يضغط المخرج على زر الريموت، فيظهر المشهد وكأن الرصاصة اخترقت جسد الممثل، ويصل سعر الكبسولة الواحدة إلى 50 دولارًا، ويتم استيرادها من الخارج، ويحتاج الفيلم الواحد إلى 3000 كبسولة، ولا بد من توفيرها لصناعة خدع حقيقية.
تحريك الجماد
أما بخصوص الحرائق واشتعال النيران بجسد أحد الأشخاص فهناك، على حد قوله، بدلة مخصصة لرجال المطافئ تمنع وصول النار إلى الجسد لمدة دقيقتين أو ثلاثة فيتم دهان جسم الفنان بمادة عازلة قبل بدء تصوير المشهد، حتى لا تصله النار، وبعدها يتم إشعال النار به، ويكون فريق متخصص من الإطفاء على أهبة الاستعداد بطفايات الحريق بعد انتهاء المشهد المحسوب له جيدًا بالثانية.
خدع تحريك الجماد في الأفلام لا تقل إثارة، فهي تعتمد بشكل أساسي على تقنية الرسم، وفي حالة تحريك شجرة يتم رسمها في البداية على الكمبيوتر، وتتوقع الحركة مثلاً من الشمال لليمين، ويتم وضع شاشة زرقاء أو خضراء، ويتم تحريكها، تركيبها داخل الفيلم، لكنه لا يكون الاعتماد عليها بشكل كبير.
كذلك خدعة الشبيهين التي تشتهر بها السينما المصرية، فيتم تصوير كل مشهد منفصل، فمثلاً فيلم «الناظر» تم تصوير الفنان علاء ولي الدين بمفرده، وهو يتحدث، ولا يجلس أحد أمامه، ثم يبدل ملابسه، ويقف مرة أخرى، وكأنه الشخصية الأخرى، وعن طريق الكمبيوتر يتم تركيب المشهدين، ويظهر المشهد كأن شخصين يتحدثان على الشاشة.
ويتم الاستعانة في تلك المشاهد ب«الدوبلير» أثناء المغادرة أو الأخذ بالأحضان، ويتم تصوير النجم من الوجه و«الدوبلير» من الظهر.
يضيف: على الرغم من أن العالم كله يسير في اتجاه واحد، إلا أن السينما الصينية واليابانية تسيران في اتجاه مخالف؛ حيث إن الفن عندهم يعتمد على رياضات مثل «الكونغفو» و«الكاراتيه» فالخدع الأمريكية أو الهندية لا تقنعها.
ويتمنى مصطفى الطوخي أن يدرس فن الخدع السينمائية في أكاديمياتنا.
حيث تخلو جميع الدول العربية من مدرسة أو حتى فصل واحد داخل إحدى الأكاديميات الخاصة بالفنون من دراسته، ولا سبيل لنا إلا ذلك، كي ننتقل من درجة المنفذين أو المقلدين لخدع الغرب إلى مرتبة المبتكرين.
القاهرة – دار الإعلام العربية