الإعلامي السوري مروان صواف ..
القنديل الذي لا ينطفيء..فإذا غنى القمر ..تدفقت ينابيعه الثقافة..
بقلم المصور : فريد ظفور
حرية الصفصاف أن ينمو على خصر البحيرة أخضرا..صخباً أقل من الأصابع في يديه..من دورة الزمن الثقيل ما أراد الا القليل..من وطن فوق حبل للغسيل..صور برامجه القديمة ترتمي في سطح دائرة الكلام..ولا بد لي من دمعة تحترم الإبداع حتى ترطب وجنتي لكي لا أنام ..لأحضر أجمل الأزهار والورود والرياحين من شهر نيسان ..لأرحب بضيفنا الكبير الأستاذ مروان صواف..
يستمر عبق الصحافة والأصالة والإعلام مغرداً في أمداء الروح..مهما تقادمت السنون..ومهما إشتدت ونشطت رياح التغيير وتقلبت وتطور وسائل التخاطب عبر الشبكة العنكبوتية..وتبقى الذاكرة الإعلامية العربية بئراً وبحراً متلاطم الأمواج والذبذبات..بروعة مواريث الأدب والفن والعلم والفكر والثقافة..والخصال الإجتماعية والإنسانية..والأجمل من ذلك كله أن تتواصل روح الأصالة الإعلامية عند الصواف بشكل عملي وأن تغير شكلها ولبوسها..لتمثل الشخصية التي أنارت دروب الثقافة في نهايات القرن الماضي عبر برامجه على الفضائيات العربية..والآن يتابع قمره الإبداعي عبر الشبكة العنكبوتية وعبر منصات التواصل الإجتماعية..وكانت وما زالت أعماله وبرامجه الإعلامية متميزة ..فقد إستطاع الأستاذ مروان صواف تسليط الضوء على ما آل إليه عصرنا من إنحطاط ثقافي وإستبداد وإستغلال للإنسان ولقيمه الجمالية..فأدان التخلف والغدر والخيانة والحروب والتعصب والعسف..في أكثر من برنامج وموضع وجاء ذلك بأسلوبه الصحفي والأدبي والفني المميز المتسم بقوة التعبير والمكاشفة والمواجهة..رغم طغيان لغته الصحفية الشاعريةوالصورة والخيال في أكثر من برنامج ومكان..وهكذا كانت في برامجه ..من الأخير بسمة على ثغر القمر..إلى مجلة التلفزيون، ونقطة على الحرف، وأيام عالبال،و أوراق ملونة، والقنال 7، ومحضر الساعة العاشرة،و بساط الريح، وحتى وجهة نظر، وإلى برنامجه إذا غنى القمر…وكان مروان ملك الإرتجال بلا منازع..وأول مذيع سوري وعربي يرتجل ويقرأ النشرة والمقدمات ويخاطب الجمهور والمشاهدين والمتابعين من دون ورقة..وأذكر في أحد الإطلالات على الشاشة الفضية بأنه كان يقدم برنامجه فأراد المخرج والمصور إحراجه بأنه يقرأ من الجريدة التي كانت بيده..ولكنه تابع التقديم وأخذ يدور الصحيفة بيديه وهو يدابع القراءة..وكانت أغلب برامجه حوارية ثقافية تهتم بالمسرح والسينما والدراما..فقد علم جيلنا أصول وفن السينما من إخراج ومونتاج وسيناريو وقصة وتمثيل وأدوار البطولة الأولية والثانوية ومن الموسيقى التصويرية..وغيرها..وتلك البرامج لعمري بأنها شهادات له وهي بمثابة صك إدانة في وجه إنهيار القيم والمثل وشيوع الفساد والخراب بالعقول والذوق العام..ورغم كل الأحزان والسوداوية ببعض الأماكن التي أشاعها ببعض برامجه..إلا أنه بقي معتصماً بحبل الحب والحبيبة وممجداً الثالوث المقدس الوطن والحبيبة والأمل..ومؤكداً على إنتصار الإنسان ..بكل مثله وقيمه ومبادئه ولا سيما المبدعين من أبناء أمته..ويقدم في مواجهة التصهر الإعلامي والبشري والإستلاب المعرفي والإعلامي عبر المنصات الرقمية والكم الهائل من المعلومات التي تشكل عسر هضم ثقافي..وأمام هذا التيه الإنساني الكبير يقف مفهوم الحب عند الصواف ليعلن عدم الإستسلام والوقوف في وجه الريح ويرفع راية لواء النضال لا راية الإنهزام لأن الحب بداية الوجود الإنساني ونهايته ولا بديل عن الحب في هذا العصر الآسن الحافل بالمتناقضات ورغم كل ما يشيعه البعض من سوداوية وحزن وتشاؤم إلا أنه يبقى الصواف يعتصم بالورقة الأقوى إنها ورقة المحبة والحبيب الوطن..وهكذا يبقى وجه الوطن قمراً ينير وأملاً باقياً يشع..ويغني..ليصنع الحياة والفرح للأجيال القادمة..
حين تموت الكلمات عندنا..وحين يغتني النخاس..وحين يحتل الجبان والمهان في زمن القحط مقعد الأبطال..فلا تعجبوا إن عريت حدائق النهار..وإنتشر الظلام الدامس وغاضت البحار..فلا ندري كيف تكون صورة الحياة الثقافية لو إستمرت عابرة فوق يقظة مستمرة وأزلية الإنسان..إن إنحسار التطور والتقدم العلمي والثقافي وإختفائهما تحت جناح النوم يكسر حدة الملل ويبعث في النفس الشعور بفرحة متجددة لمواجهة إشراقة الصباح والدخول البكر إلى مساحات الدهشة الثقافية المتتالية في كل تكرار لحياتي الفن والأدب والنوم واليقظة والليل والنهار والأبيض والأسود..فالصحوة الفنية تحملنا فوق هوادجها إلى مساحات الحياة ويحملنا الأدب في موكبه السلطاني إلى مفازات الحلم لنجد أنفسنا أمام مقولة (كالدرون).. الحياة حلم..
ثقافة الإعلامي مروان صواف.. كما عرفته ..هي مطلب أساسي للنجاح إنها تعمق الإحساس والخبرة وتجعل للإعلام نكهة وطبقات ومشارب متعددة نكتشفها بعد كل مشاهدة أو قراءة أو إعادة..فهناك إعلام كلاسيكي يعطيك كل ماعنده بعد المتابعة أو السماع أو القراءة الأولى..وهذا هو الإعلام الكلاسيكي السطحي أو القريب إلى معانيه ومراميه ..أما الإعلام العصري فهو الذي تكتشف فيه مع كل مشاهدة أو سماع أو قراءة ..معان جديدة وجمال جديد لم ندرك أبعاده في المرة الأولى أو الثانية من المتابعة..وهذا حال الأستاذ مروان صواف إعلامي من النوع المثقف..فإذا إستعرضنا مجمل أعماله وبرامجه وإنتاجه الفني الثقافي سنجده أولاً يهتم بأن يضع مقدمة..بالرغم من أن الإعلام المسموع أو المكتوب أو المصور قادر على أن يقدم نفسه ولا يحتاج المقدم أو المذيع لشرح برنامجه ..والحقيقة بأن الصواف لا يشرح برامجه في هذه المقدمات ..وإنما يشارك في قضايا الفن والأدب والثقافة النقدية التي تؤثر بالعمل وتوجه طاقات الفنان أو الشاعر أو الضيف..فهو كان ببداياته تجربته محدودة ولكن تصوراته وطموحاته كانت كبيرة..فنلمس العشق والحب لأعماله ومواضيعه وبرامجه المنتقاة..فلا يعوز الأستاذ صواف ذكاء الكاتب في تقديم ضيوفه بل لأقل أبطاله في الحلقات..ولا خفة دمه وروحه في إفاضة الفكاهة عليها..بل السخرية منها أحياناً..وثمة لفتات شائقة وملاحظات لبقة وأسلوب فيه صفاء ويسر..وقدرة على التسلل إلى دخائل النفوس والخبرة ببذور الخير والشر في الإنسان..وأما الإنطباع الذي يستحق التحية والتقدير لهذه الثقافة المتنوعة والموسوعية بمعرفة الكثير عن مواده في البرنامج وفي سبر غور أعماق الضيوف..فهو يظهر في تطوير شكل البرامج وطور موسيقى برامجه لتتناسب مع ذوق المستمع أو المشاهد أو المتابع لأعماله في الزمن المتغير بين الفضائيات والمحطات الأرضية للبلدان العربية والأجنبية..كمثل رائعة الألماني كارل أورف في كارمينا بورانا..وأما التوجه الفكري في برامجه الثقافية فهو إنطباع آخر لا بد من الإشادة والإشارة إليه..كإتجاه أصيل ودائم في موهبته الإعلامية.. وهو شعور يقوم على الحب لكل مبدع ولكل عربي ناطق بالضاد..والفرح بكل ما يعتبره إنتصاراً وتقدماً وحرية لأي بلد عربي والألم لكل ما يؤدي إلى التخلف والإنكسار والتراجع عن ركب الحضارة..وهذا لعمري ينبع من إحساسه بالحب الحقيقي لكل ما هو إبداع عربي..بعين تبحث عن خصال التقارب وليس خصال التباعد أو الغربة..وهو شاهد وحاضر في الأفراح والأتراح والآلام العربية والقومية على السواء..وهذا لعمري يدل على حالتي التوتر والإستنفار اللتين عاشهما مع وطنه وكان سلاحه قلمه حين الملمات في الأمة..
إن الإبداع مكون أساسي للفكر الكوني عند الأستاذ مروان صواف..فإيقاع دوران النجوم في المجرات والكواكب حول النجوم والأقمار حول الكواكب هذا الإيقاع ثابت لا نستطيع أن ندرس فيزياء الكون دون أن نتعرف على هذا الإيقاع ..والإعلام نوع من التفكير الذي يلتزم الإيقاع للوصول أو التوازي مع هذه الحقيقة الكونية كما أن الإيقاع يحكم دواخلنا يحكم حركة الأعضاء ويحكم حركة الدم داخل عروقنا ويحكم حركة الذرة في فضاء الذرة ..فليس هناك عنده أشد قدرة على الوصول إلى كنه الأشياء وحقائق الكون الكبرى والأسباب العميقة للوجود من أن نلتزم إيقاعاً ما ونحن نفكر..فالإعلام بالنسبة له هو التفكير الموقع هو التأمل المموسق هو رغبته في أن يصل إلى كنه الأشياء وأذن المستمع وعين المشاهد بطريقة مختلفة عن المنطق الذي لابد وأن تتوفر له معطيات محددة ..ويستطيع الوصول لقلب المشاهد من معطياته وثقافته ومقدماته الجميلة وعياً منه بالتجانس والتناغم مع الإيقاع الكوني الدائم..لأنه يتعامل مع موضوعاته الفنية والأدبية والثقافية بعين الناقد الذي يخلق وعياً جمالياً للفن والأدب والثقافة ويبشر بتيار ما أو موهبة ما ..أوإبداع أو تميز بمكان أو زمان معين..يحاول إستشراف ملامح الفن والأدب القادمة والموهبة المدفونه وأن يوضحها لكل من الفنان والأديب والمتلقي والمستمع ليلتقيان على عتبة جديدة أبعد ويفتح لهما أفقاً أرحب هما بصدد الوصول إليه..ولن ينسى جيلنا عمالقة التلفزيون السوري من المذيعين ومن مقدمي البرامج المميز التي كانت قبل ومع الإعلامي مروان صواف..أمثال برنامج عواطف الحفار إسماعيل عن الموسيقى ومنى الكردي عن الأغاني الأجنبية وعدنان بوظو في عالم الرياضة والدكتور محمد توفيق البجيرمي وبرنامج مرحباً ياصباح للمبدعين نجاة الجم ومنير الأحمد ..وغيرهم الكثير الكثير ..ممن تربى وتعلم جيل بل أجيال منهم ومن برامجهم..ولن أنسى ما حيين بأنه لأول مرة تقرأمساهمات لي وشكر في برنانج مرحباً ياصباح ورسالة مطولة عند المبدع مروان صواف في مجلة التلفزيون وأخرى إذا غنى القمر..وكانت تلك بمثابة أنزيم تفاعل وإجتهاد وشهادة ووقود أمدني لأسير في قطار وعلى سكة الصحافة والإعلام..
- يبقى أن برامجه كانت وما تزال تاج البرامج وجذوتها المتقدة إذ بينت بأن لا تقدم ولا حضارة بدون فكر..فكر فني فلسفي أدبي لا يكتفي بتوصيف الواقع بل يعمل على نقده وتنويره..لذلك أضحى الإعلام هو السوفت وير أي الحرب النفسية والإعلامية الناعمة..بدل الهارد وير من جيوش ومعدات عسكرية..ولأن الإعلام لن يموت لأنه ضروري للحياة..ولذلك وعبر عشرات البرامج ومن خلال مالا يسهل إحصاؤه من ندوات ومحاضرات ومقالات وبرامج إستطاع الإعلامي مروان صواف أن يسبر أغوار الواقع الثقافي العربي ويمحص مختلف أوجه الفكر العالمي إضافة إلى فلسفة الفن والتاريخ والأدب والحضارات..وكانت الميزة الجوهرية للأستاذ مروان بأنه ينطلق في برامجه من موقع تحليلي نقدي يدفعه دائماً لتجاوز ما وقف عنده غيره وعده من الثوابت والمقدسات ..لذلك نجده دائم المساءلة والبحث والتنقيب والتحليل وبكثير من الجرأة والصراحة..وهكذا كان الإعلامي السوري مروان صواف ..القنديل الذي لا ينطفيء..فإذا غنى القمر ..تدفقت ينابيعه الثقافة..
*المصور : فريد ظفور – مع بداية السنة السورية -4-4-2021م
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ ملحق مقالة الإعلامي مروان صواف ـــــــــــــــــــــــــ
مروان صواف Marwan Sawaf
١٥ يناير ·
من أكثر الطين سوادا يخرج اطيب الثمار ، ، من روح هذه الكلمات أمهد لأول اطلاله في السنه الجديدة ( ٢٠٢١) واختار لها عنواناً من كلمتين : شاهد عيان
برنامج بسمة على ثغر القمر..
صفحة ثقافية علمية تاريخية
١٨ يوليو ٢٠١٩ م ·
“مروان صواف” إعلامي سوري من مواليد مدينة دمشق, خريج الدفعة الأولى من كلية الصحافة والإعلام جامعة دمشق, بدأت مسيرته الإعلامية في أوائل السبعينات حيث عمل كمراسلاً صحفياً بجريدة الثورة ,ثم قام بعدة برامج إذاعية إلى أن انتقل إلى التقديم التلفزيوني.
حاور العديد من الشخصيات السورية والعربية المعروفة مثل: نزار قباني,دريد لحام,فاتن حمامة, نجيب محفوظ, ياسر العظمة وغيرهم.
قدم مروان العديد من البرامج أهمها: مجلة التلفزيون, أيام عالبال, بساط الريح, وجهة نظر, إذا غنى القمر.
كان مروان أول من بدأ قراءة النصوص دون أن ينظر إلى أوراقه ومن دون أن يكون أمامه سيناريو مكتوب لذلك سمي بملك “الارتجال ” .
ويُعتبر برنامج الإعلامي مروان صواف “إذا غنى القمر” على الفضائية السورية أحد البرامج الثقافية المنوعة التي أنتجتها الفضائية السورية على الرغم من الإمكانيات الضحلة خلال فترة بث البرنامج في تسعينات القرن الماضي.
واستطاع مروان من خلال إدخال السينما لبرنامجه التلفزيوني أن يجعل المشاهد السوري الذي لا يرغب في البرامج المختصة بالسينما يلاحق حلقات “إذا غنى القمر” لأنها تعرض له ملخصاً عن فيلم سينمائي كامل, فالهاجس السينمائي هو الهاجس الأكبر لدى مروان وهذا ما جعله يلاحق السينما باستمرار على الرغم من أنها متعبة وتحتاج إلى تلخيص بالصوت وانتقاء للمشاهد.
تعرّض برنامجه للكثير من الانتقادات وخاصة من قبل المثقفين ,مما جعله يترك العمل في الفضائية السورية ويسافر إلى الخليج من أجل إكمال مسيرته الإعلامية التي حطت به قناة الشارقة كمعداً ومقدماً لبرنامجين ناجحين هما “فوق السطر” و”المشهد الصحفي”.
وفي آخر لقاء معه أجراه الإعلامي ابراهيم الجبين قال صواف رداً على سؤال عن سبب تركه لبلده : “كنت أقدم برنامجاً ثقافياً في وقت لا تُعرف فيه معنى تلك الكلمة”.
هكذا استطاع “مروان صواف” أن يدخل لقلوب كل المشاهدين بقدرته وموهبته الرائعتين ليقدم لنا تلك المزاوجة بين المادة الدسمة والأسلوب المشوق.