Hisham Zaweet مع Zuka Ezzat Alkahhal
في حماه..بعد طول غياب
أترِع الكأس وطيّبها بعَرف من لماك…واسقنيها إنّ عيني لن ترى شيئاً سواك
وليقولوا ما أرادوا أنا صبٌ في هواك… جنّتي كأسُ الحميّا ونعيمي في رضاك
تراني أدندن هذه الأبيات من شاعر العاصي بدر الدّين الحامد والتي أبدع في غنائها المطرب الكبير صباح فخري وأنا أجول متمتعاً بسحر المدينة الرائعة حماه.
لاتذكر حماه إلا ويتصدّر المشهد العاصي والنواعير والطبيب الشاعر وجيه البارودي (1906- 1996) صاحب أطول مدة عمل كطبيب في تاريخ سورية وغيره الكثيرون من رجالات حماه وأعلامها.
حماه..المدينة المغروسة عميقاً كالنصل في ذاكرة السوريين وضميرهم والمتجذّرة في فجر التاريخ الإنساني لسبعة آلاف سنة كأقدم المدن التي ما تزال الحياة تنبض في أرجائها منازعة في ذلك حلب ودمشق.
حماه..جميلة العاصي العاشق الذي يلتصق بها وتتزنر به ويرويها حباً وحياة رغم مروره بالكثير من الأماكن قبلها وبعدها عبر مساره المتمرّد الذي يتعمّد فيه السابحون من موقع دخوله إلى سورية في طاحونة العمريّة عند قرية ربلة باتجاه حمص وبحيرتها إلى مغادرته لها باتجاه سهل العمق في اللواء السليب.
حماه..النواعير. هذه الآلات المائيّة الخشبيّة دائمة الدوران تزيّن ضفاف عاصيها وتشكل هويّة المدينة والتي دخلت القائمة الإرشادية المؤقتة لمواقع التراث العالمي لليونسكو عام 1999 ومازال عنينها يتعالى في فضاء المدينة مستمرا بمرور الأيام متلازماً مع ضجيج وصخب نهاراتها ومهدهداً مضاجع أبنائها وكأنّه يؤازرهم في أنين أحزان أيّامهم العصيبة ويبتهج معهم في أهازيج أفراحهم في أيام رضا أقدارهم.
حماه..المدينة الأقرب إلى حمص والمختلفة عنها ومعها. روايات ونوادر ونكات تروى عن النزاعات المتخيّلة والمقالب بين الحمويّة والحماصنة والتي تشكل بحد ذاتها جزءا من التراث اللامادي السوري.
حماه..بريفها الشاسع المترامي الأطراف بين السعن و سلمية شرقا إلى مصياف غربا ومن غور العاصي جنوبا إلى مورك شمالا.
حماه..المحافظة التي فاضت بغناها إلى درجة أن اقتطعت منها عام 1958 محافظة جديدة بالكامل سميت بإدلب لتكون حماه هدأة المتنفس في الجرعة الزائدة من الجمال بين حمص في قلب سورية وحلب في رأسها وليبقى أهالي إدلب ينتسبون إلى حماه روحا وطريقة حياة.
حماه..الطرقات الصاعدة والنازلة المنتشرة في أرجائها متقاطعة حينا ومسايرة أحيانا لعاصيها الذي يجري في قلبها كشريان الحياة الأزلي مشكلا حدائقا ومنتزهات فيما حوله.
حماه..المدينة التي تمتزج فيها الحجارة البيضاء والسوداء في أبنيتها بتشكيلات هندسية رائعة تداعب الأبصار وتأرجحها بتنويعاتها كأحجار الدومينو معلنة للناظر أنها هنا..هي واسطة العقد في حواضر سورية بين الحجارة الزرق في سويدائها وشهباء الحجارة في حلبها.
حماه..بمساجدها وكنائسها الباقية والزائلة وأوابدها التي تتنطح بها كأقدم المدن في العالم.
حماه..بأحيائها القديمة : المدينة وباب الجسر وباب قبلي و تل الباشورة والقلعة والجراجمة والحوارنة والكيلانية والطوافرة والدّبّاغة والشيخ عنبر والمَرابط و…
حماه..بجسورها وقناطرها وبيوتها القديمة ومساكن وجهائها، بسورها وأبوابها، بقصورها ومدارسها وبيمارستاناتها وحماماتها وخاناتها وأوابدها الأثريّة.
حماه..الجو المريح والهواء المنعش والماء والخضرة والوجوه البشوشة الطلقة السمحة الممتلئة طيبة ومحبة.
حماه..مزيج الإنسان..الفلاح والعامل والمنتج.
حماه..العلماء والفقهاء والساسة والثوريون والإقطاعيون والبرجوازيون واليساريون واليمينيون والمتطرفون و…حماه برجالاتها الذين كان لهم كبير الأثر في تاريخ وأحداث سورية.
حماه..أبو الفداء والغزالي.
حماه..الشيشكلي (الجيجكلي) والحوراني والكيلاني والبرازي وسلو وطيفور والركبي والكلاس..
حماه..بأدبائها وشعرائها وموسيقييها وهي التي من أوصافها مدينة الألف شاعر..
حماه..نجيب الريس ووليد قنباز وبدر الدين الحامد وعمر يحيى الفرجي و..
حماه..بشيوخ الكار في صناعة الحلويات والمأكولات: قيطاز وسلّورة والرّوادي.
حماه..بأطايب أطباقها ومأكولاتها الشهية: الشعيبيات والسحلب والهيطلية وعش البلبل والسختورة والباطرش واللحومات والكبب والحمّص بالزيت والسيّالات وحلاوة الجبن والألبان والأجبان وأسماك العاصي اللذيذة.
صحيح أنها زيارة متجددة للمدينة بعد غياب عنها فاق العشر سنوات عقب زيارات متكررة فيما مضى، لكن هذه الزيارة كانت استثنائية لأنها كانت غوصا في تفاصيل المدينة وإطلاقا للنفس لتلمس جنبات حياتها كما يعيشها أهلها بعاصيها النهر، بأماكنها ومشيداتها وأطعمتها التي تتميز بها عن باقي المدن في سورية.
جهد كبير لبرنامج غني ومكثف عملت عليه خلية الصبايا النشيطة فرح ودانا بإشراف الصديقة الصحفية المتميزة سعاد جرّوس التي شغفت بحماه حبا وهي القادمة من القصير في جارتها الأقرب حمص بهدف تقديم المدينة وتعريفنا بها بأفضل شكل ممكن وضمن يومي الوقت المتاح للزيارة ولقد نجحن في ذلك بجدارة واقتدار رغم العدد الكبير نسبيا للمشاركين. لهنّ كلّ الشّكر واالامتنان والعرفان.
أسعدتني في هذه الزيارة البشاشة والترحاب والود في الوجوه في كل الأماكن التي زرناها وكذلك الطيبة والبساطة والأريحيّة في التعامل مع من التقيناهم في زيارتنا.
ما آلمني في هذه الزيارة هو قلة العناية بنظافة الأماكن أينما تجولت في المدينة التي تتطلب الكثير من الاهتمام والإجراءات من الجهات العامة والخاصة لتبدو حماه بالمظهر الذي يليق بجمالها وروعتها.
ختام هذه الزيارة الغنية على قصرها كان التخطيط لزيارة قادمة للمدينة أكثر هدوءا وترو وتعمقا في تفاصيلها.
إلى ذلك الحين، لتكن حماه وأهلها وسوريتنا بألف خير دائما.
مجموعة أولى من اللقطات: باب النهر والناعورة المحمّديّة
سأنشر باقي اللقطات تباعا
“رحلة نواعير حماه- مبادرة “سياحتنا ثروتنا”
الجمعية الوطنيةلإنماء السياحة في_سورية
الجمعة 6 تشرين الثاني 2020م