- يالهول الكارثة..جسد يغشى تحت وجه الأرض ..وصيحات تخترق طبقات الجو..وأنين وحزن يحز النفوس..ويدمي القلوب..هناك على كتف الجبل رقد جثمانه إلى الأبد..حيث كان يعشق ويحب الطبيعة الجميلة في بلدة زوجته قرية بمنه التابعة لبلدة دوير رسلان في مدينة الدريكيش التابعة لمحافظة طرطوس ..والتي كثيراً ما صورها صور ثابته ومتحركة وكان في الكثير من الأوقات يمتعنا بها وبتلك اللقطات الجميلة التي وثقتها عدسة كاميرته أو جهازه المحمول المزود بالعدسات والكاميرات عالية الدقة..
- ما أتعسنا نحن البشر ..وما أقل حظنا في هذه الظروف المعيشية الصعبة وفي هذا الخضم الواسع المتصارع..وقد غدرت الظروف والقدر بنا..وعذبتنا الأيام..وشردتنا هموم الحياة ..وأثقلت إحباطاتها ومثبطاتها كاهلنا..ولونته بألوانها المزرية
- لقد كان الباحث والمربي عبد الرزاق العلي يُحرضُ ما في دواخلنا ليكتشف ما تراه عيوننا وما تسمعه آذاننا وما نحس به وما نتأثر به..
- تبدأ الحكاية منذ زمن ثمانيات القرن الماضي..عندما تعرفت على الأستاذ عبد الرزاق العلي ..عند المهندس عبد الرحمن الحسن..فترة دراستة اللغة الإنكليزية بالمرحلة الثانوية على يدي الراحل..وقبله كنت أتابع نشاطاته عبر النادي السينمائي في مدينة حمص الذي كان يترأسه الدكتور سمير الضاهر..المهتم بالموسيقى والطب والفن السابع..ثم تابعنا نشاطاته عبر متابعاته للمسرح وللموسيقى والنقد الفني وفي الترجمات من الإنكليزية إلى العربية ونشره المقالات في الدوريات المحلية والعربية وحتى الأجنبية..وتمتد علاقات متشعبة عبر ومن خلال أصدقاء مشتركين..كالمبرمج جلال حوراني وعلاقته اللصيقة به في السنوات قبل وبعد الحرب..وأيضاً صداقته بالفنان التشكيلي الراحل علي المحمد أبو إبراهيم..الذي وصفه الراحل والناقد عبد الرزاق العلي بأنه يكاد يكون من أهم التشكيليين السوريين وربما العرب..وكذلك معرفته عن طريق مكتبة الصقر أو مكتبة المرحوم أبو نبيل والفنان والمربي والنحات نبيه الحسن والنحات صادق الحسن والدكتور نذير الحسن..وجميعهم في ذمة الله وكانت تربطه بهم صلة قربى..
- وتشاء ظروف الحرب الظالمة على سورية وتجمعنا اللقاءات والجلسات عند مكتبة الأستاذ المربي سلمان إسماعيل أبو أسامة ..وبحكم الجيرة كنت ألقاه مع الأصدقاء ضمن وأمام الإستديو الخاص بي.. ( ستديو لولو )..وكانت النقاشات والحوارات المكوكية ..وكان أصعب ما يزعجه ..جاهل يتدخل بالحديث مقاطعاً ويحول الموضوع بإتجاه آخر..وكان كما الليث ينقض عليه مهاجماً ومعترضاً ومعرياً ومفنداً حديثه..والغريب بأنه يناقش أصحاب الإختصاص بإختصاصاتهم ..وكان في الكثير من الأحيان متفوقاً عليهم..كان يبحث عن المعلومة من الأنسكلوبيديا الإنكليزية ويقول لي بأن الموسوعة العربية لا تعطي إلا القليل والرث من المعلومات ..والحق بأنني تعلمت منه الكثير ..بالرغم من حديته ومزاجه في الحوار ..فلاتستطيع بأن تكرهه لأنه طيب القلب محب وعاشق للثقافة والمبدعين..فلا يساوم ولا يجامل ويقول رأيه بكل صراحة ووضوح وهذا ما جعل الكثيرين أن يبتعدوا عنه..تحاشياً من لسانه وخوفاً من الصدام معه..ومن الدعابة بأنني أحياناً يصل إلى مسامعي بحكم قرابة المكان بين المكتبة والإستديو..أسمعه يقول لمن يجادله بأنني مستعد لأن أفقا حصرمة في عينيك..وكأنها دلالة على الحجة الدامغة من إثبات حديثة..المهم بأننا أمام إنسان كان مجتهد يسهر الليالي الطوال ليبحث ويقدم وينقب عن المعلومة ولا سيما إذا سألته عن موضوع فكان يحضره في اليوم الثاني موثق ومدقق ومشير إلى مكانه ومواضعه وأصوله المعرفية..والحقيقة كنت دائماً أسأله عن مواضيع وكيميائيات وكاميرات ومواضيع التصوير..وكان بكل رحابة وسعة صدر يبحث ويقدم المعلومة بإسلوب شيق ومختصر وفيه المفيد..والأجمل ما قدمه للمكتبة العربية من ترجمات من كتب ومقالات أدبية وفنية وثقافية وتربوية..
- وللرحلات والمشاوير معه ..كانت لنا وقفات وذكريات لاتنسى..فهو نشيط متعاون يحب خدمة الجميع ولكل شيء عنده أصول وأسس..يعتمد ترتيب الأشياء ترتيباً منطقياً فيبدأ الحديث عن الأهم فالمهم..ويشرح بحواسه في عملية الوصف..لأنه يخاطب النفس ويشغلها بوقت واحد ويختار الكلمات المناسبة..والجمل المكثفة المعبرة..فيصف الجلسات في أحضان الطبيعة وصف حيٌّ يتماوج بالظلال والمعرفة والحركة والحياة..لأن الإنسان يعيش في أحضان الطبيعة تلقائياً وعفوياً..فتشترك حواسه جميعها في إلتقاط الصور المختلفة..فكانت لديه سعة أفق وقوة في النظر ودقة الملاحظة وسرعة البديهة..وقوة التعبير ومتانة السبك..من خلال حسن إختياره وإستخدامه للصور البلاغية..وينتقل إلى غيره من الموضوعات ضمن إطار منسق جميل..ودون وساطة خارجية..فيسير الوقت في الجلسات بسرعة البرق..فكان كما النحاتين ينطق الأشياء الصامته ويجعل الحياة تدب في الأشياء الجامدة..
- وكيف لنا أن ننسى عشقة للموسيقا والسمفونيات والأصول الشرقية من قدود ومقامات عربية..وأيضاً عشقه للمطالعة وللكتاب..وحضوره وتواجده في معظم نشاطات دور النشر والمعارض..فقد علمنا بأن الكتاب صديق وفي أمين يفتح لنا أبواب العالم والعلم بين أيدينا..فنطل من مرآته على الماضي بأحداثه وإلى الحاضر بحوادثه ومنجزاته.. ونستشف رؤى المستقبل ومعاييره الحياتية والتقنية..فينقل إلينا أخبار الأجداد والأباء بصدق وإخلاص..فلا يعرف الكذب ولا يفهم لغة الخداع..وهو مصباحنا ومؤنسنا في الظلمة والوحدة..وعصانا التي نتوكأ عليها كلما تعبنا..
- وإلى أبنائه ومحبيه وتلامذته نقول..لقد فقدتم في الراحل عبد الرزاق خير أب وأستاذ وصديق ومربي وموسوعي ومثقف ومحب للعلم والأدب والفن..وإني لأعلم بعواطفكم الحانية ورقة قلوبكم الرؤومة ..وأشعر بعميق الحزن الذي يستولي عليكم من جراء هذا المصاب الأليم..فأنتم الجلد الصبور المؤمنين بأن الراحل عبد الرزاق لم يمت وإن غاب جسده فهو ملء عيوننا وعلى مساحة شفاهنا ومعين ذاكرتنا..ومنهل أنفسنا والشعلة المتقدة في دروب الثقافة والمعرفة..فيا أبناء وأصدقاء وطلبة الموسوعي عبد الرزاق العلي .يا أبناء المشعل الوضاء.. أعيدوا ذكراه على دروب الحياة الثقافية والعلمية والمعرفية..
وندلف أخيراً للقول بأن كلماتنا قليلة مهما تسامقت بحق الأستاذ الموسوعي عبد الرزاق العلي..فقد كان حديقة ثقافية وارفة.. فيها الأدب من شعر وقصة ورواية ومقالة وترجمة ونقد.. والفن التشكيلي والنحتي ..والموسيقى والمسرح والسينما والتصوير الضوئي والسينمائي والفيديو..فهو موسوعي بحق.. متنوع الثمار..حيث يجد بأعماله وأقواله ومواقفه طلابه وعشاقه وأبنائه..ضالتهم وغايتهم وسبيل خلاصهم..وخير ما طلبه منا جميعاً بمعرفة قيمة الوقت..فالوقت عقد ثمين إذا ضاعت منا بعض لحظاته إنفرطت حبات هذا العقد وذهبت دون عودة أورجعة..وإذا أردنا الوصول إلى مصافي الأمم علينا أن نجدَّ ونجتهد ونعمل ونكرس أوقاتنا في السهر والدراسة والتخطيط..وإلا فاتنا قطار الزمن والتقدم وضاع منا العمر..وختاماً ..ألف رحمة لروح الفقيد المربي الموسوعي عبد الرزاق العلي والصبر والسلوان لأهله وذويه وأصدقائه ومحبيه..و الحق بأنه كان موسوعة ثقافية حمصية وسورية وعربية.. المبدع عبد الرزاق العلي..الفارس الذي ترجل عن صهوة الفن والأدب.. - المصور: فريد ظفور..- 22-9-2020م
- ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ملحق مقالة الراحل عبد الرزاق العلي ـــــــــــــــــــ
Mohamad Alaaedin Abdul Moula مع Abdurrazzaq Al Ali
٢٠ سبتمبر م ·
ما أصعب وما أمرّ رثاء الأصدقاء الحقيقيين…
مكان آخر لصديق من حمص أصبح فارغا 😥😥😥
عبد الرزاق العلي يترجل عن مهام الحزن والحياة اليوم بعد فترة مرض عصيبة.
كثيرون لا يعرفون أنه مترجم مجتهد. كان من ضمن مجموعة المترجمين الذين أنجزوا (موسوعة تاريخ الأديان) بإشراف وتنسيق فراس السواح.
كثيرون لا يعرفون أنه ترجم مذكرات أنطوني كوين بعنوان (راقص التانغو)! وصدرت عن وزارة الثقافة السورية.
وقد أخبرني ذات محادثة بيننا أنه يترجم كتاب (الوهم الغربي عن الطبيعة البشرية) لـعالم الأنتروبولوجيا الأميركي الشهير مارشال سالينز. وهو من أهم كتبه.
الآن رحل الصديق أبو نذير. الذي تعرفت عليه حين كان أستاذي للغة الانكليزية في ثانوية الفارابي بحمص. ثم جمعنا الأدب والقراءة فيما بعد أصدقاء دائمين. لا تحصى اللقاءات بيننا والسهرات الثنائية أو الجماعية مع أصدقاء كثيرين.
أفتقد الآن بكل حسرة شخصا مثقفا، نظيفا بكل المعنى، غيورا على أصدقائه، كريما معهم. عصاميا مكافحا، دؤوبا في عمله. ينزوي للصمت حين يضيق به الضجيج. ويغضب حين ساعة الحق والدفاع عنه.
أفتقد الآن إنسانا آخر من سوريا. من مدينتي. ويا لخوفي ألا يبقى لي أحد هناك إذا استطعت العودة يوما ما…
يا حمص البعيدة… اتركي لي بعضا من روحي.
سلام عليك يا أبا نذير ورحمة. لترقد بسلام وهدوء. فقد أديت رسالتكَ كما شئت.