باي قسنطينة يستقبل السفراء في زمن الإيالة الجزائرية (ويكيبيديا)
قصر أحمد باي يوثق حياة آخر حكام الشرق في “إيالة الجزائر”
هندسة القصر التاريخي مزيج بين الطراز الموريسكي والمحلي، فالموريسكي حدائقه تقع بالداخل، والمحلي مستمد من تصاميم العمارة بالمغرب العربي وشمال أفريقيا.
تزخر محافظة قسنطينة، شرقي الجزائر، بمعالم أثرية فريدة وشهيرة لعلّ أبرزها الجسور المعلقة، إضافة إلى قصر أحمد باي الذي تحوّل إلى متحف يوثق حياة آخر حكام الشرق الجزائري في العهد العثماني، والذي قاوم الاحتلال الفرنسي للبلاد (1830-1962).
ويحمل قصر أحمد باي حاليا اسم “المتحف الوطني للفنون والتعابير التقليدية”، إذ صدر قرار تأسيسه في أكتوبر/تشرين الأول 2010.
وأمر أحمد باي -عام 1825- ببناء القصر الذي كان مقر الحكم في “بايلك الشرق” (قسنطينة) إبّان إيالة الجزائر (فترة الحكم العثماني في الجزائر بين 1518و 1830)، ولم تنته به الأشغال إلاّ عام 1835.
ويقع متحف “الحاج أحمد باي” في قلب قسنطينة (ثالثة كبرى مدن البلاد بعد العاصمة ووهران) الملقبة بعاصمة الشرق الجزائري ومدينة الجسور المعلقة، وتحديدا بين شارعي ديدوش مراد والقدس.
أسرار القصر
تجولت وكالة الأناضول في القصر بمعية المرشد الخاص حيدر رواق، وتلقت شروحات مفصلة عن الموقع.
يقول رواق إنّ “قصر أحمد باي شُيّد عام 1825، وامتد بناؤه حتى 1835 أي 10 سنوات (من البناء). أما أقدم بوابة في القصر، الذي يقترب عمره من القرنين، فمصنوعة من شجر الجوز، وعمرها 400 سنة، وقد جُلبت من دار الإمارة بالمنطقة ذاتها”.
ويوضح أن “أحمد باي عاش في القصر سنتين. وبعد سقوط قسنطينة في 1837، استولى عليه الفرنسيون”.
ويستطرد “بالقصر عدّة أجنحة، جناح الحرم، وهو مكان مخصص لعائلة الباي، وتتكون العائلة من 4 زوجات وابنته ووالدته”. اعلان
ويحتوي القصر أيضا على جناح ثان مخصص للحريم (الجاريات) وخادمات القصر، وجناح ثالث كان الباي يسكنه برفقة عائلته في فصل الشتاء فقط، لكون الشمس تشرق عليه، ووجود حمام أسفله يساهم في تدفئة المكان.
ووفق رواق، فإن “الجناح الثالث يتحول في فصل الصيف إلى مكان يستقبل فيه الباي المقرّبين منه وبعض ضيوفه فقط، وليس كلهم”.
وفي حديثه، يشير المرشد إلى أن “أهم ما في القصر هو الجناح الإداري، ويحتوي على محكمتين: الأولى مدنية ويشرف فيها قاضيان على القضاء من السبت إلى الخميس، أما المسائل الكبرى، فيحكم فيها الباي يوم الجمعة. والأخرى محكمة عسكرية توجد في الطابق العلوي”. https://www.youtube.com/embed/KVJcsRHjTj8?version=3&rel=1&showsearch=0&showinfo=1&iv_load_policy=1&fs=1&hl=ar&autohide=2&wmode=transparent
ويلفت إلى أن “هندسة القصر مزيج بين الطراز الموريسكي والمحلي، فالموريسكي (نسبة إلى الموريسكيين الذين بقوا تحت الحكم المسيحي بعد سقوط الأندلس عام 1492 ميلادي) حدائقه تقع بالداخل، والمحلي مستمد من تصاميم العمارة في المغرب العربي وشمال أفريقيا”.
وتبلغ مساحة القصر 5600 متر مربع، وبه 121 غرفة، و256 عمود من الرخام بأشكال مختلفة. كما تبلغ مساحة الطابق الأرضي ألف متر مربع، في حين تصل مساحة الإسطبل إلى 517 مترا مربعا، وفق رواق الذي يشير إلى أن “ديوان الباي يضم 15 نافذة، يمكن عبرها أن يراقب سيد القصر كل ما يجري في قصره”.
أما “الزليج” (لوحة جبس أو رخام بها زخارف هندسية) المستعمل في عمارة القصر، فجاء من إيطاليا وإسبانيا وهولندا وتونس. كما يحتوي القصر على 4 مناطق مفتوحة، هي: حديقة البرتقال، وحديقة النخيل، والحوض، ووسط الدار. وكل فضاء يضم نافورة ماء بغية تغيير الهواء وتبريد القصر.
وبحسب مرشد القصر، “كان الباي يُشغّل النافورة عندما يتحدث إلى أقرب الناس إليه، وهو النادل (خادمه) حتى لا يسمعه الضيوف ومن حوله”.
وتزين جدران وسقوف بعض أجنحة القصر رسومات أصلية بخط اليد، غالبيتها لم تندثر، في حين أن أخرى -وهي قيد الترميم- تعكس بعض المدن التي زارها أحمد باي، من بينها المدينة المنورة ومكة بالسعودية.
ذاكرة قسنطينة
وتشير الإعلامية الجزائرية سرور بومزبر، في حديث للأناضول، إلى أن متحف أحمد باي يعني ذاكرة قسنطينة، وهو من أقدم القصور في المدينة، تم ترميمه إثر اختيارها “عاصمة الثقافة العربية عام 2015”.
وتوضح أن القصر خضع لعمليات ترميم من خبراء إسبان بشراكة مع جزائريين، لافتة إلى موقعه الإستراتيجي في قلب المدينة العريقة، إذ يقع في مرتفع صخري، يطل على جهتين (أي شارعين).
وعن رمزية القصر، تقول بومزبر إنه “يمثل الحقبة العثمانية في الجزائر (1518-1830)، ويجب زيارته لاكتشاف جزء من تاريخ المدينة والشخصيات التي مرّت عليها قبل الاستعمار الفرنسي”.
بدورها، تقول إيمان بن وراث، طالبة جامعية بكلية الشريعة في قسنطينة، إنّها تزور قصر أحمد باي للمرة الأولى برفقة صديقتها.
وتضيف بن وراث في حديث للأناضول “القصر جميل جدا وأعجبتني هندسته. إنه فضاء تراثي، يعكس حضارة وتاريخ مدينة قسنطينة والجزائر بصورة عامة”.
وترى أن “القصر يعبر عن تاريخ بلادنا وهويتنا العربية والإسلامية، وهو مكان يجذب السياح ويحقق مردودا اقتصاديا، وبالتالي يجب المحافظة عليه وتشجيع الناس على زيارته”.
وتعتبر بن وارث أن من المهم دراسة تاريخ الشخصيات الوارد ذكرها في الكتب، فضلا عن اقتفاء أثرها وإنجازاتها.
من هو أحمد باي؟
أحمد باي، ولد في مدينة قسنطينة حوالي عام 1784، هو أحمد بن محمد الشريف بن أحمد القلي، من أصل كرغلي (من أب تركي وأم جزائرية)، تلقى تعليما تقليديا وتربية صالحة، بحسب “المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية” (حكومي).
تعلم أحمد باي الفروسية في الصغر، مما سمح له لاحقا بتقلد منصب قائد الحرس على قبائل “الحراكتة” القوية (أمازيغ الشاوية شرقي الجزائر) سنة 1809.
وعرف أحمد باي بشخصيته القوية عند حكمه لبايلك قسنطينة (مقاطعة تقع في الشرق الجزائري) عام 1826.
وبمجرد تسلمه مهامه، قام بإصلاحات إدارية اتسمت بالجدية والعدالة. كما أعاد تشكيل جيش منظم واعتنى بتدريبه.
واستطاع أحمد باي صدّ هجوم الفرنسيين على قسنطينة في 1836، لكن بعد سنة، أعاد الفرنسيون الكرّة وتمكنوا من احتلالها في 1837.
وبعد نضال طويل ضد المستعمر الفرنسي، توفي أحمد باي عام 1856 بالجزائر العاصمة، ودفن في تربة زاوية ضريح الشيخ سيدي عبد الرحمن الثعالبي.