خميس الحلاوة في حمص
خميس الحلاوة ليس فقط ما اشتهرت به حمص بل أيضا بأعياد ومواسم ربيعية متنوعة ترافقت باحتفالات ومراسم وطقوس شعبية متفاوتة يعود تاريخها إلى قرون عديدة من الزمن، ورغم تقلّص هذه المواكب الاحتفالية في الوقت الحالي وتلاشي بعضها الآخر فلم يبق من آثارها سوى الذكريات في أذهان الجيل القديم.
واقتصر بعضها الآخر على مراسم بسيطة تشير إلى أن بعض المسنين ما زالوا متمسكين بتراث مجتمعهم وعادات وتقاليد أجدادهم، ويحنّون إلى جذور هويتهم الثقافية، فيمارسون شعائر هذه المواسم حتى يومنا هذا خاصة موسم ( خميس الحلاوة )
حيث يشكل خميس الحلاوة في مدينة حمص نقلة نوعية في الاحتفالات التي تتم ذروتها عادة في المقابر، ومع الأموات في لفتة ذات مغزى من الأحياء حيث يتم توزيع الحلاوة وتقرأ آيات من القرآن الكريم، والفاتحة على أرواح الموتى ثم يتابعون مراسم العيد في البيوت …
خميس الحلاوة أو خميس الاموات
واشتهر هذا الخميس الذي يسمى ( خميس الأموات ) أو خميس الحلاوة في مدينة حمص بحلاوته المميزة.
( الخبزية ) بلونيها الأحمر والأبيض التي تظهر في السوق بكميات كبيرة منذ بداية الأسبوع، ويوزعها صانعوها على المحال على شكل هرمي مخروطي مع أنواع أخرى من الحلاوة مثل:
( السمسمية والبشمينة، وبلاط جهنم والراحة الملونة والجوزية والطحينية ) وغيرها
فتعرض أمام الدكاكين، والبسطات على الأرصفة والساحات، ويصنعون فوقها عرائش من أغصان الأشجار يعقدن عليها شرائط ملونة من الحرير.
وتتعالى أصوات الباعة من أنحاء السوق وهم ينادون:
الله يرحم الأموات ….كانوا يحبوا الحلاوات
وبعض الباعة ينادي على الحلاوة فيقول:
(يا ستي … قولي لجدي … بدي حلاوة مجيقا)
ويزدحم الناس على البسطات يشترون ما تيسر لهم من الحلاوة ويعودون بها إلى بيوتهم، فيأكلون منها ويطعمون أفراد أسرهم، ويحتفظون بحصة منها للأموات، يحملها النساء والأولاد على شكل مجموعات إلى المقابر، وهم يحملون نبات ( الآس ) الذي يضعونه على القبور.
ويطلب أصحاب الميت من الأولاد أن يقرأوا سورة من القرآن على قبر ميتهم، ثم يوزعون عليهم الحلاوة والنقود.
فيجمعها الأطفال في شنطة قماشية خاصة، أو كيس يحملونه معهم، وينتقل الأولاد من قبر إلى آخر حتى المساء، فيعودون ومعهم كمية لا بأس بها من الحلاوة وبعض النقود.
بقيت مراسم الاحتفال بخميس الأموات قائمة من جيل الى جيل ، وما زال الناس أوفياء لأمواتهم وخاصة شراء الحلاوة وتوزيعها على المقابر، وإهداء الحلاوة إلى أقربائهم وجيرانهم ….
ويذكر الشيخ الوفائي العيد بقوله:
ومن بعده يأتينا يوم تلوح به
حلاوة أكلها عند النساء وجبا
أهل القرى ينقلون عن جدهم خبراً
من لم يذق طعمها في عامه جَرِبا
يقصد الوفائي أن بعد خميس النبات يأتي خميس الحلاوة التي يجب أكلها على النساء
وأن أهل الريف ينقلون عن أجدادهم أن من لم يأكل الحلاوة في هذه المناسبة يصاب بمرض الجرب…
ويبدو أن تجّار الحلاوة أصبحوا يتاجرون بهذا الموسم ويخطّطون لتحقيق أكبر ربح فيه.
فأصبحت الحلاوة الحمراء وغيرها تنزل إلى السوق قبل خمسة عشر يوماً من موعدها الحقيقي.
ويتفنّنون بصنعها وأنواعها، فيبيعون أكبر كمية من الحلاوة منها فيتوه الناس عن موعد خميس الحلاوة الحقيقي ومراسمه.
وبشكل عام نرى عادة زيارة القبور وتوزيع الطعام على أرواح الموتى قديمة
ومنتشرة على نطاق واسع خاصة في بلاد الشام خلال أيام السنة، وليس في خميس الأموات فقط
قصة مدينة حمص
بقلم : مصطفى الصوفي