Assaqeefa Alleebiya مع Taha Krewi
عبد السلام الفقهي:
طه كريوي.. الصورة ونفائس الهوامش المنسية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحياة.. رحلة من الأحداث والصور والذكريات التي نظل ننظر إلى غالبها كركام من الهوامش والظلال الضائعة المركونة خارج دائرة الفعل، يبقيها تصورنا النمطي ضمن مدونة الثبات أو النسيان، وتنقلها عين الفنان إلى مجالات حية من التكوينات المدهشة تفيض محاكاة لشرائط الخيال الذائبة في نهر الزمن.
لذا تنجز العدسة تراكيبها الضوئية لدى الفنان طه كريو Taha Krewi مبحرة في ثنائية اللون والمكان، إذ تعكس القدرة على إظهار نفائس البيئة أو الحياة بأوضاعها الصامتة والمتحركة، هضم اللاقط لكل أبنية الدلالة الفنية وتوظيفها لصالح العدسة، وهو مسار يخلص في محصلته الأولى إلى استنطاق المادة على نحوها اللوني في صيغتها البكر والعكس، لتصبح فرادة الأبيض والأسود مثلا وجهة لنثر ملامح المزج بين المادة والفراغ، والتمعن في جماليات أبعاد الزوايا الكامنة في تلك المقاربات.
فالانتباه إلى ما يشكله الفراغ من أبعاد فنية في الصورة يجعل من تكويناته ملهما إلى حد بعيد في تحريك مخيلة الفنان للحصول على الصورة المطلوبة.
ولا تبتعد تلك التكوينات عن خصوصيات ثقافة المكان، والاقتراب أكثر من بصمة الذاكرة الملتصقة بأعمدة المسارح، وملامح الفلكلور لأردية النساء والرجال في الريف والحضر، كما تنبع تلك الرائحة الزمنية من فرشاة المناخ العابثة بالحوائط القديمة، وبذا فالتقنية ليست وحدها سيدة الموقف ما لم تقدها همسات الأنسنة السائحة في أصابع الروح الراصدة.
وإذا كان النموذج الضوئي الذي يقدمه كريو في أعماله يوقع إمضاءاته بحبر التكنولوجيا، تظل عين الفنان هي الموجه الرئيس للعدسة، التي تحاول الاستفادة من فنون الصورة كمسحة فن الماكرو، مشكلة في إطلالتها مع البورتريه رافدا لدعم خياراته الفوتوغرافية، وهي فسحة ضوئية تنفتح على نسيج بانورامي ينتقل بين الدمج والفصل، وصولا إلى اللوحة الهدف.
كما أن التجوال والسفر يمنح المصور فرصة أكبر لالتقاط مشاهد مختلفة لأوجه الحياة على كوكبنا، ومجالا أشمل للتعرف على طبيعة المكونات الفنية فيها، وإمكانية الاشتغال عليها فوتوغرافيا.
الذاكرة المنقولة إلينا عبر العدسة تأخذ صيغتها النهائية بالكشف المستمر حتى وإن كانت مدرجة في خانة الأعمال المنجزة، فهي في النهاية مشروع يبدو ماثلا للتعديل في كل لحظة.
والفهم العميق لفيزياء الضوء، إضافة لإدراك طبيعة ومجال الحركة للظلال، والتطور السريع في مجال صناعة الكاميرات، مكنت محترفي التصوير من الحصول على نماذج لا نهاية لها من المكونات البصرية، وهو شغف تغذيه الحاجة لإعادة التفكير مليا في رؤيتنا للواقع يوما بيوم ولحظة بلحظة.
إن التفاوت الكبير بين فنان وآخر في فهم أبعاد ودلالات الصورة ينعكس في أعمال كل منهما، إنه اختبار التجربة والحدس الفني، وطرق تناول الموضوعات والأفكار.
ولا تنتهي قدرته على تصور الواقع وصياغته فنيا عند توظيف نقاط الالتقاء بين الملكة الإبداعية والشرط التكنولوجي، ولكن ترتبط أيضا بصياغة متواصلة لطبيعة التجربة التي خاضها ومسألة الاختيارات بين اتجاه وآخر داخل فضاء الفوتوغراف.
عبد السلام الفقهي Abdusslam Alfughi
بوابة الوسط: | الأربعاء 06 يناير 2021
http://alwasat.ly/news/art-culture/306666