د.غسان القيم
٢٦ يناير ٢٠١٨ م ·
طقوس العبادة الدينية في أوغاريت..على ضوء ما قدمته لنا المكتشفات الأثرية..
……………………………………………………………………………………
غسّان القيّم..
………………..
ان دراسة الدين الأوغاريتي لايمكن ان يتم بدون ذكر الآلهة والناحية الدينية من أكثر النواحي وضوحا عندنا في أوغاريت بسبب كثرة النصوص المكتشفة في هذا المجال ولابد لنا من الاعتراف بأن التنقيب الأثري لم يسفر حتى الآن الا عن القليل من
المباني التي يمكننا بكل ثقة أن نؤكد انها كانت ذات طابع مقدس .. أمام هذا النقص في المعطيات الأثرية فيما يتعلق بالفضاءات المقدسة في المنطقة الملكية علينا ان نتجه نحو الوثائق المكتوبة لكي نغطي المعرفة عن الحياة الدينية والشعائرية داخل منطقة القصر الملكي
وكان هناك الكثير من المعابد وأماكن اخرى مقدسة مذكورة في النصوص الأوغاريتية المكتشفة ومع ذلك فإن المعبدين القابعين فوق الأكروبول معبد بعل ومعبد دجن هما بالتأكيد مركزا العبادة الوحيدان للأضاحي وكما يبدو كانت تتواجد بعض من هذه المراكز للعبادة في منطقة القصر .
لقد اعتقد الأوغاريتيون ان مصير الإنسان بين يدي الآلهة وانعكس اعتقادهم هذا في اسمائهم الشخصية في المقام الاول فالآلهة فيما تمثل جد حامل الاسم :
اب / ab. ad /أم / um/ اقرباء : اخ / Aht / وأخت / / وفي هذه الحال لم يبق أمام البشر سوى ان يلتمسوا رضى الآلهة ويحاولوا نيل بركتها عن طريق تقديم القرابين .
كانت الديانة الأوغاريتية تعتمد بشكل خاص على القرابين حيث استخدم مصطلح واحد للدلالة على فعل تقديم القربان وهو الفعل » DBH« ذبح قدم ذبيحة أما المكان الذي تقدم فيه الذبيحة فهو » MDBH « مذبح ويرجع المعنى الأصلي لهذه الكلمة الى الطريقة التي نفذ بها هذا الإجراء المقدس .
واسطع مثال على ذلك ماجاء في ملحمة كرت في وصف كيفية تنفيذ ذلك الأمر :
اغتسل وتدهن بالدم
اغسل راحتيك ورسغيك
اغسل يديك من الأصابع وحتى الكتف
خذ ضأنا بيدك
ضأنا بيديك
ضأنا قدمه قربانا
وجديا بيديك الأثنتين
خذ الخبز الذي في العنبر كله
خذ الطير
طير القربان
اسكب الخمر في الكأس الذهبية
اصعد البرج
اصعد الى أعلى الجدار
وابسط يديك نحو السماء
قدم قربانا لأبيك الثور ايل
واكسب رضى بعل بقربانك
ورضى ابن دجن بصيدك .
يتضح مما ذكر ان الاجراءات الأولية الواردة في ملحمة كرت تتألف من العناصر التالية : النظافة الطقسية الاغتسال التطهر رش الدم تحضير موضوع القربان الصلاة ثم تقديم القربان .
وبخصوصية تقديم القرابين هناك نوعان رئيسيان للأضحيات كانا : المحرقة حيث يحرق الحيوان كليا في النار بعد ذبحه ويصعد الدخان باتجاه الآلهة , والنوع الثاني هو أضحية السعادة حيث يؤكل الحيوان في وليمة ضيافة تكريما لإله واحد أو لعدد من الالهة .
لابد بأنه كان يوجد منشآت ذات طابع مقدس مجهزة من أجل ذبح الحيوانات المقدمة ولها مذبح كبير بما فيه الكفاية لحرق أجسام الماشية الصغيرة والكبيرة بالإضافة الى مطبخ وقاعة للاحتفالات وقاعة للطعام .وفي نص مكتشف ذي صفة ادارية يذكر كميات كبيرة من الخمر مرسلة من مختلف مدن وقرى مملكة أوغاريت من أجل اضاحي الملك ونفكر في الحال في الجزء الشمالي من منطقة القصر الملكي حيث اكتشف منشأة من هذا النوع .البناء ذو الأعمدة الذي كان يسمى سابقا الإسطبلات .مع انه لايوجد اي اثر مؤكد لمذبح كان هناك على مايبدو ومنشأة مشابهة ربما أقل حجما لأنها مخصصة للعائلة المالكة بالقرب من قبور القصر .
ان المعطيات الاثرية حول مظهر العبادة الملكية الذي نسميه اليوم روحانيات نادرة في الواقع , هناك نص واحد فقط يقيم علاقة واضحة بين الدعاء الملكي والقصر فبحسب النص المذكور فإن الملك بعد ان يترأس في البداية الاحتفال بالسنة الجديدة يعود الى مقره ويرفع يديه عاليا نحو السماوات وبحسب نص اخر على المرتل ان يرتل نشيدا بعد سلسلة من الأضاحي في أماكن مقدسة عديدة يبدو انها تقع في القصر والدعاء بحد ذاته يطلب حماية الإله بعل لأبواب وأسوار أوغاريت .
وتجدر الإشارة اخيرا الى المكانة التي كان يحظى بها طقس القرابين في الديانة الكنعانية كما تبدى لنا في أوغاريت للحصول على الحماية الإلهية كونها تتدخل فيه الآلهة في كل صغيرة وكبيرة من حياة البشر ومن هذا المنطق نستطيع ان نشير الى دور الكهنة وتنظيمهم النشاط العملي للناس واهتموا بأن يتوافق ذلك النشاط مع متطلبات ممارسة طقوس العبادة..
…عاشق أوغاريت ..غسّان القيّم.