لماذا التصوير الضوئي مظلوم تاريخياً في عالم الفنون البصرية؟
في مسيرته الطويلة جهد فن التصوير الضوئي «الفوتوغرافي» لكي يُحتسب كأحد الفنون البصرية لكنه لم يستطع الحصول حتى على جمعية للمصورين، في اتحاد الفنانين التشكيليين؟! اليوم بعد أن صار التصوير الفوتوغرافي عمل من لا عمل له، هل أصبح هذا الحلم بعيد المنال؟ وكيف ننصف هذا الفن الجميل والمظلوم؟
الفنان بسام البدر يعود بنا إلى تاريخ نشأة الصورة بالقول: «بالعودة للأصل اللاتيني لكلمة photograph فإنها تنقسم إلى شقين «فوتو» الرسم و«غراف» الضوء، والرسم بالضوء هو المعنى الحقيقي لكلمة تصوير، المصور يستطيع عبر كاميرته الرسم بالضوء، لذلك فهو رسام أيضاً ولكن أداته هي الضوء، وحين عقد أول اجتماع للأكاديمية العلمية في باريس عن الصورة الفوتوغرافية وآليتها عام 1839م وعُرض فيها نموذج عن آلة التصوير، صرح أحد الفنانين وقتها بالقول: «مات فن الرسم من اليوم، والغرفة المظلمة أو ما كان يسمى «أوبسكورا» التي كانت تسمح للضوء بالتسلل إليها فقط من خلال ثقب صغير بقطر قلم الرصاص ليرتسم المشهد على صفيحة من الورق توضع على بعد 20 سم مقلوباً وغير واضح ولكنه معروف المعالم، ويقال إن أرسطو أول من نوه بها، وكذلك الرسام «ليوناردو دافنشي» ومن هنا أتت فكرة تثبيت الفكرة المنسابة من خلال هذا الثقب الصغير ليصار بعدها إلى اختراع آلة التصوير التي مرت بمراحل متعددة إلى أن وصلت إلى شكلها الحالي وإلى التعاطي مع التصوير كمادة صحفية توثيقية أو صورة لتسجل مناسبة ما».
البدر أشاد بالتصوير الفوتوغرافي كحالة فنية قائمة في حد ذاتها، مشيراً إلى أنه، وعلى اختلاف أدواته، يحتاج خبرة وتراكماً بصرياً وعيناً حساسة وإحساساً عالياً بالضوء واللون، وعن الظلم الذي يرزح التصوير تحته كفن مستقل يقول بدر: «من الظلم ألا يتم التعامل مع التصوير الفوتوغرافي بمستوى الفنون الأخرى كالرسم والنحت، فهو مازال حتى اليوم مُحيّداً عن النقابة ولايزال الاهتمام به ومتابعته وأهله لا يتجاوز النوادي والجمعيات الأهلية، وذلك بسبب عدم المطالبة بشكل جدي والمتابعة من قبل المعنيين به، إضافة إلى تجاهل نقابة الفنانين له كفن معترف به، لتنظيم عمله ووضعه ضمن إطاره الفني الصحيح، إن قلّة ما يقدم من مستوى فنيّ لم يؤسس لثقافة بصرية ترفع من شأنه ليفرض نفسه بقوة مثل بقية الفنون في بلدنا وبعض البلدان العربية».
وعن كثرة من يدّعون التصوير يقول البدر: «يوجد الكثير من المصورين لكن قلائل هم المبدعون على الصعيد الفني للصورة، وهذا –ربما- ما قلل من شأنه كفن».
المصور يوسف البدوي، استنكر علينا اتهام التصوير الفوتوغرافي بأنه ليس فناً بصرياً، فهو في رأيه أحد الفنون التشكيلية شئنا أم أبينا: «الفن الفوتوغرافي حاضر وموجود وفاعل ومؤثر، لكن مجال تأثيره تحدده الوسائل التي ينتشر عبرها وليس المعارض التشكيلية، كما أن الرسم عبر الضوء هو شكل من أشكال الرسم التقني، وهو شكل من أشكال الفنون المشهورة عالمياً، وإن كان الاهتمام قليلاً فيها في بلدنا لكن هذا لا يقلل من أهميته ومكانته الفنية عالمياً، كما أن عدم وجود نقابة للمصورين الفوتوغرافيين لا يعني بالضرورة أن التصوير ليس فناً»، ونسأل: لكنه غير معترف به كفن تشكيلي! فيجيب: «من قال ذلك؟! فن التصوير الفوتوغرافي موجود، وإن كثر مستخدمو الكاميرا فهذا لا يعني أنهم مصورون، فالصورة هي التي تفرض نفسها، بمعنى أن البقاء للصورة الاحترافية الجميلة» ونسأل: لماذا معارض هذا الفن قليلة إذاً؟ يجيب بدوي: «السبب هو ان أحداً لا يهتم بشراء صورة فوتوغرافية، لأن الصور القوية والخالدة هي تلك التي توثق اللحظات الحزينة والمأسوية، وليس هناك استعداد عند أحد ليشتري ويعلق في بيته صورة توثق حالة إنسانية مؤلمة» ويضيف: «أشهر صورة في التاريخ هي صورة (الطفلة الجائعة والنسر) وهي واحدة من أكثر الصور المجازية المعبرة عن الأوضاع المأسوية التي عرفها جنوب السودان كرمز للمجاعة في افريقيا، لكن أحداً لا يمكنه أن يضع تلك الصورة على حائط منزله، لأنها توجع ضمائرنا وتذكرنا بقلة إنسانيتنا تجاه هؤلاء الأطفال».
الفنان باسل نيصافي كانت لديه وجهة نظر مغايرة لبدوي إذ يقول: «للأسف، بالعموم الفن والفنانون في بلدنا بحاجة إلى المزيد من الاهتمام والرعاية، فالفن مقياس لتقدم ورقي الأمم، وفن الفوتوغراف لايزال غير معترف به هنا، وأي مصور فوتوغرافي يريد الانتساب لنقابة الفنانين يطلب منه لوحات رسم وتشكيل وليس لوحات فوتوغرافية من أعماله مهما كانت جميلة ومؤثرة! كما أن خلو المكتبات في بلدنا من مراجع حديثة تتناول هذا الفن، والتكلفة الباهظة المترتبة على الفنان الفوتوغرافي من ثمن العدسات والكاميرات وطباعة الصور، والفوضى التخصصية التي تعم واقعنا الحالي، كل ذلك حوّل كل من يحمل كاميرا إلى «مصور» وفنان بغض النظر عن القيمة الفنية لما يقدمه».
الفنان وائل الضابط بدوره يقول: آن الأوان لجمعية عامة للتصوير الضوئي في بلدنا وعدّه فناً مستقلاً: «أنا أرى أن الصورة هي فن تثبيت اللحظة، وهي نقل من الواقع إلى الذاكرة البصرية والاحتفاظ بها كما هي لنعيد التأمل بها وقراءتها في أوقات أخرى» ويضيف: «لم تعد الصورة أداة لنقل الواقع أو مجرد لوحة ساكنة صامتة لمشهد ما، وإنما أصبحت حاضنة لفكرة، تحمل مضموناً إنسانياً ووجدانياً وفكرياً، أصبحت الصورة الفوتوغرافية قادرة على إحداث الفارق ومصدراً مهماً من مصادر التغير».
وعن القيمة الجمالية والفنية للصورة الفوتوغرافية يقول الضابط: «في اعتقادي أجد أن فن التصوير الضوئي يجمع بين التكوين الجمالي والتكوين التقني، لذلك أرى أنه علم وفن في وقت واحد، فهو كعلم يتطلب من المصور معرفة عميقة بقواعد وأسس التصوير وطريقة التعامل مع العناصر الطبيعية الضرورية لنجاح الصورة، أيضاً أنواع العدسات اللازمة وطرق استخدامها، فالصورة المدهشة والمعبرة هي التي تجمع ما بين التكوين المتجانس للعناصر الموجودة كلها ضمن الصورة كالمساحة واللون والضوء وتفاعلها في نمط واحد».
وعن انتشار ظاهرة التصوير بشكل فوضوي وغير تخصصي يقول الضابط: «يجب أن يكون حامل أداة التصوير إنساناً قادراً على رؤية الواقع من مصدر ذاتي وحاملاً لقدرات فنية مميزة، وذا حس ووعي ذاتي عالٍ، يميز غريزياً المشاهد التي تؤثر في المجتمع، لذلك الصور الفوتوغرافية الناجحة تكشف عن القيم الجمالية للشخص الذي أنتجها».
وبخصوص عدم وجود نقابة للمصورين يقول: «يجب أن تكون هناك جمعية عامة للتصوير الضوئي السوري في اتحاد الفنانين التشكيليين واعتماده فناً مستقلاً يحتسب كأحد الفنون التشكيلية، ومنتسبوها يجب أن يملكوا ليس فقط القدرة على اقتناء آلات تصوير احترافية، ولكن المعرفة والحس الفني والإصرار على الإبداع والابتكار، والقدرة على قراءة الواقع بحسٍّ فني مبدع يحسن إعادة إنتاج وتجسيد اللحظة من خلال صور تحمل مضموناً إنسانياً تخاطبك لتتأملها وتغوص في أعماقها لتدهشك».
المصدر : تشرين