نقص الاكسجين المسمى بالهايبوكسيا، يشكل تحديا فعليا لحياة الانسان، رغم ذلك يمكن للمرء ان يتلاءم مع ظروفها.
حين الصعود الى الجبل، يبدأ جسم الانسان بالتعود على نقص الاكسجين بزيادة دقات القلب ووتيرة التنفس، مما يزيد كمية الاكسجين التي تصل الى خلايا الجسم.اثناء التنفس ينقل الاكسجين عبر ثقوب الرئه، وتمر ذرات عبر جدار من الاكياس الدقيقه، وتركز في الكريات، ذرات تحمل في خلايا الدم الحمراء.
التنفس بسرعه يجعل مزيدا من ذرات الاكسجين تصل الى ثقوب الرئه لتدخل الى تيارات الدم.
وعندما تتسارع دقات القلب، يزداد عدد الكريات الحمر التي تلتقي بذرات الاكسجين فتلتقطها.
——————-
وعلى ارتفاع الفي متر، تضمن هاتين الاليتين توزيعا افضل للاكسجين على جميع انحاء الجسم، مع ان هذه المسألة تنجز عند الاستراحه فقط، وهي غير كافية لتغطية الجهد حين يتطلب الجسم كمية اكبر من الاكسجين.
لهذا تتضاءل قوة الانسان بسرعة هائله حين يكون على ارتفاع يزيد عن الثلاثة الاف متر.
ولكن بعد قضاء ايام في المرتفعات، يدخل الجسم في مرحلة من التعود. اذ يؤدي هرمون تنتجه الكلية الى زيادة الكرياة الحمر في الدم. هذه العملة هي احدى مفاتيح تعود الجسم على المرتفعات.
فهي تمكن الدم من نقل مزيد من الدم الى انسجة الجسم، مما يساعد المتسلقين على استعادة بعض من قوتهم.
لهذا يضطر هؤلاء لتمضية عدة اسابيع فيما يسمونه المخيمات الرئيسيه، قبل بدء التسلق الفعلي.
ولكن الحلم بالنسبة لبعض المتسلقين قد يتحول الى كابوس، اذ تتعرض نسبة كبيرة من الأشخاص لمرض الجبل.
تشتمل الاعراض حالات الدوار والصداع الحاد، وقد تؤدي احيانا الى تورم نجام عن تراكم مفرط للسائل في انسجة الجسم.
ويؤدي تورم الرئه الى دخول السائل الى الثقوب، لمنع الاكسجين من الدوران بحرية في الاوعية الدمويه. يمكن لضحية هذه الحالة ان يموت خنقا.
تورم الدماغ يمكن ان يؤدي الى جلطة في الدماغ، حتى وقت قريب كان علاج التورم يقتصر على الهبوط نحو المنخفضات. ولكن الوقت لا يساعد احيانا على ذلك لحل المشكله. صمم الاخصائيون غرفة انعاش نقاله، يوضع فيها المريض.
يمكن رفع الضغط في الغرفة باستعمال مضخة، فتخلق ظروفا مشابهة لانخفاض قد يصل الى الفين وثلاثماية متر.
قضاء فترة تتراوح بين الساعة والنصف ساعه قد تؤدي الى الغاء جزئي او كلي لجميع العوارَض.
طور الباحثون فحوصات مباشره، لتحديد المعرضين للخطر.
يدفع الشخص دراجة برجليه وهو يتنفس هواء بكمية قليلة من الاكسجين،فيما يشبه الظروف بالمرتفعات.
عبر قياس دقات قلبه، وكميات الهواء الذي يتنفسه، والاكسجين الذي يحتويه الدم، يمكن للطبيب ان يحدد قابليته، للتعرض لمرض الجبل قبل ان تبدأ الرحله.
يمكن ايجاد ظروف مشابهة للمرتفعات بشكل واقعي، ببناء غرفة محكمه، حيث يمكن تخفيض الضغط الجوي ببطء، حتى تصل الى ما هي عليه في قمة افيريست.
ويمكن تخفيض درجة الحرارة الى اربعين تحت الصفر، في حين تؤدي المراوح الى عواصف عاتيه.
هذه الاجهزة تمكن الاختصاصيون من تحديد مقاومة المتسلقين للبرد والجبال المرتفعه.
الى جانب تحديد هوية المتسلقين القابلين للتعرض لامراض الجبل، تساعد الغرف المحكمة على تسريع تعود فريق المتسلقين وعملية تاقلمهم.
اليك مثلا ان مجموعة من المتسلقين تمكنت من غزو جبل افيريست بعد قضاء ستة ايام على قمة مونت بلانك، وبعدها اربعة ايام في غرفة التحكم بضغط مشابه لما هو على ارتفاع خمسة الاف الى ثمانية الاف وخمسماية متر.
عادة ما يحتاجون لقضاء عدة اسابيع في مخيم رئيسي، قبل محاولة التسلق. ربما نتساءل لماذا يتمتع الانسان بالقدرة على التاقلم مع مرتفعات كهذه، يعتقد العلماء ان الاجابة تكمن في الجنين البشري.
يعيش الجنين في احشاء امه ضمن حالة من الهايبوكسيا، وكانه على ارتفاع يتراوح بين السبعة والثمانية الاف متر، فبفضل الية التاقلم التي لا نعرف الا عنها بعد الا القليل، يمكن للجنين ان يعيش في ظروف تنخفض فيها كثافة الاكسجين.
ربما كانت الية التأقلم هذه تحديدا، هي السبب في تمكين المتسلقين من الوصول الى قمم اعلى جبال العالم.
اهتمام العلماء بالجبال يعود لزمن بعيد، وقد تركز اهتمامهم اولا على الاستطلاع ورسم الخرائط، وبعدها ادت المغامرة والتحدي الى ولادة رياضة جديده، تسلق الجبال.
—————–
على اعتبار انه كان اسلوبا بسيطا من حيث الشكل، تحول تسلق الصخور او التسلق الحر الى رياضة بحد ذاته. بامتلاكهم وسائل وتمارين معقده، استطاع المتسلقون التخلص من مصاعب المرتفعات الصعبة المنال.
رغم ان التسلق يمارس ايضا على جدران الجليد، والثلوج الصلبة المتراكمه، يعتبر تسلق الصخور الرياضة الاكثر شعبية لمحبي الجبال. اذ يمكن ممارستها على جدران طبيعيه، او جدار صناعي مدبب ومعزز بالثقوب، ليشبه التسلق عليه تجربة الوصول الى اجد الهضاب انحدارا.
تسلق الصخور يتطلب كفاءات عقلية وجسديه. التركيز، والرغبة الشديده في التامل والتنبه الجسدي، تعتبر جميعها باهمية اللياقة البدنيه، والمرونة والصلابه.
تحقيق التوازن هو احد اهم المهارات التي يحتاجها المتسلق، فهي تتضمن التحكم بموقع المرء من مركز جاذبيته. هذه النقطه، التي تعنى بتنسيق توازن جميع القوى في الجسم، عادة ما تكون خلف المستوى ببضعة سنتيمترات.
لا بد لشخص يمشي، كي يحافظ على توازنه، بان يبقي تلك النقطة فوق السطح الفاصل لاجزاء اقدامه التي هي على اتصال بالارض.
على هذا السطح ان يكون على شكل متواز او مربع الاطراف ، واذا ما تخلى المرء عن هذه القاعدة سيفقد توازنه.
على المبتدئين من المتسلقين الحفاظ على مركز جاذبيتهم فوق المنطقة التي تتصل بها اقدامهم.
لمساعدة المبتدئين على استيعاب مبادئهم الجسديه، ينصحهم المدرب بالابقاء على استقامة اجسادهم قدر الامكان، على الا تبتعد جدا، او تقترب جدا من الجدار.
المتسلق المجرب يخرج عن هذه القاعدة احيانا، خصوصا حين يواجه جدارا عاموديا، مما يحتاج نسبة عالية من تنبه الجسد. ولا يمكن تطبيق هذه القواعد ايضا، حين يتدلى المتسلق من صخرة فوقه، كجدار بزاوية تزيد عن التسعين درجه.
المفارقة هي ان تسلق هذه الصخور، اسهل من الجدار العامودي، لان المتسلق يكون في وضعية افضل لرؤية الجدار.
يعتدم متسلقوا الصخور على ظاهرة فيزيائية اخرى: الاحتكاك، فحتى على الارض، سيكون المشي اصعب، بغياب المقاومة بين الاقدام والارض.
تنجم المقاومة عن قسوة الاشياء، التي تتصل ببعضها البعض، وهي بهذه الحاله، نعال الحذاء وسطح الارض بقوبه ومساماته.
المساحات القاسية تتماسك ببعضها البعض، كي تسمح للقدم بان تستقر، في حين تتقدم الاخرى.
كمن يمشي على المتسلق ان يتاكد بان الاحتكاك القائم بين اطرافه والصخره، تكفي لاحمايته من الانزلاق.
تنجم الصعوبة عن ان مساحة الاحتكاك بين اطرافه والجدار، هي صغيرة احيانا، مما يقلل من قوة الاحتكاك.
هناك عدد من التقنيات المستخدمة لتسلق الصخور، فالمتسلق الذي يستخدم تقنية الزحف يتطلب تثبيت نسبة اعلى من سطح قدميه على الصخره، يتم تسهيل هذه التقنية بارتداء احذية للتسلق معززة بنعل مميز هو مزيج من المطاط والصمغ، التي تتكالب جيدا مع الصخور.
تقنية الستلق الاخرى تسمى بالعصر، وهي تكمن تثبيت اليد او الرجل بالنتوءات، للتمكن من الصخره.
غالبا ما ينصح المتسلقون باستخدام الذراعين، للحفاظ على التوازن، وليس لدفع انفسهم .
والحقيقة ان الاذرع اكثر ضعفا من الارجل، وهي تتعب بسرعة اكبر.
وكثيرا ما تتبلل الاصابع، مما يقلل من قدرتها على التثبت. القاعدة الأهم تنص على الاستفادة من اكبر عدد ممكن من محطات التوقف لاراحة الاذرع.
الى جانب المهارات الجسديه الهامه، يتطلب التسلق عملا عقليا قاسيا، شبيه بما تتوقعه من لاعب الشطرنج.
قبل بدء محاولته، يقوم المتسلق عقليا بتحديد الخطوات التي سيقوم بها للوصل الى هدفه. وهو على الجدار، يجب ان يقرأ الصخور، مما يعني تحليل الوضع بشكل مسبق، وقبل ان يبدأ خطوته التاليه.
وليتحاشى الوقوع في المطبات، تعلم المتسلق ان يستبق خطوتهبدراسة عدة خطوات تليها.
يلعب العتاد دورا اقل اهمية في عملية التسلق، ولكن دوره الاهم يكن في الحماية والامان.
لدرجة ان الحبال الحديثة صممت لتحمل الفين وخمسماية كلغرام من الوزن.
هذه المقاومة ليس مبالغ فيها اذا اخذت بالاعتبار انه بعد سقوط من عشرة امتار، سيصل وزن الثمانين كيلوغرام لشخص عادي الى الثمانيماية كيلوغرام على الحبال بجعلها اكثر امانا مما مضى، ساهم التقدم التقني جديا في احياء رياضة تسلق الصخور، دون التخلي عن جمال هذه الرياضه، وروعة التحدي الذي تقدمه.
—————
يشهد الشتاء والصيف احتشاد الالاف فوق سفوح الجبال، لممارسة رياضتهم المفضله، كالتزلج، والتسلق، وتحليق الشراع.
تعتبر رياضات الجبل امنه، ولكن لا احد يامن بالكامل، من احتدام الغضب الابيض.
في الشتاء، يمكن للهدوء الظاهر للقمم المغطات بالثلوج ان تضللنا. فهي تشكل خطرا على المتزلجين و عشاق اللهو: هيل الثلج.
هيل الثلوج ظاهرة طبيعيه، ناجمة عن انهيار مفاجيء، لكمية من الجليد او ثلوج غير مستقرة في مكانها.
يمكن لهذا الهيل في بعض الاحيان ان يضرب السفوح بسرعة قد تصل الى المئتي كيلومتر في الساعه، لتمزق الاف الاطنان من المواد وتمسح كل ما في طريقها، من شوارع، ومساكن، وبشر.
من المستحيل وقف هيل ثلجي بعد ان يبدأ، فهو اشبه بالموجة التياريه، او كالماء المتفجر من وعاء تحطم. في مناطق التزلج المكتظة بالهواة حيث يتوقع حصول كوارث كهذه، الخيار الاوحد هو بمحاولة التحكم بها.
يكمن احد السبل الشائعة الاستعمال بالنسف الروتيني للثلوج المتراكمه، على مسافات امنه، باطلاق الهيل، وهو صغير بعد بحيث يمكن التحكم به.
يتم حمل المتفجرات الى الاماكن المحدده، عبر اشرطة تثبت بشكل دائم، فوق ممرات معتادة لهيل الثلوج.
يتم ربط عبوة المتفجرات والتحكم اللاسلكي بالشريط ايضا، بحيث يتم اشعالها حين تصبح فوق المنطقة المطلوبه، بعد انزال العبوة المتفجره.
غالبا ما تكون الصدمة كافية لاثارة الهيل. بعد ان يتم التاكد من عدم وجود شيء في طريقه.
رغم الاجراءات الاحتياطيه تهيل الثلوج بشكل مفاجيء. تقع هذه الحوادث نتيجة متغيرات داخلية في الثلج المتراكم.
نتيجة التراكم والرياح، يمكن لجليد زجاجي على شكل النجمه، ان يتحول الى تراكم على شكل دائري. مما يؤدي الى تجلد وقسوة القشره، في حين تحتفظ الطبقة السفلى بليونتها.
هذ التحولات تجعل التراكمات غير مستقره، مما يجعل وزن متزلج عادي كافيا لانهيارها. لهذا ينزلق المتزلج سيء الحظ بعيدا وسط الثلوج المنهاره.
عندما يحصل ذلك، تتحرك فرق الانقاذ بالتجاه المنطقة، حيث عليهم التصرف بسرعه، لان احتمالات العثور على احياء بين الضحايا تتقلص بسرعه، مع زيادة المدة التي يعلقون فيها تحت الثلوج.
عادة ما يستخدم المتزلجون قصبات طويله من الالمنيوم تغرز بين اكوام الثلوج المتراكمه. يتنامى عدد المتزلجين الذين يحملون اجهزة بث واستقبال تحت سترتهم، وهي ترسل اشارات يمكن التقاطها، على مسافة عشرات الامتار، من قبل فرق انقاذ التي تحمل الجهاز نفسه.
ولكن افضل وسائل الكشف المعروفه، هي انف الكلب، اذ يمكن للكلب المتدرب وحده ان يغطي وباقل من ساعة كامله ما نحتاج لمسحه الى عشرون عضوا من فرق الانقاذ.
هذه الكلاب مدربة على تمييز رائحة الاجسام العالقة تحت الثلوج، من رائحة اعضاء فرق الانقاذ العاملين حولهم. وهم يستطيعون ذلك حتى لو كان الضحايا على عمق يتراوح بين المترين والثلاثة امتار تحت الثلج.