- مهرجان الأدب العالمي في برلين .. منجزات معاصرة بين النثر والشعر والواقعية والروايات
عصام الياسري
مهرجان الأدب العالمي في برلين .. منجزات معاصرة بين النثر والشعر والواقعية والروايات
عصام الياسري
في الحادي والعشرين من أيلول إنتهى في العاصمة الألمانية برلين، مهرجان الأدب العالمي ilb العشرين من 9 إلى 19 أيلول ـ سبتمبر 2020 – أكثر من 150 ضيفاً أتوا إلى برلين من جميع أنحاء العالم لمدة أسبوعين للقراءة والمناقشات. من بينهم، أولغا توكارتشوك وآنا لويزا أمارال وإينغا أبيلي ونيك ملونغو وفيجديس هيورث وأوليفييه غويز وباجتيم ستاتوفسي وتارا جون ونش. مشاهدة أحداث مهرجان هذا العام، تمت بمسافات آمنة بين الجمهور وفقاً للشروط الصحية المتبعة، أيضاً لأول مرة بطريقة النظام الرقمي “الإفتراضي”، نظراً لوباء الكورونا “COVID-19”. إذ تم تسجيل المحادثات مع المؤلفين الذين لا يمكنهم التواجد في برلين مسبقاً، أيضاً تصوير بعض أعمال المؤلفين عبر الفيديو. وتم بث بعض الأحداث المحددة مباشرة بعد نشر روابط التدفقات الألكترونية قبل بدء العرض.. وزيرة الدولة للثقافة مونيكا غروترز ألقت الكلمة الافتتاحية للمهرجان، فيما ألقت الكاتبة البريطانية سالي نيكولز الكلمة الافتتاحية لقسم أدب الأطفال والشباب. وألقى ماريو فارغاس يوسا الذي عقد اجتماعاً في العاشر من أيلول مع الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير لتبادل وجهات النظر حول الأوضاع في أمريكا اللاتينية وأوروبا في أوقات وباء كورونا، الخطاب الافتتاحي في قاعة الموسيقى الشهيرة فيلهارموني برلين Philharmonie Berlin شبه الفارغة، الصورة حزينة. هذا هو الحال في أوقات الحد الأدنى للمسافات بسبب الهالة.
في كلمة إفتتاح المهرجان أشاد ماريو فارغاس يوسا Mario Vargas Llosa الحائز على جائزة نوبل بقوة الأدب. وعلق المؤلف توبياس Tobias Wenzel على الخطاب بأنه “كان ملتزماً، لكنه لم يكن مهماً”.. “الأدب يصنع للأوقات الصعبة”. بهذه الجملة، بدأ ماريو فارغاس يوسا حديثه شبه الحر، على أساس النقاط الرئيسية للمهرجان فقط . ويوسا الذي عبر عن مخاوفه من “الدكتاتوريات بالقول: “دائما ما تشك الديكتاتوريات بشدة في الأدب، لأنهم يعرفون أن الأدب خطر عليهم. وهم على حق “. لم يكن أقل حدساً عندما ردد: بأن الأدب ليس مجرد ترفيه وتسلية. لأنه بفضل الأدب “إلى حد كبير” ستتغير حياة الناس، بل وتتحسن. لأن لا شيء ينقل “عدم الرضا اللامتناهي” للناس وكذلك الأدب”.
مهرجان الأدب العالمي في برلين لا يحمل، باختصار: عنوانه فقط بشكل بارز من اسمه. إنما مما قدمه ويقدمه في شهر سبتمبر من كل عام وعلى مدى عشرين سنة، من منجزات أدبية وفكرية وثقافية معاصرة، في النثر والشعر والواقعية والروايات المصورة وأدب الأطفال والشباب من جميع أنحاء العالم، وإقامة الحوار في موضوعات سياسية وخطابات علمية موضوعية للغاية، أيضاً الترويج للقراءة بنشاط وتنفيذ التواصل الأدبي. بهدف مخاطبة أوسع جمهور ممكن وإشراكهم في المهرجان بطرق مختلفة. هذا العام تميّز المهرجان بتعدد القراءات والمناقشات الفكرية والسياسية واللقاءات وورش العمل وعلى مدار أحد عشر يوماً، وقدم للناس في برلين والأماكن الأخرى فرصة استثنائية لاكتساب نظرة ثاقبة مركزة في الأدب العالمي مع مجموعة متنوعة من الأشكال والمزاجات والأساليب. وأصبحت العاصمة برلين مركزاً ومساحة صدى للحياة الأدبية الدولية.
منذ الطبعة الأولى للمهرجان في عام 2001، دعمت مؤسسة بيتر فايس للفنون والسياسة مهرجان الأدب العالمي في برلين، الذي تطور ليصبح أحد أشهر المهرجانات الأدبية في العالم. قام أولريش شرايبر Ulrich Schreibe مدير المهرجان بإنشاء منتدى للأدب في العاصمة برلين بشكل مكثف بالإضافة إلى أنواع الأفلام والموسيقى والمسرح والفنون البصرية. منذ عام 2006 ينظم معهد اللغة الإنجليزية الدولي في إطار المهرجان “قراءات عالمية”. ومنذ يناير 2019 تقام “عروض الأفلام العالمية” بدءاً من فيلم “Shoah” لكلود لانزمان، وسيعرض فيلم “أنا لست زنجياً” لراؤول بيك في 10 ديسمبر 2020. في عام 2009، بدأ الاتحاد الدولي للكتاب دمج المهرجانات الأدبية المهمة دولياً لتشكيل تحالف الكلمات (مهرجان أدنبرة الدولي للكتاب؛ مهرجان جايبور للأدب؛ مهرجان كتاب ملبورن؛ مهرجان الأصوات العالمية PEN، نيويورك؛ مهرجان مثقفون الأدبي الدولي، بكين؛ المؤلفون في مركز هاربورفرونت ، تورنتو).
من بين الضيوف في المهرجانات السابقة: ليلى أبو العلا، سويتلانا أليكسيجويتش، إيزابيل أليندي، آسيا جبار، الطاهر بن جلون، جون إم، جون جرين، حسن خضر، دانيال كيلمان، جوديث كير، جوديث هيرمان، فاضل العزاوي، روبرت ميناس، مايكل أونداتجي، سعدي يوسف، إيفون أديامبو أوور، ياسمينة رضا، أرونداتي روي، سلمان رشدي، عادل قره شولي، إليف شفق، تشارلز سيميك، وولي سوينكا، سنان آنطون، ماريو فارغاس يوسا، إيرفين ويلش.. مهرجان هذا العام الذي إنطلق في ظل زنبقة الكورونا، قدم في عالم إفتراضي، المؤلفين المشهورين والاكتشافات الجديدة في أنواع النثر والشعر، كانت في الغالب من العروض الأولى لكتبهم، كان الكُتاب يقرؤون من النسخة الأصلية، ومن ثم يقوم الممثلون بقراءة الترجمة الألمانية، فيما تجري من بعد حوارات ومناقشات مع متخصصين.بالإضافة إلى الأعمال المختارة التي حظيت بمناقشات مفتوحة مع المؤلفين.. في قسم الأدب العالمي حل هذا العام ضيفاً، أولغا توكارتشوك، دانيال كيلمان، إينغو شولز، نورا بوسونج، توماس هيتشي، كولوم، ليف رانت، ماتياس فالدباكن، كامل داود، ولفرام إلينبركر، إيفا سيشلشميت ـ إيفان كراستيف وريتشارد فورد سيكونان ضيفين متصلين. فيما تم تقديم الفعاليات الحية في مركز المهرجانات Kulturquartier، ولأول مرة تم في هذا العام، تنفيذ العروض الافتراضية وتقديم أحداث مختارة وسلسلة من المحادثات الرقمية مع المؤلفين الدوليين المسجلة مسبقا على الهواء مباشرة.. من بين الضيوف كارمن ماريا ماتشادو، علاء الأسواني، إيزابيل أليندي، بن ليرنر، إيلينا بوناتوسكا، جويس كارول أوتس، شيلا هيتي، جو ساكو، هيلاري مانتل ونيل جايمان وآخرون.
بالإضافة إلى ذلك، دعى مهرجان الأدب الدولي في برلين إلى عرض فيلم عالمي بعنوان “أنا لست زنجي” للمخرج راؤول بيك بمناسبة الذكرى السنوية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أعلنته الأمم المتحدة في عام 1948.. وفي مقاربة خاصة عن كراهية النساء وإساءة معاملتهن، أدانيا شبلي ،فلسطين، كارمن ماريا ماتشادو، الولايات المتحدة الأمريكية، نيكلا كيليك، ألمانيا، تحدثن عن مثل هذه الممارسات في العديد من البلدان. وطرح ج ج بولا، المملكة المتحدة، أراء بديلة عن الذكورية للنقاش في مجلد مقالاته “لا تكن رجلاً”.
أصوات ضد العنصريةـ أثر جريمة قتل المواطن الأمريكي من أصول أفريقية جورج فلويد المرعبة، وتقارير أخرى عن ضحايا وحشية الشرطة والعنصرية الممنهجة في جميع أنحاء العالم، دعى المهرجان إلى إنتاج أفلام قصيرة للتحدث علناً ضد العنصرية. وناشد المؤسسات والأشخاص الذين يرغبون في المشاركة على الهواء مباشرة، بقراءة نصوص لبيروت الحزينة لحالها ولضحاياها، بسبب أنفجار كميات كبيرة من نترات الأمونيوم شديدة الانفجار كانت مخزنة لأكثر من ستة أعوام في عنبر يقع داخل الميناء واسع الحركة.
بالإضافة إلى دعوة الاتحاد الدولي للبراءات والأفراد والمدارس والجامعات والمؤسسات الثقافية ووسائل الإعلام إلى قراءة عالمية للديمقراطية والحرية، الهدف منها، لفت الانتباه إلى لائحة حرية التعبير وحرية التجمع وحقوق الإنسان والتي اعتمدتها الأمم المتحدة في باريس في 10 ديسمبر 1948. تناول المهرجان موضوع العنصرية المنتشرةعالميا، وأهمية مناشدة القانون الدولي للتركيز على إنهاء الاستعمار، والذي بدأ في عام 2018. وبالتعاون مع مجموعة عام العلوم 2020/21، أقيمت سلسلة من الأفكار حول “رؤى الاقتصاد الحيوي”. تناقش هذه السلسلة الاستيلاء على الأراضي وموت الحشرات والأشجار وحقوق الطبيعة والتقنيات الرقمية. كتب الحائز على جائزة بوليتسر فورست غاندر “الولايات المتحدة، والشاعر البيئي هوميرو أريجيس ،المكسيك، ونجم الرماية جوناس إيكا من الدنمارك مساهماتهم الخاصة حول هذه المواضيع وتمت مناقشتها مع الخبيرة الاقتصادية ـ السياسية الألمانية ماجا غوبل.
في ساحة بابل Bebelplatz وضع نصب أحمر ضخم ومقعد وطاولة. دعوة رمزية للقراءة بصوت عالٍ، صادرة عن مهرجان الأدب الدولي في برلين. يمكن للجميع الجلوس هنا: » الجميع مدعوون للقراءة من كتبهم المفضلة أو من نصوصهم الخاصة. سيكون رائعا لو شارك الكثير من الناس! « هكذا قال أولريش شرايبر Ulrich Schreiber، مدير المهرجان. في فترة ما بعد الظهر، كان الكرسي مخصصاً للأشخاص الذين يرغبون في قراءة شيء ما للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ثلاث سنوات وما فوق، وفي المساء للجمهور البالغ. في 21 أيلول إنتهت مرحلة القراءة المفتوحة بحملة “ألمانيا تقرأ لهونج كونج”. كان أداء جماعي للتعبير عن التضامن مع الحركة الديمقراطية وإطلاق سراح السجناء السياسيين في هونغ كونغ، واحتجاجا ضد عنف الشرطة والجيش.
أشار ماريو فارغاس يوسا، بلغة أدبية مؤثرة، إلى التمييز بين الخيال والواقع، بين الخيال والتاريخ، بطريقة ما رومانسية ملونة. “إذا كنا نريد مواطنين ليسوا مجردين، مواطنين لا يقبلون فقط جميع القرارات التي تتخذها السلطات، من قوى هذا العالم، ولكن أيضاً يحتجون ضدهم، فعلينا أن نغمر مجتمعاتنا بالأدب”. وبقدر ما بدا ذلك ممتعاً، على المرء أن يسأل نفسه: ألا يمكن للمرء أيضا أن يعتقد أن شخصا ما سيُظهر للجمهور المسار الصحيح أو الديمقراطي أو حتى الليبرالي، مع العلم أنه قد سلكه بنفسه منذ فترة طويلة.