عالم التصوير والمعرفة
– تحدّثتُ في عشرات المقالات من قبل عن المصور العربي، بسلبياته وإيجابياته العديدة، ناقشتُ عدداً من القضايا التي تخصه ومواقفه منها ومستوى التطوّر بالنسبة لمهاراته وإبداعاته وفكره أيضاً، وافقني البعض واختلف معي البعض الآخر ولكن المهم في هذا السياق ليس الرفض والقبول، بل التأثير الإيجابي بعيد المدى للأفكار المطروحة والقضايا المعروضة وتناول التحدّيات والحلول. كم كنتُ سعيدة بمئات الرسائل التي حملت لي أخباراً سارة بأن بعض كلماتي صنعت الفارق في حياة أصحابها الفنية، والمفارقة أن بعض هؤلاء كان رد فعلهم المبدئي تجاه مقالاتي الضيق والامتعاض، لكن هذا الضيق ولّد لديهم طاقة قادتهم للعمل والإنجاز ونفض غبار الكسل فكان أن لمسوا نتيجة ذلك في الحقيقة ! عندها شعروا بأهمية الكلمة الصادقة وتأثيرها فقاموا بإسعادي بتلك النقلة الهامة في حياتهم، وأنا أقول لهم من هنا، فخورة بكم أيّما فخر وسأكون في غاية السعادة عندما أراكم في ارتقاءٍ دائم.
سأتحدّث اليوم عن فئةٍ من المبدعين العرب في مجال التصوير الضوئي، أثارت حيرتي في مرحلةٍ ما، وأعني بالحيرة هنا التي تسلبك الحق في تحديد موقفك النهائي تجاه قضيةٍ ما، هذه الفئة أثارت انزعاجي عندما لاحظتها ! لكن بعد برهةٍ من الزمن شعرتُ أني مخطئة في هذا الموقف، فسلوكها إيجابي وإن كان يحمل بعض الاستفزاز، هذه الفئة ينتمي لها كل مصورٍ مبدع له صولاتٌ وجولاتٌ في الإبداع البصري لكن صولاته وجولاته صامتة !
تراه يضع صوراً متواضعة على حساباته في مواقع الإعلام الاجتماعي، قليل الحديث عن نفسه وعن غيره أيضاً، تكاد سيرته الذاتية لا تخبرك شيئاً هاماً عن صاحبها ! يثابر على حضور الأحداث الفنية والتركيز على تفاصيلها والاستفادة القصوى منها، تجده يسأل كثيراً ويهتم بمعرفة كل شئ كي يضيف لنفسه، لكنه لا يعرّف بنفسه ولا يتحدّث مع الحضور سوى في إطار الأعمال الفنية، ثم يختفي فجأة ! وعندما تسأل الموجودين عنه غالباً ما تسمع الجواب التالي: مصور مبتدئ مغمور !
وبالمصادفة البحتة تجد نفسك يوماً ما في معرضٍ يحوي عشرات الأعمال المثيرة للدهشة فتظن أن مبتدعها من أشهر الفنانين، وإذا به هو، بكل تواضعٍ سلوكيّ ومظهريّ، يسمع آراء الناس في أعماله دون ردود فعل، لا يسعده المديح ولا يضايقه الانتقاد ! يتحدّث لوسائل الإعلام باقتضاب يجعلك تشعر بالضيق لوجود حيّز كبير من الغموض في هويته الفنية ! يدفعك فضولك لأن تسأله عن طموحاته وإنجازاته فيأتيك ردّ مصورٍ في أول الطريق “مازلنا نتعلّم وسنحاول فعل شئ” ! ثم تجد في اليوم التالي خبراً في وسائل الإعلام عن معرضه، في طيّاته بعض المعلومات الصادمة ! في رصيده عشرات الجوائز العالمية !