الفنانة حنان أحمد عواد…فوتوغرافية تعشق التراث وتوثق التاريخ الفلسطيني بغص الزيتون..
- بقلم المصور: فريد ظفور
باديء ذي بدء السؤال الذي يطرح نفسه هل للصورة الفوتوغرافية جدوى اليوم….لعل السؤال عن دور المصور والصورة قديم ومتجدد..لأنه لا توجد إجابة قاطعة ..فلا وجود لشيء في المجتمع دونما وجود صورة فيه ولكن يبرز تساؤل آخر ما أهمية وحدود دور الصورة والمصورة وما جدواها في عصر الديجيتال..وعصر الأنترنت ..ومنصات التواصل الإجتماعي ..
الفنانة حنان أحمد عواد إيمانها يتجاوز معطيات الواقع المعيشي للمواطن الفلسطيني..و تستمد من الواقع عناصر معينة ولكنه لا يسلم لها بكل الحتمية التي تبدو أنها توميء إليها بمعنى ما..بأن للمصورة وظيفة وبأن الصورة ليست منفيه عن تأثيرها في المجتمع..تأثيراً مباشر أو غير مباشر..والمشكلة ليست ذاتية بحته..لأن الإلحاح عليها وتقليب أوجهها لا يتوقف جيلاً وراء جيل إنها تعكس عنصراً واقعياً..فلقد أضحت الكاميرا والموبايل أشد فتكاً من كل أسلحة الدمار الشامل ومن الطائرات والدبابات والصواريخ وغيرها..وغدت الصورة هي الجندي المجهول..والفارس الضوئي هو المصور..وكم قضى من المصورين والمصورات نحبهم من أجل توثيق وتسجيل الحقيقة وكانوا شهداء الصورة في الحروب وفي معظم الأحداث الساخنة والباردة..ولعلنا نتذكر صورة الطفل محمد الدرة وصور مجزرة صبرا وشاتيلا..وغيرها الكثير من دول العالم التي عانت الحروب والويلات..والفنانة حنان عواد تعطينا جرعة من الأمل بعيدة عن اليأس ..لأن طاقتها الفنية إيجابية ..وضعت نصب عينيها هدفاً بأن تساهم في بناء صرح الحضارة وتعيد أمجاد وذكريات الأجداد الذين سكنوا وإستوطنوا فلسطين ..حيث زرعوا الكرمة والتين والوزيتون والحمضيات والرمان والجوز واللوز وما شاكلها من الأشجار المثمرة التي دجنها وهجنها الفلاح الفلسطيني ..لذلك نزرت نفسها ومالها كسفيرة لأغصان الزيتون ولبناء صرح حضاري ومستقبل يعيد أمجاد وتاريخ الأشجار ولا سيما شجرة الزيتون المباركة ..ولعل جدوى الأدب والفن هو بأنه يفتح لنا باحة التواصل والتلاقي..والتعبير الفني البصري التكويني عند الفنانة حنان عواد ..يفي بتلك النزوعات العميقة الإنسانية..ونحن إذ نتلقى ونتابع أعمالها الفوتوغرافية ..نشارك في همومها وفي تجربتها الفنية التي تصوغها في أعمالها أو نخلقها من جديد..بل نمارس تجربة إنسانية أشمل وأعرض ..فأعمالها ترضي عندنا من صبوات داخلية للتلاقي مع الناس ..مع معاصريها ومع من سبقوها ومع من يأتي بعدها على أرض فلسطين الحبيبة..هنا أعمال شكلت تداعمٌ يشبع فينا شوقاً معرفياً بصرياً أصيلاً من أشواق كياننا وهدم الحيطان التي تحيط بفرديتنا..فلست أرى في أعمالها القيم الجمالية مجرد زينات وبهرجات جمالية خارجية ..ولا ألوان طيفية سبعة أو أحادية اللون..بل كان قوامها ومحكها هو الإختبار والضبط والإستغناء عن الزائف والفائض ونشدان الجوهري والتضحية بالزائد مهما كان إغراؤه..وتلك كلها قيم خلقية ..أو لنقل قيم براجماتيةتدخل في إطار الجدوى الإقتصادية والإجتماعية بشكل عام..وكبح الفتنة الفنية العارضة في سبيل ضبط أعلى والإسترشاد بحس فني أساسي يضع الجوهري والضروري بأعمالها فوق الزائد والمغري ويضع الحرية والتمرد فوق الإنصياغ والخضوع..ولعمر بأنها قدمت لنا كوادر وصور للمسجد الأقصى في القدس العتيقة برؤى تقنية وفنية وزوايا نادراً قلما نشاهده عند غيرها..وربما مرد ذلك لكونها تدخل ومعها جواز سفر ومرور بالجنسية الأمريكية..وهذا ماساعدها على توثيق وتثبيت الحدث بفنية وتكوينات رائعة تحسب لها كفنانة رائدة ومتمكنة من أدواتها التقنية..وإن تحقيق التناسق في داخل إطار العمل الفني عندها ونشدان التكامل وتصميم البناء الفني بحيث يتوافر لأعمالها الضوئية و لأجزائه كلها التضافر بين بعضها البعض الآخر..وهذه كلها تشترط وجود الحس الفني والأخلاقي عندها والذي بمقدوره مقاومة الإحتلال والقمع والتضحية في سبيل هدفها الأعلى في الدفاع عن حقوق وأرض الفلسطينيين..وهذه قيم جدوى إقتصادية وكذلك قيم جمالية خلقية في الوقت نفسه..وهذا في الواقع تمرداً أساسياً فنياً إستمدته من الإستبصار الداخلي عندها بأهمية التوثيق والتسجيل الذي كشفته من إستقراء التاريخ بقدر الإمكان وهو تمرد على قمع الأجهزة وعلى قمع المؤسسات وحتى على قمع الواقع المعيشي..أسواء كان واقعاً إجتماعياً أو حتى كونياً..لأن الإنسان هو المنطلق والغاية وهذا ما حاولت عدسة الفنانة حنان عواد..توثيقه وتسجيله ليكون خالداً عبر الزمان والمكان..وهذا كله يشير بأن للمصورة وظيفة ودور وللصورة جدوى وفعل مؤثر..ولعله يأتي من ذلك إحساسنا بالسعادة والمتعة والجدوى أيضاً عند مشاركتنا للفنانة برؤية أعمالها..فأنه إحساس بالإنتصار على أخطار الفناء والموت والهلاك..التي تحيق بوجودنا وكياننا كأفراد وجماعات..وهو إحساس لمواصلة السعي إلى الهدف الأول والأخير للحياة..وهو الحياة نفسها وممارستنا الحياة بكل إمتلائها وخصوبتها..وعلى ضوء ذلك قد نستطيع تحديد وظيفة الفن والأدب بأنها إجتماعية في المدى البعيد وبأنها وظيفة معرفية وهي وظيفة للسؤال المتجدد أبداً عند الإنسان والفنان دون إجابة نهائية أبداً..
-والعلاقة معقدة بين الفنان والمثقف والأديب والصحفي وبين المجتمع لها آليات معقدة جداًمن حيث تحول الهامشي إلى مركزي والعكس..وفي هذا السياق والميدان نترك للفنانة حنان عواد..المبدعة المتفردة ولحساسيتها الخاصة وتكوينها وثقافتها البصرية والتشكيلية دوراً مؤثراً..لأن في نهاية المطاف مازال للفن البصري سره الذي لا يستباح..إلا بوسائل التخيل النفسي وحده لابوسائل التحليل الإجتماعي ولا بالتحليل النصي أو البصري وحده..وندلف للقول بنهاية المطاف بأن التصوير له دوره وله جدواه بطريقة مباشرة ..أوغير مباشرة في التغييرات الإجتماعية الهادفة لتأكيد القيم الأساسة كالحرية والعدالة والمحبة والكرامة وغيرها..
-ونصل إلى محطة الختام لنعترف بأن الفنانة حنان عواد..كانت بحق تمتلك قلباً كبيراً حمل فيه حبها لوطنها الأم ولنصرة شعبها المظلوم في إسترداد أرضه وتأكيد هويته الثقافية والمعرفية ..ورفع راية الحق والخير والجمال بأعمالها عبر معارضها التي جهدت في تأطيرها وإلتقاطها وسط معاناة وممارسات الإحتلال الصهيوني في عرقلة الصحفيين والمصورين الفلسطينيين والعرب والأجانب يعرفها القاصي والداني..فالحق بأن ما أمتعتنا به عدسات كاميرات الفنانة حنان عواد كان بمثابة البلسم للجراح الفنية والترياق الذي وضع على الجروح الفوتوغرافية ..لما في أعمالها من تكثيف وتوصيف وتوثيق للزمان والمكان والإنسان والشجر والحجر..فألف تحية للفنانة حنان والشكر موصول للدكتور خالد عواد الذي أتاح لنا فرصة التعرف على الفنانة حنان وعلى أعمالها المميزة.. وهكذا كانت الفنانة حنان أحمد عواد…الفوتوغرافية التي عشقت التراث ووثقت التاريخ الفلسطيني بغص الزيتون.. - * بقلم : فريد ظفور – 5-9-2020م