علاء محمد
الفنان علاء محمد من خربة تقلا التابعة لمنطقة الشيخ بدر ، خريج قسم النحت – كلية الفنون الجميلة في دمشق ، مؤسس مركز إنانة للفنون الجميلة في طرطوس، مشارك دائم في معارض وزارة الثقافة وإتحاد الفنانين التشكيليين ، وبملتقيات النحت في أغلب المحافظات السورية ، ويقوم بأعمال بانورامية ضخمة في طرطوس .
أنجز أول بانوراما من نوعها في الوطن العربي.. الفنان التشكيلي النحات عـلاء محمد:
الملتقيات النحتية ساهمت في خروج النحات من مشغله إلى الهواء الطلق
ثناء عليان
في مركزه الذي يجمع بين الحميمية والحداثة التقينا الفنان التشكيلي النحات علاء محمد، وهو ابن بيئة ساحلية جبلية ساهمت إلى حد كبير في صقل موهبته التي لمعت منذ نعومة أظفاره، والفنان من مواليد قرية خربة تقلا التابعة لمنطقة الشيخ بدر وهو عضو في اتحاد الفنّانين التشكيليين ومشارك دائم في معارض نقابة الفنون الجميلة ووزارة الثقافة، شارك في إنجاز النُصُب التذكاري للشهيد «باسل الأسد» في «القرداحة» عام «1995» والنصب التذكاري للمجاهد «أحمد مريود» في «القنيطرة»، كما شارك في العديد من الملتقيات النحتية كملتقى الديماس الأول للنحت، وملتقى الأمل في حلب، وملتقى النحت الأوّل في «الملاّجة»، وملتقى النحت الأوّل في «حمص» و«مشتى الحلو»، إضافة إلى ذلك فهو مصمّم ومنفّذ أضخم عمل بانورامي في الوطن العربي في بلدة «برمّانة المشايخ» عام 2008، ومصمّم ومنفّذ عمل بانورامي مذهل على مدخل قيادة الشرطة في محافظة «طرطوس» في العام «2008»، وأعماله مقتناة داخل وخارج سورية.. عن مشواره الإبداعي كان لـ «تشرين» هذا الحوار.
حدثنا عن بداياتك وشغفك بفن النحت دون غيره من الفنون؟
عندما كان عمري 7 سنوات أذكر أني قمت بنحت خواتم صغيرة وأساور وقلادات لي ولأصدقائي في القرية من مادة الحجر الكلسي الخفيف «الحوارة» الموجود بكثرة في منطقتنا، وعندما دخلت المدرسة بدأت بخربشات صغيرة كانت تدل على ميولي باتجاه الفن التشكيلي، وكان للأهل الفضل الأكبر في تنمية موهبتي من خلال توفير بعض الأدوات البسيطة التي ساعدتني على تطويرها والارتقاء بها، وفي المرحلة الإعدادية والثانوية بدأ اهتمام أساتذتي بموهبتي فشجعوني على مواظبة هوايتي، فكانت انطلاقتي الأولى بقبولي في كلية الفنون الجميلة في دمشق إذ تخرجت فيها في العام «1997» وتابعت حتى حصلت على دبلوم دراسات عليا وبعدها اتجهت نحو العمل الحر في مجال الفن التشكيلي «النحت».
قمت بنحت أضخم عمل بانورامي في الوطن العربي هل تحدثنا كيف جاءت الفكرة؟ وما هي المعايير التي تم على أساسها اختيار المكان ونوع الصخر؟ وما الصعوبات التي واجهتكم أثناء العمل؟
العمل هو لوحة بانورامية محفورة ومنحوتة بالصخر، وهي أكبر عمل نحتي محفور في سورية، وأول بانوراما من نوعها في الوطن العربي، بدأت الفكرة من السيد عدنان الخطيب حفيد الشيخ خليل الخطيب المجاهد والإنسان الكريم، وقد تم الاتفاق على إقامة هذا النصب التذكاري تكريماً للمجاهد الخطيب، الذي كان قاضياً يقصده الناس لحل مشكلاتهم، ولم يقصده أحد إلا وحُلت مشكلاته، كما كان له شرف القتال ضد المستعمر الفرنسي إلى جانب المجاهد الشيخ صالح العلي، وبعد معاينة أكثر من أرض في قرية برمانة المشايخ عثرنا على جرف صخري يعرف باسم «قلع النحلات» تبلغ مساحته 200 م2 وعليه قمت بنحت بانوراما تحكي قصة ثورة، بدأت العمل بها عام 2008 مدة سبعة أشهر وبمساعدة سبعة فنانين من خريجي معهد الفنون التطبيقية في دمشق، فقاموا بالعمل مدة شهر تحت إشرافي لإزالة الأجزاء الزائدة في ظروف صعبة تحدينا فيها الظروف المناخية المتقلبة، وقد استخدمنا في عمليات الحفر الأزاميل، والمطارق، والصواريخ الكهربائية بدسكاتٍ ألماسية، نظراً لنوعية الصخر الكلسي المتصلب يتجاوز طول اللوحة 35 متراً وارتفاعها خمسة أمتار ويتوسطها في المركز وجه الشيخ الخطيب بمنحوتة أبعادها 5,4 امتار بـ3 أمتار ليكون أضخم تمثال لوجه منحوت في سورية، وكان للمرأة حضور مميز على يمين ويسار اللوحة وذلك لإغناء العمل، ولما لها من رمزية تاريخية ومعنوية، كما قمت بنحت بعض الرموز المأخوذة من وحي المكان إضافة إلى وجوه أشخاص عاصروا المجاهد الخطيب.
كيف استطعت تطويع هذه الكتل الحجرية لتصوغ منها تكويناً جمالياً؟
بالغنى الفكري وكثرة المشاهدات الحقيقية للأعمال الفنية داخل سورية وخارجها، واطلاعي على مدارس الفن ومعرفتي لتاريخه، كل ما سبق يعد إلهاماً حقيقياً لإخراج عمل فني حقيقي، منسوب لي ولكنه ملك للمتلقي والمقتني لأعمالي ومن حق الجميع أن يمتع نظره بما أنجز من أعمال فنية إبداعية.
ما سرّ انجذابك لفن النحت دون غيره من الفنون؟ وكيف تختار فكرة منحوتتك؟
أنا ابن الجبل أعيش مع التلال والوديان والكتل الحجرية والغابات، فتالياً لم آخذ اللون تركته لغيري وأخذت ما أهداني اياه الله من كتل جميلة بتكويناتها، أما فكرة المنحوتة فهي دائما وليدة اللحظة، وتختلف باختلاف الحالة النفسية، إضافة للمكان الذي أكون فيه، ولا أميل للذاكرة التي تُمحى كالأحلام، وإنما أفكر وأنفذ عملي بوجود الأدوات.
لاحظنا أن أكثر أعمالك تركز على البورتريه، ما الذي يغريك لإنجاز هذه البورتريهات؟
للوجه صيغة تعبيرية ويحمل نفساً فنياً يروق لي، فأنا أعدّه المتنفس الحقيقي للمشاعر الإنسانية «حزن- فرح- ألم- مرض» لذلك اعتمدت الأساس النفسي، وأرى انفعالات الإنسان في هذا المثلث الصغير، أضف إلى ذلك مشروع تخرجي كان «بورتريهاً».
قمت بالعمل على كل تقانات النحت «برونز، نحاس، خشب، حجر، بولستير» ما هي خصوصية كل مادة لديك؟ وكيف استطعت ترجمة مشاعرك من خلال أعمالك؟
لكل مادة قيمتها وانطباعها النفسي لدى الفنان، يتعامل معها بمحبة ويجسد فكرته عليها بإبداع، بالنسبة لي أميل للنحت على الحجر رغم قساوته وصلابته أقوم بخلق عمل ما من شيء جامد، والفكرة لدي وليدة اللحظة، إلا إذا كان هناك عمل معين مطلوب مني، عندها أنجز عملي حسبما هو مطلوب ولكن بطريقتي، وأحيانا يمنحني شكل الحجر أو جذع الشجرة إيحاء بفكرة ما فأجسدها بإحساسي وأعبر عن انفعالاتي ومشاعري من خلالها.
انتشرت في عشر السنوات الأخيرة ظاهرة الملتقيات النحتية، ما رأيك بهذه الملتقيات وماذا تضيف للفنان؟
بدأت هذه الظاهرة عام 1998 في قلعة دمشق ثم انتقلت إلى حلب وحمص وطرطوس واللاذقية، وكثرت في بعض المناطق كمشتى الحلو والملاجة والدالية، وتكررت عدة مرات، وأرى أن هذه الملتقيات ساهمت في خروج الفنان من مشغله إلى الهواء الطلق واحتكاكه بالمتلقي، وفي تحسين الذائقة البصرية للمتلقي وتطوير ثقافته بصرياً، ووجود المنحوتة في الساحات العامة يظهر قيمها الجمالية، إضافة إلى أنها تأخذ طابعاً تزيينياً ذا عناصر جمالية تجعل المتلقي يرتاح عندما يرى هذه الكتلة النحتية الضخمة الموجودة في الفراغ.
بانوراما المجاهد خليل خطيب .. أول وأضخم عمل نحتي على جرف صخري في الوطن العربي
وفي لقاء مع الأخير لـ ” سيريانيوز” قال” إن هذا العمل هو محاولة بسيطة لتكريم الشيخ الجليل ، وأبسط ما يمكن أن نقدمه عرفاناً بالجميل للأعمال الكبيرة والجليلة التي قدمها لأهالي المنطقة ، حيث شارك في أهم ملاحم النضال ضد المستعمر الفرنسي وكان يعد من أهم مستودعات السلاح للشيخ صالح العلي ، و كان يعرف بقاضي المنطقة وحلال المشاكل مهما كبرت ومهما تعقدت ،فما كان يقصده أحد ويعود خائباً ، ولا يحتكم متخاصمان إليه إلا وتحل مشاكلهما ولو كان ذلك على حسابه الخاص، وكان القرآن الكريم مصدر إلهام جميع أحكامه في حل المشاكل والخصومات . وهذا العمل هو أكبر عمل نحتي في سوريا محفور على جرف صخري وأول بانوراما من نوعها في الوطن العربي “.
كما قال النحات علاء محمد الذي قام بتنفيذ العمل ” تبلورت فكرة العمل وجزيئاته بعد جلسات عديدة مع حفيد الشيخ عدنان خطيب وتم الاتفاق على نحت فكرة البانوراما على نفس الجرف الصخري الذي كان يستخدمه الشيخ في تربية النحل ، وعرفت هذه الصخرة باسم قلع النحلات ، ويتجاوز طول اللوحة الثلاثين متراً وبارتفاع 5 أمتار ، ويتوسطها وبالمركز الشخصية الأساسية للعمل البانورامي وهو وجه الشيخ خليل خطيب ويعد أضخم تمثال لوجه في سوريا بطول 4.5 وارتفاع 3م ، وعلى الصخور التي تموضعت بجانبي وجهه قمنا بتنفيذ بعض الرموز المأخوذة من وحي المكان ، إضافة لمجموعة من الوجوه لأشخاص عاصروه ،وحركات تعبيرية تدل على الجمال والثورة والحب والأرض ،أيضاً وجه حصان متجه باتجاه الشيخ الفارس الخارج من الصخرة وكأنهما يحكيان قصة ثورة ، وكذلك حاولت أن يكون للمرأة حضوراً مميزاً في اللوحة البانورامية ، حيث كان لها تواجد مرتين على يمين ويسار العمل لأن المرأة بالرموز التي تعنيها هي الأم والأرض والخصوبة والجمال والثائرة “.
وأشار ” أن العمل استمر أكثر من ستة أشهر ومر بمراحل وظروف قاسية جداً خلال فترة الشتاء نتيجة الأمطار الغزيرة والعواصف والثلوج ، وشاركني بهذا العمل النحتي الضخم سبعة نحاتين هم : نزار بلال ، محمد محمد ، سامي الروماني ، حسن محمد ، قصي النقري ، باسل ، شورشفان ، والأدوات التي استخدمناها خلال العمل أزاميل ومطارق وصواريخ بديسكات ألماس لأن الصخر من نوع الحجر الكلسي المتصلب ” .
وأضاف ” ولإكمال المشروع وضعت مع عدنان خطيب مجموعة من الأفكار الإنشائية لتهذيب العمل وإخراجه بالصورة المثلى للمتلقي ، إضافة إلى إقامة متحف صغير يحتوي مقتنيات الشيخ من أدوات ووثائق مختلفة ، كما سنعمل على إحياء المناحل بالجرار الفخارية القديمة بنفس الطريقة التي كان يستخدمها الشيخ في حينها” .
وجه الشيخ خليل أحمد خطيبالجانب اليساري من اللوحةالجانب اليميني من البانوراماجانب من البانوراماصورة كلية للبانوراما