١١ أكتوبر 2020م ·
مَن يَحرقُ الحنطةَ، يحرقُ الحياةَ!
(ومن يحرق البساتين وأشجار الزَّيتون واخضرار الغابات يحرق الذّات والرّوح!)!
4
جنونٌ أن يحملَ المرءُ حقداً
على نِعَمِ اللهِ
جنونٌ لا يخطرُ على بالِ
أعتى مجرميِّ الكونِ
أن يحرقَ المرءُ خبزَ الحياةِ
انحرافٌ تام عن مرامي الحضاراتِ
هبوطٌ في قاعِ الانهيارِ
انهيارِ الأخلاقِ وآفاقِ الآمالِ
تراجعٌ مخضّبٌ بالنّارِ
نحوَ أقبحِ المساراتِ!
حيرةٌ كبرى تغلِّفُ أوجاعَ الكونِ
هيمنتْ لغةُ الموتِ والنّارِ في وهادِ البلادِ
أينَ توارى حكماء هذا العالم؟!
خيوطٌ مسمومةٌ ترخي اشتعالها
فوقَ خرائطِ العمرِ
غاصتِ البلادُ في انجراراتِ رياحِ القبْحِ
مَنْ يستطيعُ أن ينقذَ عذوبةَ الماءِ
من هبوبِ غبارِ السُّمومِ؟!
أكتبُ شعري من طفوحِ الدَّمعِ
أزدادُ اشتعالاً كأنّني سنابلُ قمحٍ
في أوجِ الاشتعالِ
قلبي مُدمى من أجيجِ اللّهيبِ
من تشظِّياتِ بوحِ الرّوحِ
ذاكرتي مرصرصةٌ بالأوجاعِ
حرفي يناغي إشراقةَ الحلمِ
حلمي تاهَ في مساراتِ الانكسارِ!
أنا مَن أنا؟!
قصيدةُ حبٍّ مجنَّحةٌ نحوَ غبشِ الدُّجى
أنا أملٌ مندَّى بأغصانِ الاخضرارِ
وجعٌ من لونِ النّدى
طينٌ معجونٌ من طراوةِ الحنينِ
فكرةٌ تائهةٌ في أعماقِ المدى
أنسجُ جراحي فوقَ ذاكرةٍ محتبكةٍ
بآفاقِ الهدى
أبلسمُ أوجاعي بأبهى أراجيحِ الطّفولةِ
فلا أسمعُ إلَّا أنينَ الصّدى!
بكى التُّرابُ عندما رأى انهمارَ النّارِ
تندلعُ فوقَ خدودِهِ مثلَ وميضِ البرقِ
فأحرقَتْ بغمضةِ عينٍ سنابلُهُ الشَّامخة
جنَّ جنونُ الجبالِ عندما رأتْ غدْرَ البشرِ
كم تمنَّتْ أن تتحوَّلَ إلى غبارٍ كثيفٍ
كي تطمرَ النّارَ المتأجّجةَ
في أرواحِ السّنابلِ!
تأمَّل البحرُ شراهاتِ الاشتعالِ
مذهولاً من جنونِ بعضِ البشرِ
تلظَّتْ فراخُ الطُّيورِ
عندَ إشراقةِ الصَّباحِ!
اندهشتِ الطَّبيعةُ من غدرِ البشرِ
تساءَلَتْ: لماذا يغدرُ بي الإنسانُ
وأنا أقدِّمُ لهُ الخيرات منذُ الأزلِ؟!
كلُّ إنسانٍ ظالمٍ وغدّارٍ وسَلبيِّ الرُّؤيةِ
غيرُ جدير أن يستنشقَ شهيقَ الحياةِ!
تنهالُ نارُ الحقدِ على خيراتِ الأرضِ
استشاطتِ الأنهارُ غيظاً
كم تمنَّتْ أن تُطفِئَ لهيبَ الحقدِ
جحظَتْ عيونُ الصّحارى
من اجتياحِ لهيبِ النّارِ
ما فائدةُ بشرٍ يحرقونَ خيراتَ الدُّنيا
ما فائدةُ سياسةٍ تخنقُ أطفالاً وشبّاناً
وكهولاً وعجائزَ ؟ ..
حزنَتِ الغاباتُ والسَّواقي
وغمرتِ الآهاتُ أغصانَ الدَّوالي
كل مَنْ حرقَ ويحرقُ الحنطةَ
من فصيلةِ العناكبِ والذِّئابِ
من نسلِ الأفاعي وسمومِ العقاربِ
سهواً تشكَّلَ على هيئةِ البشرِ
كلّ مَن حرقَ ويحرقُ الحنطةَ
حيوانٌ غير أليف
بعيدٌ عن فصيلةِ البشرِ
قريبٌ من أنيابِ الضَّباعِ!
بكَى الآباءُ وناحتِ الأمّهاتُ
من هولِ الدّمارِ
إلى متى ستغوصُ أوطانُنَا
في جنونِ الغدرِ
تائهةً في شفيرِ الانشطارِ
بعيدةً عن لغةِ الحضاراتِ
لا تنحو منحى الوئامِ
ولا ترسي كينونَتَها
على أشرعةِ الحوارِ؟!
عجباً أرى
كيفَ تزدادُ هواجسُ القبحِ والغدرِ
في مرامي البشرِ
في زمنِ التّواصلِ الكوني؟!
كيفَ لمْ يتعلَّمَ الْإنسانُ من تجاربِ الحياةِ
أبجدياتِ العطاءِ
عابراً في بحارِ القتلِ والدّمارِ
كأنّه لم يتسفِدْ من علومِ الدُّنيا
إلّا أبجدياتِ الجنونِ؟!
تزدادُ أوطانُنا انشراخاً
من تفاقمِ جمرِ الغدرِ
وطنٌ ملظّى بلهيبِ الأنينِ
وطنٌ في مهبِّ الانهيارِ
من هولِ الاشتعالِ
من اجتراحِ مساراتِ الجنونِ!
وطنٌ مرصرصٌ بالدّموعِ
مجذَّرٌ بكلِّ آهاتِ الشّقاءِ
هبَّتْ نسائمُ الخيرِ فوقَ بهاءِ الشَّرقِ
انزاحتْ هفهفاتُ النسّائمِ عن منارةِ الفرحِ
تبلَّلَتْ بالغضبِ وأنيابِ الخداعِ!
وطنٌ يحتاجُ إلى سموِّ الرّوحِ
إلى إشعالِ ملايين الشّموعِ
يحتاجُ إلى صفاءِ النِّياتِ
وطنٌ مخردقٌ باجتياحِ رصاصِ الغباءِ
يجمحُ نحوَ فضاءاتِ العنفِ
نحوَ أقاصي القبُحِ واحراقِ الذَّاتِ!
أواهٍ .. أحنُّ إلى نفسي
إلى حبورِ الطّفولةِ
إلى صفاءِ الرُّوحِ
إلى حنينِ الأمِّ
إلى سهول القمحِ السّاطعةِ في خميلةِ العمر!
عمري سؤالٌ مفتوحٌ على شراعِ الخيرِ
سرٌّ مندَّى بحبرِ القصيدةِ
شوقٌ مسربلٌ بأريجِ الصّباحِ
حنينٌ من لونِ النّدى المنساب
من مآقي العشقِ!
وطنٌ مقولبٌ على مقاسِ البكاءِ
لا يفارقُ آفاقَ الحلمِ
يحتاجُ إلى لغةٍ منبعثةٍ من هديلِ اليمامِ
إلى لغةٍ ترفرفُ بأجنحةِ المحبّةِ والوئامِ
يحتاجُ إلى رؤى جامحة
نحوَ مروجِ الخيرِ
بعيداً عن صليلِ السّيوفِ وهديرِ النّارِ!
وطنٌ يحتاجُ إلى عذوبةِ الماءِ
إلى عناقٍ من لونِ السّنابلِ
كي يحافظَ على شموخِ الجبالِ
كي يرفعَ رايةَ السَّلامِ
على امتدادِ الكونِ
ويزرَعَ بسمةَ أملٍ
فوقَ خدودِ الأطفالِ!
احترقتْ أغصانُ الدّالياتِ
وتيبّسَ اخضرارُ التَّينِ
في مواسمِ العطاءِ
وطنٌ مكتنزٌ بخيراتٍ لا تحصى
يرزحُ تحتَ شفيرِ الاشتعالِ
احترقَتْ عيونُ الصَّباحِ
من دخانِ النَّيرانِ المتربِّصةِ
بنعيمِ الخيرِ
زاغَوا عَن ثوبِ المحبّة
زاغوا عن كنوزِ الأرضِ
فشاعَ لهيبُ الفسادِ في مواسِمِ الحصادِ!
من الصّعوبةِ أن نزرعَ آلافَ الهيكتاراتِ
من الحنطةِ، من الشَّعيرِ، من العدسِ
من أيِّ نوعٍ من الحبوبيّاتِ أو الخضارِ
من الصّعوبةِ أنْ نبنيَ ناطحاتِ السّحابِ
أن نبنيَ أجمل المباني وأعلى أبراجِ الكونِ
لكن من السّهولةِ
أنْ يحرقَ المرءُ بغمضةِ عينٍ ملايينَ الهيكتاراتِ
من سهولِ القمحِ والشَّعيرِ والعدسِ
أجل، من السُّهولةِ أن يدمِّرَ المرءُ بغمضةِ عينٍ
ناطحاتِ السّحابِ وأعلى أبراجِ الكونِ
لأنَّ ارتكابَ فعل الشّرِّ سهلٌ للغايةِ
لا يحتاجُ إلّا إشعال عود ثقابٍ في سهولِ القمحِ
لا يحتاجُ إلّا كبسةِ زرٍّ على متفجّراتٍ ملغومةٍ
بناطحاتِ السّحابِ وفي أجملِ مباني الكونِ
بينما البناءُ يحتاجُ إلى عطاءٍ موصولٍ
يحتاجُ إلى فعلِ الخيرِ وضياءِ الضّميرِ
أهلاً بكلِّ مَنْ يرفعُ لواءَ الخيرِ
وبكلِّ من يحتكمُ بضياءِ الضَّميرِ!
وقفَ الفلّاحُ دامعَ العينينِ
ينظرُ إلى اكتساحِ لهيبِ النّارِ
غلالَ العمرِ في أوجِ الحصادِ
أوجاعٌ تنهالُ في أرجاءِ المكانِ
تحرقُ نيرانُ الحقدِ شموخَ السّنابل
كأنَّ اللَّهيبَ مندلعٌ
من وميضِ البرقِ
تسمَّر الفلّاحُ أمامَ
احتراقِ سهولِ القمحِ الفسيحةِ
اعتصرَ قلبُهُ حزناً على آثارِ الانكسارِ
وقفتْ زوجتُهُ العجوز عندَ مفترقِ الأحزانِ
تشهقُ متسائلةً بحسرةٍ حارقةٍ
مَنْ أحرقَ خبزَنا
في أوجِ احتياجِنا إليهِ؟!
كيفَ سنعيشُ بلا زادٍ
في شتائِنا الطَّويلِ؟
غربةٌ حارقةٌ هيمنتْ على ظلالِ الأرضِ
خيَّمَ الأنينُ على مساحاتِ اللَّيلِ والنّهارِ!
….. ….. ….. …. ……. ….. …!
صبري يوسف