بين الأدب والسينما: الكاتب والمخرج السينمائي الأفريقي عثمان سيمبين يحاول استعادة الهوية الأفريقية
2020/11/18 م
ترجمة : عدوية الهلالي
يظل الكاتب والمخرج السينمائي الأفريقي عثمان سيمبين شخصية بارزة في مجال الإبداع الادبي والسينمائي ،
فهو شخصية غزيرة الإنتاج ينعكس التزامه بإصلاح التراث الثقافي المحلي في أعماله الأولى ضمن مسيرة تركزت بشكل كبير على الناس واهتماماتهم ، فهو يحتفي بالقارة الأفريقية وشعوبها بعيداً عن فكرة التشدد في الهوية والانسحاب الى الذات لأنه يسعى الى اضفاء الطابع الاقليمي على معارف وقيم الاسلاف بمواجهة الخطابات الاستعمارية والاستعمارية الجديدة ..
في عام 1966 ، شارك عثمان سيمبين ، المؤلف والمخرج السينمائي السنغالي في المهرجان العالمي الأول لفنون الزنوج بفيلمين ( نياي ) وهو فيلم قصير مقتبس من قصة قصيرة له ، وقد تم تكريسه كأفضل عمل لكاتب أفريقي ، وفيلم (السوداء ) المأخوذ من مجموعته القصصية (وجود أفريقي ) الصادرة عام 1962 ، وقد أكسبه هذا الأخير العديد من التكريمات سواء خلال المهرجان حيث حصل على جائزة الظبي الفضي وجائزة جان فيجو ، كما حصل ضمن نطاق القارة على جائزة التانيت الذهبي في قرطاج في نفس العام ..وتعود بدايات هذا التداخل المستمر بين العمل الأدبي والسينمائي الى عام 1962 ، وهو مايميز نشاط عثمان سيمبين ، وتعود بداية تاريخه في الكتابة الى عام 1956من خلال نشر رواية عن سيرته الذاتية ، حيث كتب عن تجربته كعامل رصيف في مرسيليا ليجيب عن الاسئلة المتعلقة بالهجرة وظهور الأقليات في المجتمع الفرنسي ، والذي كان يتسم في تلك الفترة بالتنازل ، وفي عام 1957 ، ولد ثاني أعماله ( آوه بلدي وأهله الجميلان ) والذي يتناول قصة الشاب الأفريقي عمر فاي الذي استجاب لنداء موطنه ليقطع علاقته بالغرب وبزوجته ، ومع ذلك فقد باءت كل محاولاته للتغلب على صعوبات الحياة اليومية من خلال إحياء حياة القرية بالفشل ، معبراً بذلك عن النهايات المأساوية المتمثلة بالعقبات الكامنة في العودة الى الجذور ..بهذه الطريقة ، تبلورت حساسية سيمبين والصراعات الملحمية التي حركت حياته في أعماله ..وينتمي سيمبين الى أسرة من الطبقة العاملة فهو ابن صياد من كازامانس هجر مقاعد الدراسة في سن 13 عاماً بعد أن صفع معلمه الذي اتهمه اتهامات باطلة ، بعدها انخرط في العديد من المهن فعمل كميكانيكي وبناء وعامل رصيف ، إذ كان ينتمي الى فئة المحرومين الذين استمر في تمثيلهم من خلال أعماله كوجه حقيقي لافريقيا سواء كانت استعمارية او بعد الاستعمار ، وقد انتمى لعالم الثقافة والكتابة ليصبح فما لمن لافم له ، فقد خاض سيمبين رحلة عصامية وكان دخوله الى المجال الأدبي مريراً وأضاف إليه خوض المجال السينمائي لمحاولة توسيع حدود إيصال أفكاره ..لقد لاحظ سيمبين أن المجتمع الافريقي الناشئ بعد الاستعمار ترك الأدب الأفريقي وراءه ولم تعد مشاركتهم واضحة في بناء الهوية الوطنية واستعادة التراث الثقافي ، فمنهم من كان مثقفاً برجوازياً انقطع عن الشعب وتحول الى اتقان اللغة الفرنسية كدلالة على الحضارة ، ومنهم من اعتبر الكتابة امتيازاً مخصصاً لبعض الفئات الاجتماعية التي تتناقض مع روح الجماهير الشعبية ، لذا حاول أن يعكس ذلك في رواياته وأفلامه مشيراً الى أولئك البيروقراطيين الذين يدعون أنهم ( متطورون ) على أنهم رموز للاستعمار الجديد ..لدرجة أنه إذا كان عالم الأدب يستبعد فعليا الأشخاص الأميين ، فيمكن للسينما أن تساعده على التوفيق بين الناس والأدب والناس والأفكار الجديدة لايقاظ أفريقيا الشعبية وهو مافعله سيمبين مستخدماً اللهجة العامية خاصة وأن السينما من أكثر الوسائل تأثيراً عبر قوة الصورة في تلك المجتمعات الشفوية ،ومن المعروف أن السنغال والجزائر هما من أكثر الدول الأفريقية التي تشهد فيها السينما ازدهاراً وحماساً للفن السابع ..
وقبل أن يشرع في حياته المهنية كمخرج ، سجلت كتاباته المبكرة هذا الشغف ، وتنتمي أفلام سيمبين الى السينما المتشددة ، فعلى شاشات أفريقيا السوداء ، غالباً مايتم عرض قصص الغباء المسطح الغريبة على حياة الأفارقة ، على الرغم من ان مهمة السينما لاتقل أهمية عن بناء المستشفيات والمدارس وإطعام السكان ،لذا وجد سيمبين أن من المهم أن يرى الافارقة حقيقة أنفسهم من خلال شاشة السينما من خلال إدانة الشكل المهيمن للانتاج الأجنبي والذي يستورد قيماً غربية لاتناسب شباب القارة وتحاول انتزاع شخصيتهم وثقافة مجتمعهم حتى في اختيار ملابسهم لما تمتاز به من إغراءات ، وهنا حاول سيمبين انتقاد صورة الأشخاص ( المتطورين) بشكل لاذع .