المصور اللبناني المتألق #جمال_السعيدي Jamal Saidi ..
نصف قرن من العطاء والإبداع..ويزداد شباباً..
بقلم المصور :فريد ظفور
- يبدع وهو في ذروة حالة الإخصاب ..يغافل موهبته وخبرته..ولا ينتظر أن نجود عليه بأي شيء..ولا يستبق الإحساس كي لا يتلف براءة ما يعيشه في أحضان الطبيعة ويهتك عذريتها..فيقترب من الأشياء والمناظر المحيطة به أكثر فأكثر فيضمها وتضمه ولا تتخلى عنه..ينقب فيها عن الحق والخير والجمال في الليل والنهار والصيف والشتاء والماء والطير والحجر والشجر ..حيث تكمن أثمن الكوادر الضوئية وأحلى المعاني وأغلى القيم..فتعالوا معنا ورحبوا بضيفنا الكبير الفنان الأستاذ جمال السعيدي..كانت لبنان تتململ ثقافياً بشكل ملحوظ في ثمانينيات القرن الماضي ..كما يبدو وكأن الأمر عند الفنان جمال السعيدي ..يتعلق بجيل جديد يريد أن يعبر عن ذاته بواسطة الثقافة البصرية الضوئية..وبأن المواطن اللبناني فطر منذ القدم على عشق الصحافة..وبالتالي فإن ظهور المصورين الصحفيين بهذه الكثافة..كان مبعثة دائماً الإنفتاح نحو الغرب ولا سيما الفرنسي ..وأن الإلتجاء للعمل الصحفي هو إنتقال إلى مستوى القيمة الثنائية للعمل الفني والأدبي..إذ يلغي العلاقة بين الشيء المرئي وبين دلالته العادية ومعناه المتداول ..وهكذا كان المصور الفنان جمال السعيدي صوره تؤكد كلياً الأصالة والمصداقية..ويبقى لنا نحن عشاق فنه وأعماله العظيمة معان سرية كثيرة تبقى قائمة بإنتظار تفسيرها..مما يعطي لفنه وكوادره ولقطاته المنجزة قيمة تذوقية وذوقية لا حد لها..واللبنانين هم والمصريين سادة السلطة الرابعة (الصحافة) وسادة التصوير الصحفي..الذي هو واحد من الفنون الضوئية المتعددة..فالصورة كما الموسيقى لاتحتاج لترجمان وتقرأ بكل اللغات العالمية وهي أبلغ من ألف بل مليون كلمة..فالمصور كما الشاعر وكما الموسيقي الكبير وكما النحات المبدع..يعرفون كيف ومتى وأين يبدأون وكيف وأين ومتى يتوقفون..وضربة إزميل النخات العظيم كومضة فلاش المصور والشاعر والكاتب يمنحها عبقر الشعر سحراً فتغدو جمالاً ساحراً يحمل في ذاته رؤى جمالية التركيب والتكوين ورهافة المعنى والتشكيل فيكون صاحبها مصوراً أو شاعراً أو موسيقياً أو تشكيلياً عظيم..يبدو بأن الهم بالغ في تجاوزاته مع الأستاذ جمال السعيدي..حتى أنه لم يعد يفكر في مواجهته بقدر ما اصبح يفلسفه في أحاديثه الصحفية في الأوساط الإجتماعية التي يرتادها..فقد كانت لقطاته وصوره وكوادره في السابق لها وجه واحد..فيه الحزن والموت والدمار والدماء والحرائق والكوارث وما شاكلها..فيها المضحك والمبكي..فلسفي أحياناً ومدمر ومؤذي أحياناً أخرى..فهل يعتزل الفنان المصور الصحفي جمال السعيدي كما يعتزل اللاعبين والفنانين والمثقفين..وهل يجوز لهذا الفارس الضوئي الصنديد بأن يترجل عن حصان الصحافة عند أول معترك أو مواجهة أو مضايقة..ولكن الفارس الفوتوغرافي النبيل جمال أبى أن يستسلم ويسلم سلاح كاميراته وعدساته..بالرغم من أنه أصيب مرتين وأنقذ من براثن الموت المحتم..فنهض المصور المخضرم من تحت رماد الكارثة الإنسانية ومن عذابات الضمير بتوثيق وتسجيل الأحداث في الحرب الأهلية اللبنانية وفي حرب الخليج وفي الحرب في سورية..بيد أن حماسة وحيوية الشباب قد خبا حماسه فيها..وبين صحوة الضمير والإنسان الفنان الذي يعيش في داخل الجمال والسعادة..يقرر النسر بأن يطير وبأن يغرد البلبل خارج السرب والصحافة اليومية..وينطلق المبدع السعيدي حاملاً بندقيته الضوئية لا ليقتل الطيور والطبيعة بل ليوثق ويؤرشف ويسجل حركة الطيور وسكان الغابات ويقدم لنا أجمل المعزوفات البصري بعدساته راصداً المناظر الطبيعية الجميلة في لبنان وفي بلاد الغربة حيث يكون ترحاله وسفره مع رفيقة دربة زوجته..الفنان جمال السعيدي.. الذي عمل رئيس قسم التصوير في وكالة رويترز في لبنان وسوريا..يسمو بتعبير صوره ومضمونها إلى مستوى الجدل الهاديء المتزن والمعتدل والفلسفي..ولعل سبب نجاحه بمهماته الصحفية..هو إداركه العميق لظروف بلده وفي إلتزامه الشخصي بحبه للعمل الصحفي وبالأخص للتصوير..وفي سلامة تعبيره الفني والفلسفي الضوئي..مما أكسبه مع مجموعة من زملائه .. ريادة ونفوذاً فنياً وشعبياً عارماً في آواخر القرن الماضي من خلال عملهم المشترك في إصدار مجلة فن التصوير الورقية اللبنانية هو ومجموعة من الزملاء المصورين في الصحافة اللبنانية وعلى رأسهم صاحب الإمتياز والترخيص المصور زهير سعادة ورئيس التحرير الأستاذ صالح الرفاعي والأستاذ نبيه إسماعيل وغيرهم الكثير ..وكنت يومها أعمل مراسلاً ومندوباً للمجلة في سورية من أعوام 1982م – ولغاية 1987م ..عندما توقفت ..ومن الجدير ذكره بأنني لسوء حظي لم أتعرف على الأستاذ جمال السعيدي إلا بنظرة خاطفة يوم زرت مقر المجلة في بيروت ..ومضت السنون متسارعة وأعاود أواصر صداقتنا من جديد عبر المنصة الرقمية الفيس بوك والمسنجر..ومن خلال الأستاذ صالح الرفاعي.. ولكن لنتذكر بأن فن التصوير تركت ثلاث وستون عدداً كتبت بأنامل وعدسات مبدعة.. فيها عصارة فكرهم وجهدهم وتعبهم في الصحافة والإستديوهات والمخابر وغيرها..من عطاءات الزمن الجميل من تحميض وطبع وتكبير الأفلام والصور بالأبيض والأسود ومن ثم الملون..ولقد كانوا بحق فريقاً فوتوغرافياً وصحفياً قدم الدروس لعشاق الفن الضوئي في لبنان والدول العربية بل وكل الناطقين بالضاد ..فكانوا أساتذة ومعلمين ومهرة في تقديم المفيد والجديد من عالم الفوتوغرافيا..وكانت أبواب المجلة متنوعة وغنية بالكثير من الأسس والمباديء والأصول والدروس التي تفيد الهاوي والمتوسط والمحترف..من صغار وكبار..وقد قدموا تعابيراً فلسفية بصرية تكوينية وتشكيلية من جهة وإمكانيات الكتابة الصحفية والصورة المرافقة من الحدث..على إختلاف أنواعها وأشكالها..عبر طريق وتركيب ضوئي يمتد من طريقة بناء الفكرة والحكاية والقصة المصورة إلى اشكال تمظهرها وتكوينها وإخراجها وتبليغها للرسالة المنوطة بها..أما جانب المنطق في العملية التكوينية البصرية للمجلة ..فقد كان في حده العام والمعقول والطبيعي في بلد خرجت من أتون الحرب الأهلية الظالمة..مضاف لها جانب التفكير السوي عموماً لكافة العاملين بالمجلة..وميزة هذا الشكل هي أنه يسمح بحرية أكبر في تنوع الموضوعات والمسائل التي تتناولها وفي إطلاق حرية تعبيرها عن تلك القضايا المعيشية بالشكل والمضمون والطريقة والإسلوب والأدوات التي كانت أكثر ملائمة ونفعاً..وهذا هو الشكل الذي سمح للمجلة الورقية اللبنانية فن التصوير بالوصول إلى قطاعات أكثر إتساعاً من الجمهور العاشق للفوتوغرافيا..وهذا لعمري كان إرتقاء بالفكر الفلسفي الضوئي إلى مستوى عال من النفوذ النظري والعملي للفن الضوئي بشتى أصقاع المعمورة..وحين يعزف فناننا جمال السعيدي تشكيلاته وتكويناته البصرية ..يقدم لنا خلاصة وعصارة فنه وجهده وخبرته وفكره بأطر معرفية مختصة وبعبقرية فنية نادرة..كيف لا وهو من خاض الحروب في الخندق الأول بسلاح كاميراته وعدساته ومعداته..وهو الذي عمل مع وكالة رويتر التي أقامت له حفلاً تكريمياً لما قدمه من خدمات جلة عندهم وهو الذي قدم بصماته مع فريق مجلة فن التصوير وهو الذي أتحفنا بكونشرتو المناظر الطبيعية الخلابة وصور طيور وحيوانات الغابة التي أنتجتها عدسات كاميراته..من هنا ندلف أخيراً للقول بأننا أمام قامة ضوئية تستحق التقدير والتكريم وترفع لها القبعة لما أنجزته وتركته من أرشف بصري فني سيبقى منارة عز وفخار ومركز إشعاع وهداية للأجيال القادمة من الشبان والشابات في لبنان والوطن العربي والعالم أجمع.. وهكذا المصور اللبناني المتألق جمال السعيدي.. قدم بحق نصف قرن من العطاء والإبداع.. و لكنه يزداد شباباً..
- ** المصور :فريد ظفور – 3-3-2021م
ــــــــــــــــ ملحق مقالة الفنان جمال السعيدي ــــــــــــــــــــــ
شغل جمال السعيدي مهمة رئاسة قسم التصوير في وكالة رويترز في لبنان وسوريا، وهو الرئيس الفخري لنقابة المصورين الصحافيين في لبنان.
جمال السعيدي: «فصول لبنان» حلّت محل صور الحروب الدموية
3 – فبراير – 2018
جمال السعيدي: «فصول لبنان» حلّت محل صور الحروب الدموية
بيروت ـ «القدس العربي»: تغري الطبيعة في تبدلات فصولها عدسة الكاميرا. فكيف بعدسة محترفة؟ سريعاً ينمو تناغم عاطفي ثلاثي الأضلاع، بين الطبيعة، العدسة وحامل الكاميرا. يكبر الحب بتحوله من دون دراية لعلاج عين لازمتها الحروب والانفجارات على مدار عقود. جمال السعيدي مصور لبناني تزامنت بداياته المهنية مع الحرب الأهلية. ومن ثم الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، وكانت الذروة في اجتياح سنة 1982. اجتياح كاد أن يودي به، بعد نجاته من انفجار في منطقة الجامعة العربية سنة 1981 والآثار لا تزال على جسده.
جمال السعيدي مسؤول عن فريق المصورين الذين يتعاونون مع وكالة «رويترز» في لبنان وسوريا، الرئيس الفخري لنقابة المصورين اللبنانيين. النقابة التي شارك في تأسيسها ورئسها لأكثر من دورة. أنجز كتباً ثلاثة تختزن صلته بالصورة. قبل شهرين صدر جديده بعنوان «فصول لبنان». يجمع بين دفتيه 153 صورة من مناطق متفرقة من لبنان. صور تجمع تبدلات الطبيعة. تنقل الجمال الذي تختزنه المناطق من تلال، وجبال، ومغاور، وأنهار، وأبنية تراثية، وغابات وأزهار. جمع السعيدي صوره، عبر رحلات دورية في المناطق اللبنانية. لم تكن بهدف جمعها في كتاب، بل أشعرتها مع «كاميرا ترابي». دعمته الطبيعة في استعادة الأمان. فسنوات حروب الخليج، والحروب على العراق، والتفجيرات الدامية آلمت نفسه وأبعدته.
ربما ينظر المتلقي إلى الصور الآتية عبر وكالات الأنباء عن الحروب والانفجارات الدائمة التنقل في منطقتنا العربية من دون أن يلامس مشاعر من التقطها في اللحظة وما بعدها. ليست الصورة حدثاً عابراً. الأحداث الدامية تترك في نفس المصور ندوباً تتراكم. وفي لحظة ذروة تنفجر آلاماً نفسية أو عذاب ضمير. ماذا يقول جمال السعيدي في هذا الحوار بعد أن تخطى العقود الأربعة برفقة الصورة؟ هنا الحوار:
○ هل شكل كتاب «فصول لبنان» بما تضمنه من جمال صنعته الطبيعة استراحة محارب؟
• تغيير الصورة حتّم نفسه. احتجت نوعاً من الـ»فورمات» لتحفيز الصورة الإيجابية في ذاكرتي. صورة تضج بالفرح والألوان والطبيعة. هي مرحلة تلي الحروب التي تركت ولا تزال الكثير من الوجع في ذاكرتي. لم يأت الكتاب من هباء. بل تلا علاجاً نفسياً خضعت له أخذت خلاله قراراً بتصوير الطبيعة لتغيير الصورة السلبية الراسخة في مخيلتي.
○ امتشقتَ الكاميرا في الحرب الأهلية وفي التسعينيات بدأت حروب الخليج. مهمة عدستك الحروب ما هو أثرها؟
• فعلها في داخلي تركني أنسى الجمال. أخذت الحروب أولوياتي صوبها. لم أعد أهتم بما يدور حولي حتى عائلتي. حركة الرصد تتجه نحو الخبر، وملاحقة الصورة، وإثبات الحضور في لحظات الحدث لنقله إلى العالم.
○ وهل من جانب إنساني بحثت عنه في تلك الصورة؟
• في لحظة الحدث الدامي كنت أبحث عن انعكاسه على البشر، أي ما بعد الإنفجار والدم. أين هو الإنسان وماذا حلّ به؟ بعد الحدث المتفجر يجب إظهار هموم الناس ومشاكلهم الناتجة عنه. المصور الصحافي فرد من المجتمع، سلبيات الصورة وما تبعها من انعكاسات تؤثر في نفسه.
○ ماذا تفرض صورة الحروب على المصور الصحافي؟
• أن يتواجد في بداية حصول الحدث العسكري أو التفجير الذي يستهدف المدنيين. أي الحضور على جبهات القتال وفي الخطوط الأمامية. مهمة صعبة بالطبع. يختبئ المقاتل خلف متراس أو في خندق، أو يبدل الجبهة. أما المصور حينها كان من دون حماية. لم نكن نملك خوذة ولا درعاً يحمينا من الرصاص. وجدنا الحماية في مداخل المباني وحتى تحت السيارات. معاناة المصور تبدأ من عدم شعوره بالأمان وخوفه على حياته الذي يتراكم ويصل حدود الانفجار. وفي الوقت عينه يكون المصور أمام تحد مهني بالتقاط الصورة الأكثر تعبيراً ونجاحاً.
○ متى فرض العلاج من آثار الحروب نفسه؟
• بعد حروب الخليج والعراق فرض الضغط النفسي المتراكم ذاته، وبدأت قدرة الاحتمال عندي تتراجع، واضمحلت في لحظة ذروة قاسية للغاية.
○ هل من عمر مهني لمصور متخصص فقط بالحروب؟
• يختلف هذا العمر بإختلاف قدرة الاحتمال لدى كل إنسان. زملاء انسحبوا من المهنة مع بداية الحرب الأهلية اللبنانية وهاجروا. زملاء من الدول العربية أعرفهم من البدايات، بعضهم تابع، وآخرون انكفأوا. حتمي أن لا يتسع الصدر لمزيد من الألم، وبالتالي يكون الإنكفاء بتولي مسؤوليات أخرى. صراحة يستسلم أحدنا بمواجهة مشاهد الحروب وعنفها، لكن عدسته تبقى في بحث عن صورة أخرى. الاستسلام الكلي ممنوع.
○ هل هناك دراسات عن انعكاسات الحروب على من يصورها؟
• تمّ تحديد تلك الانعكاسات بالانكسارات النفسية. نوبات الهلع حيث تتكرر لديه ليلاً صور النهار من خلال أحلام وكوابيس. وقد تظهر كوابيس خلال الوعي نهاراً، كأن يسمع الانفجارات، ومن ثم تتوالى الصور أمامه كشريط مرعب.
○ وهل يصاب مصور الحروب بالكآبة؟ وهل من حالات انتحار؟
• الأثر السلبي لا يغيب، وقد يصل للانتحار. المصور كيفن كارتر انتحر سنة 1994 عن 33 سنة، وهو من جنوب افريقيا. حاز جائزة «بوليتزر» الأمريكية عن صورة أظهرت المجاعة في السودان سنة 1993. صورته لطفل يحتضر جوعاً فيما ينتظر نسر نفسه الأخير لينقض عليه. صورة مؤثرة، لم يجد كيفن كارتر في الجائزة ما يعوض انكساراته وصراعه الداخلي، ووخزات ضميره من أنه لم يتمكن من تقديم أي مساعدة للطفل. برزت مشاعره المؤلمة باكراً ومع حصوله على الجائزة. وهو كان قد راكم كماً من الصور الإنسانية المؤلمة، لكن صورة الطفل أيقظت كل ما سبق وفجرت أزمته. وبعد مرارة عيش لأشهر وجد راحته من صراعه مع ضميره بالموت. فأقدم عليه.
○ في لحظات التصوير وخلال وجود الناس في أماكن الأزمات هل يكتفي المصور بمهنته أم يشغله نداء إنساني؟
• يراوده النداء الإنساني في ومضات. إنما ليس له قرار المجازفة لإنقاذ آخر. بالتأكيد هناك مصورون قادرون على المهنة، وإسعاف الآخرين أحياناً. وهذا يعود للقدرات النفسية والعصبية لكل مصور بمفرده.
○ نعرف أن إصابتك كانت بالغة سنة 1981 لدى انفجار سيارة مفخخة في منطقة الجامعة العربية. وأصبت خلال الاجتياح. ألم تفكر بالإنكفاء؟
• أبداً. كنت لا أزال في بداية شبابي، وقدرة احتمالي كبيرة، وتفهمي أكبر لدوري كمصور ولضرورة الإستمرار من أجل نقل الصورة الحقيقية. حينها كنت أرى التراجع عيباً، والهرب من لبنان عيباً أكبر رغم الفرص. ورفضت كذلك عروضاً أن أتولى تصوير زعماء سياسيين.
○ هل أقدمت على تصوير الطبيعة اللبنانية كجزء من علاج نفسي؟
• رحت إليها حباً وبعفوية، ولم أكن أدرك إيجابياتها. اكتشفت لاحقاً كم أرتاح لتلك الأماكن. زوجتي والكاميرا رفيقتان في كل نهاية اسبوع، قررت تصوير الأماكن التي عشقتها. وبعودتي إلى البيت كنت أكتشف جمال الصور التي أنجزتها. جمالها أزاح الصور المؤلمة السابقة. إنجاز فني تركني انسحب من رواسب الحروب وصورها ومراميها الوسخة. ومع مرور الوقت وجدت في صوري رسالة مهمة للبيئيين ومحبي الطبيعة، ليحافظوا على ما تبقى منها.
○ هل الكتاب يشكل وثيقة أنيقة عن طبيعة بدأنا نفتقدها بالتدريج؟
• صحيح، ولهذا قلت إنتبهوا. كتبت بفصيح العبارة أن هذه الطبيعة التي ساعدتني على الشفاء من إصابات الحروب النفسية وخلصتني من انكساراتي «حافظوا عليها». هي طبيعة نظيفة تمدنا بالفرح، لكن المخاطر تداهمها.
○ لطيف بدء الصور مع الربيع لكنه انتهى بصورتين لبحيرة القرعون ونهر الليطاني الملوثان؟
• الفساد علتنا، وامتدت مخالبه حتى إلى الطبيعة. آخر فصول الجشع المالي أنه وصل إلى الطبيعة التي بدأت الصراخ طالبة النجدة. كذلك صرخت البيوت التراثية طالبة الحفاظ عليها من جشع التجار، وعدم شطب الذاكرة كلياً.
○ أي المشاهد تناديك لتصويرها في الطبيعة؟
• تلك الزاخرة بالألوان. بعد تصوير مكان أخاذ لا أتركه سريعاً بل الازمه مستمتعاً. صور الربيع تناديني بتجددها، والثلج بنقائه.
○ ما هو دورك مع فريق المصورين الكبير في سوريا الآن؟
• إدارة عمل، وتوجيه الارشادات للحماية من المخاطر. خسرنا مصوراً في مقتبل العمر، وذروة الاندفاع في بداية الحرب السورية هو ملهم بركات 21 سنة. لم يكن يلتزم تعليمات الوقاية، ولا ارتداء وسائل الحماية التي كانت في حوزته. اندفاعه أخذه إلى مكان لم نكن نرغبه فيه.
○ «فصول لبنان» شكل بالنسبة لك «فوتوتيرابي» ناجحا هل سيساعد آخرين في رأيك؟
• أدعو الجميع للراحة في الطبيعة. من يتصفح الكتاب سيجد حشرية للبحث عن أماكن الصور.
○ هل ندمت يوماً على مهنتك؟
• ابداً. عندي حوافز استمرار حتى وإن تراجعت عن خطوط التماس الأولى. أصور منذ أكثر من 40 سنة، وأبحث عن الصورة المعبرة وعن الحدث من دون أن أكون على الخط الأمامي.