الدراما الخليجية تحت مقصلة المحاكمات الاجتماعية
واجه مسلسل “رشاش” السعودي رفضاً شعبياً ونقاد يطالبون بمنح المبدعين الحرية وتثقيف المجتمع
نجود سجدي الأحد 10 يناير 2021م
أشعل المسلسل السعودي “رشاش” الجدل عبر منصات التواصل الاجتماعي (منصة شاهد للأفلام)
يحاول صناع الدراما الخليجية محاكاة متغيرات المجتمع بنصوص درامية جريئة وبعيدة عن التقليدية، لكن غالباً ما إن يعلن العمل حتى تبدأ سلسلة من “المحاكمات البعيدة” عن النقد الدرامي العادل، الذي يحدد مدى نجاح أو فشل المسلسل وفق معايير فنية، وليس وفق أهواء مجتمعية.
وأثار المسلسل السعودي “رشاش”، الذي لم يعرض بعد، جدلاً بين المجتمع والنقاد، بعد أن واجه حملات كبرى “تطالب بإيقافه”، بحجة أنه يعيد ماضياً انتهى “ولا جدوى من الخوض فيه”.
وبعيداً عن قصة رشاش العتيبي وأسباب الاعتراض عليها، والتي تنطلق من خصوصية تراها عائلته، يعد النقد الذي يواجه الأعمال الدرامية في الخليج، قبل عرضها، بحسب النقاد “خاضعاً لمحاكمة دينية أو اجتماعية أو سياسية”، وهو الأمر الذي يسهم في تأخر الدراما الخليجية عن العالم المتقدم في صناعة السينما.
كما أن هناك سبباً آخر يراه النقاد، وهو “التحكيم المجتمعي في وسائل التواصل الاجتماعي”، والحملات التي يتعرض لها بانتقاده، التي غالباً ما تظن أن المسلسل فيلم وثائقي، يكشف عن حقيقة علمية بصورة حيادية من دون استيعاب، لتعريف المسلسل الدرامي الذي يعرف بأنه “حبكة درامية”، يحاول الكاتب جذب المشاهد من خلالها.https://platform.twitter.com/embed/index.html?dnt=false&embedId=twitter-widget-0&frame=false&hideCard=false&hideThread=false&id=1346501829388083201&lang=ar&origin=https%3A%2F%2Fwww.independentarabia.com%2Fnode%2F183356&theme=light&widgetsVersion=ed20a2b%3A1601588405575&width=550px
هل يثير مسلسل “رشاش” العصبية القبلية؟
تقول الروايات التي لم تذكر في مصادر رسمية، لكنها متداولة على نطاق واسع عن قصة رشاش العتيبي الحقيقية، والذي ينتمي إلى أسرة سعودية كبيرة، إنه من أشهر مجرمي قطاع الطرق في السعودية بعد فترة قضاها جندياً في القطاع العسكري، ليقوم بعد ذلك بتكوين عصابة من أقاربه وذويه، وهم ستة أشخاص كان هو قائدهم، تتراوح أعمارهم بين عشرين وثلاثة وعشرين عاماً. وتتلخص أعمالهم الإجرامية في عمليات السطو المسلح وإطلاق النار على دوريات الأمن وقتل الأبرياء والاعتداء على المسافرين.
وفي عام 1989، أنهت الحكومة قصة رشاش بإعدام أفراد العصابة، وصلب قائدهم أسبوعاً في الرياض، لكن القناة العارضة، التي واجهت كثيراً من النقد، قالت إن أحداث المسلسل مستوحاة من “أرشيف الجهات الأمنية وبطولاتها في القبض على شخصية شابها الغموض طويلاً، وآن لأحداثها أن تروى”، بحسب “MBC”.
وعلى الرغم من أن هناك أصواتاً طالبت بإيقاف مسلسل “رشاش”، كونه مثيراً “للعصبية القبلية، وأنه فرد يجب ألا يصور بطلاً للنشء”، فإن آخرين يرون أنه يندرج ضمن “الأحداث التاريخية” التي يجب ألا تندثر، كما أنه ينقل بطولات رجال الأمن السعودي.
عائلة “رشاش” لهذه الأسباب نرفض عرض المسلسل
وفي هذا الشأن تقول أسرة رشاش العتيبي”، إن “إعادة إحياء قصة رشاش لم تُجدِ نفعاً للمشاهد بأي شيء، لكنها ستعيد ذكريات مؤلمة لنا، وهي صفحة انطوت”.
ويبدو أن تناول القصة من دون التواصل مع أسرة رشاش، والسماح للقناة بتناول قصته في عملها الدرامي، أثارا حنق كثير من ذويه، بحسب ما ذكر المتحدث باسم الأسرة، الذي فضل عدم ذكر اسمه. يقول “رشاش نال جزاءه وعقابه، وقتل وصلب من الدولة، وهذا كافٍ لإغلاق القضية من دون تجسيدها في عمل لم نأذن لهم به”.
وأضاف “توصلنا إلى جهات عليا في الدولة لإيقاف العمل، وفي حال غير الاسم من قبل القناة لن نوافق على عرضه. المسلسل اكتسب الشهرة من اسم رشاش”.
ولم تكن أسرة رشاش وحدها الممتعضة من تناول القصة، فهناك حساب يحمل اسم القبيلة على “تويتر” أصدر بياناً تداوله المغردون، جاء فيه “نشاهد في الآونة الأخيرة أن هناك تطاولاً من جانب بعض القنوات على قبيلة عتيبة، لبث بعض المسلسلات التي استخدمت لإثارة الفتنة وشق الصف وضرب وحدة الوطن الذي يسعى إليه أعداء الوطن والدولة، ونحن نعبر عن استنكارنا لما تبثه هذه القنوات كمسلسل (رشاش)”.
العمل المثير للجدل من بطولة الفنان السعودي يعقوب الفرحان، الذي لم يكن بمنأى عن اتهامات القبيلة أيضاً، إذ قالت إن الفنان “يتعمد إهانة قبيلة عتيبة”، إذ سبق وجسد قصة شخصية “جهيمان العتيبي”، الذي احتل الحرم في أواخر الثمانينيات، وهو بذلك يعاود الكرّة في شخصية رشاش.
وحاولت “اندبندنت عربية” التواصل مع يعقوب الفرحان، لكن لم تحصل على إجابة منه حتى الآن.
المسلسل بطولة مجموعة من الممثلين السعوديين، وتأليف كاتب السيناريو التلفزيوني البريطاني الشهير توني جوردان، وكتابة الشيخة سهى آل خليفة وريتشارد بيلامي، ومن إخراج البريطاني كولن تيج، ومدير التصوير الشهير لوك برايان، وإنتاج “أم بي سي”.
اقرأ المزيد
- المسلسلات العربية القصيرة تنهي أسطورة الـ30 حلقة
- لماذا لا يمل الجمهور من مشاهدة مسلسلات النوستالجيا المصرية؟
- كلوديا مرشليان: مستقبل الدراما هو للمنصات الإلكترونية
- الدراما المصرية تغرق في الاقتباس أكثر من محاكاة الواقع
محاكمة الدراما
عن الرقابة المجتمعية الصارمة على الإنتاج الفني، يقول الكاتب والسيناريست السعودي حامد الحربي، إن “محاكمة الدراما تختلف من مجتمع إلى آخر”، موضحاً “في الخليج المجتمع متنوع، بين منفتح يحكم على نجاح المحتوى وإخفاقه من رؤية فنية ودرامية بحتة، بغض النظر عن أي اتجاهات دينية. وآخر محافظ جداً لا يرضى بالزلل، وينظر إلى المحتوى الدرامي على أنه يقدم قيماً، ويجب عدم تمثيل بعض المشاهد الدرامية على واقعها من دون أي تلميح أو تصريح. وإذا صرحت ستكون هناك ثورة على المحتوى من قبل الشعوب، وربما الإعلام، بغض النظر عما يقدمه هذا المحتوى من رسالة”.
ويرى الحربي، الذي شارك في كتابة نصوص لمسلسلات وأفلام سعودية كثيرة، أن المحاكمة الدرامية في هذا الواقع “لن تنجح إلا في حالة تثقيف المجتمع بواسطة الإعلام والندوات”، مطالباً بمنح “حرية أكبر لصناع الدراما، لأنهم علاوة على ضغوط المجتمع يجدون ضغوطاً أخرى من الهيئات الرسمية، وذلك حتى تصل الدراما الخليجية إلى مصاف ونجاح نظيراتها العربية والعالمية”.
وحول الدراما التاريخية، قال “يجب على كاتب المحتوى التاريخي النزول إلى أرض الحدث وجلب المعلومات الموثوقة والسماع إلى المصادر الواقعية التي شهدت الحكاية، وتكون مصادره صادقة، ويكتب وهو واثق من نفسه حتى لا يجد نقداً لاذعاً من جميع فئات المجتمع والإعلام”.
وأضاف “الدراما الناجحة مسؤولة أمام الشعوب في نقل الوقائع التاريخية نقلاً صادقاً، ومن مصادرها حتى يثق الجميع في متابعة المحتويات، وتمثل الكثير في نظر المجتمع والنقاد”، مؤكداً أنه “لن ينجح أي عمل درامي واقعي إلا إذا كانت نسب الوقائع صادقة. الدراما يجب ألا تخوض هذه التجربة إلا بصدق، وإلا سيفشل المحتوى”.
الدراما ليست نقلاً للوقائع
ويرى المخرج والمنتج السعودي ماجد الربيعان، أن هناك خلطاً واضحاً تجاه الأعمال التلفزيونية والفن عموماً لدى المتابع السعودي، قائلاً “مفهوم الوثيقة التاريخية لا ينطبق بالمطلق على العمل الفني، ولو كانت الدراما مجرد نقل للوقائع والوثيقة التاريخية لخرج من كونه عملاً فنياً يتحكم به الإبداع والخيال إلى شيء آخر لا يمت إلى الفن بصلة، ومثل هذا نجده في كتاب أو تحقيق صحافي أو فيلم وثائقي”.
وبحسب الربيعان فإن الفن “عالم آخر. إبداع واتفاق مضمر بين المبدع والمشاهد على فرضية فنية أو جزء من حقيقة ما. حينها، يسلم المشاهد بهذه الفرضية، وينطلق في عالم من الخيال الذي يحكمه الفن. ومن هنا يأتي دور الناقد الحقيقي بتوجيه الرأي العام نحو مفاهيم الفن والبحث عن الجماليات في كل عمل فني وليس البحث عن السلبيات فقط”.
وواصل “حقيقة، نفتقد الناقد الحقيقي في الوقت الحاضر، فلا نجد بحثاً جمالياً في أي مشروع قدم، وإنما نجد بحثاً حثيثاً (لتصيّد) الأخطاء ليس إلا، وكأن العمل الفني ليس من صنع البشر”.
“هذا العمل لا يمثلنا”، إنها العبارة الأكثر تداولاً في المجتمعات الخليجية عقب إعلان مسلسل جديد أو فيلم، وهي التي يرد عليها الربيعان بقوله “من قال إن العمل الفني يمثل أحدهم؟ إنه فن متخيل، وليس أنا أو أنت أو هم، وإلا لما استطاع كاتب أو مخرج أن يبدع فناً، لأنه يعود إليه بالذات”.
المحاكمة تقتل الإبداع
ويشير الربيعان إلى أن ثمة خللاً في المفاهيم لدى المجتمع، قائلاً، “إن الفن أكبر من الحياة وأجمل”، فهو ينطلق من فلسفة الإنسان ونظرته الخاصة إلى الكون والمجتمع، ولا يصحّ أن يحاكم المجتمع الدراما، بل عليه أن يحتفي بها ويبحث عن الجمال في العمل الفني وينظر باهتمام إلى ما يطرح من قضايا الإنسان ومخاوفه وآماله وأحلامه وطموحه، لا أن يحاكمها وينصب لها المشانق فكيف نقتل الزهرة، والفن بستان من الأزهار، بينما الصحيح أن الدراما تحاكم المجتمع من خلال ما تطرحه من قضايا وليس العكس.
ويرفض المخرج السعودي محاكمة الدراما، معتبراً أنها تقتل الإبداع، أما “مقص الرقيب”، فيجب أن يكون من خلال جهات متخصصة في هذا الأمر، أما أن يحمل كل مشاهد هذا المقص، فهذا الجنون واللامعقول بعينه.
غياب النقاد
ويتساءل المخرج السعودي “هل مشاهد القتل تمثل المبدع، أو الخيانة تمثل الكاتب؟ بالمطلق لا، هو خيال نتفق أو نختلف مع التناول، لكنه يظل رؤية لخيال ما وفرضية فنية كما قلنا سابقاً باتفاق مضمر بين المبدع والمتلقي. ويبقى مفهوم الأثر النفسي ومبدأ التطهير الذي أشار إليه الفيلسوف اليوناني أرسطو من ثلاث آلاف سنة هو الرهان”.
وأضاف “المبدع يعاني كثيراً في التعاطي مع مشكلات المجتمع، بسبب سطوة وسائل التواصل الاجتماعي التي جعلت من كل شخص صحافياً وناقداً وحكماً على الأعمال الدرامية. وأصبح المزاج الشخصي هو المتحكم في العمل الفني لا الدراسة والتحليل والبحث عن أسرار الجمال التي يغفل عنها المشاهد العادي، ولا يفك أسرارها إلا الناقد الحقيقي المتسلح بالعلم والمعرفة والمتشبع من الدراسات الفلسفية لعلم الجمال”.
وينصح الربيعان الكتاب بأن “يسيروا إلى الأمام، ولا يبالوا بالنقد الشخصي والمزاجي الذي لا يقوم على علم ولا معرفة”، مؤكداً أنه “لتأسيس نقد فني جاد يجب أن يكون هناك نتاج كثيف وعميق ومتأصل في المجتمعات”.
الواقع والخيال ميزان النجاح
“الواقع والخيال كلاهما أداة لبناء عمل درامي ناجح، ولا يمكن لمبدع الاستغناء عنهما”، هكذا يجزم المخرج السينمائي بلال الملاح، مضيفاً “كثير من الأعمال الدرامية لها حيز كبير من الخيال والإبداع. فمثلاً، في الحقيقة جريمة القتل بالسكين، ومن وجهة نظر المخرج يكون القتل بالمسدس، ليعطي صورة أفضل للمشاهد”.
ويتابع “عبر الخيال والإبداع يقع على عاتق الدراما مسؤولية نقل الواقع. هي أكثر وسيلة لنقل المعلومة والرسالة المطلوبة، وإذا كانت الرسالة لها عامل الواقع، فيجب توصيلها بشكل صحيح. الدراما بشكل عام تحتوي على جزء كبير من الخيال من الكاتب أو المخرج والإبداع في صورة”.
وفي شأن الأعمال الدرامية التي توثق حدثاً تاريخياً، قسم الملاح المتابع إلى ثلاث شرائح، موضحاً أنه “يوجد من تعلم القصة وشاهدها، ولا تؤثر فيه الدراما كثيراً، وهناك من قرأ القصة ولم يشاهدها، وتأثيرها يكون في الفراغ، أو العكس بالصورة، وتحليله لها. أما الأجيال الجديدة، وهي الشريحة الثالثة التي لم تعرف القصة، ولم تشاهدها، فهنا تقع المسؤولية على الكاتب والمخرج من خلال الصورة الذهنية عن الشخصية المذكورة”.