(محمّد قجّة)
Mohammad Kujjah

‏٢٨ نوفمبر‏، الساعة ‏2020 م‏ ·
( المتنبي… وظاهرة الحسد )
1 – كلمة ” الحسد ” في المعجم تعني ان يتمنى الحاسد زوال النعمة عن المحسود وانتقالها الى الحاسد .
بينما كلمة “الغبط ” تعني ان يتمنى الغابط مثيل النعمة التي عند المغبوط من غير ان تزول عنه .
وبالتالي فإن الحسد ظاهرة سيئة سلبية . بينما الغبط ظاهرة مقبولة .
وفي القرآن الكريم ” ومن شر حاسد إذا حسد “
وقديما قيل : ( الذين لا يعملون يؤذي نفوسَهم ان يعمل الآخرون )
2 – ولعل المتنبي كان اكثر الشعراء شكوى من الحسد الذي يتتبعه في مسار حياته ، وتفسير ذلك ان المتنبي كان باهر النجاح والتألق في ميدان الشعر ، مما جعل الحساد يكثرون حوله . وقد ورد ذكر الحسد في خمس وعشرين قصيدة من ديوانه . وهو يقول في شبابه المبكر :
انا تِربُ الندى وربُّ القوافي
وسِمامُ العدى وغيظُ الحسودِ
وهو يعجب من هول مشاعر الحسد التي تحيط به فيقول :
ولكني حُسدتُ على حياتي
وما خيرُ الحياةِ بلا سرورِ
وفي المعنى نفسه يخاطب سيف الدولة في قصيدته المشهورة :
إن كان سرَّكُمُ ما قال حاسدُنا
فما لجرحٍ إذا أرضاكمُ ألمُ
وهو يشير إلى كثرة الحاسدين حوله بسبب نجاحه ، وعدم اكتراثه بهم :
وما كمدُ الحسادِ شيئاً قصدتُه
ولكنه مَن يزحمِ البحرَ يغرقِ
وهو يوضح ان الحسد داء يصيب صاحبه ولا يمكنه الشفاء منه :
سوى وجعِ الحسادِ داوِ ، فإنه
إذا حلَّ في قلبٍ فليس يحولُ
ولا تطمعنْ من حاسدٍ في مودةٍ
وإن كنتَ تبديها له وتُنيلُ
والمتنبي يفاخر بنجاحه المدوي الذي جعل حساده يكثرون :
ولكني وصلتُ إلى مكانٍ
عليه تحسدُ الحدَقَ القلوبُ
ويبلغ حديثه عن تلك الظاهرة ذروته حينما يذكر كلمة الحسد ثلاث مرات في بيت واحد ، وهو يخاطب سيف الدولة:
أزِلْ حسدَ الحسادِ عني بكبتهم
فأنت الذي صيّرتَهم ليَ حُسّدا
وحينما غادر مصر هاربا من كافور الى الكوفة أطلق قصيدته الشهيرة ، وفيها قوله :
ماذا لقيتُ من الدنيا ، وأعجبُهُ
أني بما أنا شاكٍ منه محسودُ
ويلخص مفهوم الحسد في قوله :
وأظلمُ أهلِ الظلمِ من بات حاسداً
لمن بات في نعمائه يتقلّبُ
ومن المعلوم ان المتنبي رزق بابن واحد فاختار ان يطلق عليه تسمية ” المحسّد ” . وقد قُتل معه يوم مصرعه قرب بغداد عام 354 للهجرة . 965 للميلاد
3 – وبعيدا عن المتنبي نجد القول البليغ للشاعر ابي تمام :
وإذا أراد اللهُ نشرَ فضيلةٍ
طُويتْ ، اتاح لها لسانَ حسودِ
لولا اشتعالُ النارِ فيما جاورتْ
ما كان يُعرَفُ طيبُ عَرفِ العودِ
وقد أخذ الشاعر ابن المعتز هذا المعنى فطوره ولخصه بقوله :
اصبر على حسدِ الحسودِ فإن صبرَكَ قاتلُهْ
فالنارُ تأكلُ بعضَها إن لم تجدْ ما تأكلُهْ
ومثال ذلك في الشعر العربي كثير جدا .
4 – وفي الذاكرة الشعبية اقوال عديدة تلامس هذا الموضوع :

  • الحسود لايسود
  • عين الحاسد تبلى بالعمى
  • يا ناظري نظرة حسد ، شكيتك لواحد احد
  • عين الحسود فيها عود
  • فلان يحسد الميت على كفنه
  • فلان يحسد الأعمى على كبر عيونه
  • الخرزة الزرقاء لطرد عيون الحاسدين
  • يده على الخشب
    5 – ومن اجمل ما ورد في هذا المجال قول مولانا جلال الدين الرومي:
    ( الحب والحسد لا يمكن ان يجتمعا في النفس البشرية السوية )

من فريد ظفور

مصور محترف حائز على العديد من الجوائز العالمية و المحلية في مجال التصوير الفوتوغرافي.