فلسفة الصوت
الباحثة الجزائرية عائشة خلاف تبحث من الصفر في مفهوم التراث الموسيقي الأربعاء – 5 شهر رمضان 1435 هـ – 02 يوليو 2014 مـ
عائشة خلاف – غلاف «فلسفة الموسيقى» لندن: «الشرق الأوسط»
في كتاب: «فلسفة الموسيقى – التجربة الحسية والجمالية للصوت» تكشف المؤلفة والباحثة الموسيقية الجزائرية عائشة خلاف عن نسق «نظام فكري» داخل التراث الموسيقى. وترى أن التراث بصفة عامة والتراث الموسيقي بصفة خاصة ليس هو المتحكم في القوانين الثقافية بمعنى من المعاني، إذ يخضع تاريخ هذا التراث الموسيقي لعدد معين من القوانين، وهذه القوانين هي التي تحاول أن تكشف عنها المؤلفة. يضمّ الكتاب مقدمة وتسعة أبواب. وقد اعتمدت خلاف في كتابها طريقة المنطق الفلسفي: التحليل، الاستنباط والبناء البياني الهندسي، الذي ترى أنه لا بديل عنه لاستكشاف أو كشف هذه القوانين «النظرية الموسيقية».
هنا لقاء قصير معها على هامش الكتاب:
* لماذا هذا الكتاب؟ لماذا العودة إلى إشكالية الموسيقى العربية ابتداء من الصفر؟
– بعدما أنهيت دراستي في التأليف الموسيقي في كلية بيربك، جامعة لندن، أردت أن أؤلف أشكالا موسيقية من التراث، فبرزت لدي إشكالية: كيفية التأليف؟ لم تقنعني طريقة تأليف موسيقانا «بالتنويط الغربي» كما قرّر مؤتمر القاهرة في 1932، ومن هنا جاء كتابي ليطرح إشكالية معرفية: معرفة موسيقانا وتنظير هذه المعرفة. وفعلا إني أعود إلى البداية للنظر في تراثنا الموسيقي. ولم تكن هذه المهمة سهلة، بالطبع، فلقد استغرقت عشر سنوات. واطلعت خلال هذه المدة الزمنية الطويلة على تراثنا الموسيقي، وعلى العلوم، والفنون العربية الإسلامية، فاكتشفت حقيقةً كنوزا زادتني ثقة بالذات. معرفة حقيقة موسيقانا كانت تتطلب مني في بادئ الأمر أن أعرّف مفهوم التراث الموسيقي. وكان علي أن أنطلق من زاوية أخرى، مختلفة عن الزوايا التي نظرت لهذا التراث سابقا، وخاصة في مقارنته بالتراث الموسيقي الغربي، ففككت مفهوم الموسيقى برمّته. وبدأت فعليا من نقطة الصفر: ما هو الصوت؟ وهو عنوان الفقرة الأولى في كتابي.
* لكنك تتساءلين: هل لنا موسيقى حقا؟ ماذا تعنين بذلك؟ أليست لنا موسيقى؟
– ما أقصده من ذلك هو المعرفة النظرية الموسيقية. إننا نعرف الشيء عندما ندركه، فالإدراك هو عملية ذهنية معقدة تبدأ من الحس وتنتهي بتنظيره، إذن فلا بد في بادئ الأمر، أن أعرّف هذا الشيء الذي أحسه، وهو التراث عن طريق التفكير المنهجي. وهنا، لا غناء عن الفلسفة التي هي أم الحاجة المعرفية. فأعدت قراءة الموسيقى قراءة تفكيكية، كما قلت، تبدأ من مفهوم الصوت وعلاقته بالموسيقى، أو كيف يصبح الصوت نغمة، وما علاقة هذه النغمة بالمادة، الفضاء، الزمن، اللون وطبعا اللغة. فاكتشفت حقيقة كان يخفيها، فعلا، تراثنا الموسيقي، ألا وهي: نسق، نظام فكري قابل للإثراء والتجديد في كل زمان ومكان.
* المفارقة بين موسيقانا والموسيقى الغربية هي اتفاقهما عمليا واختلافهما نظريا، ما السّر في ذلك؟
– أسست الموسيقى الغربية على غرار النظرية الموسيقية العربية، كالتدوين: المدرج، المفاتيح، الإيقاعات، علامة النغمة، طرائق التأليف وصنع الآلات الموسيقية والعزف عليها، وطبعا السلّم الموسيقي… وكان ذلك على يدي مؤلفي عصر النهضة وخاصة عصر البروك وعلى رأسهم جون سباستيان باخ. بقاء الموسيقى الغربية يقوم على سلّمين: الكبير والصغير، وهما لونان أساسيان في النظرية الموسيقية العربية التي وضعتها، وتعد السلالم الموسيقية بعدد الألوان. وسّر بقاء الغرب على سلمين يعود إلى نظرته للكون، يعني نظريته الجمالية (الاستيتك) التي هي مبنية على الثنائيات: الكبير والصغير، القوي والضعيف.
* جمعت بين اللون والصوت والهندسة (الزخرفة العربية الإسلامية) والرياضيات والموسيقى.. ما العلاقة العضوية فيما بينها؟
– الرياضيات، والهندسة هي جزء من الرياضيات، هي لغة القياسات، وبها نولّد النغم ونضع لها علامة، ميزان، إيقاع، ونبني على أساسها الأشكال الموسيقية. أما علاقة الصوت باللون فهي علاقة طبيعية فيزيائية، ولا يتسع المجال للتطرق إليها بالتفصيل كما فعلت في الكتاب، فهي علاقة تكشف عن مدى عمق المستوى المعرفي الذي وصلت إليه الحضارة العربية الإسلامية. وبتوحيد الصوت واللون أصبحت لنا القدرة على بناء السلالم الموسيقية بعدد الألوان الرئيسة والثانوية وأطلقت عليها اسم الألوان الموسيقية.
إن توقف الحضارة العربية الإسلامية هو ليس انحطاطا بقدر ما هو انتقال العلم والمعرفة لمجتمعات أخرى، وتعثّر في الصيرورة التاريخية أو الدورة الحضارية؛ لأن العقل، أو الذات التاريخية، تتراجع عن أداء مهمتها التي هي صنع الحضارة. وفي كتابي أخصص الفصول الأخيرة لموضوع الثقافة وعلاقتها بتكوين العقل. ولكن كل هذا أدى إلى تعثّر الصيرورة التاريخية البشرية لمدة زمانية معتبرة دامت أكثر من أربعة قرون قضاها الغرب في ترجمة كل الإرث العلمي والمعرفي العربي الإسلامي واستيعابه وتعليمه، ولم يصنع أشكالا فنية موسيقية تضاهي الأشكال الموسيقية العربية كالنّوبة، المقام، الأدوار والموشح إلا في مطلع القرن الثامن عشر الميلادي. وهذا الشكل هو ما يعرف بـ«الصوناطة فورم». فكتابي بقدر ما يضع أسسا نظرية فهو يكشف كذلك عن بعض التمويهات التي تدور على الأقل منذ نحو مائتي سنة على موسيقانا بصفة خاصة، وحول الفكر العربي الإسلامي بصفة عامة.