مانيتون السمنودي
٥ يوليو ٢٠١٥ ·
الأسطورة وأبعادها الدينية عند الإغريق
يكتبه أماني طه شلش
الأسطورة هي القصة التي يسرد فيها الإنسان ما يتخيله عن معبوداته ، كيف تعيش وكيف تتعامل ، وذلك من واقع حياته وبيئته .
وتعتبر الميثولوجيا الإغريقية مجموعة من الأساطير مصدرها المعتقدات والديانات اليونانية. فقد آمن الإغريق بوجود آلهة عديدة لها نشاط معين من النشاطات اليومية. والكثير من هذه الآلهة لم يكن لهم دور حقيقي في حياة الإغريقي القديم فالعبادة الفعلية اقتصرت على بضعة آلهات فقط، وبالأخص الآلهات الثلاثة عشر الأولمبيانية (نسبة إلى مقرها في جبل أولمبوس أو أولمب). فتعتبر هذه الآلهة الأولمبية المركز الذي تنتظم من حوله المعتقدات الهلينستية القديمة باستثناء بيرسيفون فهي راعية الألغاز الإليوسينية.
لقد نظر الإنسان القديم إلى العالم الخطر الغامض وتأمل في أموره،وسأل نفسه: “من أين تأتي الشمس، وما هي هذه الشمس؟” وأجاب على هذا السؤال بفكرة أن: “الشمس قارب يجلس فيه الإله المتألق المبهر، ويقوده عبر السماء”.
ولما حيره القمر، فسر الإنسان الأول ذلك المضيء الأبيض بالتفكير فيه كقارب آخر أو عربة أخرى تجلس فيها شقيقة إله الشمس.
وتساءل الإنسان: “ماذا يكمن وراء رعب الرعد والبرق؟” وحل غموض هذا اللغزبصورة إله عظيم يجلس على عرش في السماء، وصوته هو الرعد، ورسوله هو البرق. فإذا ما هاج البحر في عواصف مدمرة، فذلك سبب غضب إله الأمواج ذي الشعر الأزرق، وإذا ما أنتجت الحبوب والأشجار بذوراً، كانت الأم الأرض كريمة، وإذا جاء القحط والمجاعات فذلك بسبب غضبها، وعندئذ يجباسترضاؤها بالذبائح والصلاة .
وكذلك حيرتالكثير من الأسئلة الأخرى الإنسان القديم وإجابتها كانت هي الأساطير التي صاغها، والتي ظلت طوال عصور يتلقاها الابن عن أبيه شفوياً، وينقلها الجيل إلى الجيل التالي، وينوبها الكثير من التغييرات.
لقد اعتقد المؤرخون أن الأساطير الإغريقية هي المصدر الرئيسي للفكر العقائدي اليوناني لفقر الوثائق والآثار التي تتحدث عن الفكر الديني اليوناني وعن أصول الآلهة وأسمائها وأنسابها وأشكال الطقوس وأسس العبادات، ولكن الأساطير لا تصلح أن تكون مصدر تاريخي موثوق منه لجهلنا بمنشأها ونسبها.
اعتقد الجغرافيون أن تعدد الآلهة في الديانة اليونانية بسبب الطبيعة الجغرافية للخريطة السياسية، فقد كانت اليونان مقسمة إلى مجموعة من الجزر المتفرقة والدويلات المنفصلة طبيعياً، الأمر الذي يضعهم في قالب الوحدة والكثرة من إطار الفكر العقدي المرتبط بالتطورات السياسية.
لقد احتار الباحثون في تحديد أصول الأساطير اليونانية، وفي من كتبها، حيث أرجع كتابتها البعض إلى هوميروس وهزيود لأنهم أول من كتبوا الملاحم التي تصور عالم الآلهة.
ويرى البعض أن الإلياذة والأوديسا عبارة عن قصص أسطورية مأخوذة من الآداب الشعبية القديمة ومقتبسة من الفلكلور الشرقي، حيث الأساطير اليونانية ما هي إلا اقتباس من الأساطير المصرية والكنعانية والحيثية القديمة.
تتضمن الأساطير اليونانية في محتواها القصص الخرافية التي توضح نشأة الكون والظواهر الطبيعية وقدرة الآلهة وعلاقتها بالإنسان والعبادات والطقوس، وفي نفس الوقت نجد تمييز بين آلهة أولمب الإثنى عشر وبين الآلهة الأرضية الصغرى.
بيد أن الكثير من الناس صدقوا هذه الأساطير وتناقلوها فيما بينهم، أما الفلاسفة العقلاء الحكماء لم يصدقوها ولم يلغوها من عقولهم بل وعدلوها في جلساتهم الفلسفية ليظهروا عالم الآلهة بالمثالية التي يجب أن يكونوا عليها، ومن أمثلة هؤلاء الفلاسفة الفيلسوف “أيسخولوس” (525- 456 ق.م) في مسرحياته “المستجيرات” و”الصافحات” و”أوديب” و”أجمامنون”.
وأيضاً حاول أن يسير على هذا النهج الشاعر اليوناني “بندار” (518- 438 ق.م) الذي عدّل في “أسطورة تانتالوس” و”أسطورة الإله أبوللون والغراب”.
أما مواضيع الموت والروح فلم تتطرق إليها العقول اليونانية خشية الوقوع في الباطل والإلحاد وجلب اللعنة عليهم، حيث تعتبر هذه المواضيع انتهاكاً لسر هذا العالم الغامض، أما الفلاسفة فخاضوا في هذه المواضيع حيث عجزوا عن تفسير الكثير من القضايا مثل نشأة الكون ووجود الموجودات والظواهر الطبيعية
وقليل من الباحثين الذين يتفقون حول مفهوم محدد للأسطورة، فمنهم من يراها خرافة، ومنهم من يراها حقيقة،ومنهم من يعتقد أنها تاريخ، ومنهم من يراها مجرد أكاذيب، ومنهم من يرى أن لها أصولفي الواقع.
ولكن في النهاية فالأساطير لها تأثير قوي على الفنون الأخرى، حيث أثرت على المصورين والنحاتين والموسيقيين والشعراء، فقد أصبحت الأساطير وحياً لأجمل أعمالهم الفنية المبدعة، ثم إنها في حد ذاتها مسلية وممتعة فهي مازالت تستهوي خيالنا حتى اليوم.