شام الروح 2
١٦ أكتوبر ٢٠١٩ ·
حكاية بابور الكاز …
…………………
قبل 100 عام تم اختراع بابور الكاز ( البريموس ) وقد اطلق عليه هذا الاسم نسبة الى اسم بلدة في السويد اشتهرت بأنها اول وأشهر من قام بصنع بابور الكاز في العالم . رغم أن دولا أخرى فيما بعد صارت تقوم بصناعة بوابير الكاز مثل بريطانيا وألمانيا وروسيا والهند ومصر وسورية .
عرف في المدن لكن القرى ظلت تستعمل الحطب لفترة طويلة بسبب طبيعة البيئة الشجرية التي توفر الحطب بعكس المدن .
انتشر البابور بين الناس فيما بعد فقد كان ينظر اليه كجهاز تكنولوجي رائع ومتقدم جدا حيث أراح العديد من الناس والنساء بالذات عناء اشعال نار الحطب والنفخ وجرف الرماد وغبار الفحم ورائحة الدخان ثم انه اصبحت الوسيلة الجديدة ( موقد النار الكازي الغازي ) اكثر راحة واقتصاد في الجهد والوقت والنظافة ..
وهو بعدة أحجام فبعد تعبئتة بالكاز يتم أشعالة عن طريق مفتاح النفض بالضغط عليه عدة مرات ويتم الأشتعال ويتحول رأسه النحاسي ليصبح بلون الجمر ويتم أستعمال النكاشات وهي بعدة أنواع ويتم أستعمال النكاشة لازالة اية اوساخ خارجة من الكاز باتجاه الراس وعادة ما تغلق (الفالة) جزئيا او كليا فتقوم النكاشه بازاله هذا الوسخ العالق داخل الفاله, . اما اطفاء البريموس فيتم بواسطة مفتاح جانبي… وعند الأطفاء يصدر صوتاً تش تش وقد صدر انواع محدثة من البريموسات تسمى البريموس الأخرس ،( بدون صوت)
في هذه الايام ما زال العديد من كبار السن الجدات والاجداد يتعاملون مع البابور بكل شوق ودفء وحميمة . فأين هذا الصوت الشجي الهدار لصوت نار البابور انه بالنسبة للعديد منهم نغم جميل وموسيقى لا يستطيع في الصباح ان يفارقها ومنهم من لا يستطيع شرب كاسة شاي الا من على ابريق الشاي على البابور وليس على الغاز ومنهم من لا يستطيع القيلولة الا على صوت البابور المخدر للأعصاب .
البابور كان قديما ذا اهمية نفسية واجتماعية حيث ان جهاز العروس كان لا بد ان يحوي ضمنه بابور الكاز كقطعة هامة من اثاث البيت لذا فان نساء عديدات كبيرات ما زلن يحتفضن بهذا البابور كذكرى عزيزة من ايام الزواج .
وبابور الكاز وتُلفظ بالعاميّة الدمشقية (وابور الكاز) ، أو (بُّبوُر الكاز) : هو جهاز صغير منزلي نقّال للطبخ أو للتسخين يعمل بوقود (الزيت الكاز) المندفع من حاوية نحاسيّة شبه كرويّة في اسفله عبر (فالة) دقيقة الثقب بعد ضغط الهواء فيه بواسطة مِكبس في رأسه حاصرة من المطاّط (جوان) تُعرف بالجِلِدة.
وترتفع حول البابور ثلاثة قوائم من الحديد تنعطف نهاياتها العلوية بزاوية قائمة باتجاه المركز لتُشكّل منصباً ترتاح فوقه طنجرة أو حِلَّة طعام أو تنكة ماء أو ابريق شاي وخلافه. وكان التصليح لا يتعدى استبدال الفالة ، والجلدة عند اهترائها. وينكش ثقب الفالة بنكّاشة كلما سدت أي (انطمست). والنكّاشة عبارة عن مبسّطة من التنك في رأسها قضيب دقيق من المعدن قطره يتناسب مع قطر ثقب الفالة .
ولايزال البابور يستعمل في ايامنا من قبل بائعي الذرة وغيرها.
والبريموس مثله مثل كافة الأختراعات بحاجة لقطع غيار مثل طربوش البريموس والنكاشات ويتم الشراء من الدكاكين حسب المقاس
ولا بد من الاشارة انه كان قديما يوجد ما يعرف بالسمكري مصلح البوابير المتجول بين البيوت مناديا بصوته المميز وقائلا ( مصلح بوابير الكااااااااااااز…مصلح حنفياااات ) وكان يحمل معه عدة وقطع غيار ولحام يدوي …ميزة صاحب هذه المهنة أنه يستطيع أن يؤدي عمله في أي مكان , على باب المنزل , في الشارع …بجانب عتبة الباب ..المهم أن تعطيه (البابور) فقط
ودائما سبب الخراب في كل البوابير واحد ولا يتغير وهو انكسار( النكاشة) داخل ثقب البابور..وهذا يستدعي تغيير الرأس الحارق والجلدة..
لكن هذه المهنة الجوالة قد اختفت الان بسبب شيوع مواقد وطباخات الغاز
وأصبح بابور الكاز تحفة فنية لتوضع في أماكن معينة في البيوت والمتاحف التراثية وأصبح بالذاكرة الجميلة بصوته وبحرارة دفئة وبسحر كلمة تش ولمة العائلة حول البابور وهو ذاكرة الناس الطيبين وذاكرة الغسيل والبرميل الذي يوضع على البابور وهو يغلي
وأصبح للبابور أمثال ومقولات شعبية مثل القول فلان صوته يهدر مثل بابور الكاز وفلان مثل البابور إلي خالص كازه (لا يشغل عقله) وبنت الإحمه نكاشة بمعنى تعمل على نكش المشكلات …وأنكش تولع او فلان بده نكشه… وهنالك بعض المطربين والمطربات تغنوا ببابور الكاز .
د.غسان القيم
١٢ يونيو ٢٠٢٠ · بابور الكاز
لم تمنعه ما طرأ على حياتنا وحياة أبنائنا من تغيرات في عاداتنا وطريقة وسائل الطبخ أن يلقى البابور كما نطلق عليه في ساحلنا السوري الجميل مصيره إلى الاندثار كما لقى غيره من الأدوات الأخرى على العكس تماما ما زال بابور الكاز صامدا أمام الحداثة وتقنيات الطهي الحديثة..عدنا إليه من جديد بهدير موسيقى صوته وناره المتوهجة..ما زلت أحتفظ به ذكرى من والدتي رحمها الله عمره أكثر من سبعون عاما وهو بحالة جيدة ينبض بالحيوية والذاكرة العتيقة الأصيلة لصوت قادم من البعيد يهمس لنا حكاية عابرة لسنين مضت وانقضت ما زلنا نستشف أثرها وذكراها..عاشق أوغاريت.. غسان القيم