ورشة سينما
١٤ أغسطس ٢٠١٤ ·
كتاب التمثيل السينمائى – مارى الين اوبراين
كتاب مهم جداا
http://www.cinematechhaddad.com/…/Cinema…
التمثيل السّينمائي
للمؤلف: ماري إلين أوبراين
ماهو التمثيل السينمائي الجيد ؟ في ختام فيلم العراب، يلعب مارلون براندو في دور (الدون كارلوني) مع حفيده في الحديقة. يأخذ حز برتقالة، ويدسه في فكه كأنه طقم أسنان، ثم يكشّر ويطارد الصبي عبر أحواض البندورة. يرش الصبي هذه الشخصية القوية، الشبيهة بالآلهة، بمبيد حشرات، وتستمر اللعبة لتنتهي بموت (الدون).. ذلك الوحش المثير للشفقة في إهاب إنسان بسبب نوبة قلبية. لماذا كانت تلك لحظة ملهمة من التمثيل السينمائي؟ لأن المخرج والممثل في هذا المشهد تحديداً اختارا أكسسواراً مجسداً وديكوراً مفاجئاً، لكنهما مناسبان إذ أسهما بشكل كوميدي ومشؤوم في محو صورة العراب الذي يحصد أرواح الناس، صورة الشخص الذي يقرر من يعيش ومن يموت ضمن مملكته.. مملكة الجريمة المنظمة. إن لعبة الاستغماية (الطميمة) الطفولية، واستخدامه لقناع مصنوع ببساطة من حز برتقالة، يكشفان خصال (الدون كارلوني) المريحة والمهددة في آن معاً. بالتالي، يرى المشاهد جانبين لشخصيته، التي تمتلك جماليّاً طابع إعادة الثقة للنفس والتحريض. إننا نذهب إلى الأفلام كي نتسلى، ولنستمتع بالعمل الفني للمخرج ومعاونيه: الممثلين، المصممين، التقنيين، والموسيقيين، نحن، في الظلام، أكثر عرضة لقبول أنواع مختلفة من الصور والشخصيات، بصحبة البوشار والصودا وألواح الشكولاه، وذلك ضمن جو رسمي يشبه مسرحاً متكاملاً. إننا نتشجع بالسمة المشابهة للأحلام في الصور السينمائية لنهضم المعاني والاستعارات بالجاهزية نفسها التي نتعلم فيها ركوب الدراجة الهوائية في الطفولة، أي من خلال الإعادة والتجربة الحسية. كان ارتياد دور السينما بالنسبة لكثير من الأمريكيين الذين كانوا أطفالاً في الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات جزءاً مهمّاً من الأسبوع، تماماً مثل مشاهدة افتح يا سمسم ومستر روجرز والفرقة الكهربائية على شاشة التلفزيون بالنسبة لمشاهدي اليوم من الأطفال. في مدينتي سانت لويس، كان الأولاد يذهبون إلى السينما أربع مرات أسبوعياً: في أيام الأربعاء حيث كان يجري سحب يانصيب للدمى ينظمه أصحاب البقاليات عقب عرض الفيلم، وأيام الجمعة حيث تعرض أفلام الكاوبوي، وأيام السبت حين كنا نصرخ ذعراً خلال أفلام الغموض والجرائم.. ونتأوه خلال أفلام الحب (منتهزين الفرصة لنلتصق بأحبتنا بذريعة الخوف أو الملل)، أما في أيام الأحد فكنا نحرر أنفسنا من خطايا الأسبوع بالضحك والإبحار في دنيا المغامرات خلال حفلات الماتينيه لأفلام الرسوم المتحركة (الكارتون). في ذلك العالم الحسي بصريَّاً، كنا نندمج بهويتنا بحرية تماثل الأحلام مع الصبي سيسكو وتشارلي شان. لم يكن مهمّاً لنا من يلعب الأدوار، ومدى إجادتهم لفن التمثيل، بما أن كلاًّ منا كان يصبح النصف الآخر من أي تشخيص، دون أن يلحق هذا به ضرراً. ما زلت قادرة على أن أصبح شخصية في فيلم من أفلام الحرب العالمية الثانية وقد تغيرت ملامحها بعملية جراحية إلى ملامح شرقية كي تصير جاسوسة تخدم الولايات المتحدة الأمريكية، لكنها نتيجة لذلك تفقد صديقاً يابانياً. هذا الشعور الطفولي بأن المرء جزء من كل شخصية يراها في الأفلام يمكن أن يقود إلى رغبة في قبول طيف أوسع من أساليب التمثيل والشخصيات المتباينة، وأن يهضم كون التشخيص غذاءً للخيال بينما تجلس وحيداً في الظلام. في علم المسرح والأدب يسمى هذا توحداً عاطفيّاً. أما بالنسبة لكثيرين في عالم السينما فيسمى كسب دولار. هذا المصطلح التجاري مؤسف لأنه ينزع إلى تهميش القوة الجمالية وفن الممثلين، وهما أمران مهمان بصورة مضاعفة في السينما عنهما في المسرح. يملك الفيلم ذاته في حركة مونتاجه وزوايا تصويره وقطعاته القدرة على التأثير فينا بعناصر الحلم. بذهابنا إلى عروض الأفلام لنراقب قصصاً قوية، ولنرى أبطالاً يقاتلون أعداءهم وبطلات ينقذن أسرهن، ولنحيي الكلبة لاسي والقردة تشيتا (اللتين تماثلان في الحيوية أي نجم بشري)، نصبح قادرين على قبول أعمال فنية متنوعة الأنماط جدّاً، ونتوقع ردود فعل مختلفة تجاه كل منها، ونمر مرور الكرام بتلك الأعمال التي صنعت لمبدأ كسب دولار آخر. ولكن، ثمة من سيحبها. كأطفال في الأربعينيات، مثلاً، كانت أحلامنا تتحقق بشيرلي تمبل وأبوت وكوستيللو. في السبعينيات، بعد حروب غير مقبولة واغتيالات مروعة، صارت مطالبنا كرواد سينما أكثر تركيباً وأقل سذاجة. رغم ذلك، ما زالت الحبكات المعقدة تسحرنا، وكذلك النجم في أية قصة، والأفلام السياسية أيضاً (التي ربما تبنى الآن بصورة أشد براعة)، وبسير الحياة الحميمة. تتواصل الشخصية مع المشاهد بقوة كبيرة عبر الأفلام، بحيث يصبح من عدم الحكمة أن يعطي المرء تصريحات نهائية حول التمثيل السينمائي، وهو فن مراوغ لا يغطي فحسب طيفاً واسعاً من الأساليب، ولكنه يقدم أيضاً قوة وجوه متنوعة من الممثلين بلا حدود، تؤثر فينا حسيّاً. تماماً كما يجلس كل منا وحده في صالة السينما، مستجيباً بصورة فردية للتشخيص الحركي والجسدي من قبل الممثلين، (بشراً كانوا أم حيوانات)، وللون والبيئة، كذلك هو هذا الكتاب الذي بين أيديكم… عبارة عن استجابة فردية ومحاولة لاستكشاف طبيعة الأداء على الشاشة السينمائية.