“شموس لا تنطفئ” لآدم شحادة .. لوحات كأنها صورٌ فوتوغرافية!
2019-01-20م
محمد الجمل:
للوهلة الأولى ظن المشاهدون والزوار أن اللوحات المعروضة أمامهم في معرض “شموس لا تنطفئ”، الذي نُظم في المركز الثقافي الفرنسي غرب مدينة غزة، تحوي صوراً تم التقاطها بعدسات كاميرات متطورة، لكن بعد الاقتراب من اللوحات والتحقق من محتواها، صُدم غالبيتهم من أن المعروض عبارة عن لوحات فنية رُسمت ببراعةٍ وحرفيةٍ عاليتين، لتجسد واقعاً معيشاً، وتحمل رسائل زمكانية.
نجح الفنان الواقعي آدم شحادة، وخلال عمل استمر أكثر من خمس سنوات، في رسم مجموعته الأولى من الصور المرسومة، ثم عرضها، وهي التي أبدعها مستخدماً أقلام الرصاص والفحم، لتضاهي في وضوحها وجمالها جودة صور التقطت بواسطة عدسات كاميرات بمواصفات فائقة الجودة.
شموس لا تنطفئ
وقال الفنان آدم شحادة لـ”منصة الاستقلال الثقافية”، وقد بدا سعيداً بتفاعل الجمهور مع رسوماته، إن المعرض يضم مجموعة لوحات لوجوه أطفال وكبار في السن، رسمت بعناية فائقة، وإنه اختار اسم “شموس لا تنطفئ”، لأن وهج الشمس ونورها باقيان لا ينطفئان، وبانتهائها تكون العدمية، وكذلك هم الفلسطينيون باقون في أرضهم، موجودون بقيمتهم وليس بماديتهم.
وأوضح الفنان شحادة أن الصور التي رسمها تسلط الضوء على القيم الإنسانية التي يرنو إليها من هم في لوحاته صغاراً وكباراً، حيث شبّههم بالشموس التي لا يمكن أن تنطفئ، وهكذا هي الأجيال في فلسطين باقية لا تندثر، تتوق للتحرر من الظلم وتنشد العدالة، وتسطر نموذجاً عظيماً لكل من يفتقد لتلك القيم الإنسانية حول العالم.
وأكد شحادة أنه انتقى لوحاته التي أبدعها بطريقة الرسم الواقعي بعناية، واستخدم أدواته البسيطة بحرفية واهتمام، إذ استغرقت كل لوحة نحو مئة ساعة عمل حتى أنجزت وظهرت بهذا الشكل، وهناك لوحات استغرق رسمها ما بين 150 و180 ساعة، موضحاً أن كل لوحة تحكي قصة وتطرح قضية، وتعالج موضوع، وأن كل رسم له خصوصيته، وتمثل حكاية بالنسبة له.
وشدد الفنان شحادة على أنه حاول من خلال المعرض ككل التركيز على القيم الإنسانية التي يسعى الأطفال لتحقيقها.. وقال: يجب أن ينعم أطفال فلسطين وشبابها بالحرية والعدل أسوة بباقي أنحاء العالم، لذلك فكل صورة تحمل رسالة بهذا المغزى.
بلا خوف
ورغم تعلق الفنان شحادة بكل لوحاته، فإن لوحة بلا خوف ((Fearless لها مكانة خاصة لديه، وبها افتتح معرضه، حتى أن عينيه كانتا تراقباها بعينيه وهي معروضة، بين حين وآخر.
وبيّن شحادة أن هذه اللوحة تمثل الطفل الفلسطيني وهو يتحدى الاحتلال بنظرات عينيه، وتعكس الظروف القاسية، وما يحاول الاحتلال فرضه عليه وعلى أقرانه من ظلم وواقع بائس، وفي اللحظة ذاتها يرنو بالنظرات نفسها إلى الحرية والانعتاق من الظلم، والعيش بكرامة على أرضه.
وقال إنه ترك الحرية لكل شخص في قراءة وتأويل اللوحة والصورة المرسومة، ليرسم كل منهم بعينه ومخياله قصة هذا الشخص “صاحب الرسمة”، ويحاول أن يجيب عن تساؤلات من قبيل: ماذا يريد وما هي رسالته؟ وهو واثق من أن الزوار والمشاهدين جميعاً ستصلهم رسالة كل لوحة.
وشدد شحادة على أن الفن رسالة سامية، فهو وغيره من الفنانين يحاولون تأديتها، عبر إيصال صوت الحق ورفض الظلم، فربّ صورة أو لوحة أفضل من ألف كلمة.
تفاصيل واقعية
وبدت علامات الإعجاب التي وصلت حد الانبهار واضحة في عيون زوار المعرض، ممن راحوا يتأملون اللوحات، ويتناقشون في تفاصيلها، إذ اختصرت المهندسة المعمارية والفنانة نور الحوراني ما شاهدته في المعرض من لوحات بالكلمة العامية “رهيب”، مضيفة أن الفنان نجح في رسم صور واقعية وراعى كل قواعد الفنون البصرية، وسبق غيره من الفنانين بسنوات بما قدمه من إبداع بصري لافت.
وأوضحت المهندسة الحوراني أنها لأول مرة تشاهد صوراً مرسومة بهذا الوضوح، تقدم مغزى واضح وصريح، يمكن لأي مشاهد قراءته والتعمق في تفاصيل ما تحمله الصور من معانٍ ورسائل، وهذا يعتبر نجاح كبير للفنان، برأيها.
وأكدت الحوراني أن المعرض وما قدم فيه من لوحات واقعية يعتبر نقلة مهمة في الفن في قطاع غزة، خاصة، وفلسطين، عامة، وهذا دليل على أن ثمة فنانين فلسطينيين على درجة عالية جداً من الحرفية التي تتجاوز حدود المحلية، وأن كل ما ينقصهم فقط الاهتمام، ولذلك يجب الأخذ بأيديهم، وذلك لقناعتها بأن ريشة الفنان لا تقل أهمية عن بندقية المقاتل، فكلاهما يتقابل من أجل تحقيق هدف التحرر والانعتاق من الظلم.
فنان مبدع
أما أبو جودة النحال، وكان من بين الحضور، فقال: علينا أن نتمحص وننظر بعين فاحصة إلى الصورة كي نتأكد بأنها رسمت فعلاً، ولم يتم التقاطها بعدسة كاميرا لمصور محترف، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على مدى حرفية الفنان الذي قدم لجمهوره معرضاً فنيّاً مختلفاً من حيث الشكل والمضمون.
وقال النحال إنه يتابع عمل الفنان آدم منذ بدأ رسم الصور نهاية العام 2013، لافتة إلى أن أقل صورة استغرق رسمها من ثلاثة إلى أربعة أشهر، وأحياناً أكثر، وأن “هذا الفنان لديه طاقة وصبر كبيران يعكسان طاقة الشعب الفلسطيني وصبره في نضاله ضد الاحتلال”.
وأشاد النحال برسومات المعرض، التي جسدت المعاناة الفلسطينية، وتطلعات الفلسطينيين إلى الحرية والدولة المستقلة والعيش بكرامة.
وتواصل تدفق الزوار على المعرض في المركز الثقافي الفرنسي بمدينة غزة، رغم الأجواء العاصفة والماطرة، ولم يكتف معظمهم بالمشاهدة، إذ سارع بعضهم لالتقاط صور للوحات أو بجانبها، كما تبادلوا أحاديث تمحورت حول إعجابهم بحرفية الفنان شحادة، وكيف استطاع رسم الصور بهذه الدقة.