المهندسة المتألقة#حنين_جابر_أحمد Haneen Alwatan..
بين الحنين للوطن وإغتراب شباب الوطن ..تميزت أعمالها في خدمة المجتمع..
بقلم المصور : فريد ظفور
بدأ الرصيفُ والحيُ لامعاً دافئاً ووحيداً بلا أنفاس ..والمدينة هاجعة تحت زخات من الرصاص المجنون ومن المطر الحنون وخالية من البشر أو تكاد..ويدٌ تمر على الزناد فيستحيل إلى شرر..ودم يُقبله التراب فيستحيل إلى شجر..وصبية ترنو إلى ضوء القمر ..وراحت أعمالها تنقش إسمها فوق الحجر..رحبوا معي بالمهندسة المبدعة حنين جابر أحمد..
لخبطة في الساحة الثقافية وغياب مؤسساتي وحكومي..في التواجد النشط والفاعل كسابق عهد سورية قبل إندلاع الحرب الكونية عليها..لكن كثرة الخوف لا تصنع وطناً ورغم كل التعتيم الإعلامي والفبركات وشواهد العيان وشواهد الزور والمحطات الإعلانية التي جندت للنيل من سورية وشعبها..وبالرغم من ذلك نبتت في تربة الوطن الكثير من النشاطات والفاعليات الثقافية والفنية والأدبية والترفيهية والمجتمعية والإنسانية ..وبالرغم من كل الصعاب والمعاناة جاء الشباب ليؤكدوا بأنهم فوق الجراح وبأنهم هم البناة الحقيقيون للوطن..في زمن كان فيه الكثيرون من المتمنطقين ودعاة الثقافة والسياسة وغيرها يتلطون خلف الجدران ويتسابق أبناؤهم نحو السفارت للهروب من الوطن وشراء وطن آخر بنقودهم..ناهيك بأن بعض الشباب أيضاً كانت بوصلتهم كيف يهرب من الخدمة الإلزامية والخدمة الإحتياطية..ولذلك كانت مغريات الهجرة وربما تسهيلاتها للبعض هي البوصلة الغالبة على أبناء البلد من الشباب الذكور..
ولكن كان لحنين الوطن وسط هذه الظروف الصعبة والتي إختلط فيها الحابل بالنابل..إنبرت شابة في ريعان شبابها هي ومجموعة من الشباب والشابات بأن يكون سمت وإتجاه بوصلتهم مختلف ليثبتوا للعالم بأنهم هم المحافظون على بلدهم والمدافعين عنه رغم كل الجراح والصعاب..فكان خندقهم الأول التصدي للإعلام المفبرك والموجه للنيلل من إرادة السوريين..وكشفت مع زملائها من الجنسين خطة بندر بن سلطان منذ عام 2016م المعدة لسورية وللوطن العربي ليسقط أقطاره تباعاً كما حجارة الدومنو تحت شعارت كاذبة ومزيفة بإسم الحرية والديمقراطية والإصلاح ومحاربة الفساد وما شاكلها..فكانت منصات التواصل الإجتماعية عبر الشبكة العنكبوتية هي الحرب التي بدأها الشباب دون إذن من أحد أو إملاء من أحد..فشكلوا جيشاً إلكترونياً قبل إحداث الجيش الإلكتروني الحكومي..وكشفوا بأنهم سوف يصلون على رجل بأنه ميت وهو طيب وبأنهم سوف يضعون الدواء الأحمر على وجوههم بدل الدم وسوف يمثلون أدواراً بالفبركة ..وقد ساعدهم بذلك أهم المحطات الإعلامية والقنوات الفضائية التي كسبت مصداقية جماهيرية قبل الأحداث مثل الجزيرة والعربية والحرة والخ..من هنا إشتدت المعركة وحمي وطيسها وكان لها وهج مختلف والعمل بها يعد بمثابة لعب بالنار بل يعدُ إنتحار أو الوصول إلى التهلكة..ولكن فهل هناك أغلى من الوطن الذي يرخص أمامه كل غالي ونفيس..فكان للشابة والمهندسة فيما بعد ( حنين جابر أحمد)..كلمتها وموقفها الذي يحسب لها في الوقوف والتصدي لما يدار في الكواليس لسورية..فأضافت إلى العمل الصحفي الإلكتروني مثلب آخر في الخدمات الوطنية الإجتماعية والإنسانية عبر مشاركاتها في تأسيس نقطة الهلال الأحمر السوري في حيها والعمل الإسعافي للمصابين نتيجة التفجيرات والصواريخ والقذائف والحوادث وما شاكلها..فقد كان الشباب والشابات كل من خندقة وحسب إمكاناته وظروفه ليقوم بواجبه تجاه بلدته وحيه وقريته ومدينته وبلده الأم سورية..ولا ننسى بأنه سيكون وسط هذه الأجواء ممن يطمحون للكسب المادي أو للوجاهه أو لتبيض الوجه والبعض الأخر ينشد التميز والتحدي وإثبات الوجود ليكون له دور فاعل ولو بجزء يسير نحو مجتمعه ووطنه..
من هنا إنطلقت الإنسانة حنين أحمد نحو معترك الحياة الإجتماعية وإنخرطت بالعمل الميداني وفي أتون نتائج المعارك وبحيرات الدماء وركام الدمار..قررت بأن تكون رقماً صعباً وبألا تكون كغيرها من النساء ..فكان لها وقفات عند قلاع إجتماعية ومجتمعية مدنية غيرت وجه العمل الإنساني وأعطتعه رونقاً جديداً..فقد سلك العمل الإنساني التطوعي طريقه إلى قلوبهم فطابت له الإقامة فيه ..ووجد النشاط الإجتماعي سبيله إلى نفوسهم..فآثر أن يأوى إليها..لما خالط طباعهم وعاداتهم وتقاليدهم ونفوسهم المعطاءة والصافية وغلب عليهم الكرم والإيثار ..ولعل من حظها وجودها ضمن أسرة من أب مثقف ومتنور ومن أم معطاءة وصبورة وذكية..ومع أخوة وأخوات وأصدقاء ساعدوها وشدو أزرها وبذلك كانت حنين الوطن ضمن بيئة ومرتع خصب لإستقبال العائلات المنكوبة والضيوف والأصدقاء من المحافظات السورية وتقديم يد العون والمساعدة للمحتاجين..وأيضاً ساعدها هذا بمواصلة حياة الحُل والترحال لأن منزلها لا تخلوا عناصره من فنون الأدب والفن ومن الجمال الريفي الطبيعي الفتان والطيب ومن روح المغامرة والمثاقفة والإستكشاف والتحدي ..
ولكن عند المهندسة حنين جابر أحمد الخبر اليقين ..فقد قدمت نفسها ووقتها قرباناً للوطن..فكانت تسمي نفسها حنين الوطن ليكتمل عقد الجمال ويصبح إسم على مسمى..فكثيراً ماكانت تعود من مهمة إسعافية بعد حادث مروع أو تفجير وثيابها يغطيها الدماء والغبار والأوساخ والأشلاء وآثار الدمار..فكانت تعمل ليل نهار ولا تعرف طعماً للراحة ولا للنون وبقيت على هذا الحال بضع سنوات ..حتى قررت بأن تجند نفسها في خضم الواقع المجتمعي وفي أتون المشاكل والصعوبات التي يواجهها شباب وشابات الوطن..إضافة للخدمات والسلل الغذائية والمساعدات الإنسانية المادية والمعنوية والنفسية التي كانت توصلها للفقراء والمحتاجين والمنكوبين والمهجرين ولا سيما في أطراف المدن وفي القرى التي دمرت منازل أهلها..ولعل لكل إنسان خصوصيتة وشخصية خاص به فلقد كان للإنسانة حنين أحمد إحساس مرهف وحضور مميز وإقدام في الملمات والصعاب من الأمور وتتقبل الجديد والنقد والملاحظات فهي كثيرة التجارب والتجوال والسفر ودائمة البحث في أوساط الشباب وتواصل حضورها الإجتماعي الصادق من أجل تواصلها مع حالات إنسانية لتساعدهم وتتمسك بمبدأ الرسالة أي الإلتزام بقضايا الشباب ومشاكلهم..فهي تؤمن بأن الأعمال الإنسانية والإجتماعية رسالة مليئة بالعطاء والتضحية وفي هذا العمل أخلاق وإلتزام وسعادة..وهي بذلك تستحق عن جدارة لقب رسولة السلام والمحبة ..ورغم أن العمل بالميادين الإجتماعية يحتاج إلى الكّم ولكن الكيف يميزه أكثر لأن مهمة العمل الإنساني في أي زمان أو مكان هي عملية وصل بين المانح والجمهور وتقديم المساعدة للمحتاجين الحقيقيين ..ولكن كانت تأخذ ملاحظات والدها وأهلها هي بمثابة العين الساهرة والراعية لها ولأعمالها فالنقد الموجه لها بمثابة مفتاح للأبواب المغلقة فكرياً أمامها وأمام الناس ..يسهل لغة التخاطب ومعرفة المفردات الثقافية والإجتماعية والبيئية المجهولة..يشرح الأساليب والطرق والتقنيات لمعالجة معضلة أو مشكلةما..وهذا ماساعدها لإمتلاك تكنيكاً خاص بمخاطبة وقيادة ومحاورة الشباب بلغة عصرية.. وكل ماتشاهده وتعيشه من تجارب إجتماعية هو قوس قزح لوني طبقي إجتماعي حبا الله به المجتمع السوري بأنه لوحة فسيفسائية جميلة متعددة الأجناس والألوان والأطياف وهذا ليس بغريب على مجتمع بلاد الشام الذي عمره آلاف السنين قبل الميلاد وهكذا يبرز دور حنين كشابة تستخدم عناصرها من المجتمع بطريقة تتوخى منها الوصول بهذا المجتمع إلى حال أكثر إطمئناناً ورقياً..لأنها بممارستها العمل الإنساني وتقمصها الأدوار الإجتماعية تستطيع إكتساب حياة أفضل تهدف إلى تفاعل حيّ قائم بين المجتمع والأفراد ..وغايته تهدف إلى خيرهما وإرتقائهما معاً ..والأستاذة حنين تحيا في معرفة دائمة لما يمكن أن يكون بلدها..لأن المجتمع بعموميته ما كان له أن يعيش لحظات النشوة في حياة مناهضة لواقعه الآسن لو لم تجسد حاله الإنسانة حنين واقعاً جديداً أليفاً.. وما دامت الباحثة الإجتماعية حنين تتفاعل بحيوية مع الحياة بشكل عام فإن تفاعلها مع الحياة الإجتماعية محصلة أكيدة ..لأن الحياة في أوسع مقايسسها حقيقة إجتماعية واقعة..كما الفن والأدب ودورهما في المجتمع تأثر وتأثير..ولأن الفرد جزء من محيطه يتلقى عواقب أعماله وأحداثه السيئة والحسنة..وهكذا يغدو الإتصال الروحي بين الباحثة حنين وقضايا مجتمعها عميقاً ومفيداً لكليهما معاً فالباحثة كما الفنان والأديب لا يمكن لها إلا أن تكون عضواً في مجتمع ومنغمسة فيه وتتلقى نوعاً من الإعتراف الإجتماعي والمكافأة كما أنها تخاطب جمهوراً مهماً مهما كان إفتراضياً عبر منصات التواصل الإجتماعي على الشبكة وفي الواقع الميداني المعاش..وأنها بقدرتها على الإختيار والتركيز وبفاعليتها في الحضور والتمييز والتشخيص تستطيع تكثيف القيم والمثل والمباديء الأخلاقية والإجتماعية..وتعميق إحساس الناس بها إلى الكيفية التي يشعر الناس معها أنهم قادرين على أن يعيشوا في كون إجتماعي ومجتمع جديد متميز.من هنا كانت مهمتها دوماً هو إيقاظ المارد النائم عند الأشخاص والإحساس بالحق والخير والجمال عند كل شاب وفتاة في المجتمع مهما كان مستواه التعليمي أو الفني والثقافي.
والأستاذة حنين أحمد وهي تتبنى مواد عملها الإجتماعي التي يقدمها لها المحيط لتكون موادها في البناء ..ويحدث من هذه المواد تفاعلاً داخلياً يصدر عن العلاقة المتشابكة المرتكزة على الجدلية الأزلية بين الفرد ومجتمعه السائرة نحو الإنعتاق من الواقع الراكد والظروف الصعبة التي مرت بها بلدها سورية والإنطلاق الحر في آفاق الغد والمستقبل الأمثل والأفضل..مستخدمة مجموعة من العناصر بعضها ظاهري محسوس وبعضها الآخر روحي وفكري مجرد تلتقي عند الإرادة الحرة للباحثة فتشكل منها أشكالاً متنوعة تألفت نتيجة إختار وتهذيب وتركيب قامت بها عند الأستاذة حنين بحوافز فكرية إنفعالية داخلية وحاجات إبداعية حتى أخرجت الشكل على نحو خاص..ويحوي الشكل الناتج عناصر أساسية هي التي تتدخل في بناء الشخصية الإنسانية الإجتماعية المميزة للشعب وللثقافة اللذين صدر عنهما..لأن الفن والأدب يساعدان على فهم الحضارة ويقدمان مساعدة فذّة لفهم الثقافة ويلتقيات مع الحضارة لأن الإثنين ينزعان منزعاً واحداً هو الحق والجمال ولهذا تحتضن الحضارة الفن والأدب وتغدو لهما تربة صالحة ونافعة وحافظة حيث ينمو في منفهما ويغدو دالاً عليهما ومسألة العلاقة بين الإنسان والمجتمع مسألة حيوية يجب أن ينظر إليها في كل فن وأدب على أساس أنها الروح والجوهر دائماً ..
من هنا يظهر دور الباحثة حنين وقدرتها على تفتيت العناصر وإعادة تركيبها تركيباً عضوياً متحداً مع النوازع البشرية الداخلية والمتداخلة بطريقة خفية وقوية في عملية البناء الأدبي والفني التي تجتمع فيها القدرة الثقافية إلى القيمة الحياتية الإجتماعية الإنسانية بطريقة محضة ومنتجة ..لأن التفرد الإنساني في مجال الإحساس والفكر حقيقة لا ينكرها أحد..ويؤكد لنا هذا كله نشاط وأعمال الأستاذة حنين الصادرة عن تفاعل خلاق بين إراتها الإنسانية القادرة مع الواقع الإجتماعي الحادث ..وذلك لإحداث حياة جديدة أكثر إإبداعاً وأوسع إنتشاراً ..ويتدخل في رسم مثل هذه الحياة في أذهان الناس من كتاب وصحفيين وسياسيين وإقتصاديين وأدباء وفنانين وفلاسفة ومفكرين ..لهم مواقفهم الفاعلة من الحياة والمجتمع والوجود..
وحنين الوطن ما زال لديها الكثير لتقوله ولتقدمه لأنها فتاة تعج بالنشاط والحيوية والذكاء..ولعل العمل الميداني الإنساني والإجتماعي هو شكل مكمل لإشكال وأساليب النضال والزود عن حياض الوطن..وهي شكل من صراع الإرادات ..فهل إستطاعت حنين الوطن من موقعها في مجمل خدماتها ونشاطها إحداث تغيير في القناعات لدى الشباب والشابات ودفعهم لمحاكات تجربتها وتقمص أدوار مشابهه لها..والحق بأن القراءة المجردة لإتجاهات الرأي العام تظهر إستقطاباً متزايداً لدورها ودور أقرانها من الشبيبة في بناء جيل متصالح مع ظروفه وبيئته..لتعزيز صفوف المتنورين بزيادة أسهمهم الإجتماعية والإنسانية في مجتمعهم..من هنا أصبح لزاماً عليناً بأن نسلط الضوء على هذه التجربة الإنسانية والنشاط المجتمعي المنقطع النظير..فكل التحية والتقدير لجهودها المبذولة وترفع لها القبعة لما قدمته وتقدمة في رفع شأن المواطن المعنوية ..وستبقى أعمالها منارة عز وفخار للأجيال القادمة ومدرسة للعطاء في المستقبل في ظروف إستثنائية مرت على سورية الحبية..وهكذا بقيت المهندسة المتألقة حنين جابرأحمد ..بين الحنين للوطن وإغتراب شباب الوطن ..قد تميزت أعمالها في خدمة المجتمع وتدفق عطرها وتضوع أريجها في حب الوطن..
- * المصور : فريد ظفور..من وحي عيد الأم -21-3-2021م
ــــــــــــ ملحق مقالة المهندسة حنين جابر أحمد ـــــــــــ